خماسية الطيور

خماسية الطيور

شعر

1

رفع القيود عن «طوق الحمامة»
(حوار مع ابن حزم الأندلسي)
كيف طوّقت هذي الحمامة يا سيّدي؟
وأنت تراها سماويّةً
حرةً
عالية؟
كيف أدخلتها في القفصْ
وأثقلت أعناقها بالسلاسل؟
وجمّعتَ من كل بيت حكايةْ
لتروي لنا
قصة العاشقين الأسارى؟
أنا سيّدي
لا أحبّ سوى العاشقين السكارى
وأحوالهم في الجنون العظيمْ
حين يرمون أقفاصهم للجحيمْ
ويهذون ضدّ الكلامْ
أنا يا فقيه الغرامْ
مريض
ويضربُ روحي طيش قديمْ
وإن كنت سجّلت في دفتر العشق أبراجنا
فبرجي أنا ليس برج السلامة
وداعًا
لقد سبقتك «الحمامة».

2

شبهة على منقار الطائر
فيما
أصغي «للهامة»
وهي تصيح على قبر أغبرْ:
«أسقوني»
فكرت بأن أسقيها الماءَ، ولكني
حين هممت
تقدم خوفي بين يديَّ
فأوقعني عند الباب فلم أعبر
فنظرت أمامي لأرى
فوجدت سنونوةً سوداء على أسلاك التلغراف
تميل وتعلو
تهبط كالبندول
فأعجبني هذا المنظرْ
لكني
وبلفتة طرف خاطفة
شاهدت على منقار الطائر شبهة موت أصفرْ
فجزعت
وعدت إلى بيتي
لأقول لنفسي: كن حذرًا
فكنارك حين يراك
ويدعوك لكي تطعمه الحَبَّ
وتسقيه الماء بكفك...
... كن حذرًا
فكرت بأن كناري
أصبح من أعدائي
فكّرت بأن كناري
يقتلني

3

صيد العصافير
حاملاً طيّ رأسي
فرخ نسر يصيح اقتلوني
سأصعد هذا الجبل
جعبة الصيد في كتفي
وفي عنقي طائر معتقل
والعصافير أيضًا
وقد نقرت بمناقيرها المعدنية
نوافذ بيتي
كحفارات موت صغيرة
أطاردها حيث تمضي
وأقتلها مثلما ينبغي
ثم أجمع أجسادها الدسمة
في وعاء كبير
أحدق فيها
وألقي إليها
بأوراق «طوق الحمامة»

4

لم تكن تكفي الحياة
كلّما صوّبتُ نيراني
إلى طير السماوات أتاني
عاتبًا يسألني أين يطيرْ؟
ولماذا
حين ألقى جسمه الواهنَ
في هذا الأثيرْ
قتلوهُ...؟
قلتُ لا أعلمُ لكنْ
- وأنا المعنيّ في هذا العتابْ -
كلّما أودعتُ جسمي في الترابْ
أكلته الدودة العمياءُ
هل تدري لماذا
خَلقَ الله الذبابْ؟
وخراف السهل والطير السماويّ الصغيرْ؟
والذئابْ...
ولماذا
يشربُ العصفورُ من ماء الغديرْ
ويصيب العطش الأكبرُ نصفَ الكائناتْ؟
أنت مثلي
حين ترتدُ على نهر الفراتْ
وترى الجنة تطفو...
هل رأيتْ؟
كيف يروي قصة الأحياء مَيْتْ؟
.........
... وأنا أشرح أعذاري له
كان الزنادْ
أطلق الطلقة
فاهتز قليلاً
فتلاشى
ثمَّ
ماتْ
.........
لم تكن تكفي الحياة
لترينا
أنّ للقصة وجهين فمَنْ
كان (فيما يدّعي)
يقتلُ
مَنْ؟

............

5

الهزيع الأخير من العصفور
للريح الآنَ على الشجر
نكهة طير عابرْ.....
هل رحتَ جنوبًا
يا مولايَ العصفورْ؟
......
الطيرُ أم الطيارةْ؟
........
كُنتُ، على ما أذكر، طفلاً
حين انقضّ الباشقُ
من غامض علم الله عليكَ
من الجهة السوداءْ....
وكانت قريتُنا
وهي تهيئُّ قشًا
وغصونًا
وأماكن تؤوينا
تسقينا الوحل من البرك الخضراء...
كنا منتظرين على مفترق من أرض بيضاء
وتحدُّ منازلنا:
- من جهة القبلة ريح صرصرْ
- من جهة الغرب غمام ممطرْ
- من جهة الشرق مآذن من دمع ودماءْ
- وشمالاً: ريحٌ هوجاءْ
ورصاصْ
ر.... ص......ا.....صْ
هل تسمعُني
يا ابن أخي العصفورْ؟
هل تعلمُ أنّ أباكَ؟
تجندل في الوادي؟
وترنّح
ثم هوى
أنّ أباكَ
«حسين بن المنصور»
تمرّغَ في دمه
ورآك
تحاول أن تشربَ من كفيه الماءَ
فتعثر
ثم
تحوم
وتعثر
وهو ينادي:
من يسقي العطش الماءْ؟
آنئذ
يا ابنَ أخي العصفورْ
آنئذ
في تلك اللحظة
بين الصيحة والديجورْ
أغمدتَ جمالك في دمهم
وتناثر لحمُكَ
مثل
الوشم
على الطرقاتْ.

 

محمد علي شمس الدين