واحة العربي

النمس
الفاتك بالثعابين، والمنتظر في الوظائف الحكومية
بين الدرجة الثانية ودرجة وكيل الوزارة

يكافح وينافح ويرتحل إلى بلاد الله كي يحقق لزوجته وأولاده الحياة المنشودة تحت سطوة زوج ىخر يبرز فجأة لمشاركة الأسرة الترحم على الفقيد، موعظة عصرية.

النمس حيوان لاحم- أي مفترس يحب اللحوم- صغير، أكثر رشاقة من الثعلب، وأكثر انسيابا من الكلمة الشريرة، يعشق الحقول والأماكن القريبة من الدواجن. والنمس لا يحظى بالاهتمام المدرسي كالثعلب والذئب والقط والكلب، مع أنه أكثرها ورودا على لسان العامة بما يمثله من استخفاء وخفة ونعومة ولصوصية وتهذيب، كما أنه لا يعمل بأي شكل في الموروث من القصص والتي تحملت أثقل منه وأقل ذكاء كالفيل والأسد، وأخف منه وأردأ أخلاقا كالنمل والفأر والنحل والبعوض، وربما يرجع ذلك إلى كون النمس محققا بشكل واضح في أخلاق عتاة الموظفين، وخصوصا المحجوزين بين الدرجة الثانية ودرجة وكيل الوزارة، وفي سلوك الضباط الذين يختارون من العساكر المثابرين، والعاملين في مجال الكتابة الطامحين لموقع رئيس التحرير، وملاحظي مواقع العمل الذين ينوبون عن المهندسين المؤهلين، وحملة المفاتيح من رعاة مصالح البيوت، وتجار الآثار القديمة، والوسطاء في إعادة المسروقات، والقادرين على تمثيل الأدباء في محافل الأدب دون أن يكون لديهم أي رصيد يسمح، والباعة الجائلين للقماش الذين يبيعون على عتبات البيوت ما هو مكدس في المحلات القريبة، وأصحاب الحظوة في العمل السياسي الذي تحكمه المصادفة فلا يبارحونه بعد أن تنتهي المصادفة، وبؤساء التعبير الأدبي الذين لا يزالون يكتبون عن شهامة المرأة التي ضبطت وهي تسرق علاجا لزوجها العاجز، كما أن النمس يتحقق أكثر في الكلاب التي يتركها أصحابها ويهاجرون، حيث يصبح الكلب يتيما هادئا متسللا وهائما.

والنمس حيوان وحيد متوحد مع نفسه لاينشق عليها، لا تجيد الحيوانات الأخري استعارة اسمه في أنواعها مثل الكلب: كلب البحر وكلب السمك، والثور: ثور المسك والثور الآدمي، والبقر: بقر الماء وبقر الصحراء، والحمار: الجحش الحديد (وهو الدراجة)، والظبي والغزال: الحبيبة المعشوقة، والجمل: سفينة الصحراء، والخروف: كل من لا يدرك حقيقة ما يجري، وفي حالة استثنائية فإن النمس هو الموظف القادر على التواصل مع رؤسائه، يأخذون منه صفاته ويمنحونه أخلاقهم المعاصرة.

وليس هناك- فيما أعتقد- حيوان غير النمس مولع بقتل الحيات والثعابين، يداورها ويحاورها ويحاصرها حتى يداهمها في أكثر نقاطها قوة: مؤخرة الرأس، أو الرقبة، وهو قادر على التربص، والانتظار والتدقيق عند المهاجمة، ولعل ما يساعده على ذلك أن المعجم الوسيط وضع كلمة (تنمس) مقابل: (تربص) في حذر وحيطة، دون أن يهتم بأن الفعل (تنمس، منحوت من النمس ولذلك فقد جاء النمس في قائمة معبيدات القدماء، وفي أوامرهم ونواهيهم ألا يحيقوا به الأذى، وأن يراعوا معاملة جثته بالحسنى والإكرام إذا ما عثروا على النمس ميتا، مع ملاحظة أن كبد النمس علاج للاستسقاء، وقلب النمس علاج للتوجس والاضطراب، ومخ النمس علاج لإدمان السهو والخطأ، ورقبة النمس علاج للظروف الصعبة التي تواجهنا بعد سن الستين، وعيون النمس علاج للظروف الصعبة التي تواجهنا قبل الستين، أما أقدام النمس فهي علاج لنا في كل الظروف دون اهتمام بأن بعضنا لم يشاهد نمسا حتى الآن.

ولقد كان النمس شاهدا على مرحلة حضارية، فقد وقف وزير الثقافة المصري محمد عبدالحميد رضوان عام 1983 مفتتحا مؤتمر طه حسين بجامعة المنيا، وخطب مادحا إقليم المنيا قديما وحديثا بما فيه من قوة النمساء، وهرعنا إلى المراجع لنعرف شيئا عن قوة النمساء، لكن بعض العارفين أشاروا إلى أن المقصود قو النماء- لكن كاتب الخطبة سحب الكلمة قليلا لتملأ السنتيمز الباقي لتصبح النماء: النمساء.

ولم أصدقه، ذلك أنني متأكد أن ثمة مرحلة حضارية مرت علينا هي: النمساء، حتى ولو لم يعلن ذلك وزير ثقافة.