من الإرهاصات التاريخية حتى المواجهة

من الإرهاصات التاريخية حتى المواجهة

أسئلة الجمرة الخبيثة
الذعر الذي سببه ظهور الجمرة الخبيثة في خضم الأيام المضطربة, ليس إلا استيقاظاً لذعر قديم من تقاتل البشر بالميكروبات, فهل من وسائل لمواجهة هذا الذعر
?

الحرب البيولوجية هي استخدام الميكروبات لإلحاق الأذى ـ أو القتل ــ بقوات أو سكان أو طعام أو مواشي جهة معادية, وتمثل الجراثيم العضوية الحية كالجمرة الخبيثة Anthrax, أحد الأمثلة الرئيسية على هذا النوع.
وترجع خطورة استخدام الحرب البيولوجية, والإرهاب البيولوجي, إلى سهولة الحصول على عدد كبير من العوامل البيولوجية المسببة للمرض. والتي يتم الحصول عليها من مصادر حيوانية أو نباتية, وانخفاض تكلفة إنتاجها, وعدم اكتشافها من قبل الأنظمة الأمنية التقليدية, وسهولة نقلها من مكان لآخر, والدليل على ذلك حوادث الإصابة بجرثومة الجمرة الخبيثة التي انتشرت أخيراً في العالم كله عن طريق الرسائل البريدية, وبالإضافة إلى ذلك, فقد أدت التطورات التقنية إلى إيجاد أسلحة متطورة ويمكن الحصول عليها بسهولة من قبل الأنظمة القمعية والمنظمات الإرهابية, والتي يمكنها نشر هذه الأسلحة بطريقة تهدد الأمن الإقليمي والدولي.

وقد ظهرت الحرب البيولوجية قبل فترة طويلة من فهم البشر لطبيعة البكتريا, والفيروسات والسميات التي تفرزها, ففي عام 400 قبل الميلاد تقريباً, قام الرماة السيثيون Scythian (وهم جنود دولة قديمة كانت توجد في شمال البحر الأسود), بتسميم سهامهم بغمسها في الجثث المتحللة أو الدم المخلوط بروث البهائم.

وتعود أقدم التقارير المكتوبة عن استخدام الحرب البيولوجية إلى الكتابات الإغريقية, والفارسية, والرومانية القديمة, والتي تعود إلى عام 300 قبل الميلاد تقريباً. وقد تمثلت هذه الحوادث في تسميم آبار العدو بإلقاء جثث الحيوانات النافقة فيها.

ــ في عام 190 ق.م وفي معركة يوريميدون, حقق هانيبال نصراً بحرياً على الملك يومينيس الثاني ملك برجامون, وذلك عن طريق قذف آنية فخارية مليئة بالحيّات السامة على سفن الأعداء.

ــ في القرن الثاني عشر للميلاد, قام زعيم الإمبراطورية الرومانية المقدسة, فريدريك الأول (بارباروسا Barbarossa) باستخدام جثث الجنود المتوفين لتسميم آبار العدو خلال معركة تورتونا.

ـ في القرن الرابع عشر, وبالتحديد في عام 1346, حدثت واحدة من أشهر حوادث الحرب البيولوجية البدائية, فبعد حصار فاشل دام لمدة ثلاث سنوات لميناء كافا Kaffa (يسمى الآن فيودوسيا Feodosiya) في جمهورية القرم الأوكرانية, وضع التتار جثثاً مصابة بالطاعون في مجانيقهم وألقوها من فوق أسوار المدينة المحاصرة, ويؤكد بعض المؤرخين الطبيين أن هذه العملية تسببت في حدوث وباء الطاعون (الموت الأسود) الشهير الذي اجتاح أوربا خلال تلك الفترة, حيث قام مواطنو مدينة جنوة الإيطالية المقيمون في المدينة بالهرب عن طريق البحر, رسوا في جزر صقلية, ثم ساردينيا, ثم كورسيكا, قبل أن ينتهي بهم المطاف في مدينة جنوة, حيث بدأ وباء الطاعون ومنها انتشر إلى بقية المدن الإيطالية ثم كل أرجاء القارة الأوربية.

- في عام 1710, خلال الحرب بين روسيا والسويد, يقال إن القوات الروسية استخدمت جثث ضحايا الطاعون لإحداث وباء في صفوف العدو.

- دارت رحى الحرب الفرنسية والهندية في أمريكا الشمالية, بين فرنسا وإنجلترا ما بين عامي 1754و1767. وقد اعتمد الجانبان كثيراً على دعم حلفائهما من الهنود الحمر. قام البريطانيون بمهاجمة حصن فورت كاريون Fort Carillon مرتين, وتم صدّهم في المرتين كما وقعت بين صفوفهم خسائر فادحة, فقام القائد البريطاني الجنرال جيفري آمهيرست سرا بتزويد الهنود المتحالفين مع الفرنسيين ببطانيات مصابة بعدوى الجدري smallpox, أدى الوباء الذي نتج عن ذلك إلى هلاك غالبية الهنود, وبعد ذلك بفترة قصيرة, قام آمهيرست بمهاجمة حصن فورت كاريون وأسماه فورت تيكونديروجا.

الحرب القذرة تتطور

خلال القرن العشرين, أصبحت الحرب البيولوجية أكثر تطوّراً ضد كل من الحيوانات والبشر, وهناك العديد من الحوادث التي وقعت خلال هذا القرن.

- في عام 1900 قام طبيب أمريكي يجري أبحاثاً في الفلبين بإصابة العديد من المساجين بعدوى الطاعون, وتابع أبحاثه بإصابة 29 آخرين بمرض البري بري (نقص الثيامين أو الفيتامين ب1), وأدت أبحاثه إلى العديد من الوفيات.

- خلال الحرب العالمية الأولى, قامت ألمانيا باستخدام الجراثيم المسببة للكوليرا في إيطاليا, وتلك المسببة للطاعون في مدينة سانت بطرسبرج الروسية في عام 1915.

- وهناك اتهامات موجهة لألمانيا أيضاً باستخدام الجراثيم المسببة للرعام glanders (وهو مرض يصيب الحيوانات - وخصوصاً الخيل - فيسيل مخاطها), والجمرة الخبيثة لإصابة الماشية والخيول في مدينة بوخارست الرومانية في عام 1916.

- برغم التأثيرات المشكوك فيها للحرب البيولوجية في الحرب العالمية الأولى, فلا جدال حول فعالية الحرب الكيميائية في هذه الحرب, فقد قتل أو أصيب ما لا يقل عن مليون جندي بفعل غاز الكلورين وغاز الخردل mustard gas, ونتيجة لذلك, قامت 108 دول, بما فيها الولايات المتحدة, بالتوقيع على بروتوكول جنيف لحظر استخدام الأسلحة الكيميائية والبيولوجية.

- على الرغم من ذلك البروتوكول, فلم تكن هناك قيود فعلية على أبحاث الأسلحة الكيميائية والبيولوجية وتطويرها والتسلح بها وتخزينها خلال الحربين العالميتين, حيث واصلت القوى العظمى جهودها في هذا المجال, بما فيها الولايات المتحدة, وبريطانيا, واليابان.

وقد كانت اليابان هي الدولة الوحيدة التي استخدمت الأسلحة البيولوجية خلال الحرب العالمية الثانية, ففي عام 1940 قامت القوات اليابانية بإلقاء البراغيث والحبوب المصابة بعدوى الطاعون بالطائرات على 11 مدينة صينية.

وبرغم وجود بعض التقارير غير المؤكدة التي تفيد باستخدام اليابان للأسلحة البيولوجية ضد القوات الروسية, إلا أن إجراء تجارب تلك الأسلحة من قبل اليابانيين لا يقبل الشك.

- ما بين عامي 1932 و1945, قامت وحدتان متخصصتان في الجيش الياباني بإجراء الأبحاث المتعلقة بالحرب البيولوجية في كل من منشوريا والصين. وخلال التجارب المخبرية, تمت إصابة البشر عمداً بالطاعون, والتيفوس, والتولاريمية (مرض معد حيواني المصدر), والتهاب الكبد, والتيتانوس, والكوليرا, والدوسنتاريا, والرعام, والجمرة الخبيثة, والحمى النزفية الوبائية, والتهاب السحايا الدماغية النخاعية, وغيرها من الأمراض مما أدى إلى وفاة أكثر من 10,000 شخص, وما بين عامي 1940 و1945, قامت الوحدتان باختبار أنظمة إطلاق جراثيم الطاعون والجمرة الخبيثة على البشر, بمن فيهم سجناء الحرب من قوات الحلفاء, كما أجريت العديد من التجارب العملية بهذا الخصوص, فقام اليابانيون بتوزيع حلوى الزلابية dumplings المشبّعة بجراثيم التيفويد على 3,000 سجين حرب صيني, وقاموا بعد ذلك بإطلاقهم ليعودوا إلى منازلهم, وذلك لاختبار ما إن كانت هذه طريقة ناجحة لنشر المرض.

أما الولايات المتحدة, فقد بدأت مراجعة لاحتمالات الحرب البيولوجية ما بين عامي 1941و1942, وبدأت مشروعها للحرب البيولوجية في العام 1943. حيث أصبح معسكر كامب ديتريك مركزاً رئيسياً للأبحاث المتعلقة بالحرب البيولوجية, كما بلغ عدد العاملين فيه 4000 موظف أغلبهم من العسكريين, كما أنشئت مختبرات الأبحاث العملية في ولاية مسيسيبي.

- بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية, تم إنهاء برامج الاختبار وإغلاق مختبرات الإنتاج الخاصة ببرنامج الحرب البيولوجية, وتحوّلت جميع الجهود للأبحاث فقط, وتم بيع مختبر الإنتاج لإحدى شركات الأدوية.

- في عام 1946, أعلنت وزارة الحرب الأمريكية أن الولايات المتحدة قد أجرت تجارب متعلقة بالحرب البيولوجية, وقد ذكر التقرير جزئياً, كل الإجراءات والتجارب التي أجرتها الولايات المتحدة بهذا الخصوص, وركّزت على الحرص الشديد على سلامة العاملين في هذه التجارب, وعدم تعرّضهم للعدوى, وأوصى التقرير في خاتمته باستمرار البرنامج على نطاق ضيق لأغراض الدفاع.

- في عام 1950, تم توسيع برنامج الحرب البيولوجية الأمريكية خلال الحرب الكورية, وبذلت الجهود لتطوير قوة ردع بيولوجية بناء على التهديد بالتدخل السوفييتي في ذلك الوقت, وقد أحيطت خطط التوسع هذه بسرية تامة.

- في عام 1951, تم تحقيق أولى نتائج برنامج الردع البيولوجي الأمريكي بتطوير قنبلة مضادة للمحاصيل, وقد تم تطوير السلاح لاستخدامه من قبل القوات الجوية, كما تم اختيار مناطق الاختبار بالتنسيق مع وزارة الزراعة.

وفي عام 1969, زار الرئيس نيكسون موقع فورت ديتريك لأبحاث الحرب البيولوجية, وبعدها أعلن عن تخلي الولايات المتحدة عن استخدام الأسلحة البيولوجية المميتة, والاكتفاء بالإجراءات الدفاعية للحرب البيولوجية, مثل التلقيح وإجراءات السلامة.

- ما بين عامي 1970و1972, تم تدمير كامل مخزون الأسلحة البيولوجية المضادة للأفراد.

- في 22 يناير 1975, قام الرئيس فورد بالتوقيع على معاهدة الأسلحة البيولوجية لحظر تطوير, وإنتاج, وتخزين الأسلحة البيولوجية وتلك المحتوية على السموم.

مرض قديم وصورة جديدة

الجمرة الخبيثة مرض معد حاد ينتج عن بكتيريا مكوّنة للبذور المقاومة (الأبواغ spores), يطلق عليها اسم العصوية الجمرية Bacillus Anthracis, ويصيب الحيوانات ذات الدم الحار, وبالتالي يصيب الإنسان.

وتعد الجمرة الخبيثة من أقدم الأمراض المعروفة, وقد كان في الماضي من الأمراض الوبائية لكنه لايزال يحدث في بعض مناطق العالم, كما تحدث حالات فردية في مناطق غرب وجنوبي الولايات المتحدة.

كانت الجمرة الخبيثة أول مرض يتم الكشف عن البكتريا المسببة له, فقام بعزلها لأول مرة البيولوجي الفرنسي كاسيمير - دوزيف دافين Davaine في العام 1863, وبعد ذلك قام عالم الجراثيم الألماني روبرت كوخ Koch بعزلها في صورة نقية عام 1876, كما تم إعداد لقاح فعّال للمرض من قبل الكيميائي والبيولوجي الفرنسي لويس باستير Pasteur عام 1881.

تصاب الحيوانات بالمرض عن طريق شرب الماء الملوّث بالتربة المصابة بالعدوى, والتي يمكن أن تعيش فيها البكتريا المسببة للمرض لعدة سنوات, وتنتقل العدوى أيضاً من خلال تناول جثث الحيوانات المصابة بالعدوى, ومن خلال لدغ الحشرات الماصّة للدم.

وفي البشر, يصيب المرض الجلد عادة, ونادراً ما يصيب الرئتين, أو الجهاز الهضمي, وتحدث العدوى للجلد بملامسة أنسجة الحيوانات التي تهلك بسبب المرض, مثل الماشية والخراف والماعز والخيول وغيرها, أو ملامسة الشعر والصوف والجلود الملوّثة أو الأرض المرتبطة بالحيوانات المصابة, وتنتج العدوى الرئوية عن استنشاق البذور المقاومة (الأبواغ) وتنتج الجمرة المعدية المعوية عن أكل اللحم الملوث ناقص الطهو.

وتبلغ فترة حضانة المرض عادة ما بين 2إلى 5 أيام.

ــ تكون أغلب حالات الجمرة الخبيثة من النوع الجلدي (95%), وتحدث العدوى عندما تدخل الجرثومة المسببة للمرض عن طريق جرح أو سحجة في الجلد, مثلما يحدث عند تداول الصوف والجلود الملوّثة للحيوانات المصابة, تبدأ العدوى الجلدية في صورة حكة في أحد المناطق المكشوفة, تتحوّل إلى آفة تصبح سعفة (لطخة), ثم تتحوصل, وفي خلال 2-6 أيام تتطور إلى ندبة سوداء منخفضة, وفي بعض الأحيان تكون الندبة محاطة بتورم خفيف أو متوسط مصحوب أحياناً بحويصلات ثانوية صغيرة, ويبلغ معدل الوفيات في الجمرة الجلدية من 5% إلى20% في الحالات التي لا تعالج, ولكن بالعلاج الفعّال بالمضادات الحيوية, لا تحدث سوى وفيات قليلة.

- أما أعراض الجمرة الاستنشاقية (الرئوية) فتشبه أعراض الزكام, وبعد أيام عدة, قد تتطور الأعراض إلى مشكلات وخيمة في التنفس وصدمة shock, وعادة ما تكون الجمرة الاستنشاقية مميتة, وهناك ذرية strain معدية للغاية من الجمرة الاستنشاقية, يطلق عليها أحياناً اسم جمرة ساحة القتال battlefield anthrax, والتي تم تطويرها كسلاح بيولوجي, وهذه الذرية مميتة ما لم يتناول المصاب المضادات الحيوية المناسبة في غضون 12 ساعة من تعرضه للعدوى.

قد يلي النمط المعدي - المعوي من الجمرة تناول لحوم ملوّثة غير مطهوة جيداً, ويتسم بالتهاب حاد في القناة الهضمية. وتتمثل الأعراض الأولية في الغثيان, وفقدان الشهية, والقيء والحمى التي يليها الألم البطني والقيء الدموي, وإسهال شديد, وتبلغ نسبة الوفيات في الحالات غير المعالجة من هذا النوع من 25% إلى 60%.

السلاح البيولوجي

- خلال النصف الأول من القرن العشرين, كانت هناك عدة محاولات لاستخدام الجمرة الخبيثة كسلاح, فبالإضافة إلى الاستخدامات التي ذكرناها للجمرة الخبيثة من قبل الألمان في الحرب العالمية الأولى, واليابانيين ما بين عامي 1932و1945, هناك العديد من الدول التي وجدت أن استخدام الجمرة الخبيثة كسلاح ذو فائدة دفاعية لها, فأثناء الحرب العالمية الثانية, بدأت الولايات المتحدة وبريطانيا برامجهما للحرب البيولوجية التي اشتملت على الجمرة الخبيثة, وليس هناك دليل على أنهما استخدمتا هذه الأسلحة بالفعل.

- حدثت أسوأ كارثة متعلقة بالجمرة الخبيثة في عام 1979, عندما تعرض مختبر سوفييتي لإنتاج الأسلحة البيولوجية في مدينة سفيردلوفسك (تسمى حالياً إيكاترينبرج) لحادث أدى إلى انطلاق أبواغ الجمرة الاستنشاقية في الهواء, مما أدى إلى قتل 66 شخصاً.

- على الرغم من أن نظام صدام حسين كان مستعداً لاستخدام الجمرة الخبيثة خلال حرب الخليج في العام 1991, فإن عدم استخدامه لها قد يذهب بالبعض إلى الاعتقاد بأن التهديد الذي كانت الجمرة الخبيثة تمثله وقتها كان تهديداً نظرياً, وفي تقرير أعدّه مكتب وزير الدفاع الأمريكي, تضمن سيناريو تخيليا لاستخدام العراق لجرثومة الجمرة الخبيثة يتم رشّها في الهواء بواسطة إحدى طائرات الميراج F-1 المزودة بخزانات رشاشة, وذكر التقرير أن ذلك لو تم في ظروف جوية مواتية, لكان من الممكن أن يؤدي إلى وفاة نحو 76,000 جندي أمريكي, وهو ما يمثل ربع القوات المشاركة في عملية عاصفة الصحراء. وعلى أي حال, لو تم تلقيح جميع الجنود بالمصل الواقي من المرض, فلن تنتج سوى 122 حالة وفاة.

- بعد الهجوم بغاز الأعصاب على محطة المترو في مدينة طوكيو اليابانية في العام 1995, أظهرت التحقيقات المكثفة أن جماعة الحقيقة السامية المنفذة للهجوم قد امتلكت وطوّرت جراثيم العصوية الجمرية المسببة للجمرة الخبيثة, وقد حاولت الجماعة رش هذه الجراثيم فوق مدينة طوكيو أربع مرات خلال الأعوام 1990إلى1995, ولحسن الحظ, فلم تنجح تلك المحاولات في التسبب بحالات وفيات جماعية, وذلك نتيجة لجهل أفراد الجماعة بالتقنيات اللازمة لاستخدام الجمرة الخبيثة كسلاح بيولوجي.

لماذا الجمرة الخبيثة?

على الرغم من أن بعض الصفات التالية تنطبق على العديد من العوامل البيولوجية المستخدمة كسلاح للإرهاب, فإن الجمرة الخبيثة هي العامل البيولوجي الوحيد الذي تنطبق عليه جميع الصفات التالية, والتي قد يوجد البعض منها - ولكن ليس كلها - في عوامل بيولوجية أخرى, والعوامل التي تجعل الجمرة الخبيثة سلاحاً مثالياً للإرهاب أنها:

- مميتة للغاية: يتعرض نحو 100% من الأفراد الذين يستنشقون جرعة مميتة من أبواغ الجمرة الخبيثة, للموت, وتقدر الجرعة المميتة بنحو 8,000-50.000 كيس بوغي.

- غير معدية, مما يتيح للأفراد استخدامها ضد آخرين دون الخوف من الانتقال الثانوي إليهم, ويتيح أيضاً استهداف مجموعات معينة, وهي (ميزة) للجمرة الخبيثة لا توجد في عوامل بيولوجية أخرى يمكن استخدامها كأسلحة بيولوجية, لكنها معدية للغاية, مثل الجدري والطاعون الرئوي.

- من السهل الوقاية منها قبل بدء استخدامها, حيث يمكن للعدو تلقيح قواته بالمصل الواقي منها قبل استخدامها, كما يمكن استخدام المضادات الحيوية مقدماً لتخفيف آثارها.

- يمكن تخزينها لفترات طويلة, حيث تبقى أنواع الجمرة الخبيثة حية لسنوات عدة تحت ظروف جوية قاسية, وفي تجربة بدأت في الأربعينيات من القرن العشرين, تركت أبواغ الجمرة الخبيثة على جزيرة قاحلة على مبعدة من الشواطئ الأسكتلندية, وعند اختبارها عام 1986, كانت لاتزال على قيد الحياة قبل التخلص منها!

- ثابتة في العديد من أنظمة التسليح: كثير من العوامل البيولوجية لا يمكنها احتمال الاضطراب الناتج عن رشّها أو تفجيرها فوق الأهداف, لكن صلابة أبواغ الجمرة الخبيثة تجعل عدداً كافياً منها يبقى حيّا ليقوم بمهمته الفتّاكة على أكمل وجه.

- مقاومة للأشعة فوق البنفسجية, يؤدي ضوء الشمس (الأشعة فوق البنفسجية) إلى تحلل أغلب الجراثيم المستخدمة كأسلحة بيولوجية محتملة, ولا يبقى على قيد الحياة تحت ضوء الشمس المباشر سوى جراثيم الجمرة الخبيثة والكوكسيلة البورنيتية Coxiella burnetii (المسببة لحمى Q).

- فترة حــضانة قصيرة: عنـــد استــــخدام سلاح ما ضد قوات عسكرية, فمن المهم توقع وقت بداية تأثيره, لذلك ففترة الحضانة القصيرة للجمرة الخبيثة, والبالغة من 2إلى5 أيام تؤدي إلى سهولة توقع بدء التأثير, على خلاف جراثيم أخرى مثل داء البروسيلات Brucellosis والتي تتراوح فترة حضانتها بين 5إلى60 يوماً.

- متوافرة بسهولة: باعتبار الجمرة الخبيثة مرضاً يصيب الحيوانات أساساً ويوجد في جميع أنحاء العالم, تعتبر الجمرة الخبيثة جرثومة واسعة الانتشار, وبالإضافة إلى ذلك, فهناك أكثر من خمسمائة مستودع ميكروبيولوجي منتشرة في جميع أنحاء العالم, والتي تبيع المزارع الجرثومية للمختبرات وشركات صناعة الأمصال على أساس استخدامها المفترض لأغراض تشخيصية أو علاجية.

- سهلة الإنتاج: على عكس العوامل الفيروسية, والتي تحتاج إلى أجهزة إنتاج معقدة, فمن الممكن إنتاج الجمرة الخبيثة في أي مصنع للمواد البيولوجية, وإنتاجها أسهل من أي عامل آخر يمكن استخدامه في الحرب البيولوجية.

- يمكن استخدامها في صورة مسحوق أو سائل, تتيح هذه المرونة إمكانية استخدام الجمرة الخبيثة في العديد من أنظمة الإطلاق, مما يزيد من الخيارات المتوافرة لمستخدميها.

- يمكن لكمية صغيرة منها إحداث تأثير جماعي, حيث يقدر مكتب تقييم التكنولوجيا التابع للكونجرس الأمريكي أن كمية مقدارها 64 رطلا (29 كجم تقريباً) من جراثيم الجمرة الخبيثة عند رشّها بواسطة طائرة على منطقة بحجم العاصمة الأمريكية واشنطن على سبيل المثال, يمكنها أن تتسبب في وفيات قدرها ثلاثة ملايين نسمة في الظروف الجوية المناسبة.

- حجمها مناسب تماماً للاستنشاق: يتراوح حجم جرثومة الجمرة الخبيثة طبيعياً بين 1و5 ميكرونات (جزء من ألف من المليمتر), وهو الحجم المناسب تماماً لكي يستنشق إلى داخل الحويصلات (الأسناخ alveoli) الرئوية, لكن الجزيئات الجرثومية تحتاج إلى صقل معين لمنع الأبواغ من التعلق بالجزيئات الأكبر حجماً, وبالتالي تفشل في الالتصاق بجدران الأسناخ الرئوية.

لا تنزعج

في الآونة الأخيرة, تلقت العديد من الجهات في مختلف دول العالم خطابات تهديد ملوّثة, أو محتملة التلوث, بالجمرة الخبيثة, كانت في معظمها عبارة عن أظرف فارغة, وبعضها كان يحتوي على مساحيق متنوعة, لذلك فقد أصدرت مراكز مكافحة الأمراض (CDC) في الولايات المتحدة الأميركية بعض الإرشادات الموجهة للجمهور بكيفية التعامل مع تهديدات العوامل البيولوجية, ولما كانت تلك الحرب القذرة حرباً بلا عنوان, فمن المفيد أن نتعرف على هذه الإرشادات نحن أيضاً, فمن يدري من سيكون التالي?

1- يمكن أن تسبب جراثيم الجمرة الخبيثة عدوى بالجلد أو الرئتين أو الجهاز الهضمي, ولكي تفعل ذلك, يتوجب على الجرثومة أن تدلك بالجلد المسحوج, أو تبتلع, أو تستنشق كرذاذ, ويمكن الوقاية من المرض حتى بعد التعرض لأبواغ الجمرة الخبيثة من خلال العلاج المبكر بالمضادات الحيوية المناسبة, ويجب ملاحظة أن الجمرة الخبيثة مرض لا ينتقل بالعدوى المباشرة من شخص لشخص.

2- لكي تصبح جراثيم الجمرة الخبيثة فعّالة كعامل بيولوجي خفي, يجب رشّها في جزيئات صغيرة للغاية. وهذا أمر من الصعب تنفيذه, ويحتاج إلى مهارة تقنية عالية وأجهزة خاصة, وإذا تم استنشاق هذه الجزيئات الدقيقة, فمن الممكن حدوث التهابات رئوية بالغة الخطورة, لكن التعرف والعلاج المبكر لهذه الحالات فعالان في السيطرة على المرض.

ماذا تفعل مع بريدك?

1- لا ترج أو تفرغ محتويات أي ظرف أو مغلف مشتبه به, ولا تحاول تنظيف السوائل أو المساحيق الظاهرة عليه.

2- ضع الظرف أو المغلف في كيس من البلاستيك أو وعاء آخر مانع لتسرّب محتوياته.

3- إذا لم يكن لديك أي وعاء, فقم بتغطية الظرف أو المغلف بأي شيء (قطعة قماش, ورقة, علبة, إلخ), ولا ترفع هذا الغطاء.

4- بعد ذلك, غادر الغرفة واغلق الباب, أو ضع حاجزاً على هذا الجزء من المنزل لمنع الآخرين من الدخول إليه.

5- اغسل يديك بالماء والصابون لمنع انتشار المسحوق إلى وجهك أو جلدك.

6- ماذا تفعل بعد ذلك?

ــ إذا كنت في العمل, فأبلغ الشرطة, والمسئول عن أمن المبنى الذي تعمل به.

ــ إذا كنت في المنزل, أبلغ الشرطة المحلية.

7- إذا كان ذلك ممكنا, فأعد قائمة بجميع الأشخاص الذين كانوا موجودين في الغرفة أو المنطقة عند التعرف على الخطاب أو المغلف المشبوه, وقدم هذه القائمة للشرطة.

8- اخلع الملابس الملوثة وضعها في كيس من البلاستيك يمكن إغلاقه بإحكام, وقدم هذا الكيس لرجال الشرطة.

9- استحم بالماء والصابون بأسرع ما يمكن, لا تستخدم مبيضا أو مطهرا على جلدك.

 

إيهاب عبدالرحيم محمد

 
 




التخلص من مخزون المواد السامة





هكذا ستكون الصورة عندما يسود وباء الحرب الجرثومية





هكذا ستكون الصورة عندما يسود وباء الحرب الجرثومية





من طرق اكتشاف الغازات السامة: إذا نفق عصفور الكناريا فإن الجو يكون ملوثا





هل يمكن الوصول الى مصل فعال من الجراثيم الجديدة والفتاكة؟





معظم جراثيم الجمرة الخبيثة جاءت من داخل معامل البحث الطبي





تكاثر الجراثيم أسهل بكثير من مقاومتها