الفكر الاجتماعي الخلدوني جهاد فاضل

الفكر الاجتماعي الخلدوني

يجمع بين نصوص هذا الكتاب اهتمامها بواحد من أعلام الفكر العربي الإسلامي الكبار في العصر الوسيط، هو العلامة عبدالرحمن بن خلدون، الذي لم يتوقف البحث العلمي في مجالات التاريخ والسوسيولوجيا وتاريخ الفكر في الوطن العربي وفي العالم، عن تناول موضوعات فكره الموسوعي، وعن اكتشاف غنى الطروحات، التي قدمها في مجال تحليل بُنى مجتمعات العصر الوسيط، وحركة التاريخ والتطور التاريخي فيها.

وليس من شك في أن موضوعية فكر ابن خلدون لا تضاهيها في القيمة سوى راهنية فكره بالنسبة إلى المجتمع العربي اليوم. وهي راهنية تأتي من كون الكثير من البنى والعلاقات العصبوية، التي وصفها ابن خلدون وحلّلها في القرن الرابع عشر الميلادي، مازالت تعيد إنتاج نفسها في مجتمعاتنا العربية، ومازالت تحملنا على استدعاء الجهاز المفهومي الخلدوني لفهمها وتحليلها. ومعنى ذلك، ابتداء، أن فكره ليس جزءًا من تراث مضى وانقضى، بل عطاء معرفي مازال قابلاً للحياة. وتلك، ثانيًا، علامة أخرى على أصالته.وقد تبارى الباحثون الذين أسهموا عبر هذا الكتاب في دراسة ابن خلدون، فرأوا أن تحليل ابن خلدون، سواء تعلق الأمر بالمجتمع أو بالمعرفة، هو تحليل لمنظومة وليس لنشأة أو تكوين، كما أقر بذلك معظم الباحثين. وهذه العبارة تفرض نفسها لحساب كل فكر نسقي أو بنيوي شاهد على انغلاق ثقافي ومعاصر لمجتمع منحسر ولمرحلة تاريخة متأزمة. وكما يسجل ديريدا: «في حقب النسخ التاريخي، حين نُطرد من المكان، يتكون الشوق البنيوي لذاته كسعر تجريبي ونزعة تنميطية كاسحة». وفعلا فابن خلدون، وقد هاجر من تلمسان للجوء عند قبيلة عربية هلالية في قلعة ابن سلامة، كان يغذي شعور معايشة نهاية تاريخ، ويتدبر من أعلى قلعته تثبيتها وفك علاماتها. وهذا العمل المتشوق هو الذي جعله يكتب: «وأكملت المقدمة على ذلك النحو الغريب الذي اهتديت إليه في تلك الخلوة، فسالت فيها شآبيب الكلام والمعاني على الفكر، حتى امتخضت زبدتها وتألفت نتائجها».

ويرى الدكتور عبدالعزيز الدوري في بحثه عن ابن خلدون والعرب، أن ابن خلدون الذي استوعب التراث العربي الإسلامي، تميز بنظرته التاريخية الشاملة. ولذا نظر إلى مقومات الأمة العربية، أو روابطها في إطار الحركة التاريخية، فلم يقرر مقومات واحدة ثابتة لها، بل درس هذه الروابط وتتبعها تاريخيًا ليتبين الثابت والمتغير. وتبدو النسبة واضحة حين يعتبر روابط الأمة العربية النسب مرة، والنسب والعوائد والخصائص مرة أخرى. فالحالة الأولى تشير إلى مرحلة البداوة، والحالة الثانية تصدق على مرحلة الاستقرار في صدر الإسلام. ثم أتى إلى دور العربية، فأكد ارتباط العروبة بالإسلام، ورأى في العربية، لغةً وثقافةً، رابطة تاريخية عبر العصور.

وباحثو هذا الكتاب يحيطون بابن خلدون وفكره إحاطة شاملة تستوجب العودة إلى أبحاثهم ومقارنتها عند الاقتضاء بالأبحاث السابقة على مدار القرن العشرين، ومن أهمها وأكثرها جدلاً أيضًا دراسة ساطع الحصري عنه.

 

جهاد فاضل

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات