برج التحرير صرح كويتي للارتقاء والتواصل جمال مشاعل تصوير: حسين لاري

برج التحرير صرح كويتي للارتقاء والتواصل

يقف شامخا وسط مدينة الكويت.. إنه واحد من أبرز رموزها الحضارية ودليل على ازدهارها وتطورها، فضلا عن الخدمات الجليلة التي يقدمها في مجال الاتصالات.. ذلك المجال الذي يتطور بشكل سريع. ولعل الغزو العراقي الذي داهم الكويت في أغسطس 1990واستمر بضعة شهور أوقف مسيرة التطور التي تشهدها البلاد، وجعلها تلهث محاولة اللحاق وتلافي ما سببه العدوان. وما هذا الإنجاز العظيم إلا تأكيد على انطلاقة نشيطة في عالم الاتصالات.

يعتبر هذا البرج من حيث ارتفاعه الأول في الشرق الأوسط والخامس عالميا، وقد كان مقررا أن يكون الثالث بعد برجي "تورنتو" الكندي الذي يبلغ طوله (553) مترا، وبرج موسكو في روسيا الذي يرتفع حتى (537) مترا، ولكن بسبب كارثة الغزو العراقي التي شلت حركة البلاد تأخر بناء هذا البرج وفي هذه الفترة تم بناء برجين آخرين أكثر منه ارتفاعا وهما شنغهاي في الصين، وبرج كوالالمبور في ماليزيا، ويتجاوز هذا الصرح الكويتي برج إيفل بحوالي (52) مترا.

يرتفع برج التحرير حتى 372 مترا، ويقدم خدمات جليلة للبلاد في مجال الاتصالات ويقع ضمن مجمع المواصلات السلكية واللاسلكية على أرض مساحتها (21) ألف متر مربع، وقد زادت كلفته على الخمسين مليون دينار كويتي. حين وقفت بجانب البرج أتأمل ارتفاعه الشاهق تملكتني الدهشة تجاه عظمة هذا البناء الذي يسمو بطموحات أبناء الكويت في التواصل مع الآخرين لتتحقق، وحينما دلفنا داخل المبنى الجديد تبين لنا الاهتمام والجهد اللذان سكبا في هذا الصرح، وإن كانت الدهشة قد تحولت إلى نوع من الخوف حين دخلنا أحد مصاعده الزجاجية حيث شرع المصعد يرتفع بنا إلى المحطة الأولى بسرعة لم نكن عهدناها في المصاعد الأخرى.. ونزلنا في المحطة الأولى وهي المطعم الذي كان يدور ببطء شديد، واندفعت إلى أحد المناظير لأشاهد الكويت بأبنيتها ومنشآتها، ببحرها الذي يميل لون مياهه إلى الخضرة، وبشوارعها المنظمة التي أشبه ما تكون بشرايين تنبض بالحياة.

وبينما كنا نتناول وجبة الفطور - وكنت جالسا مع المهندس أحمد البغلي - دار الحديث حول البرج وخدماته وشكله الجميل، كان يحاول ترجمة آماله وأحلامه وتبسيطها في حديثه فالبرج لم يبدأ بعد بالقيام بالدور الذي أنشئ من أجله ولذلك كنت أجد صعوبة إلى حد ما في استيعاب ما في أذهان القائمين عليه، واستيعاب أحلامهم التي تكاد تتحقق، ولعل أبرز ما عرفته من ذلك الرجل النشيط أنه يتوقع للبرج عمرا مديدا يفوق العمر الافتراضي الذي وضع للبرج وحدد بربع قرن، حيث يؤدي البرج مع الأبنية التي تتبعه خدمات يمكنها الاستمرار وتحقيق الكفاية للكويت لأكثر من ثلاثة عقود قادمة.

وبعد ذلك اصطحبونا إلى شرفة ترتفع حتى (210) أمتار عن سطح الأرض وهي مطلة على الفضاء دون حواجز زجاجية، وقفنا لنتمتع بنسمات الصباح المنعشة برغم صيف يونيو القائظ وبدت لنا الكويت كلها واضحة، وكأن هذا البرج بطوله الشاهق أقيم حارسا عليها، وما علمته أن هذه الشرفة يستفاد منها كثيرا ولا سيما في بعض الأبحاث العلمية. ولعل الطريف أن الحديث الذي دار على هذا الارتفاع كان حول الدوار الذي يصيب الإنسان فيما لو نظر وهو على هذا الارتفاع إلى الأرض، وأكثر ما لفت نظري جمال الأبراج السياحية التي أقيمت بجانب البحر وبدت وكأنها تعترف بمكانتها المتواضعة إذا ما قورنت بهذا العملاق.

قال المهندس حامد الأربش: يمكن الصعود إلى أعلى نقاط البرج ولكن هناك نقطة معينة بعدها يكون الصعود بالسلالم من أجل تركيب أجهزة ما أو من أجل تجهيز الإضاءة فيما لو اعتراها خلل ما. ويزداد منظر البرج في الليل جمالا ويغدو بألوان إنارته وكأنه منارة تدل وترشد إرشادا تاما إلى الكويت البلد الثاني للعرب.

ما الهدف من المشروع؟

ولكي نستطيع تقديم فكرة تامة حول البرج سواء عن بنائه أو تكوينه أو شكله، فقد أجرينا لقاءات مع القائمين على العمل فيه وكانت محطتنا الأولى مع مدير المشروع المكلف من قبل وزارة المواصلات المهندس حامد الأربش، حيث كشف لنا عن الهدف من المشروع واختيار مكانه في وسط مدينة الكويت حيث الازدحام في أوجه قائلا: يتوجب إيصال البرج بالأجهزة الموجودة في المبنى القديم والأجهزة التي ستوضع في المبنى الجديد، والوصل يتم بالربط سلكيا بين النقطتين ثم الربط لاسلكيا بينهما وبين الوزارة، وفيما لو أبعدنا البرج عن المبنى أي وضعناه خارج الكويت لاحتجنا إلى الربط بالكابلات الممتدة تحت الأرض، وبذلك لن تزول المشكلة، فكلما بدأ أحد بالعمار قرب مكان الكابل فإنه يهدده بالخطر سواء بالقطع أو تغيير المكان، وهكذا يجب أن ننقل المبنى كله بمعداته فهذا أمر في غاية الصعوبة ويحتاج إلى كلفة باهظة، ولذلك جعلناهما قريبين، وفي المكان نفسه. لقد تولدت الحاجة للمشروع من ضيق المبنى القديم واكتظاظه بالأجهزة، ولذلك رأت الوزارة أن يقام مبنى مركزي آخر، وعلى ضوء ذلك تطور تصميم المشروع وتبين أن البرج القديم لم يعد يفي بأغراض الحاضر والمستقبل، حيث بدأت الأبنية ترتفع بقربه. ويجب أن نأخذ بعين الاعتبار أن البرج شيد للاتصالات، وليس الغرض منه أن يكون شرفة ومطعما ومنظرا جميلا يقضي فيه الناس أوقاتا ممتعة، حيث إن هذه الناحية استجدت أخيرا وبعد أن تم البناء جاء الاقتراح بأن يكون فيه مكان للترفيه والطعام.. فالغرض الأول هو خدمة المواصلات.

وعن خدمة البرج للاتصالات قال موضحا: البرج وسيلة اتصال لاسلكي، ولذا يتوجب أن يكون فيه أعلى نقطة ارتفاع، بحيث لا توجد أية عوائق أو حواجز بينه وبين النقاط الأخرى حتى أنه قبل البدء ببنائه عرفنا أن بلدية الكويت حددت ارتفاع المباني بمائة متر فقط، ولذلك جاء البرج بهذا الارتفاع وذلك لأن البرج القديم والذي يرتفع حتى 140 مترا لم يعد كافيا وسوف يتم إلغاؤه مع مرور الزمن.

يقدم البرج خدماته الاتصالية بشكل غير مباشر بالنسبة للجمهور، وتستفيد من ارتفاع البرج الكثير من الوزارات والهيئات في الكويت، وسوف يقدم خدمات كثيرة ولعل أحدها نظام الاتصالات البحرية، أي تأمين الاتصالات بين السفن في البحر وبين اليابسة "ماريتام".

والجميع يعرفون أن الاتصالات سلكية ولاسلكية، ولكن الأخيرة تقسم إلى لاسلكية موجهة وأخرى غير موجهة، وأفضل مثال على غير الموجهة هو الإذاعة والتلفزيون فهما للجميع، والاتصالات غير الموجهة تحتاج إلى أعلى نقاط البرج طبعا لأن ذلك يزيد البث صفاء ويوصله إلى جهات مختلفة، وهذا مثلا ما تجنيه وزارة الإعلام من فائدة.

وبما أنه لا يمكن لمثل هذا البناء الضخم ومستلزماته الثقيلة وأجهزة البناء الدقيقة أن تركب وتشيد دون صعوبات وعقبات منها الكأداء، ومنها التي يمكن تخطيها بسهولة، وقد توجهنا بالسؤال عن هذه الحالة لمدير المشروع المهندس حيدر ميرزا الذي قال: لقد كان أولى المصاعب التي اعترضتنا مشكلة نضح المياه والتي يجب نضحها بمعدلات ليست عالية لكيلا تؤثر في التربة فتحدث تخلخلا فيها فإذا أسرعنا في نضحها قد تحدث انهيارات دون سابق إنذار، ونضحنا الماء بهدوء تام حتى عمق 20 مترا مما أتاح لنا البدء بالقاعدة على عمق 18 مترا وبعد أن بدأنا بالبناء أعدنا الاختبارات على التربة ففوجئنا بالمياه الجوفية تزداد نسبتها وقد تسرب إليها بعض النفط "الديزل" والعازل الذي عزلنا به السراديب عن الماء غير معد لتحمل هذه المادة، فاضطررنا إلى وضع عازل جديد "بي بي سي" أو الربل وهو لا يتأثر بالديزل ولم نأبه عند ذلك بمدى الكلفة الناجمة عن هذا التغيير المهم، لا سيما أن خزان الماء موجود ضمن السراديب.

وعن الصعوبات التي واجهت هذا الإنجاز يضيف المهندس محروس شلتوت نائب المدير العام لشركة مجموعة المقاولين الدولية الكويتية التي قامت بتشييد البرج : تتعرض الكويت إلى رياح شديدة تستمر لفترات طويلة وإلى حرارة شديدة أيضا في يونيو ويوليو وأغسطس، ووسط هذا الجو مطلوب منا رفع المواد المطلوبة لعملية البناء داخل جسم البرج، ونظرا لأن جسم البرج ذو شكل مخروطي ليس فيه أي نتوءات فقد استلزم تصميما خاصا للشدة فلجأنا إلى المزلقة التي استخدمت في صب جسم البرج وكانت واحدة من الأعمال الهندسية الفريدة، ولقد عانينا كثيرا في رفع الهياكل الحديدية المكونة للطوابق المثبتة على جسم البرج، كما أن تركيب الأذرع الخرسانية التي ترى الآن من الخارج، وعددها ثمان على ارتفاع 142 مترا واثني عشر على ارتفاع 175 مترا ووزن الذراع منها قرابة ثلاثين طنا، لم يكن بالسهل حتى أننا لجأنا إلى تصميم وتركيب منصة متحركة على الجسم الخارجي للبرج لهذا الغرض، هذا عدا الجهد الذي بذلناه لتركيب الصاري. وحدثنا المهندس حامد الزبيدي مساعد مدير مشروع برج التحرير عن التعديلات التي أضيفت إلى المشروع بعد التحرير قائلا: لقد تم تعديل واجهات المباني الجديدة والقديمة وتكسيتها بألواح الألمنيوم والزجاج وبلاطات الخرسانة سابقة الصب مما أدى إلى تماثل جميع تلك الواجهات، كما تمت تعديلات جوهرية في التشطيبات المعمارية بمناطق المشروع، وتم أيضا تعديل الساحات الخارجية وزيادة مناطق الزراعات التجميلية. لقد وضعنا في أولويات اهتمامنا شكل البرج ومنظره الخارجي بحيث يستهوي السياح ويعجب المعماريين، لذا كسوناه بالسيراميك واهتممنا بالمطعم والشرفة، حيث سيستفاد من البرج سياحيا نظرا لوجود المطعم وساحة المشاهدة فيه. ومن الجدير بالذكر أن ارتفاع مطعم البرج يقارب ضعفي ارتفاع المطعم الكائن بأبراج الكويت السياحية الحالية.

ونحن نكبر وزارة المواصلات التي عملت لإنشاء البرج بغية تلبية الاحتياجات المتزايدة لخدمات الاتصالات المختلفة وتطويرها، وذلك منذ بدايات عقد الثمانينيات.. فهو وسيلة ممتازة تربط البلاد بشبكة للاتصالات السلكية واللاسلكية المتطورة التي تضع الكويت ضمن منظومة الدول المتقدمة في هذا المجال.

نموذج متطور لخدمة الاتصالات

وغني عن البيان أن مجمع برج التحرير للاتصالات يتكون من ثلاثة أقسام أولها المبنى الأساسي الجديد الذي يتكون من سردابين واثني عشر طابقا، ويحتل مساحة تقارب 30 ألف متر مربع، وهو مخصص للمعدات والأدوات الفنية الخاصة بالاتصالات السلكية واللاسلكية إضافة إلى الجهاز الفني. والثاني مبنى خدمة الجمهور ويتكون من أدوار ثلاثة، والرابع مصمم على شكل دائرة يمتد منها نفق للانتقال من المبنى للوصول إلى البرج، وتوجد في هذا المبنى المكاتب الإدارية وخدمات الاتصالات الدولية للجمهور، وهو مقام على سردابين يستخدمان كمواقف لسيارات الموظفين ويستوعبان (230) سيارة. وقد زاد في الإيضاح رئيس قسم خدمات برقيات المبنى المركزي "مفلح الراجحي" الذي قال : "تتم الاتصالات الدولية عن طريق البطاقات الممغنطة، ويحوي المبنى قسما لكل من التلكس والفاكس والبرقيات، وتوجد نحو (14) كابينة للهواتف، ويقدم هذا المبنى خدماته للجمهور منذ أواخر يوليو 1995 ، ويمتاز المبنى بحداثته واستيعابه للمراجعين وإقبال الجمهور، كما يمتاز المبنى المركزي عن الفروع الأخرى في الكويت بإرسال البرقيات عن طريق الفاكس، حيث نتسلم البرقيات من المرسلين ونرسلها عن طريق الفاكس دون الحاجة لمراجعتنا، ونرسل برقياتنا عن طريق "سي. تي. أو" فخدماتنا هنا تمتاز بالسرعة".

والقسم الثالث والأهم هو برج إرسال الاتصالات السلكية واللاسلكية، والذي يتعالى بهامته من وسط المجمع، وعند منسوب الأرض يصبح قطر مقطع دائرة البرج (22) مترا، وعندما يصل الارتفاع إلى (308) أمتار يصل القطر إلى 4.5 متر ويتكون البرج من أقسام عديدة أهمها الجزء الخاص بالمكاتب الفنية وهي ستة طوابق تشغلها الوزارات والهيئات التي تستفيد من البرج وارتفاعه الشاهق كوزارة الإعلام والدفاع والداخلية والمواصلات وهيئة الطيران وغيرها، والجزء الآخر معني بالشرفة السياحية التي تشمل المطعم الدوار، ولم تكن إقامة المطعم مقررة منذ البداية ولكن التعليمات أتت كرغبة من القيادات العليا بأن يتشكل المطعم ويكون دوارا. وفي هذا الصدد يقول مدير المشروع المكلف من قبل وزارة الأشغال المهندس حيدر ميرزا : قمنا بدراسات لتحويل الشرفة المعدة للمشاهدة إلى مطعم دوار واحتجنا إلى تكاليف جديدة، وبفضل جهود الإخوة المهندسين استطعنا تخفيض التكاليف من 2.5 مليون إلى 700 ألف دينار، حيث وسعنا الفتحات حتى أصبح المطعم دوارا ويتسع مطعمنا هذا ل (350) شخصا، وربما يتم فيه بعض التعديل ليستوعب (400) شخص، ويوجد في المطعم الذي يرتفع (150) مترا عن سطح الأرض أجهزة تلسكوب تمكن الزائر من رؤية الكويت الجميلة ببحرها ومنشآتها.

وقد تم تتويج هذا الإنجاز العظيم بصاري فولاذي تم تصنيعه وتغطيته بالطلاء في السويد ويبدأ من مستوى 308 أمتار ويبلغ طوله 62 مترا.

وتخدم البرج أربعة مصاعد رئيسية تصل حتى ارتفاع 294 مترا من البرج، وتتميز هذه المصاعد بجودتها وسرعتها التي تصل إلى 6.3 متر/ثانية.

بقيت في جعبتنا بعض التساؤلات الضرورية توجهنا بها أيضا إلى مدير المشروع المهندس حيدر ميرزا الذي حدثنا عن القاعدة التي أعدت لتتحمل هذا البرج بوزنه الثقيل وارتفاعه الشاهق قائلا: لقد قمنا باختبارات كثيرة قبل أن نخطو أولى خطواتنا، ولا يخفى عليكم أننا نزلنا بمقدار (18) مترا تحت سطح الأرض، وفي ثلاثة سراديب، وتحوي هذه القاعدة جزءا على شكل شبه منحرف إضافة إلى أن قطر قاعدة البرج الدائرية حوالي (55) مترا وتمتد كذلك تحت جزء من المبنى الحالي حيث تم عمل التدعيم اللازم أثناء الحفر، كما تم صب جسم البرج الخرساني بطريقة الشدة المنزلقة باستخدام منظومتين متلازمتين، إحداهما للحوائط الخارجية المخروطية والأخرى للداخلية المثمنة الشكل.

ولقد أوحت الدراسات التي أعدت قبل التشييد بأن البرج سوف يهبط بمقدار (15) سم، ولكن بفضل الله ثم الاحتياطات والدقة في العمل لم يهبط أكثر من أربعة سنتمترات فقط وهي نسبة ضئيلة. ولقد قمنا قبل البناء بالخطوات الاحترازية اللازمة، حتى أننا أوقفنا البناء في المنطقة المجاورة ريثما استقر الوزن على الأرض، وإضافة إلى ذلك لدينا (15) جهازا من أجل رصد تحركات التربة السفلية حتى عمق 70 مترا تحت القاعدة، وذلك لأن تأثيرات الوزن قد تصل إلى هذا العمق. وللبرج ثلاثة سراديب أولها أعد خزانا احتياطيا للمياه والآخران يستعملان كغرف ميكانيك، ومن أجل المعدات التي تضخ الماء والهواء "التكييف".

البرج محصن ضد الزلازل

وحول تحصين البرج ضد عوامل الطبيعة وكوارثها قال مدير المشروع : لم تكن العوامل الطبيعية العادية مهمة بالنسبة إلينا، وما كنا قد حاولنا تلافيه هو "كربنة البرج" التي تتسبب في تآكل الحديد، وخوفا من وصول الكربنة إلى الحديد، لا سيما أن البيئة والطقس في الكويت يساعدان على الكربنة، وهذا ما يقصر العمر الافتراضي للبرج، لذا حاولنا التغلب على هذه الناحية مع إضافة جماليات إلى شكل البرج وكان لدينا ثلاثة خيارات، الرخام والسيراميك والدهان، وقد استبعدنا الأول نظرا لكلفته العالية ووزنه الزائد، كما استبعدنا الثالث "الدهان" لأنه يحتاج إلى صيانة دورية والصيانة ليست بالأمر السهل مع هذا الارتفاع، ولم يبق أمامنا إلا الخيار الوسط "وخير الأمور أوسطها" وهو السيراميك فكلفته معقولة وحمايته مشابهة للرخام وشكله الجمالي ممتاز، وحصلنا على الموافقة من السيد الوزير ووكيل الوزارة، ولم تعارض وزارة المواصلات أو البلدية الاقتراح، وجئنا بالسيراميك من ألمانيا وتم تركيبه بأيد إيطالية ونحمد الله فقد كان الخيار موفقا، ولقد تمت التكسية بالسيراميك حتى منسوب الشرفة الفنية، أما الجزء بين 221 إلى 308 فقد تمت تغطيته بطبقة من الطلاء الخارجي.

تم تركيب الصاري الحديدي في أعلى البرج، ويزيد وزن الصاري على 200 طن ويتكون من 13 قطعة، كل واحدة منها مكونة من ثلاثة أجزاء مربوطة ببعضها ومعزولة، وعليها تركب الأنتينات حيث يرتفع الصاري حتى 372 مترا، وحين تصل قوة الرياح إلى 214 كم/س، فإن هذا الوزن يتأرجح إلى اليمين 2.5 متر وإلى اليسار 2.5 متر، وبذلك يمكن للصاري أن يتأرجح خمسة أمتار فهو موصول بعدة روابط بالخرسانة، فلو حدث زلزال لا قدر الله وكان بهذه القوة لاستطاع البرج أن يصمد أمامه.

العراقيون حاولوا تدميره

وأبرز التأثيرات السلبية التي لحقت بمشروع برج التحرير كانت من جراء العدوان العراقي الذي دمر الكثير من المشاريع والمنشآت الحيوية في البلاد، ولقد كان البرج هدفا لبعض القذائف التي فتحت فيه فوهة ليست صغيرة، ويستعرض المهندس حيدر ميرزا هذا الضرر قائلا: بالنسبة للسلب والنهب حدث ولا حرج، فقد بلغت المسروقات أكثر من 2.5 مليون دينار، ولقد حاول الغزاة تدميره، وصبت عليه النيران ولكن الله سبحانه حماه، وحين أصابته إحدى القذائف فتحت فيه ثغرة بجانب المصعد ولم يتجاوز حجمها المتر، ومن لطف الله أنها كانت بعيدة عن الكابل الفولاذي بمقدار 20 سم، ولو أصابت ذلك الكابل لاعترى البرج الضعف والخلل، ولكن الثغرة كانت بعيدة عن النقاط الحساسة بحيث استطعنا إصلاحها، وأما القذائف التي تهاوت على المبنى الجديد فقد دمرت فيه أربعة طوابق تدميرا تاما، وبعد التحرير وضعت لجنة لإحصاء الأضرار وتم بناء ما دمرته الحرب.

حيث زادت كلفة إعادة البناء على الخمسة عشر مليونا، إذ لم يكن بالأمر السهل تبديل الخرسانات وإخراج المنهارة منها وإقامة دعم كامل منذ البداية وقبل أي إجراء، ومن ثم وضع الشدات والتثبيتات الضرورية مع الحديد وإعادة الصب، وهذه عملية مكلفة، ولقد تم قص الأجزاء التي يتوجب إزالتها من الخرسانات بآلات خرساء "الدايمنسو" والتي لا تسبب أي اهتزازات ينتج عنها أضرار للبناء. ويضيف الدكتور عبدالكريم السليم الوكيل المساعد لقطاع التخطيط والتنمية في وزارة المواصلات عن انعكاسات الغزو السلبية على البرج قائلا: لا شك أن فترة الغزو كان لها بالغ الأثر على المشروع، حيث أخرت إنجازه عن الوقت المحدد، وهذا التأخير في علم وتقنيات الاتصال يعتبر كبيرا، لأن العلوم والتكنولوجيا الخاصة بالاتصالات تتطور بشكل سريع، ولا يمكن تحديد جميع الآثار بدقة، إنما تبقى آثارا كبيرة، فمن الناحية المادية مثلا كانت للمشروع ميزانية محددة ومخصصة، وقد تسبب الغزو في خسائر مادية فادحة، حيث أعيد استصلاح ما دمر من جهة، ومن جهة أخرى، أعيد التعاقد مع الشركة كما أعيدت برمجة العمل. ولا أنسى ما قاله د. عبدالكريم السليم إن اسم البرج الذي اختاره صاحب السمو أمير البلاد يذكرنا بحدث عظيم يزيدنا ارتباطا عاطفيا وإنسانيا ووطنيا به، ويجعله رمزا لصفحة مشرقة في تاريخ الكويت.

 

جمال مشاعل

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات