عزيزي القارئ المحرر

عزيزي القارئ

الذكرى.. وعبورها

عزيزي القارئ..

يجيء أغسطس، فيلفح منطقتنا بلهيب ذروة الصيف، ويؤجج في الخواطر ذكرى مريرة يصعب تحاشيها، إنها ذكرى الغزو الصدامي المشئوم للكويت، وقد مرت عليها ستة أعوام، ستة أعوام كاملة توضحت فيها آثار تلك المغامرة الفظة بكل ما علق بها من إهدار للطاقة العربية، وطمس لأحلام العروبة، وفتح أبواب كانت موصدة أمام الرياح السود القادمة للعصف بأرض العرب. من بعيد ومن قريب.

ست سنوات لم تكف لمحو مرارة الذكرى، لكنها لا بد أن تكفي لعبورها. والعبور هنا لا ينبغي أن يكون تناسيا وتجاهلا، فالنسيان لا يأتي بقرار، والتجاهل يضر أكثر مما ينفع. عبور الذكرى، الحقيقي، والجيد، والمطلوب، يأتي بتدارسها، وبالأخذ بكل ما يجابه النقائص التي أدت إليها. ومن زاوية رؤية "العربي" كمنبر ثقافي، يتضح بجلاء أن الدافع الشامل الذي يمكن أن يلم كل الدوافع الأخرى في عتامة جوفه هو : التخلف. وللتخلف وجوه، نتوقف عند الثقافي منها. فاستباحة الآخر - مهما صغر، وأيا كانت الذرائع - تخلف ثقافي، لأنه ينفي خصوصية الآخر المستمدة من طبيعة عيشه داخل حدود جغرافية وتاريخية لا يمكن تجاهلها. وتتأكد بشاعة هذه الاستباحة عندما تتم بالقوة الفظة مثلما حدث في اجتياح آلة صدام العسكرية للكويت. ولعلنا نؤكد على تخلف مغامرة الغزو عندما نبحث عن إجابة للسؤال: أي مشروع حضاري يمكن أن يكون في غزو نظام صدام للكويت؟ لا شيء. لا شيء إلا ما حدث وكان : التخريب، النهب، التقبيح، العسف، والقمع الذي لم يكن في حاجة إلى جديد، إلا مجرد مد يده العمياء للعصف بالكويتيين بعد أن برع في العصف بالعراقيين، خاصة المثقفين منهم والذين صاروا أظهر ملامح الشتات العربي في زماننا.

لا عبور لظلمات التخلف الثقافي إلا بالنور الكامن في التنوير - بمعناه الثقافي تحديدا، هذا هو نداء الضمير الثقافي العربي الآن، وفي كل بقعة عربية، وهو ما نؤكد عليه دوما، وتؤكد عليه مواد هذا العدد بطرائق شتى: بافتتاحية رئيس التحرير المؤكدة على وجوب "رفع الحصانة عن المجرمين في حق الإنسانية" ، وبدعوة بقلم البشير بن سلامة إلى "برلمان للمثقفين"، واستهجان بقلم د. يحيى الجمل لـ "أمارات التخلف"، وحلم بقلم الدكتور شوقي جلال بـ "مؤسسة عربية للترجمة" وأمنية ليلى سيد موسى في الحفاظ على محمية طبيعية منمنمة على شاطئ الكويت، وحتى تذاكر د. محمد رجب النجار "التراث القصصي العربي". وغير ذلك كثير مما يضمه هذا العدد ويمتح من دعوى التنوير والارتقاء الثقافي.

ليس أخيرا ، عزيزي القارئ، نتوقف أمام صرح ورمز يتناوله تحقيق هذا العدد عن "برج التحرير" الكويتي، الذي يعتبر نوعا من عبور ذكرى الغزو في الواقع، وعلى مستوى الرمز أيضا. فقد توقف بناء هذا البرج مع الغزو والاحتلال العراقي، وتخرب بعض من بنائه، ثم عاد البناء بعد التحرير، وها قد تم افتتاحه أخيرا ليكون أعلى برج للاتصالات في الشرق الأوسط، والخامس عالميا. إنه رمز لعبور مرارة الذكرى بالتسامي نحو السماء الطيبة، وبالأداء الطامح إلى مزيد من التواصل الإنساني عبر الأثير.

فلتتسع رحابة التواصل، وليحلق عاليا طموح التنوير.

 

المحرر

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات