من المكتبة الأجنبية: حروب المناخ

 من المكتبة الأجنبية: حروب المناخ

عرض: أحمد محمد حسن**

منذ كتابيه (Opa war kein Nazi) ويعني عنوانه: جدي لم يكن نازيًا، و(Tater. Wie aus ganz normalen Menschen Massenmorder werden) وترجمته: «الجناة: كيف أصبح أناس عاديون قتلة جماعيين»، أصبح القراء والنقاد والمؤرخون يرون في الكاتب وعالم الاجتماع الألماني «هارالد فلتسر» أحد أهم الباحثين في جرائم النازية. لكن فلتسر يترك الماضي وراءه وينظر إلى المستقبل بخوف أكبر، وهو الخوف الذي جعله يقدم كتابه «Klimakriege» الذي صدرت ترجمته الإنجليزية أخيرًا تحت عنوان: «حروب المناخ»، ولد هارالد فلتسر عام 1958، ويعمل مديرًا لمركز أبحاث الذاكرة، في معهد الدراسات الثقافية بمدينة إسن الألمانية، وهو كذلك أستاذ بحوث علم النفس الاجتماعي في جامعة فيتين هيردكه.

من أكبر أخطاء الجدل الذي يعرض له المؤلف أن هناك ظلمًا كبيرًا يتعرض له العالم بأسره، فالمسئولون الرئيسيون عن تغير المناخ لا يعانون بالدرجة نفسها كما يعاني الآخرون من عواقبه. ففي البلدان الصناعية أو دول الشمال تم تجاهل الآثار الاجتماعية العالمية لتغير المناخ، وهو ما أفرز عددًا من الصراعات التي يئن منها سكان أكثر من بلد انخرطت منهم مجموعات كثيرة في «الصراعات العرقية» التي نشأت نتيجة للضغوط البيئية، التي تجبر مجتمعات معينة على التنافس من أجل الموارد المتاحة.

ماذا يخيف أوربا؟

في البداية قد لا تبدو النزاعات البيئية المعاصرة مؤذية بالمقارنة بمشكلات أخرى تؤجج النزاعات وعدم الاستقرار. يخيف أوربا - على سبيل المثال - تلك الموجات المتلاحقة من اللاجئين الأفارقة إلى سواحل جنوب القارة العجوز، مما استدعى الحكومات إلى اتخاذ تدابير دفاعية أكثر جمودًا من أي وقت مضى. الأمر نفسه ينطبق على الحدود الشرقية للاتحاد الأوربي، حيث تغلق أمام المهاجرين غير الشرعيين وعلى نحو متزايد، مع تصاعد موجات الهجرة الناجمة عن الكوارث البيئية التي تجعل حياة البشر في أوطانهم أكثر صعوبة من أي وقت مضى، مما يجعلهم وقود حروب الحدود غير المباشرة. ويكتب فلتسر عن وجود ما يشبه حصة ديموغرافية للاجئي المناخ، وهو ما يدفع الدول الصناعية إلى الضغط بورقة «السياسة الأمنية المناخية» على الدول الأفريقية كي توفر سبل عيش آمنة.

يذكرنا فلتسر بسرعة تبدل المناخ الاجتماعي، في أتون الاضطرابات الاجتماعية الراديكالية، من خلال استدعاء «عمليات التغيير الاجتماعية السريعة» في سنوات القرن العشرين: الثورة الروسية عام 1917، الحركة الاشتراكية القومية، والثورات في أمريكا الجنوبية بين الستينيات والسبعينيات من القرن العشرين، وانهيار الكتلة الشرقية عامي 1989و1990 وتفكك يوغسلافيا العرقي.

يعترف فلتسر بأن الثقافات الغربية لم تتعلم شيئًا من دروس من القرن العشرين، ومن هنا بدأ الظن في أن استخدام وتحسين التكنولوجيا سيكونان سبيلاً لتحسين الظروف الحياتية، وهو ما أثبتت عكسه كوارث ذلك التقدم المزعوم.

في الصفحة الأولى من مقدمته، يقول فلتسر في «حروب المناخ»: سواء كانت حروب القرن الحادي والعشرين سببها المباشر أو غير المباشر هو التغير المناخي، فالحقيقة المؤكدة هنا هي أن العنف سيشكل وجه المستقبل.

يقول فلتسر إن المشهد كان متوقعًا، فقدعلم من هم في مواقع صناعة القرار السياسي والعلماء على حد سواء بأن طبيعة الصراع في القرن الحادي والعشرين ستكون مختلفة، نتيجة للتوسع الإقليمي، وتصاعد الخلافات المحلية على موارد المياه، وإسكان اللاجئين، وإطعامهم، في مساحات متنازع عليها من الأرض.

وقد تسبب ارتفاع درجة حرارة الأرض من الانبعاثات القادمة من معاقل الطاقة الصناعية على وجه التحديد، في الإضرار بالبيئة نتيجة تلك التكنولوجيا، فضلاً عن استخدام غير محدود من الوقود الأحفوري الذي لا يمكن أن يكون أبديًا. وأشار إلى أن المشكلة ستظل قائمة على الأرض، لأن علماء الفلك لم يكتشفوا أي كواكب أخرى مأهولة.

المناخ وانهيار النظام الاجتماعي

ولا يرى فلتسر في التغير المناخي قضية كارثة طبيعية وحسب، بل يعدها مقدمة لانهيار النظام الاجتماعي، ويقدم في هذا المعنى أمثلة للآثار الاجتماعية المترتبة على تجفيف بحيرة تشاد أو فيضانات جنوب آسيا، مما يجعل من مناطق بأكملها غير صالحة للاستعمال، جفت فيها البحيرات، وتبخرت بها مياه الأنهار، مما يهدد حياة الملايين، ويرى أن مشكلة «دارفور» على سبيل المثال التي يصفها المحللون بأنها مشكلة عرقية، ليست إلا مشكلة ناجمة عن التصحر الذي يهاجم تلك المنطقة ويحبط محاولات الكسب والعيش للفلاحين والرعاة، عقب موجات الجفاف المأساوية التي عانى منها السودان بين عامي 1967 و1973، وبين عامي 1980 و2000، كما أن هناك 850 مليون شخص يعانون سوء التغذية في العالم.

ويقترح فلتسر تعميق التعاون لمناهضة ذلك الشرخ في جدار المناخ الذي يؤزم الحياة، فالتعاون هو الخيار الجذاب بالنسبة لأولئك الأكثر تضررًا، من أجل تحسين بيئة الموارد وتنظيم ما هو متاح منها، لاستخدامه بشكل أكثر كفاءة. إن تغير المناخ يحدث ببطء، ولذلك فإن ما نعالجه اليوم، والتدابير التي نتخذها لن تكون فعالة إلا في غضون عقود قادمة.

أعجبتني الصورة التي قدم بها فلتسر مضمون كتابه، يحكي عن سفينة ألمانية، هي «إدوارد بولن»، كانت تحمل البريد إلى المستعمرات وتأخذ من هناك العبيد، وقد جنحت تلك السفينة وتحطمت عند سواحل ناميبيا عام 1909. اليوم زحفت الصحراء فأصبح مكان تلك السفينة بعيدًا عن الشاطئ، يستخدم المؤلف هذا «النموذج الأوربي الكامل للديمقراطية والحرية والفن والثقافة»، والذي يمكن أن تتقطع به السبل مثل تلك السفينة، وأن يتحطم، فضلاً عن لعنة تجارة العبيد التي تطارد أوربا اليوم، فالمهاجرون الذين حرموا حقوقهم الوطنية لقرون بسبب تجارة الرق، يتجهون إلى دول مستعمريهم من أجل استعادة حياتهم.

مشكلات عصية على العلاج

يقول فلتسر: إن المجتمع والاقتصاد لن يحققا النمو بشكل دائم عبر استغلال الموارد الطبيعية حيث يزداد سكان العالم، وتفرز مشكلات عصية على العلاج، هناك حاليًا 1.1 مليار نسمة من دون مياه شرب نظيفة، وهذا العدد من المرجح أن يرتفع بزيادة درجة حرارة الأرض، التي ستؤثر كذلك على بعض أجزاء من شمال أوربا، مما يفرز تفاوتًا كبيرًا وعالميًا يؤدي إلى احتمال نشوب صراع عالمي، وهجرة جماعية وحروب على الموارد تمثل أكبر تحد اجتماعي في العصر الحديث. ويتابع: «إن مجتمعنا، الذي انبثق من عصر التنوير، لا يأمن المستقبل».

ويرى فلتسر أن لدينا مسئولية لا مفر منها وهي تطوير طريقة أخرى للحياة. يمكن هذا أن يفسر الاقتباس الذي بدأ به المؤلف كتابه، من «قلب الظلام» لجوزف كونراد، الذي يؤسس رؤية نقدية لسلبيات الاستعمار، الذي أسس للماضي منذ أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، ولا ينبغي أن يغيب عن البال - كما يقول فلتسر - أن الديمقراطيات الغربية التي نحتفل اليوم بهوامش أرباحها من التسامح والحرية لها تاريخ طويل من الإقصاء والتطهير العرقي والإبادة الجماعية، وكانت هناك إجراءات وأشكال من السيطرة غير المباشرة من خلال الاقتصاد والموقع السياسي والجغرافي، والسيطرة على البنى التحتية، والاستغلال المباشر للتأثير على السلطات المحلية، والعنف المباشر كذلك، وبقيت عمليات الحصول على موارد تلك المستعمرات من دون عقاب، وهو ما يوجب أن تبدأ هذه الديمقراطيات في إتاحة التقدم بمجالات التعليم والتنمية الفكرية لشعوب العالم، والمساعدة في تشييد البنى التحتية لنموذجها المستقل، ربما للتخلص من تاريخ العار، الذي قتل النساء والأطفال، وسمح لشعوب بأكملها بأن تموت من العطش، وأن تعمل في معسكرات العمل القسري.

السؤال الكبير الذي يضعه فلتسر أمامنا هو: هل كنا على علم بما سيحدث؟ في أحد فصول الكتاب يحكي فلتسر قصة حدثت خلال عصر الإمبراطورية الرومانية الشرقية، حين فاض نهر الفرات سنة 520 ميلادية، وضرب القسطنطينية ومدنًا غيرها عدد من الزلازل المدمرة، وكانت هناك سلسلة أخرى من الكوارث، وسط صراعات خطيرة بين الإمبراطورية والفرس، والبلغار، والمسلمين، مع أتون الثورات الداخلية وسقوط مذنب هالي، وأطلقت النفوس العنان للمخاوف. وبعد عشرين عامًا، عام 540 ميلادية، عانت الإمبراطورية مرة أخرى سلسلة كوارث أخرى، هزمها البلغار والقوط الشرقيون فسحقت مدنها وكان هناك المزيد من الزلازل الرهيبة وانتشر الطاعون في المدن، ومع ذلك، كان رد الفعل من قبل السكان المحليين المدقع حالة من الذعر والخوف والقلق اندلعت فجأة وبشكل كبير، وتوقعوا نهاية العالم، ولم يستفيدوا من تجربة ماضية في الاستعداد لكوارث مقبلة.

الموارد هي المشكلة، وهي وراء التوترات الكامنة، والتي تدفع لإطلاق حمامات الدم - هكذا يقول فلتسر - ويستطرد: «إذا كانت هناك قرصنة أمام سواحل الصومال الآن، فلا أعتقد أن هذه الظاهرة لها علاقة مع رغبة شباب المنطقة في محاكاة جوني ديب (الممثل الذي قام بدور القرصان في فيلم «قراصنة الكاريبي»)، فليس الأمر هو أن قراصنة الكاريبي قد حققوا نجاحًا، ما كان هناك هو الفقر، وهذا نابع من الاستغلال المفرط لموارد الصيد، إذن أنا لم أعد قادرًا على كسب لقمة العيش من صيد الأسماك، وكان من الأسهل بالنسبة لي أن أكرّس نفسي في الاعتداء على السفن التي تمر على هذا النحو، سيكون العنف استجابة لمشكلات نقص الموارد».
---------------------------
* أكاديمي من ألمانيا.
** كاتب من مصر.

---------------------------------------

كن صديقي
فأنا محتاجةٌ جدا لميناء سلامٍ
وأنا متعبةٌ من قصصِ العشقِ
و الغرام
و أنا متعبةٌ من ذلك العصرِ الذي
يعتبر المرأةَ تمثالَ رخام
فتكلم حين تلقاني
لماذا الرجل الشرقي ينسى
حين يلقى امرأةً نصف الكلام؟
ولماذا لا يرى فيها سوى قطعةِ حلوى
وزغاليل حمام
ولماذا يقطف التفاحَ من أشجارها
ثم ينام؟

سعاد الصباح

 

هارالد فلتسر*