عصر اكتشاف الأرض لم ينته بعد

عصر اكتشاف الأرض لم ينته بعد

يثبت مشروع «إحصاء الحياة البحري» أنه لابزال أمامنا الكثير مما يجب أن نعرفه عن أشكال الحياة. ففي كل عام من الأعوام الستة الماضية، اكتشف علماء المشروع المئات من أنواع الأسماك وأشكال الحياة البحرية الأخرى في أماكن لا يمكن لعقل أن يتصور وجود الحياة فيها.

ويعتقد علماء المشروع أن عثورهم على أشكال متنوعة للحياة حول فوهات بركانية في قاع المحيطات أو في قلب الظلمة تحت طبقات الجليد السميكة في المحيط المتجمد الشمالي يدعم النظريات القائلة بأن كواكب غير الأرض يمكنها أن تكون مناسبة لاحتضان الحياة.

ففي أحد المواقع، وعلى عمق ميلين (3.2 كيلومتر) في المحيط الأطلسي، عثر العلماء على نوع من الربيان (الجمبري) يعيش حول فوهة بركانية أنبوبية vent كانت درجة حرارة المياه المتدفقة منها 765 درجة فهرنهيت (4.7 درجات مئوية) بينما كانت المياه المحيطة بالموقع شديدة البرودة لا تتجاوز 3.6 درجة فهرنهيت (درجتين مئويتين).

وحول نتوء صخري في عمق بحر المرجان عثر العلماء على نوع آخر من الربيان اعتقدوا أنه انقرض قبل 50 مليون عام.

وعلى عمق أكثر من ثلاثة أميال (4.8 كيلومتر) في منطقة بحر ساراجاسو في المحيط الأطلسي، عثر على أكثر من عشرة أنواع جديدة تعيش على أكل بعضها البعض أو على الاقتيات على المواد العضوية التي تسقط من أعلى.

ويقول رون أودور، كبير علماء مشروع إحصاء الحياة البحرية: «لقد نجحت الحيوانات في إيجاد وسيلة ما للعيش في كل مكان تقريبا».

ويضيف: «لا يمكننا أن نجد مكانا حيث لا يمكننا أن نكتشف فيه شيئا جديدًا».

وقد جاءت حصيلة اكتشافات العام 2006 جزءا من مشروع طموح لدراسة الحياة في أعماق المحيطات من المقرر أن تنشر نتائجه النهائية في العام 2010. مشروع «إحصاء الحياة البحرية Census of Marine Life» هو جهد دولي تدعمه حكومات، ووكالات تابعة للأمم المتحدة، ومنظمات حمائية دولية. ويشارك فيه 2000 باحث من ثمانين بلدا.

وتقول جيسي أوسوبل، مديرة البرامج في مؤسسة Sloan الأمريكية، وهي إحدى المؤسسات الراعية لمشروع إحصاء الحياة البحرية: «إن عصر الاكتشافات لم ينته بعد. وهذه الاكتشافات ستستفز وكالة الفضاء الأمريكية ناسا وهؤلاء الذين يفتشون عن حياة في أماكن أخرى غير الأرض».

ألوان الحياة

تحتضن مياه البحار والمحيطات تنوعا حيويا شديد الغنى والتنوع والتلون. ويعرف العلماء الآن 16 ألف نوع من الأسماك البحرية ونحو 70 ألفًا من أشكال الثدييات البحرية. وقد اكتشف فريق علماء مشروع إحصاء الحياة البحرية عدة آلاف من هذه الأنواع نعرفها للمرة الأولى.

وقام علماء المشروع في العام المنصرم بتسع عشرة مهمة استكشافية، بينما تتواصل المهمة العشرون في القارة في المحيط المتجمد الجنوبي. وبالإضافة إلى ذلك، قاموا بمسح 128 منطقة قريبة من الشواطئ، واستخدموا الأقمار الاصطناعية في تتبع أكثر من عشرين نوعا نادرا من القروش، والحبار وأسود البحر وطيور القطرس.

ساونا ومياه مثلجة

ومن بين أهم اكتشافات 2006 عثور العلماء على أنواع من الروبيان، والبطلينوس calms وبلح البحر mussels تعيش حول فوهة بركانية في قاع المحيط الأطلسي شمال جزيرة آسينسيون تنفث مياهًا شديدة الحرارة وسط مياهًا المحيط الشديدة البرودة، وهي أسخن نقطة في قاع المحيط يسجلها العلم حيث درجة الحرارة فيها تكفي لإذابة الرصاص.

ويقول كريس جرمان، الباحث في مركز علوم المحيطات في ساوثهامبتون في بريطانيا ورئيس قسم مسح المحيط الأطلسي في مشروع إحصاء الحياة البحرية: «هذه بيئة بالغة القسوة. إن الأمر أشبه أن يوافق إنسان على العيش في حمام ساونا شديد السخونة وأن يرش من وقت لآخر بخرطوم مياه مثلجة.

وفي أعماق المحيط المتجمد الجنوبي، عثرت بعثة علمية أخرى تابعة للمشروع في منطقة شديدة الظلمة على حياة زاخرة، بما في ذلك أنواع عدة من القشريات crustaceans (القشريات رتبة من الحيوانات المائية تشمل سرطانات البحر وجراد البحر والربيان)، وقناديل البحر وحيوانات وحيدة الخلية. وقد دهش العلماء لوجود هذه الأنواع تعيش في الظلمة في منطقة بحر ويديل في القارة القطبية الجنوبية تحت طبقة جليدية سمكها سبعمائة متر وعلى بعد مائتي كيلومتر من المياه المفتوحة. وعندما جمع العلماء عينة من هذه الكائنات، كانت المفاجأة أن الأنواع الجديدة، التي لم يشاهدها أحد من قبل، كانت أكثر من الأنواع الشائعة المعروفة في هذه المنطقة.

ووصف أحد علماء المشروع هذا الاكتشاف الذي تم بكاميرا روبوتية: «يمكنك أن تعتبر هذا الموقع نوعا من الكهوف. بل إنه أبعد كهف على ظهر الأرض».

حياة خارج الأرض

ويؤكد علماء أن الحياة من القوة بحيث يمكنها أن تدب في ظروف شديدة القسوة. ويقول كريس جرمان: «مهما كان المكان الذي نذهب إليه على كوكبنا فإننا نواصل اكتشاف الحياة». وهو يؤكد أن الاكتشافات الأخيرة يجب أن تشجع على البحث عن حياة أخرى في الكون.

ويذكر أن علماء عديدين يتوقعون أن القمر أوربا الذي يدور حول كوكب المشتري ربما يخفي محيطات تحت سطحه المتجمد. وإذا كنا قد عثرنا على أشكال حياة عديدة تحت سطح المحيط المتجمد على كوكبنا، فربما ينطبق الأمر على قمر المشتري. وبالإضافة إلى ذلك، فإن علماء ناسا اكتشفوا وجود غاز الميثان بكثافة على سطح القمر تيتان الذي يدور حول كوكب زحل. وكانت ناسا قد أعلنت أخيرا اكتشاف مياه جارية على سطح المريخ.

الربيان الجوراسي

ومن الاكتشافات اللافتة في موسم 2006 لمشروع إحصاء الحياة البحرية عثور العلماء في بحر المرجان قبالة الشواطئ الأسترالية الشرقية على نوع من الربيان، يعرف علميا باسم Neoglyphea neocaledonica، اعتقدوا أنه انقرض منذ ملايين السنين. ومن باب الطرافة، أطلق عليه العلماء اسم الربيان الجوراسي Jurassic shrimp.

كما اكتشف العلماء بالقرب من جزيرة إستير نوعا جديدا تماما من سرطان البحر مغطى بفراء. وهو شيء شديد الفرادة في عالم الكائنات البحرية، الأمر الذي جعل العلماء ينشئون عائلة جديدة تماما في المملكة الحيوانية، وأطلقوا على جنس genus هذا الكائن اسم Kiwaidae، تيمنا باسم كيوا Kiwa، ربة المحار في بولينيزيا. أما اسم نوعه فهو hirsuta، وتعني الذي يكسوه الشعر. أما أكبر الكائنات البحرية حجما التي اكتشفت في موسم 2006 فقد عثر عليها العلماء في منطقة مقابلة لشواطئ مدغشقر، وهو نوع جديد من كركند الصخور rock lobster وزنه يبلغ نحو كيلوجرامين.

وفي منطقة تقع مقابل شواطئ نازار كانيون في البرتغال، عثر العلماء على كائن بحري وحيد الخلية كبير إلى درجة أنه يمكن رؤيته بالعين المجردة. وعثر على هذا الكائن الفريد على عمق 14 ألف قدم (4270 مترا). وهو يعيش داخل صدفة طبقية الشكل، وقطره أربعة أعشار البوصة.

ظواهر فريدة

ومن الظواهر الفريدة التي سجلها تقرير حصاد 2006 لمشروع إحصاء الحياة البحرية بالقرب من شواطئ نيوجيرسي، عثور العلماء على سرب يتكون من عشرين مليون سمكة يسبح في منطقة تعادل مساحة جزيرة مانهاتن.

ويفتش المشروع ليس فقط عن الأنواع الجديدة القابعة في أعماق المحيطات، بل وأيضا عن كل ما يتعلق بالحياة البحرية. ويقوم علماء المشروع بمتابعة الكثير من أنواع الطيور البحرية، خاصة تلك المهددة بالانقراض.

وقد استخدموا الأقمار الاصطناعية لتتبع مجموعة من طيور جلم الماء shearwaters (طائر بحري طويل الجناحين يسف في طيرانه حتى ليبدو أنه يقص الماء) في رحلتها للبحث عن الطعام التي استمرت 43.500 ميل (70 ألف كيلومتر) في المحيط الهادئ، بدءا من نيوزيلندا عبر بولينيزيا مرورا بمحطات استراحة في اليابان، وآلاسكا وكاليفورنيا ثم عادت أدراجها.

ودهش العلماء عندما اكتشفوا أن هذه الطيور تقطع في اليوم مسافة متوسطها 217 ميلا (350 كيلومترا)، وفي بعض الحالات، كان زوج من الطيور (الذكر والأنثى) يقوم بالرحلة كاملة وحدهما.

 

أحمد الشربيني 





من بين مجدافيات الأرجل (وهي رتبة من صغار القشريات) اكتشف العلماء 31 نوعا جديدا من بينها هذا النوع -سحر في الظلمة .. تحت طبقة جليدية سمكها سبعمائة متر عثر العلماء على هذا الحلزون ذي الجمال الأخاذ





نوع جديد من خيار البحر من اكتشافات موسم 2006 لمشروع إحصاء الحياة البحرية - نوع جديد وفريد من قناديل البحر تحت مياه المحيط المتجمدة





طائر جلم الماء تتبع العلماء رحلة بحثه عن الطعام التي قطع خلالها 70 ألف كيلومتر