الثمن غال... ولكن الـحرية أغلى

الثمن غال... ولكن الـحرية أغلى


لا يهم عدد الضحايا, المهم ألاّ تُهدر دماؤهم. ولا تهم الخسائر, المهم ألا نقدم المزيد من التنازلات السياسية. لقد كان ثمن الانتفاضة باهظاً ويجب ألا ننسى ذلك للحظة واحدة.

عام مضى منذ استشهد 12 فلسطينياً, احتجّوا على زيارة رئيس الوزراء الاسرائيلي - الذي كان زعيم المعارضة آنذاك - إرئييل شارون للحرم القدسي الشريف, وما أعقبه من اعتداءات إسرائيلية متواصلة, حاولت إسرائيل من خلالها أن تكبّد الفلسطينيين خسائر تقارب ما أنجزوه خلال سبع سنوات ماضية, وأن تدمّر حياتهم على كل المستويات.

إن تحديد أسباب الانتفاضة الثانية, يدعونا لمراجعة الأحداث منذ سبتمبر 2000م, وهو الشهر الذي اندلعت فيه الانتفاضة, فبعد يوم من الزيارة الاستفزازية التي قام بها شارون للحرم القدسي, أطلق جنود الاحتلال النار وبصورة وحشية على المصلين الفلسطينيين الذين تظاهروا سلمياً ضد هذه الزيارة.

والواضح أن هذا الحادث لم يكن إلا عاملاً مساعداً, إذ إن السبب الرئيسي للانتفاضة هو تحرر الفلسطينيين من أوهام نسجتها سبع سنوات من الترقّب والانتظار, هي عمر عملية السلام التي لم تعط في النهاية إلا ثماراً قليلة جداً, ولذا فقد كانت هذه الانتفاضة استئنافاً لعملية المقاومة والكفاح ضد الاحتلال الإسرائيلي المتواصل منذ أربعة وثلاثين عاماً.

ومع تصاعد أعمال المقاومة, ارتفعت وتيرة الاعتداءات الإسرائيلية, ففي السنة الماضية, استمرت الحكومة الإسرائيلية باستخدام القوة بشكل مكثّف ومتطرّف ضد المناطق الفلسطينية, وهو ما أظهر خطة ممنهجة ومصممة مسبقاً, وضعت أسسها منذ أمد بعيد, متجليّة بالتوسع الاستيطاني الذي حاولت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة من خلاله فرض حقائق على الأرض, بالرغم من عملية أوسلو للسلام والمشاركة الاسمية في المفاوضات, وهو ما أظهر عدم الجاهزية الإسرائيلية للسماح بنشوء دولة فلسطينية فعلية قادرة على الحياة, إضافة إلى الخطوات التحضيرية لتدمير المنجزات التي حققها الفلسطينيون طوال الأعوام الماضية.

ولعل البرهان على الأكاذيب الإسرائيلية, هو أن الفترة اللاحقة لعملية أوسلو شهدت تمدداً استيطانياً بنسبة 52 بالمائة, وذلك في عدد المستوطنين والمستوطنات, إضافة إلى إنشاء 46 مستوطنة (مستعمرة) جديدة, في انتهاك صارخ للقانون الدولي.


تدمير الحياة الفلسطينية


وفي بداية الانتفاضة الحالية, بدأت إسرائيل عملية تدمير جديدة لحياة الفلسطينيين, بشكل لم يقتصر على النواحي المادية والديمغرافية فحسب, بل تعدّاها إلى النواحي الرمزية أيضاً.

فطوال الخمسة عشر شهراً السابقة, تجلى التدمير المادي في الأراضي الفلسطينية بشكل واضح, مسبباً تدميراً كبيراً للأرض والممتلكات, من خلال القصف والهجمات المسلحة والإغارة من قبل الجيش والمستوطنين المتطرفين, إضافة إلى تدمير منازل المدنيين الفلسطينيين.

وبالأرقام, فقد ألحق الجهد المشترك للجيش الإسرائيلي وجموع المستوطنين أضراراً بأكثر من 3500 منزل فلسطيني, وخمسين مكاناً للعبادة, بالإضافة لردم أكثر من 108 آبار ماء, وبصيغة تقريبية, فإن 700 منزل من التي دمّرت سويّت بالأرض بحجة بنائها من دون ترخيص.

إنها لمفارقة قاسية حقاً, عندما تقارن هذه المنازل مع التمدد المستمر للمستوطنات (المستعمرات) الإسرائيلية, والتي تعتبر غير شرعية استناداً إلى القانون الدولي.

وبالإضافة لما سبق, فقد أدت هذه الشراكة غير المكتوبة بين المستوطنين والجيش الإسرائيلي, إلى إلحاق أضرار فادحة بالقطاع الزراعي الفلسطيني, حيث تم تجريف أكثر من 42 ألف دونم من الأراضي الزراعية, في حين اجتثت أكثر من 112 ألف شجرة زيتون وفاكهة, ملحقة أضراراً اقتصادية بالعديد من المزارعين الذين يعتمدون على ما تنتجه أراضيهم في تحصيل قوت عائلاتهم.

ولم يقتصر الأمر على ما سبق, فقد لاحقت الاعتداءات الإسرائيلية باقي المزارعين, بفرض حصار عسكري مشدد على العديد من البلدات والقرى, عازلة إياها عن بعضها البعض, ومانعة أبناءها من تصدير بضائعهم إلى الأسواق, في ثنائية غريبة: ففي حين تتعرض آلاف الكيلوغرامات من الفواكه والخضار للتلف في قرية ما, تمنع عائلات عدة من الحصول عليها في قرية أخرى مجاورة.

ومما لاشك فيه, أن تأثير الحصار لا يقتصر على المناطق الزراعية فقط, بل هو جزء من مخطط إسرائيلي يهدف إلى تدمير حياة الفلسطينيين بالكامل, وتحويل وطنهم إلى 220 كانتوناً معزولاً.

تشديد الحصار

فعلى طوال الأراضي الفلسطينية, ينتشر 77 حاجزاً عسكرياً إسرائيلياً, ناهيك بالإغلاقات المتتالية للطرق وما تسببه من اختناقات مرورية.

والأكثر من واضح هنا, أن هذه السياسة هي الأساس الذي تبني عليه إسرائيل سياسة العزل, حيث يعزل كل تجمّع سكاني فلسطيني عن جاره.

وبالإضافة إلى ما سبق, فقد مكّنت الحواجز العسكرية الإسرائيلية بالتوازي مع سياسة الخنق وإغلاق الطرق والشوارع الالتفافية التي تربط المستوطنات بعضها بالبعض الآخر, الجيش الإسرائيلي من التحكم بحركة الناس والبضائع, داخلياً وخارجياً, كما دمّرت الإجراءات المشددة على حرية التنقل تدريجياً البنى التحتية الفلسطينية, مسببة شللاً كاملاً لها.

ولعل المثال الواضح على هذا الأمر, منع إسرائيل لأكثر من 125 ألف فلسطيني من التوجه لأعمالهم, وهو ما نجم عنه خسائر في الدخل اليومي تقدر بــ 000ر250ر6 دولار أمريكي, إضافة لانخفاض يقارب 51 بالمائة من ناتج الدخل القومي, ناهيك بارتفاع البطالة إلى نسبة 50 بالمائة من مجموع القوى العاملة الفلسطينية, مما دفع بــ 82 بالمائة من الفلسطينيين إلى تحت خط الفقر, أي العيش بأقل من دولارين يومياً للفرد الواحد.

قطاع التعليم تضرر أيضاً, وعلى كل المستويات: ابتداء من عدم قدرة المعلمين على الوصول إلى مدارسهم, مروراً بصعوبة الحصول على المواد اللازمة لإدارة العملية التعليمية, وانتهاء بما أحدثه الرصاص والقصف الإسرائيلي من أضرار مادية ودمار أصاب العديد من المؤسسات التعليمية.

فعلى سبيل المثال, وفي اليوم الأول للعام الدراسي الحالي, منع جنود الاحتلال قرابة الثلاثمائة طالبة تتراوح أعمارهن بين السادسة والثانية عشرة من دخول مدرستهن الواقعة في مدينة الخليل.

أما وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) فقد أوردت في تقرير لها, أن 40 بالمائة من العاملين في مدارسها لم يستطيعوا الوصول إلى أماكن عملهم, منذ أكتوبر الماضي بسبب الحصار.

ولتحاشي الوقوع في المشكلة نفسها هذا العام, أعادت وزارة التربية والتعليم الفلسطينية نقل قرابة خمسة آلاف معلم إلى مدارس قريبة من أماكن سكناهم.

ولابد من الإشارة هنا إلى قيام الجيش الإسرائيلي باحتلال ثلاث مدارس, وإغلاق ست أخرى في منطقتي نابلس وبيت لحم, إضافة لعرقلة عمل العديد من المدارس الأخرى: فمنذ بدء الانتفاضة الحالية, اقتحم جنود الاحتلال 23 مدرسة إضافة لقصف 95 مدرسة أخرى, مما اضطر المعلمين إلى إخلاء خمسين منها.

ولم يسلم القطاع الطبي من الهجمات أيضاً, فقد هدد الحصار هذا القطاع بالشلل الطويل الأمد, كما أعاق إمكان تزويد الخدمات الطبية الطارئة, فقد سجلت أكثر من 164 عملية إعاقة لعمل سيارات إسعاف تابعة للهلال الأحمر الفلسطيني واتحاد لجان الإغاثة الطبية الفلسطينية بسبب الحواجز العسكرية الإسرائيلية, والأخطر من ذلك, مهاجمة جنود الاحتلال والمستوطنين, في أكثر من 140 حادثاً منفصلاً, 73 بالمائة من سيارات إسعاف الهلال الأحمر, ناهيك بمقتل خمسة من الأطباء والممرضين, وإصابة 154 عاملاً في الهلال الأحمر والإغاثة الطبية.

وبالإضافة لما سبق, فتح الجيش الإسرائيلي, وفي أكثر من مناسبة, النار على ستة مستشفيات, مما أدى إلى إصابة عدد من العاملين والمرضى.

سياسة التطهير العرقي

والواضح أن إسرائيل تنتهك باعتداءاتها كل المعاهدات والمواثيق الدولية, بما فيها معاهدة جنيف الثالثة, التي تنص في المادتين 16 و 17 على أن على الأطراف المتنازعة السعي نحو الوصول إلى اتفاقية محلية لإخلاء الجرحى والمرضى وكبار السن والأطفال وحالات الولادة من المناطق المحاصرة, إضافة للسماح بمرور رجال الدين من كل الأديان, والطواقم والمعدات الطبية المتوجهة إلى تلك المناطق.

والخطير في هذا الأمر, كون الموت هو النتيجة الحتمية غالباً لهذه الانتهاكات, ففي هذا العام توفي 26 فلسطينياً نتيجة قيام جنود الاحتلال المتمركزين على الحواجز بمنعهم من تلقي الخدمات الطبية, إضافة لست حالات لنسوة أنجبن على الحواجز, وتجريف أحياء بكاملها, كما جرى في رفح وخان يونس, وهو ما يدل على سياسة تعسفية منظمة ومخططة, ليس من المغالاة اعتبارها شكلاً من أشكال التطهير العرقي.

إن الخسائر البشرية التي تكبّدها الفلسطينيون في العام الماضي كانت كبيرة إذ استشهد أكثر من 696 فلسطينياً في الخمسة عشر شهراً الماضية, كما وصل عدد الجرحى إلى ما يقارب 23 ألفاً, أي حوالي واحد بالمائة من عدد السكان الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة, وهو ما تساوي نسبته تسعة أضعاف عدد الذين قتلوا في الاعتداءات التي وقعت في الولايات المتحدة, بالمقارنة بين حجم السكان في كلا البلدين.

ويبدو أن نظرة متفحصة لهذه الأرقام تمنح الرأي القائل بأن حكومة إسرائيل متورطة في عملية تطهير عرقي مصداقية كبرى, ولعل الأرقام هي أكبر دليل: فأكثر من 58 بالمائة من الفلسطينيين الذين استشهدوا منذ بدء الانتفاضة لم يكونوا مشتركين في أي اشتباكات, وقد ارتفعت هذه النسبة إلى 90 بالمائة في الشهر الرابع, واستمر المعدل في الارتفاع إلى ما فوق 60 بالمائة, مما يعني أن الأغلبية الساحقة من الفلسطينيين قتلوا, بينما كانوا يمارسون حياتهم اليومية: في البيت, أو العمل, أو المدرسة, أو وهم يقودون سياراتهم.

كما تشير الإحصاءات, إلى أن الحكومة الإسرائيلية تجمع ما بين عدة وسائل لإنزال أقصى أثر مميت على الفلسطينيين, وهو ما يمكن رصده من خلال نمط الإصابات التي يعاني منها الفلسطينيون, والتي ستقود بالضرورة إلى الخروج باستنتاجات خطيرة, تشير إلى أن 4ر99 بالمائة من الفلسطينيين الذين قتلوا بذخيرة حيّة, أصيبوا في القسم العلوي من الجسم, في حين أصيب 6ر0 بالمائة المتبقين في القسم السفلي, مما يؤكد أن الجيش الإسرائيلي يطبق سياسة التصويب بهدف القتل, فإطلاق النار على القسم العلوي من أجساد مواطنين يمارسون حياتهم الطبيعية لا يشكّل مبرراً معقولاً (للدفاع عن النفس).

ومما يلفت الانتباه أيضاً, أن 9ر29 بالمائة من الإصابات تركزت في القسم السفلي من الجسم, أي أن أكثر من ثلثي المصابين الفلسطينيين أصيبوا في القسم العلوي, مما يشير على الأغلب إلى الرغبة في إحداث إعاقات.

إن هذه الإحصاءات التي تتحدث عن نفسها, هي أقوى بكثير من الكلمات الجوفاء التي تطلقها الحكومة الإسرائيلية بأنها (تمارس سياسة الدفاع عن النفس), وتمثل صورة جليّة للسياسة الإسرائيلية الهادفة إلى القضاء على الإنسان الفلسطيني كحلقة مكملة لسياسة هدم البيوت, وتجريف الأراضي, واقتلاع الأشجار.

ومما يلفت الانتباه أن 87 بالمائة من الفلسطينيين الذين استشهدوا كانوا من المدنيين, كما تشهد الحصيلة الشهرية للشهداء ارتفاعاً مستمراً يشمل كل فئات العمر, يشكّل الأطفال فيه هدفاً بحد ذاته, إذ إن 30 بالمائة من القتلى شهرياً هم دون سن 18.

أصغر الضحايا

ولعل من المفيد هنا التذكير بمأساة الأخوين, بلال وأشرف خليل, اللذين يعدّان أصغر ضحايا سياسة الاغتيالات الإسرائيلية الخارجة عن نطاق القانون, إذ استشهدا بينما كانا بانتظار والدتهما خارج عيادة صحية في مدينة نابلس, وذلك عندما أطلقت المروحيات الإسرائيلية الصواريخ على اثنين من القادة السياسيين الإسلاميين.

فتحت مصطلح (القتل المحدد), اغتالت إسرائيل الأخوين بلال وأشرف, إضافة إلى أربعة فلسطينيين لم يكونوا (محددين) في الاعتداء.

والواضح أن هذه الاعتداءات قد شهدت ارتفاعاً حادّاً في وتيرة تكرارها في الأشهر الأخيرة, حيث حصدت أرواح ما مجموعه 56 فلسطينيا في اغتيالات خارجة عن نطاق القانون, كان من بينهم 38 شخصاً استشهدوا في اعتداءات من شهر أبريل الماضي حتى الآن.

ومن جرائم الاغتيالات الأخرى, قيام إسرائيل باغتيال أبو علي مصطفى الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بإطلاق مروحياتها الحربية صاروخين على مكتبه في البيرة.

وقد كان أبو علي مصطفى من الشخصيات السياسية البارزة التي لم تخش أن تدعو للكفاح جهراً ضد الاحتلال الإسرائيلي غير القانوني للضفة الغربية وقطاع غزة, وهو ما أظهر تصعيداً خطيراً في السياسة الإسرائيلية مضمونه أن أي قائد سياسي قد أصبح هدفاً محتملاً لجرائم القتل الإسرائيلية هذه.

إن سياسة الاغتيالات جزء من سياسة أشمل تهدف إلى القضاء على أي إمكانية لقيام دولة فلسطينية تمتلك مقومات النجاح, كما تظهر أن إسرائيل لن تكف فجأة عن القضاء على القيادات الفلسطينية التي تشكّل جزءاً من مقومات دولة فلسطينية مستقبلية.

هذه هي بعض الآثار الملموسة لسياسة التدمير التي انتهجتها الحكومة الإسرائيلية طوال العام المنصرم, وهي النتائج الطبيعية للوسائل التي أدت إلى تدمير العملية السلمية وتدمير سبع سنوات من العمل والتنمية الفلسطينية, هذا التدمير الذي شمل أيضاً مشروعات حيوية أقامها الاتحاد الأوربي والممولون الدوليون مثل ميناء غزة.

جريمة أوسلو

ولعل الطريقة التي بنيت عليها اتفاقيات أوسلو كانت أساساً للنهج الذي دمرت به إسرائيل عملية السلام, إذ سمحت هذه الطريقة بتطوير الطرق والمستوطنات التي تسيطر عليها إسرائيل, والتي تفصل بين المناطق الفلسطينية, وهي التي لم يكن بوسع إسرائيل من دونها وضع البنية الضرورية لخنق وعزل التجمّعات الفلسطينية.

سبع سنوات قد مرّت ولايزال جزء كبير من اتفاقيات أوسلو غير منفذ, مما أوصل الوضع إلى الحضيض, والشعب الفلسطيني إلى قدر يصعب تخيّله من الاضطهاد.

روح المقاومة

ومع ذلك فروح مقاومة الاحتلال أقوى من أي وقت مضى في نفوس أبناء الشعب الفلسطيني, وأهم مظاهرها التطلع إلى التحرر من الاحتلال الإسرائيلي الظالم من ناحية, وإقامة دولة تمتلك مقومات النجاح والبقاء من ناحية أخرى, وهو ما يدل بشكل قاطع على تمسك الفلسطينيين الثابت بحقوقهم.

إن هذه الحقوق بحد ذاتها, يجب أن تكون مؤشراً إلى الحاجة لإجراء مفاوضات عادلة لا تحاول أن تتنكّر للحقوق الأساسية للشعوب, التي كفلها القانون الدولي.

فأي مفاوضات جديدة يجب أن تكون ضمن إطار دولي متوازن يضع آليات لتطبيق قرارات الأمم المتحدة, لاسيّما تلك التي تدعم حق الفلسطينيين في الحصول على دولتهم, وتفكيك المستوطنات المقامة على أراضيهم, إضافة إلى انسحاب القوات الإسرائيلية إلى ما وراء حدود الرابع من يونيو لعام 1967 , وتأمين حق العودة للاجئين الفلسطينيين.

حتى لا تُهدر التضحيات

وفي ظل تصاعد الضغوط الدولية لتجديد اللقاءات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي, فلابد من التركيز على ثلاثة أمور أساسية:

أولاً: بعد الصمود الأسطوري للشعب الفلسطيني ومعاناته الهائلة, فإن أهم ما يشغل بال الشعب الفلسطيني, هو عدم السماح بهدر تضحياته الباهظة أو الإذعان للضغوط بتقديم تنازلات سياسية تحيد عن أهداف الانتفاضة المعلنة في الحرية والاستقلال.

فغالبية أبناء الشعب الفلسطيني تجمع - حسب استطلاعات الرأي المختلفة - على عدم جواز العودة إلى مسار ما قبل الانتفاضة من الاتفاقيات الجزئية والانتقالية, بل ضرورة الإصرار على إيجاد حل جذري وشامل, ينهي الاحتلال ويزيل الاستيطان ويحقق الاستقلال.

وبكلمات أخرى, فإن الجهد السياسي الفلسطيني يجب أن يذهب في اتجاه ترجمة منجزات وتضحيات الانتفاضة إلى نتائج ومكتسبات سياسية.

ثانياً: ضرورة التعلم من أخطاء تجربة أوسلو, وعدم السماح بتكرارها, وضمن ذلك لابد من عدم السماح بوقف الكفاح الفلسطيني بغض النظر عن تغيّر أشكاله, وهنا يجب التركيز على نقطة عدم الخلط بين الانتفاضة كاستئناف للكفاح الوطني, وبين بعض أشكالها التي قد تستبدل بتعزيز الطابع الشعبي الجماهيري لهذا الكفاح.

وبعبارة أخرى, فإن العمل الدبلوماسي والسياسي يجب أن يترافق مع استمرار العمل الكفاحي, وإلا فسيجد الجانب الفلسطيني نفسه أسيراً مرة أخرى لإملاءات إسرائيل, لنتائج سياسة فرض الأمر الواقع على الأرض.

ومن المفيد هنا الإشارة إلى آخر نتائج استطلاعات للرأي, والتي تشير إلى أن 85 بالمائة من الفلسطينيين يؤيدون استمرار الانتفاضة, وأن أكثر من نصفهم يثقون بأنها ستحقق هدفها في الاستقلال.

وإضافة لما سبق, يتوجب على الجانب الفلسطيني عدم الانزلاق إلى نفق الاتفاقيات الجزئية والانتقالية, بل الإصرار على التركيز على الأمور الجوهرية, وهي إنهاء الاحتلال والاستيطان وإقامة الدولة المستقلة, وتحرير القدس العربية, وتأكيد حقوق اللاجئين.

ثالثاً: إن أي مفاوضات جانبية تجري بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي, لن تؤدي إلى نتائج, بحكم تركيبة المجتمع الإسرائيلي المتطرفة وميزان القوى القائم, وبالتالي فلابد من المطالبة بإطار دولي متوازن وبضغط دولي لتطبيق الشرعية والقرارات الدولية.

وقد يكون من المفيد في هذا الإطار الدعوة لعقد مؤتمر دولي جديد على شاكلة مؤتمر مدريد, بوفد فلسطيني مستقل هذه المرة, وإرفاق ذلك بجهد منسق لبناء حركة تضامن دولية واسعة مع القضية الفلسطينية.

كما أنه لابد من استثمار الإقرار العام, بعدما جرى في الولايات المتحدة الأمريكية, بأن الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي هو عامل رئيسي في زعزعة الاستقرار الاستراتيجي في المنطقة والعالم, وبالتالي فإن حل القضية الفلسطينية وتلبية حقوق الشعب الفلسطيني هو مفتاح الاستقرار والأمن والسلام.

وإذا كان الاحتلال قد استطاع تدمير جزء مهم من البنية التحتية الفلسطينية, فإنه فشل فشلاً ذريعاً في كسر الإرادة الفلسطينية, وإضعاف روح التحدي والمقاومة, فالصعوبات والمشاق لم تزد الشعب الفلسطيني إلا تصميماً على نيل الحرية والاستقلال والخلاص من ظلم الاحتلال البغيض.

والأمر الأهم الآن, هو توفير الاستراتيجية السليمة, والرؤية القيادية الصحيحة للاستمرار في الكفاح وتعزيز مقوّمات الوحدة والصمود, وتحويل التضحيات والمنجزات الكفاحية إلى منجزات سياسية ملموسة, وليس مجرد التوصل إلى اتفاقيات مجزوءة, تغدو حلقات جديدة في سلسلة الوثائق والاتفاقيات البائسة, التي قد تصبح بدورها مغذية للإحباط والتمرّد من جديد.

 

مصطفى البرغوثي

 
 




الطفولة المحاصرة بين بنادق جنود الاحتلال





من يبكي ضحايانا؟





تظاهرات شعبية ونموذج لقبة القدس تحتل قمة المواجهة





القمع مستمر ومتواصل من جنود إسرائيل ضد المواطن الفلسطيني العادي