من المكتبة العربية: الرواية العربية: البنية وتحوّلات السرد

 من المكتبة العربية: الرواية العربية: البنية وتحوّلات السرد

عرض: جهاد فاضل**

«لم تتطوّر الحكاية لتصبح رواية إلا عندما بدأ المؤلف يطرح على نفسه السؤال حول الشكل. حينئذ عرف أن التشويق يتطلب ألا يقول كل شيء، وألا يروي الحدث دائمًا في أوانه بل في الأوان الذي تقتضيه الحبكة. وتعلم أن يحتفظ بمفاتيح أبواب السرد، فلا يفتح بابًا إلا إذا أقفل بابًا بعده. وتعلم أن يداور، ويلاعب، ويخادع، واكتشف أن الفن لعب، وأن بإمكانه أن يلعب بالحبكة، والمنظور، واللغة، وأن يكسّر خط الزمن، ويشظي الفضاء، ويحرم الشخصية تماسكها واستقرارها وينزلها من البطولة إلى الهزيمة والأزمة. فصارت الرواية لعبة جميلة، لكن اللعب ليس لعبًا في فراغ، بل داخل معنى الرواية، لهذا عاد الروائي ليطرح على نفسه أيضًا سؤال المضمون، بعدما اكتشف أن الرواية تشبه اللغة التي تتكون منها، ومن الشكل والمضمون ولدت البنية، ومن استقرار البنية ولد النوع، ومن اللعب داخل البنية ولدت التحولات».

هكذا يشرح د. لطيف زيتوني مفهوم اللعبة السردية في مقدمة كتابه الجديد «الرواية العربية: البنية وتحوّلات السرد»، الصادر مطلع هذا العام 2012 عن مكتبة لبنان «ناشرون» ودار صائغ في بيروت.

وفي هذا الكتاب يتابع المؤلف مسألة كان قد التزم بها في كتابه المعروف «معجم مصطلحات نقد الرواية»، الصادر قبل سنوات عن مكتبة لبنان «ناشرون» ودار النهار للنشر في بيروت. وهذه المسألة هي توضيح مفاهيم نقد الرواية وحمايتها من الغرق في العموميات اللغوية ومن الفهم المتسرع الذي يحول دون إدراك القرّاء لمقاصدها ويمنع النقّاد من المشاركة في تطويرها.

انطلق المؤلف، في بحثه عن البنية وتحوّلاتها في الرواية العربية، من قاعدة منهجية، عرضها في الفصل الأول من الكتاب تحت عنوان «من البنيوية إلى ما بعد البنيوية». وهذه القاعدة تأخذ من البنيوية دقتها وموضوعيتها، وتأخذ من «ما بعد البنيوية» حريتها في التعامل مع البنية، وشكوكها في قدسية المفاهيم، وانفتاحها على ما في النص من وجوه تتعدى الوجه اللغوي القابل وحده للدراسة العلمية. أما في الفصول اللاحقة، فقد وسع المؤلف المجال للمسائل السردية العملية، فتناول البناء السردي في الرواية الواحدة، وفي مجموعة مؤلفات روائي واحد، ودرس رواية الحرب، وبحث عن وجوه الآخر في الرواية. واهتم خصوصًا بالتحولات، فدرس التجريب الروائي، وقضايا السيرة الذاتية، والتخييل الذاتي، وتحولات المدينة في السرد، والنقد داخل الرواية أو الميتاسرد.

المذهب البنيوي

في بحثه عن البنية وتحولاته، قدم المؤلف المذهب البنيوي كمنهج، فعرضه مبينًا اختلاف المقاربات بين أنصاره، والاتجاهات المتعددة التي نشأت في داخله، والتطور الذي أصاب تفكير أعلامه وأدى بهم إلى تجاوزه صوب منهج جديد. وناقش المؤلف هذا المنهج الجديد المسمى «ما بعد البنيوية»، فتبيّن القواعد التي انطلق منها، والاتجاهات المتعددة التي سلكها أعلامه، منتهيًا إلى القول إن ما بعد البنيوية ليس منهجًا على وجه التحديد، بل مقاربات مختلفة يجمعها الاتفاق على الشك في إمكان الوصول إلى معرفة موثوقة عن الأشياء، واعتبار الإنسان ذاتًا مبنية لا جوهرًا أو ماهية، واعتبار الواقع منتجًا اجتماعيًا ولغويًا.

وتناول المؤلف «قضايا التجريب الروائي»، فأثار المشكلات التي تعيق الاتفاق على مفهوم التجريب، وتناول مسائل الحداثة وما بعد الحداثة، وناقش طروحات إدوار الخراط حول الحساسية الجديدة، ليصل إلى ربط التجريب بمفهوم اللعب الفني. وبهذا المفهوم فصل المؤلف بين التجريب والحداثة، لأن التجريب ليس محصورًا بعصر. وطرح قضية التأثر بالغرب في التجارب الفنية، فرأى أن المعيار ليس في استيراد الأدوات بل في طرق استخدامها والتعديلات التي نجريها عليها. وانتقل المؤلف إلى الروايات العربية «التي انفتحت على التجريب»، فصنّف ألعابها متوقفًا خصوصًا عند الألعاب التي تجري على الحبكة. وأنهى بحثه بالقول: إذا كان التجريب هو وسيلة الإبداع، فإن الإبداع في كل رواية محدود نسبيًا، وإن فكرة النص الشخصي المبتدع تمامًا مستحيلة إذا ما نظرنا إلى ما يترجّع في النص من أصداء النصوص التي سبقته والتي أدخلتها القراءة إلى ذاكرة المؤلف.

أما المسألة شديدة الإشكالية التي تصدى لها الكتاب فهي علاقة السيرة الذاتية، والسيرة الغيرية أيضًا، بالحقيقة والخيال. وقد عاد المؤلف إلى مقدمات السير العربية، وكشف أن العقد الذي يقيمه كاتب السيرة مع القارئ، وهو العقد الذي يتعهد فيه بقول الحقيقة، غائب عن كل هذه المقدمات تقريبًا. وذهب الباحث إلى ما قبل هذه السيَر، إلى «اعترافات» جان جاك روسو، فنبّه إلى أن مقدمة «الاعترافات» تتضمن صراحة ما يناقض المقولة الشائعة عن أن السيرة تروي الحقيقة. وأن الحقيقة التي التزم بها روسو في اعترافاته هي الحقيقة المحتملة لا الحقيقة الواقعة. وأن الصدق عنده لا يمنع من اللجوء إلى الزينة، أي إلى الخيال، لملء الفراغ الذي يخلفه ضعف الذاكرة. وهذا يعني أن ميثاق السيرة يحمل في داخله أسباب موته. وبعد أن ناقش المؤلف قضايا السيرة في ضوء الحقيقي والمتخيل، والمسافة، وتعرية الذات، والمنظور الممكن، والعلاقات بين الأطراف الساردة، والدلالة على الشخصية، والدلالة على المؤلف، خلص إلى القول إن السيرة، بمعنى العرض الأصيل والصادق للماضي، هي نص افتراضي لا حقيقي. فسواء اقتصرت على الوقائع والأحداث ككتب التاريخ أو تجاوزتها إلى العوالم الداخلية للشخصية، فإنها لا تقدم الماضي الذي مضى، بل الماضي كما يتمثل للكاتب في الحاضر، فنحن لا نفكر من خلال الذاكرة، بل نستعيد صور الذاكرة في ذهننا ونتمثلها - أي نعيد بناءها وتركيبها وترتيب مادتها - بحيث يصبح لها معنى في العقل مفهوم ومقبول معًا. هذا التمثل، كالإخراج السينمائي، لا يتم خارج الخيال، لهذا لا يمكن للسيرة الذاتية أن تكون سيرة حقيقية خالصة بل سيرة ذاتية متخيلة. وهذا التخيل قد يضيق أو يتسع، وقد يضيق هنا ويتسع هناك، لهذا يمكننا أن نتصور أشكالاً كثيرة للسيرة بحسب درجات الحقيقة والتخيل فيها، وبحسب درجات الصدق والكذب، وبحسب درجات التسجيل والتفنن.

السيرة الذاتية والروائية

وتابع المؤلف مناقشة السيرة، ولكن من منظور مختلف هو تعدد الأنا في «السيرة الذاتية الروائية» وفي «التخييل الذاتي» (أوتوفيكشن)، واعتبر أن تعدد الأنا، أي تعدد الشخصيات المكونة للذات الكاتبة، هو الأصل، بينما الوحدة اصطلاح. فالأنا ليست جوهرًا ثابتًا، كما ظن ديكارت، بل متعددة ومتغيرة، إنها متعددة في اللغة بسبب التناص وتعدد الأصوات اللذين تحدث عنهما ميخائيل باختين وجوليا كريستيفا. وهي متعددة في علم النفس التحليلي الذي يكشف لنا عن ثلاث أنوات هي الأنا العليا والأنا السفلى والأنا المحايدة. وهي متعددة في الفلسفة بعد نيتشه، حيث الذات مصنوعة من العلاقات القائمة بين مكوناتها، ومن علاقاتها بغيرها. وتساءل د.زيتوني: مَن مِن هذه الأنوات تروي حياتها في السيرة؟ ثم استعرض عددًا من كتب السيرة، فأوقفنا على الانشطار داخل الذات الكاتبة فيها. وانتقل إلى نوع آخر من الكتابة السيرية هو السيرة الذاتية الروائية، فحللها منتهيًا إلى القول: لا فرق عند القارئ الذي لا يعرف المؤلف، بين السيرة الذاتية الروائية والرواية، لا فرق بينهما إذا ما تجاهلنا اختلاف الحبكة. فليس من عادة قارئ الرواية أن يتحرّى عن المؤلف وحياته ليفصل بين الحوادث الواقعة، والمتوهمة، والمتخيلة، والمحروفة عن أصلها، ثم تناول نوعًا ثالثًا هو التخييل الذاتي حيث علاقة المؤلف بالشخصية ملتبسة، لا هو هي، ولا هو غيرها. وفي هذا النوع يكون الراوي والشخصية واحدًا تقريبًا، والشخصية والمؤلف واحدًا تقريبًا، بينما الراوي والمؤلف منفصلين، وهذه هي طبيعة النوع القائم أصلاً على تقريب متباعدين: الذاكرة والخيال. وخلص المؤلف إلى القول: كل ذلك يعود بنا إلى المبدأ الذي انطلقنا منه، وهو أن التعدد ملازم للأنا، فالأنا هي الحاضر الذي ما إن يحضر حتى يصبح ماضيًا، وهي المستقبل الذي لا يكون مستقبلاً إلا قياسًا إلى هذا الحاضر. وهي الماضي الذي ينمو باستمرار، ويتغيّر باستمرار، لأنه لا يُرى إلا بعيني من يكتبه لحظة كتابته.

المرأة المتوحشة

بعد ذلك تناول المؤلف ثيمة شائعة في السرد، خصوصًا في الرواية السياسية والأسطورة، هي المرأة المغوية، فدرس بناء هذه الثيمة معتمدًا على التصنيف والمقارنة وربط الظاهرة بأسبابها. ومع أن البحث تركز في النصوص الروائية العربية، إلا أنه وسع النظر إلى ما سبق الرواية من مأثورات سردية أسطورية ودينية. وعرّف المؤلف المرأة المغوية بأنها ذات إغراء لا يقاوَم، تتسبب قصدًا، أو من غير قصد، في خسارة (تدمير، سقوط، جنون، موت) مَن افتتن بها. وهذه المرأة/الميثة هي صورة نمطية تنبع من التمثيل المأساوي والمرعب للجنس (فكرة المرأة القدر)، وتعبّر عن نظرة المجتمع إلى المرأة كشيطان. ومصطلح المرأة المغوية فرنسي المنشأ، إلا أنه شاع في الروايات الأوربية تحت أسماء أخرى أيضًا، مثل «المرأة المتوحشة»، و«مصاصة الدماء».. إلخ. ولم يقتصر على السرد بل ظهر في الشعر والرسم والسينما. ولم تتخذ المرأة المغوية شكلاً محددًا بل تنوعت صورتها من النماذج الأسطورية إلى صور المرأة العصرية، فتمثلت بالمومس، والقاتلة، ومصاصة الدماء، والأرستقراطية مطاردة الرجال، والملكة الإفريقية، والجاسوسة. وتساءل المؤلف بادئ بدء: هل هناك بنية خاصة بالمرأة المغوية؟ ثم تابع أن الجواب يتطلب وضع تصوّر متكامل لعملية الإغواء. وقد رسم المؤلف لهذه العملية تصورًا مكونًا من ست مراحل متوالية: طبيعة الجهة المغوية (امرأة أو بديل رمزي)، والقصدية (لأن الإغواء ليس دائمًا مقصودًا)، والغاية (لأن الإغواء إن كان مقصودًا فهو مقصود لغاية)، والنتيجة (لأن الغاية قد تتحقق أو لا تتحقق)، والنهاية (وهي الحال التي يصل إليها المرأة المغوية والرجل المغوي في نهاية الرواية). وكشف لنا آلية تطبيق هذا التصور من خلال تحليل ثلاث شخصيات نسائية: شهرزاد والجارية التي عشقت ابن الملك في ألف ليلة وليلة، وشيرين في رواية «يالو» لإلياس خوري:

- فشهرزاد: امرأة (الشخصية)، تتعمد الإغواء (القصدية)، تغوي بحكاياتها (الوسيلة)، تسعى إلى إنقاذ بنات جنسها (الغاية)، تحقق غايتها (النتيجة)، تدمّر عقدة شهريار وتعيد وجه الملك العادل (النهاية).

- والجارية: امرأة (الشخصية)، تتعمد الإغواء (القصدية)، تغوي بجسدها (الوسيلة)، تسعى إلى متعتها (الغاية)، تفشل في تحقيق غايتها (النتيجة)، يقتلها الملك (النهاية).

- وشيرين: امرأة (الشخصية)، لا تتعمّد الإغواء (القصدية)، تغوي بجسدها (الوسيلة)، تسعى إلى إنقاذ نفسها (الغاية)، تحقق غايتها (النتيجة)، تدمّر العاشق يالو (النهاية).

وتوصّل المؤلف بعد البحث في الروايات العربية إلى أن الصورة النمطية للمرأة المغوية ليست واحدة بل متعدّدة. وانتهى إلى أن صورة المرأة المغوية في الكتابات السردية لا تخرج عن صورة «الآخر». فنمطية المرأة المغوية تدلُّ على الناظر أكثر مما تدلّ على المنظور، وتعبر عن تفكير الرجل أكثر مما تعبّر عن حال المرأة.

ويتساءل المؤلف عن السبب الذي يجعل صورة المرأة المغوية مقيمة في ذهن الرجل لا تتزحزح؟ هل هو خوفه على سلطته المطلقة وامتيازاته التي تعوّدها والأعراف التي أرساها والتي بدأت المرأة تطالب بتغييرها لمصلحتها؟ هل هو خوفه من العجز أمام جسدها؟ هل هو خوفه من وسائلها التي تقوم على الإثارة والتمويه والتي يراها أفعل من وسائله القائمة على القوة والرجولة؟ ثم يجيب بأن الأسئلة كثيرة، ولكنها تنتهي كلها إلى ظاهرة واحدة وهي أن الرجل، منذ الأزل، كان يقارن المرأة بنفسه فيجدها مختلفة وغامضة. وكان يحاول استجلاء غموضها من الصور الرمزية، فهي الملاك والحية والشيطان والشجرة المحرمة. وتحولت هذه الصور الرمزية إلى أقنعة ألبسها الرجل للمرأة، واعتاد عليها حتى ظنها في أصل تكوينها، وحتى إذا ما خلعت المرأة عنها القناع وكشفت عن وجهها الحقيقي ظن أنها تتقنّع.

التقنيات السردية

ثم التفت المؤلف إلى وجهة جديدة فدرس عناصر البناء السردي في الرواية العربية الجديدة، منطلقًا من النصوص إلى المفاهيم والتقنيات السردية باحثًا عن عناصر جديدة غير مسبوقة، وعناصر معروفة، ولكن موظفة توظيفًا جديدًا. وركز أمثلته داخل روايات رشيد الضعيف. فتوقف عند السرد الحر بفروعه الثلاثة: المونولوج الداخلي، وتيار الوعي، وأسلوب التداعي، وأصبح يشعر قارئ هذا السرد بأنه أمام شاشة يمر عليها شريط الأحداث والأحاديث وصور المخاوف والأحلام، ويختلط فوقها الماضي والحاضر والمستقبل. وكيف ينتقل الراوي من الحلم إلى الحدث، من ذاكرة الفرد إلى ذاكرة الجماعة، من مشاعر القلق إلى الحوار المقطوع. وكيف تنبثق الصور حرة لا ينظمها ناظم خارجي، بل بدفع من الداخل. وكشف الباحث عن أن هذه التقنية في روايات رشيد الضعيف ترتبط غالبًا بتقنية أخرى أجد منها هي الاستغراق في التفاصيل، حيث يجد القارئ نفسه أمام صور تتوالى ببطء لتنقل جو السأم الذي تعيشه الشخصية الروائية، أو ترسم بلادة طبعها، أو تثير فينا الإحساس الحقيقي بالضجر. ويجد الباحث في هذه الروايات تقنية أخرى لم يألفها جيدًا قارئ الرواية العربية الحديثة: إنها التكرار.ولعل ما يميّز التكرار عند رشيد الضعيف أنه يأتي أحيانًا مقلوبًا، فيتخذ صورة استباق مقطوع الصلة بما حوله، فيستغلق على الفهم. فإذا حان موعده في خط الزمن أعاد الراوي ذكره في مكانه وضمن سياقة فبان واتضح. فالتكرار عنده تقنية سردية قائمة في أساس بنية النص، وتتولى وظيفة التوضيح والتصحيح والاستكمال، خصوصًا حين يقدم الراوي شخصية مترددة خائفة. وعلى هذا النهج تابع المؤلف في هذا الفصل فكشف تقنيات سردية أخرى مثل: إستراتيجية السؤال والبحث عن جواب: والتكوّن التدريجي، والالتباس بين الشخصية والمؤلف والراوي، وانعدام الحوار.

ثم انتقل المؤلف إلى موضوع الحرب في الرواية، فطرح في هذا الإطار بعض الأسئلة:

1- سؤال الحقيقة: أي حقيقة تقدّمها رواية الحرب؟ وماذا يجدر بالروائي أن يفعل حين تتكشف الأدوار وتنجلي المعطيات ويكتشف أنه أخطأ في تصوير الأحداث وتوزيع المسئوليات: هل يكتفي بتبديل قناعاته؟ وماذا سيكون موقفه من روايته؟

2- سؤال الحرية: هل نملك حرية الكتابة عن الحرب؟ وهل يضحي الكاتب بالحقيقة في سبيل الأمان من غضب السلطان واتقاء غضب الجماعة؟

3- سؤال الغاية: هل كاتب رواية «الحرب» مجرد شاهد على الأحداث، وهل يخرج عن نصرة «الأنا» في مواجهة «الآخر»؟

4- سؤال الفن: هل يمكن ضبط علاقة الرواية بالجمهور بحيث لا تطغى على معايير الفن أم يستمر الأديب أسير الناشر، والناشر أسير القارئ، والقارئ أسير النص المسطح والمألوف؟

5- سؤال جنس الكاتب: هل هناك فرق بين رواية المرأة عن الحرب ورواية الرجل عنها؟ وهل صحيح القول إن الحرب في روايات الرجل تكشف الملامح الرجولية النموذجية، أما في روايات النساء فهي قبيحة وحيوانية؟

6- هل تقولب اللغة نظرتنا إلى المفاهيم والأشياء وترسم تصوراتنا للعدل والبطولة فتوجه كتابتنا لرواية «الحرب»؟ هل يشعر من كتب عن حرب لبنان باللغة الأجنبية بأن شيئًا ما يتغير في رواياتهم لو كتبوها بالعربية؟ هل يحصل التغيير على حساب الحقيقة أم الفن، على حساب اختيار الوقائع أم التصوير؟

وعلى هذا المستوى من الأسئلة والطرح والمعالجة والتحليل يتابع د. لطيف زيتوني فصول كتابه، قبل أن يختمه بقائمة مصطلحات يشرحها بشيء من التوسيع على الطريقة التي اعتمدها في معجمه السابق، كما يختمه بقائمة طويلة من المراجع العربية والأجنبية تبين ما احتاج إليه هذا العمل من جهد ومعرفة واطلاع، وما احتاج إليه من وقت أيضًا. كل هذا، فضلاً عن الميل إلى الدقة والعمق، هو ما يفسر تباعد الزمن بين كتاب وآخر في نتاج هذا المؤلف.
---------------------------------------
* أستاذ السرديات في الجامعة الأميركية LAU.
** ناقد من لبنان.

 

 

لطيف زيتوني*