عزيزي القارئ
ربيع الكويت
يطل علينا شهر فبراير حاملاً معه أنسام الحرية العذبة، فهو ربيع أهل الكويت الذي يحتفلون فيه بمناسبتين غاليتين على قلوبهم، الاولى هي ذكرى استقلال دولتهم التي رفرف علمها عاليا خفاقا منذ حوالي 46 عاما، والثانية هي ذكرى تحررهم من الاحتلال الغاشم الذي فرضه عليهم النظام العراقي السابق لمدة سبعة شهور، باختصار إنه الشهر الذي يتمسك فيه الكويتيون بحدودهم ووجودهم على خريطة هذا العالم، فالاستقلال الوليد كان قد رسم الحدود ودعمها، ولكن ظلام الغزو حاول أن يمحوها وأن يلغي وجودها، ولكن مهما كان الظلام كثيفًا فهو لا يستطيع أن يخفي شمس الحقيقة، فمنذ أن استقلت الكويت وهي لم تكتف بأن تكون خطًا على الخريطة، أو أن تكون بلدا هامشيًا، ولكنها كانت دوما بلدًا عربيًا فعالاً تقوم بأدوار مهمة وطليعية، وقد قدمت نموذجًا رائعًا للتعاون العربي على كل الاصعدة، وجعلها دورها السياسي والاقتصادي والثقافي في قلب أمتها باستمرار.
وتحتفل «العربي» بهذه المناسبة اقتصاديًا، فتقدم استطلاعا عن بورصة الكويت، وهي عنوان ومؤشر الحياة الاقتصادية المزدهرة التي تعيشها البلاد الآن، فهذه البورصة قد نضجت على نيران الأزمات، وتعرضت لأكثر من انهيار، ولكن هذه التجارب قد أنضجتها، وها هي تخرج من حدودها الخليجية الضيقة، إلى حدود إقليمية أكثر اتساعا تشمل كل الأسواق العربية، وتحتفل العربي ثقافيًا، فتقدم ملفًا عن الأدب الكويتي الذي يشهد الآن حوارًا خصبًا بين أجياله المختلفة، و تتفتح العشرات من براعمه في ظل ورعاية الأدباء المتمرسين من أبناء الكويت.
ويحفل هذا العدد غير ذلك بالعديد من القضايا المهمة، ففي افتتاحيته لهذا الشهر يثير رئيس التحرير قضية الشعارات النبيلة التي نطرحها في ثقافتنا العربية، ومع ذلك نرتكب باسمها أفعالاً قبيحة، فشعارات مثل التنمية تحولت إلى تغريب لأنماط الإنتاج وإفراط في الاستهلاك، وشعار مثل التنوير تحول إلى مسخ لشخصية الأمة والعبث بتراثها، ويوجه رئيس التحرير دعوة حارة لإنقاذ التنوير، ويعني به التنوير الحقيقي الخلاق، وليس الزائف الراكض خلف المظاهر.
وترحل «العربي» بعيدًا إلى الصين علها تظفر بقليل من العلم حول هذا التنين الذي استيقظ وأزاح ركام الماضي وأخذ يقدم من خلال أنفاسه الملتهبة نار ونورًا، تجربة حقيقية في التنمية والتقدم يمكن أن تكون مثالاً هاديًا لكل البلاد المتخلفة، وتقدم المجلة صورة عن قرب للندوة المهمة التي عقدتها «العربي» في منتصف شهر ديسمبر من العام الماضي تحت عنوان «المجلات الثقافية ودورها في الإصلاح الثقافي» وحضرها حشد من المثقفين العرب وأثيرت فيها العديد من القضايا، وتأمل «العربي» أن تجمع أبحاث هذه الندوة - جريًا على عادتها - في كتاب واحد لتصدره قريبًا بمشيئة الله.