مساحة ود
حكمة الصغار
عندما رأت ابنتي الصغيرة خادمة في منزلنا لأول مرة سألتني من هذه المرأة؟ وعندما أجبتها إنها خادمة قالت وماذا تفعل هذه الخادمة في منزلنا؟ وعندما أجبتها بما اعتبرته كافيا لإزالة حيرتها بأنها تعمل لدينا، تساعدنا في تنظيف المنزل وطهو الطعام، ازدادت دهشتها وكثرت أسئلتها، "ولماذا لا نقوم نحن بتنظيف المنزل وطهو الطعام؟ ولماذا تقيم معنا، أليس لها أهل وأبناء لتقيم معهم؟ وكيف يعيش أبناؤها الآن من غير أم؟ " ومرة أخرى استجمعت خبراتي وحكمتي لأجد إجابات عن هذه الأسئلة يفهمه عقلها الصغير فقلت لها إنها فقيرة، وإننا بهذه الطريقة نساعدها على الحياة، ولم تكن هذه الإجابات موفقة بما فيه الكفاية. فقد استمرت في حوار "لماذا" فلماذا هي فقيرة؟ وإذا كنا نريد مساعدتها فلماذا لا نساعدها دون أن تعمل لدينا؟ أسئلة بريئة، ولكنها تكشف عن أن هناك خللا ما، أدركته الطفلة بفطرتها، أما أنا فقد حاولت قتل هذه البراءة بادعاء أن هذه هي طبيعة الأمور، فهناك الغني وهناك الفقير، أما الإجابة عن "لماذا؟" فيجب أن تقف عند حد "إنك طفلة صغيرة وستعرفين لماذا عندما تكبرين".
في يوم آخر، وعندما كانت صغيرتي تقص علي ما حدث لها وصديقتها في المدرسة، سألتها - وأعترف أنه كان سؤالا غبيا - "من أين هي صديقتك؟" وأنا أعني ما هي جنسيتها، ظلت ابنتي تنظر لي بدون أي تعبير على وجهها وكأنها تنتظر أن أكمل سؤالي أو أوضحه، أو ربما انتظرت أن أسحبه، فهو سؤال لا يعني لها أي شيء على الإطلاق، فمن أين لها أن تعرف أننا شعوب وأمم ودول، وكرة أرضية مقسمة، وأجناس بيضاء وصفراء وسوداء. وبالطبع، لأنني أكثر حكمة منها وأكبر سنا منها، وأكثر خبرة، وواقعي بالإضافة إلى أنني "مثقف"! فقد بررت لنفسي سؤالي الغبي - بأنها يجب أن تعرف من هي، وإلى من تنتمي، وما هي هويتها، وهذا لن يكون إلا بمعرفة من يكون الآخرون وإلى أين ينتمون. ومرة أخرى أشعر بأنني أقوم بدور قذر أقتل به براءة طفلتي. ويا أيها الكبار لنتصارح قليلا: إننا أكبر من أبنائنا، هذا صحيح أما إننا أكثر خبرة وحكمة منهم، فهذه مسألة فيها نظر!