مياهٌ لسراب المثنّى

مياهٌ لسراب المثنّى

لم يكنْ, أغلب الظنِّ, إلا وحيداً
كما ينبغي أن يكون الملكْ
لم تكنْ غيرَ صحراءَ
تلك الحياةُ التي اندلعتْ
تحت مرمى النظرْ
وحده كان في ذلك التيهِ
منقسماً حول جمر الخطيئةِ
ما بين أمرٍ مريرٍ
وخمرٍ أمرّ
لا هوادج كانت هناكَ
لترنو إلى ما تقرّح من جلدهِ
تحت شمس الظهيرةِ,
لا كسرةٌ من غيومٍ تبلّلُ ريقَ الرياح
التي أمسكتْ بتلابيبِ شهوتِه الذابلهْ
فلماذا إذنْ,
وبمنْ صاح ذاك النهار: قفا?,
وهو يجعل من يأسهِ
سيّد القافلهْ
من هما ذانك الواقفانِ
نهاراً وليلاً
على جملةٍ لا تبارح أيامه المائلهْ
نحو صفصافةٍ في غروب القصيدةِ,
والمستهلانِ في كلّ عصرٍ
هبوب النساءِ الحنونَ على أحرف المدّ,
والحادبان على سكرة الحبّ
حدبَ السكونِ على القافيهْ
أيكونانِ عينيْ غزالٍ
شبيهٍ بفاطَم
طاشت سهامهما في جنون امرئ القيس?,
أم طائرينِ يحومانِ
في حاء (حوملَ)
كالماءِ في الأغنيهْ
كان يكفي المُنادى نداءٌ يتيمٌ
ليصبح عينَ المنادي
وأنثاهٍ في التثنيهْ
كان يكفيهِ أن يُشعل الرمزَ في الأبجديّةِ
كيما يصير الهتافُ الطويلُ
الأمانةَ والأمنيةْ
وكيما تصير العبارةُ عدوى يردّدها بعده العاشقونْ
كُثيّرُ,
قيسٌ,
جميلٌ
وعروةُ..
والآخرونْ
غدوا ظلّه في القفار التي
أنشبتْ ظلفها
في تضاعيف صرختهِ المضنيهْ
كلُّ من لم يمت بسيوف السلاطينِ
أو تحت خيل الفتوحاتِ
مات اختناقاً على الدربِ
بين المثنّى ومفردهِ,
أو بين وجه الحبيبةِ والأحجيهْ
لم يكن أغلب الظن, إلا وحيداً
على طرق الروم,
حتى إذا لاح وجهٌ لفاطمة
من بعيدٍ
رأى صورتين لأطيافها في مرايا تَشَهّيهِ:
إحداهما ما يريه الترابُ
وأخرى التي ظلّ في سرّهِ
يتمنَّى
وأَظْلَمَ حتى غدا صرخةً بين فمينِ,
أو موجةً أحرقت نفسها
في سراب المثنّى

 

شوقي بزيع