منظور مغاير للأدب العربي

منظور مغاير للأدب العربي

كيف انتشرت البنيوية كرؤية نقدية؟ وكيف تركت مركزها الأوربي الذي نشأت فيه وأصبحت أسلوبًا يستخدمه العديد من النقاد العرب، ويطبقونه على الإنتاج الإبداعي العربي؟ هذا ما يحاول هذا المقال أن يرصده.

وسط المناخ المشحون بالتوهج الأخير للبنيوية، بعد اندفاعها العاصف، وسيطرتها على الدرس الأدبي، وغيره من مجالات الدرس في العلوم الإنسانية والاجتماعية، قرابة عقدين من الزمان، كان لابد أن تتأثر دراسة الأدب العربي في الولايات المتحدة، وتنتقل دراساته من الفيلولوجيا التاريخية التي غلبت على روافد المدرسة الألمانية، والنزعات الاستشراقية التي لاترى القيمة إلا في إبداع المركز الأوربي الذي يرتفع قدره، بالقياس إلى الشرق الذي يظل أدبه، شبيهًا في صفة الدونية أو الصفات التي تختزل النظر إلى إبداعه في كونه وثيقة لغوية تاريخية، وذلك من حيث هو مرايا لحيوات بدوية متخلّفة، أو حتى بريرية، لا تنطوي على قيمة الأدب الأوربي بالقطع، وسواء كنا في اتجاه القطب الأول، الفيلولوجي التاريخي، أو القطب الثاني، الاستشراقي المتعالي، فإن النتيجة واحدة، تظل مقترنة بعجز الدراسات الواقعة في المتصل الواصل ما بين القطبين عن الارتقاء إلى مستوى دراسات الآداب المحيطة بها، أو المجاورة لها، في الجامعات الأوربية - الأمريكية، والإفادة من المناهج النقدية الحداثية التي شغلت أقسام الأدب المقارن بالدرجة الأولى، قبل أن تنتقل إلى أقسام اللغات الأوربية، ومنها إلى أقسام اللغات غير الأوربية.

ومن المؤكد أنه قد تم إعادة الاعتبار إلى ما أطلق عليه - طويلا - اسم «العقل البدائي» على أيدي بنيويين من أمثال كلود ليفي شتراوس الذي لم يرَ فارقًا جذريًا بين ما أطلق عليه أسلافه «العقل البدائي» مقابل «العقل المتحضّر» الأوربي طبعًا. وكان ذلك في سياق نزعته الإنسانية التي افترضت وجود أبنية عقلية كلية قارة وراء الظواهر المتغيرة، أو التجليات المختلفة. وهي نزعة فتحت الطريق إلى فهم جديد للثقافات البعيدة عن المركز، ومحاولة البحث عن بنياتها التي لا يمكن وصفها بالدونية، وإنما بالاختلاف الذي يضعها في دائرة متكافئة العناصر من تنوع العقل الكلي، في تجليات تباينه التي سعت الأنثروبولوجيا البنيوية إلى الكشف عن كيفية «الموالفة» التي تنبني بها، والتي تدل على قيمتها الذاتية التي تستحق الكشف عن أنساقها، كما تستحق التقدير لا الازدراء.

وكان يوازي هذا التغير الأيديولوجي، في التمسك بثنائية التراتب القمعي بين العقل البدائي والعقل المتحضر، على الرغم من أنه تغيير لم يخل هو نفسه من عناصر أيديولوجية، ظلت منطوية على معنى المركزية - أقول كان يوازي هذا التغيير تحول مواز في النظر إلى الشرق، العجيب، الغريب، السحري الذي لا يفارق دلالات التخلف والخرافة، مقابل الغرب المتعقل، العلمي، المتحضر، حيث يقع المركز الذي يحتكر القيمة في الوقت الذي يحجبها عن الهوامش والأطراف على حسب قربها منه أو بعدها عنه، وهو نظر اقترن بأيديولوجيا الهيمنة الاستعمارية التي قصد بها إبقاء العلاقة بين طرفي الثنائية القمعية بين التابع والمتبوع على ما هي عليه، وتأكيد استمرارها بما يبقى التابع في موضعه الأدنى، والمتبوع في موقعه الأعلى، والسبيل إلى ذلك، فكريًا، هو ترسيخ وعي التبعية عند التابع، وتبرير الوعي نفسه عند المتبوع الذي يبدو منقذًا للتابع، راعيًا له، حريصًا على الارتقاء به، والانتقال به من مستويات البربرية والحيوانية والشهوانية، إلى مستويات التحضر والإنسانية، وضبط الغرائز بواسطة العقل الذي لا يصل إلى أقصى اكتماله إلا في المركز، ولا يرتقي إلا منه وبه وإليه.

أيديولوجية القمع

وقد تولى إدوارد سعيد، في كتابه الجذري عن «الاستشراق» الصادر سنة 1978، تعرية هذه الأيديولوجية القمعية، والكشف عنها في تجلياتها المتباينة، في الخطاب الذي تخلل كتابات الاستشراق، خصوصًا تلك التي انطوت على نزعات التمييز والهيمنة، وذلك مع التركيز على إنطاق المضمر والمسكوت عن التصريح به في هذه الكتابات، حيث التحيّز المسبق الذي يمايز بين ثقافة المركز الراقية، بالمعنى المنحاز عرقيًا وجغرافيًا، وثقافة الهوامش، حيث التابعون، المتوحشون، منفلتو العواطف والمشاعر والانفعالات الذين يصل بهم الانفلات إلى درجات من الهمجية التي أصبحت سمة «العقل البدائي» الذي يقع - ضمن ما يقع- في «الشرق» العجيب الغريب المفرط في تخلفه. وقد بدأ إدوارد سعيد الثورة على هذه النظرة الاستعمارية، من حيث انتهى ميشيل فوكو (1926 - 1984) في تحليله قوانين السلطة وآليات القمع والعلاقة بين المعرفة والقوة، وما يقترن بها من أشكال المراقبة والعقاب.

وقد أحدث كتاب إدوارد سعيد عن «الاستشراق» هزة هائلة فور صدوره سنة 1978، كما سبق أن قلت، وظلت هذه الهزة متواصلة في اتساع أصداء الكتاب وتراكم آثاره التي أسهمت - مع أشباهها - بشكل مباشر وغير مباشر، في تحويل مجرى دراسات الشرق، وذلك ابتداء من وضع الوعي الذي انطوت عليه أجيال الدارسين الغربيين الأحدث موضع المساءلة، وفي مواجهة التقاليد الاستشراقية التي ورثوها وظلوا - بمعنى من المعاني - متأثرين بها، ماضين في خطاها، على الأقل على مستوى اللاوعي، فرأت عقول هذه الأجيال سلبيات الصورة التي ورثتها، كما لو كانت مجلى آخر لصورة دوريان جراي الذي اجتلى حقيقته، أخيرًا، في الصورة التي كشفت له عن نفسه، لكنها الصورة التي رسمها له غيره، ليريه حقيقة ما هو عليه، أوما هو ماض فيه، واعيًا أو غير واع، وأعتقد أن أولى العلامات الجذرية الدالة على تأثير كتاب إدوارد سعيد أن عددًا غير قليل من الدارسين الغربيين وجدوا حرجًا في الإبقاء على تسمية «الاستشراق» أو «المستشرقين» التي أحاطها كتاب إدوارد سعيد بالريب والشكوك وسوء الطوية والاتهام، فاستبدلوا بها تسمية «المستعربين». وفي الوقت نفسه، استبدلوا بالنزعة الاستعمارية المتعالية، نزعة إنسانية تسعى إلى الفهم، ولا ترى فارقًا جذريًا ما بين الشرق والغرب إلا في وحدة التنوع البشري الخلاّق.

وقد زاد من مضاعفة تأثير كتاب إدوارد سعيد توافقه - حتى لو اختلف في المنحى - مع التيارات النقدية الموازية له، أعني التيارات التي ظلت تبحث عن البنى المستقلة للأعمال الأدبية التي تتميز باستقلالها واكتفائها بنفسها، حيث الأدبية - في صفائها الإبداعي الفريد - هي الهدف الأول من البحث في حال وجود الأعمال الأدبية، شرقية أو غربية، وليس غيرها من الأهداف العملية أو النفعية. وقد تأسس بهذه التيارات وعي جيل جديد من المستعربين الذين لم ينطووا على سوء الطوية نفسه في درسهم الأدب العربي، فمضوا في موازيات التيار الذي فتح سعيد أبوابه المغلقة، وذلك بما أدى إلى تأسيس خطاب ما بعد الاستعمار الذي تمرد به التابع على أيديولوجيا التبعية، ووضع أيديولوجيا الهيمنة الاستيطانية والاستعمارية (بكل أنواعها) موضع المساءلة، وكان ذلك في الفعل الجذري الذي وصفه بيل أشكروفت وجارث جريفث وهيلين تيفين وصفًا أوجزه عنوان كتابهم «الإمبراطورية ترد بالكتابة» الذي ترجمته شهرت العالم، ونشرته «المنظمة العربية للترجمة» في بيروت سنة 2006. ويقصد الكتاب بعنوان «الرد بالكتابة» إلى تمرّد مثقفي الأٍقطار التي حطمت سلاسل الاستعمار وثأرهم من قمعه الطويل بالكتابة عن هذا القمع، وتحليل تجلياته المعاصرة، سواء في أشكاله المعلنة أو المضمرة المراوغة.

التعرف على أعراق أخرى

وبالطبع، لم ينفصل ذلك كله عن اتساع دوائر الاهتمام باللغة العربية وآدابها القديمة والحديثة، سواء في الأقسام الخاصة باللغات والثقافات الإفريقية، مثل قسم الدراسات العربية في جامعة ماديسون، أو في أقسام الدراسات الآسيوية التي تنتسب إليها الأقطار العربية الواقعة في قارة آسيا، أو أقسام دراسات الشرق الأدنى أو الشرق الأوسط ومراكزه البحثية على امتداد الجامعات الأمريكية. وكان هذا التعدد - في اقترانه بالتحول - يدل على تزايد الرغبة في معرفة المزيد عن العالم العربي وثقافاته وآدابه، خصوصًا بعد المتغيرات العالمية لصراع المصالح الجديد، والحروب الإقليمية التي لعبت فيها أصابع الولايات المتحدة دورًا فاعلاً بشكل أو آخر، وذلك في مدى الحرص على مصالحها وحضورها المتزايد في عدد من الأقطار العربية، خصوصًا تلك التي توافقت مع الولايات المتحدة في عدائها للامتداد القومي واليساري فكريًًا، وحرصها على تقليص نفوذ الاتحاذ السوفييتي، ثقافيًا، واستئصال جذوره من المنطقة قبل اتساع مدى تأثيره.

وكان صدور دورية «الأدب العربي» التي صدرت عن دار بريل لايدن، علامة على تزايد الإقبال على معرفة الأدب العربي، وتزايد الحاجة إلى قراءته من منظور جديد، وقد نشرت المجلة عددًا من الترجمات المتميزة لإبداعات الأدب العربي الحديث، خصوصًا في مجال القصة القصيرة، كما نشرت دراسات أجيال أكثر انفتاحًا من المستعربين الذين اهتموا بالأدب العربي القديم، وتطبيق المناهج النقدية المعاصرة - في ذلك الوقت - على دراسته. وأذكر أنني قرأت مقالات مهمة عن يحيى حقي ونجيب محفوظ ويوسف إدريس وغيرهم في هذه المجلة، كما قرأت عن الأدباء العرب الحداثيين الموزعين على الأقطار العربية. وقد نجحت المجلة (التي كان محمد مصطفى بدوي من أبرز محرريها) في جذب الباحثين العرب الذين يكتبون باللغة الإنجليزية، أو يترجمون إليها، على امتداد الجامعات الأوربية والأمريكية، كما جذبت إليها المستعربين الجدد الذين دخلوا أفقًا مغايرًا من النظر إلى الأدب العربي قديمه وحديثه ومعاصره.

وأذكر أنني - بعد أن وجدت أعدادًا من هذه المجلة - في مكتب داستن كاول، وكان ذلك في المكان المخصص لدراسات الأدب العربي القديم والدوريات الأنجلوأمريكية المهتمة به، صرت أتابع هذه الدورية في مكتبة الجامعة، وأتابع دراسات أعدادها التي عرفت فيها للمرة الأولى تحليلات ريناتا ياكوبي، وكان واحد من هذه التحليلات مخصصًا لإحدى قصائد ابن المعتز، إن لم تخني الذاكرة،وذلك في سياق كتابات «الاستعراب» التي غيّرت المنهج والمقصد، وتميزت بنظرتها الجديدة التي لم تخل من نزعة محدثة، تأثرت بالتيارات النقدية الموازية في دراسات الآداب الأوربية،أقصد إلى كتاب ماري كاترين بيتسون عن «الاستمرار في الشعر الجاهلي» الذي صدر سنة 1970، وذلك قبل عامين فحسب من دراسة جيمس مونرو التأسيسية في دورية «الأدب العربي» سنة 1972، عن «النظم الشفاهي في الشعر ما قبل الإسلام: مشكلة الأصالة». وكانت دراسة مونرو (الذي كان متخصصًا في الدراسات الأندلسية أصلاً، وترجم وقدّم لرسالة ابن شهيد «التوابع والزوابع» فضلاً عن كتاب متميز في المقامات، ترجم إلى اللغة العربية أخيرًا) فاتحة تيار جديد في النظر إلى الشعر الجاهلي الذي لم يفقد سحره وبريقه الجاذب للدراسات الحديثة.

وكان مونرو يستهل في هذا البحث الرائد، في مجال الأدب الجاهلي، ما لم يسبقه إليه غيره، منظورًا ومنهجًا، مفيدًا من إنجازات ما عرف باسم «نظرية التقاليد الشفاهية». وهي النظرية التي رادها ميلمان باري (1902 - 1935) وألبرت لورد (1912 - 1991). وقد اقترن اسم الأول بالثورة التي أحدثها في الدراسات الهومرية (نسبة إلى الشاعر هوميروس) الذي لا يزال وجوده محاطًا بالشكوك، مثل كيفية صياغة ملحمتي الإلياذة أو الأوديسا، وقد ذهب باري في أطروحته المنشورة بالفرنسية، في العشرينيات، إلى أن أسلوب هوميروس يتميز بالاستخدام الواسع لعبارات وتراكيب ثابتة، أو صيغ،تتكيف مع التعبير عن فكرة تقترن بأوضاع عروضية ثابتة. وقد أكمل ألبرت لورد - أستاذ الدراسات السلافية والأدب المقارن في جامعة هارفارد - عمل أستاذه الذي قام بزيارتين ميدانيتين إلى الجنوب السلافي، وسجل آلاف الأغنيات الشعبية التي تحولت إلى مادة، انطلق منها لورد في كتابه «مغني الحكايات» (1960) الذي أكد طبيعة الأداء الشفاهي الذي يصل ما بين الارتجال والذاكرة الجمعية التي ينطوي عليها المنشد، من حيث هما وجهان لعملية واحدة في فعل الأداء الذي يعيد به المنشد ترتيب علاقات الصيغ المحفوظة في الذاكرة الجمعية التي ينطوي عليها، وذلك بما يجعل النص المؤدى يختلف من منشد إلى آخر، بل عند المنشد نفسه من وقت إلى غيره، فلا نص ثابتًا في هذا النوع من الأداء الذي لا نهاية لمتغيراته وتحويراته، ما ظل على شفاهيته.

النظم الشفاهي

وقد تتابعت الجهود لتطوير نظرية «النظم الشفاهي» عبر باحثين من أمثال والتر أونج (1912 - 2003) صاحب كتاب «الشفاهية والكتابية» الذي ترجمه - وقدّم له بدراسة كاشفة - حسن البنا وراجعه محمد عصفور (سلسلة عالم المعرفة الكويتية، فبراير 1994) وكذلك جون ميلز فولي وأمثاله من الذين مضوا بالنظرية إلى آفاق أوسع، في السياق الذي لايزال متواصلاً، مقترنًا بحرص أنصار النظرية على استكمالها وتطوير عناصرها وتوسيع سياقاتها.

وظل ذلك كله في سياق أوسع، يشمل الاهتمام بالتقاليد والثقافة الشفاهية، من حيث هي طريقة في تناقل التاريخ والآداب والأعراف من جيل إلى جيل، خصوصًا في المجتمعات أو الحقب أو الثقافات التي لم تصل إلى المرحلة الكتابية بعد، ولا يزال كتاب صديقي يان فانسينا - أستاذ التاريخ الإفريقي في جامعة وسكنسون - ماديسون - عمدة في هذا المجال الذي أسهم فيه بكتابه التأسيسي «التقاليد الشفاهية». (الذي ترجمه زميلي الدكتور أحمد مرسي بعنوان «المأثورات الشفاهية» ونشره في القاهرة سنة 1981).

وقد بدأ جيمس مونرو من حيث انتهى السابقون عليه في هذا المجال، وبخاصة باري ولورد، وحاول تطبيق نظرية النظم الشفاهي على الشعر الجاهلي لينقل النقاش الطويل حول قضية الانتحال نقلة جذرية إلى الأمام، فقد كان القصد الأساسي من بحثه هو حسم النقاش حول نظرية الانتحال التي انبنى عليها كتاب طه حسين الشهير «الشعر الجاهلي» الذي أقام الدنيا ولم يقعدها عند صدوره سنة 1926، وظل مثارًا لجدل علمي لم ينقطع. وكان موقف مونرو سلبيًا من التسليم بنظرية الانتحال على علاتها، ولم يرد أن يردد ما سبق أن قيل فيها وعنها، فآثر أن ينظر إليها في ضوء جديد. وكان هذا الضوء قرين نظرية باري ولورد عن النظم الشفاهي الذي قرناه بجماعية الإنشاء في الملحمة الهوميرية، مؤكدين أن كلا من الإلياذة والأوديسا نظم شعبي شفاهي، تراكم عبر الزمن إلى أن اكتمل، ونسب إلى شخص هوميروس المشكوك في وجوده، وذلك في تقاليد لا تعرف مفاهيم الانتحال أو السرقة، أو متى ينبغي الوعي بوجودها، وإنما تعرف الناظم الذي يمتح من مخزونه الذي ينطوي على ذاكرة جمعية، يعيد تركيب ما تحتويه في صيغ هي نوع من الإنتاج وإعادة الإنتاج الذي لا يفارق الحدود التي استقرت عليها الروايات المتتابعة للملحمة عبر العصور، وكان ذلك يعني النظر إلى «الصيغة» بوصفها وحدة البناء التي يبنى بها الفرد الناظم - من المخزون الشعبي - ما ينتسب إليه على سبيل المجاز لا الحقيقة، أي بمعنى الموالفة لا التأليف.

وقد قصد جيمس مونرو من تبنّيه مدخل باري ولورد - بعد تعديله بما يتناسب وطبيعة المادة التي يدرسها - أن يفض إشكال قضية الانتحال على أساس من مفهوم «الصيغة» التي جعلها عنصرًا تكوينيًا في نظم الشعر الجاهلي، ورأى علاماتها في تكرار التراكيب والجمل الموزونة، فضلاً عن صيغ النعوت المتجاوبة تركيبًا، مفترضًا أن ناظم هذا الشعر كان يأخذ من المخزون الجمعي مادته، التي يبني بها قصائده، وذلك بما يصل بين الارتجال الشفاهي، والذاكرة وصلاً يجعل من كليهما وجهي عملة واحدة. وكانت النتيجة اقتران حال حضور الشعر الجاهلي بالنظم الشفاهي الذي تعددت شواهده في هذا الشعر الذي ظل ينتقل من جيل إلى جيل بواسطة وعي جمعي، انطوى عليه رواة ومؤلفون شعبيون، لم يكفّوا عن عملية التوليف بين صيغ متماثلة المبنى، متوازية الإيقاع، يحفظونها ليعيدوا تركيبها في كل فعل من أفعال الإنشاء الذي هو فعل من أفعال الأداء. وأذكر أنني أعددت حديثًا - بعد عودتي إلى القاهرة - عن بحث مونرو، في القسم العربي من الإذاعة البريطانية، وبدأت في ترجمته، لكن شغلتني مشاكل الحياة، إلى أن قرأت ترجمة عربية جيدة للبحث، قام بها الصديق يوسف أبو العدوس في الجامعة الأردنية، فأراحني من أرق الانتهاء من الترجمة، التي لم أكن قطعت فيها شوطًا كبيرًا على أي حال.

تطبيق البنيوية على الأدب العربي

ومهما يكن من أمر، فقد لفت بحث مونرو الأنظار إليه، وجذب انتباه عدد من المستعربين الجدد إلى متابعته، فنشرت دورية «الأدب العربي» دراسة سمحا ألوايا (Semha Alwaya) عن «الصيغ والتيمات في الشعر الشفاهي للبدو» سنة 1977. وكان ذلك بعد عام واحد من نشر المجلة نفسها بحث م.ف. ماكدونالد عن «الشعر المتناقل شفاهة» سنة 1978. وفي السنة نفسها، التي أصدرت فيها مطبعة جامعة أوهايو كتاب مايكل زفتلر «التقاليد الشفاهية للشعر العربي القديم» الذي يبدأ من حيث انتهى مونرو، ويمضي في الأفق نفسه، مع بعض التعديلات، التي لا تخلو من موافقة أو اختلاف أو إضافة، ليست مفصولة عن السياق العام الذي استولت فيه البنيوية على قلوب الكثيرين.

وقد أسعدني أنني وجدت في مكتب داستن كاول من دوريات الأدب العربي الجديدة ما رفعني إلى استكمالها ومعرفة آفاقها الواعدة في المكتبة، وعرفت أن بداية التيار الجديد في دراسة الأدب العربي بدأت مع مارين كاثرين بيتسون، التي نشرت كتابها الذي أشرت إليه سنة 1970، وتواصلت مع جيمس مونرو (1972) ومن مضوا في الطريق نفسه، أو مضوا في طريق مواز، كما فعل أندراش حاموري الذي نشرت جامعة برنستون كتابه عن «فن الأدب العربي في العصر الوسيط» سنة 1974. وهو طريق يختلف عن الطريق الذي جذب إليه المتأثرين بالأفق الذي فتحه مونرو سنة 1972. وذلك في سياق الإيقاع المتغير لدراسة الأدب العربي في الولايات المتحدة، خصوصًا في الجامعات، التي لم تكن أسيرة تقاليد قديمة يهيمن عليها النزوع الفيلولوجي أو الاتجاه اللغوي التاريخي، مثل جامعة هارفارد، وما ماثلها من الجامعات، التي ظلت محافظة على التقاليد التاريخية أو اللغوية نفسها. أما جامعة وسكنسن - ماديسون، التي لم يكن لديها تاريخ طويل من تقاليد الدراسات الاستشراقية. وظلت تنطوي بحكم وقوعها في ولاية راديكالية، لم تخل من التأثير اليساري، على دوافع التجدد والتجديد. على الأقل في اهتمامها بالتوجهات الصاعدة للدراسات الأفروأمريكية ثم دراسات ما بعد الاستعمار، وهي توجهات يمكن أن تتقبل نقديًا البنيوية وموازياتها، وما ترتّب عليها، أو اقترن بها من تيارات النقض أو التفكيك، وتضعها جميعًا موضع المساءلة.

وكانت أولى محاولات تطبيق المنهج البنيوي على الأدب العربي القديم بوجه عام، والجاهلي على وجه الخصوص، هي محاولة الصديق كمال أبو ديب الرائدة، التي نشر أول إنجازاتها سنة 1975 عن معلقة لبيد، وذلك في الدورية العالمية لدراسات الشرق الأوسط، وكانت بعنوان «نحو تحليل بنيوي للشعر الجاهلي». وقد فتنتني هذه الدراسة في ذلك الوقت، ووجدت فيها مدخلاً مغايرًا، يمكن أن يثرى بجذريته دراسة الشعر الجاهلي الذي لاأزال أنطوي له على محبة خاصة لما يمثله من معنى البدايات وغموضها الساحر الآسر. وقد أتبع كمال أبوديب دراسته عن لبيد بدراسة ثانية سنة 1976 عن معلقة امرئ القيس، التي جعل عنوانها «الرؤية الشهوية»، ونشرها في دورية «أدبيات». وكان ذلك في السياق الذي أخذت فيه عدوى البنيوية تنتقل إلى دراسة الشعر العربي القديم الذي كانت الدوريات المختصة بالأدب العربي تهتم به، وعلى رأسها مجلة «الأدب العربي»، التي قرأت فيها أكثر من تحليل بنيوي للشعر القديم. وأغلب الظن أن داستن كاول الذي حللت ضيفًا على مكتبه ومكتبته - في جامعة وسكنسن، ماديسون - كان قد أخذ يتأثر بالتيار البنيوي الصاعد. ويعيد النظر في أطروحته لدرجة الدكتوراه، التي كتبها عن ابن عبدربه الأندلسي، إن لم تخني الذاكرة، تحت إشراف جيمس مونرو الذي كان بدراساته، عاملًا مهمًا في تحديث دراسة الأدب العربي في الولايات المتحدة، والخروج على الأعراف الأكاديمية التقليدية، التي أرساها جيب، أو التقاليد المختلفة - في الدرجة لا النوع - التي استهلها جرونباوم، ولذلك لم أندهش عندما قرأت دراسة عدنان حيدر المطولة في دورية «أدبيات» عن معلقة امرئ القيس بنيتها ومعناها. وهي الدراسة، التي يركز فيها على الجانب الصوفي من المعلقة، وذلك من غير إغفال الإشارة إلى النظرية الشفاهية من ناحية، والنظم الشفاهي من ناحية أخرى. ولم يكن ذلك كله بعيدًا عن السياق الذي كتبه فيه صديقي - فيما بعد - ياروسلاف ستيتكيفتش دراسته عن «ظاهرة القصيدة الغنائية العربية» في دورية الأدب العربي سنة 1975.

وقد حاول زميلنا حسن البنا عز الدين أن يقدم - بعد ذلك بثلاثة وعشرين عامًا - دراسة عن الشعر الجاهلي والبحث الأدبي المعاصر، في مدخل كتاب «سياسة الأدب وأدب السياسة» الذي ترجمه بالاشتراك مع المؤلفة سوزان ستيتكيفتش، الصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب في القاهرة سنة 1997. وكانت الدراسة بمنزلة «تمهيد لرؤية الدور النقدي لمدرسة شيكاغو مع إشارة خاصة إلى سوزان ستيتكيفتش، والقصيدة العربية الكلاسيكية».

وهي دراسة مليئة بالتعاطف، وربما العرفان المضمر، لكنها مجافية لسياق الإنجازات التاريخية، التي لم يبرز فيها اسم ياروسلاف ستيتكيفتش أو زوجه سوزان إلا بعد أن قطع التجديد شوطًا كبيرًا في دراسة الأدب العربي في الجامعات الأمريكية، وأصبح الطريق ممهدًا أمام سوزان، لتنقد دراسات كمال أبي ديب، وعدنان حيدر وغيرها من الدراسات السابقة، التي فتحت أفقًا مغايرًا لدراسة الأدب العربي القديم بوجه خاص. وقد درست سوزان ستيتكيفتش «التفسيرات البنيوية للشعر الجاهلي: نقد واتجاهات جديدة» - بعد إلقاء صورته الأولى في حلقة بحثية سنة 1980 - واستكملته بما جعلها تنشره في دورية دراسات الشرق الأدنى بعد ذلك. وهو الأمر الذي حدث بعد عودتي من القاهرة أولاً، ولم ينطو على مساءلة نقدية عميقة ثانيًا. قد يكون ياروسلاف - وقد عرفته في زياراته المتعددة إلى القاهرة، واقتربت منه ولاأزال معجبًا بمنظوره النقدي الأصيل في حداثته - سبق زوجته (التي كانت تلميذته) زمنيًا في الإسهام في مسار دراسات «الاستعراب» الجديد للأدب القديم، ولكن أن نتحدث عن مدرسة شيكاغو في دراسة الأدب العربي، على وزن مدرسة شيكاغو أو النزعة الأرسطية المحدثة في دراسة الأدب الأوربي، فذلك إسراف يخلو من الدقة، ويجافي مجرى المتغيرات المنهجية، التي وجدت نفسي طرفًا فيها، وشاهدًا عليها ما بين 1977 - 1978.

المعنى والأسطورة

وفي تقديري أن التأثير الأقوى صدى كان لدراسة كمال أبوديب البنيوية عن معلقة لبيد، التي كانت تأسيسًا لمنظور جديد بالفعل في دراسة الشعر العربي بعامة، والشعر الجاهلي بخاصة. ولم يكن من المصادفة أن تصدر دراسة كمال في السنة نفسها، التي صدر فيها كتاب إدوارد سعيد «بدايات» الذي كان ابتداء جذريًا في أفق جديد واعد، من منظور المقصد والمنهج، وفي السنة نفسها، التي صدر فيها كتاب جوناثان كلر عن «الشعرية البنيوية» الذي كان تأصيلاً للبنيوية الأدبية، وترسيخًا لمنهجها في دراسة الأدب، وكشفا عن إمكاناتها وتقنياتها، الأمر الذي أدى إلى الاتساع بمفاهيمها في دوائر الاستقبال المختلفة، والإسهام في إغواء الدارسين بها، خصوصًا بعد أن أزال الكتاب غموضها، وأبان عن عناصرها التكوينية والعلاقة بين هذه العناصر بما جعل الكتاب نفسه نموذجًا بنيويًا في النقد الشارح، أو ما بعد النقد.

وأعترف أنني انبهرت بدراسة كمال أبي ديب، عندما قرأتها للمرة الأولى، فقرأتها للمرة الثانية والثالثة في ذلك الزمان البعيد، معجبًا كل الإعجاب بجدة المنهج وطزاجة التناول وتجليّ قصيدة لبيد نفسها في ضوء جديد، لم يكن مسلطًا عليها من قبل، ودفعتني دراسة لبيد - وكانت الحلقة الأولى من مشروعه - إلى قراءة التحليل البنيوي الثاني لمعلقة امرئ القيس الذي نشر في مجلة «دراسات آداب الشرق الأوسط» فيلادفيا سنة 1976. وربما نشر في «أدبيات» في الوقت نفسه، فلم أعد أذكر على وجه اليقين. المهم أن إعجابي بتحليل كمال أبوديب ظل مستمرًا، لكن مع خفوت درجة الانبهار في البحث الثاني، فالحلقة الثانية من مشروع كمال البنيوي لم تكن في مستوى الحلقة الأولى، وربما كانت ألفتى بالمنهج أطاحت بدرجة من السحر، التي تحيط بالقراءة الأولى الصادمة بالجدة والأصالة والأفق المغوي. وكان سهلاً أن ألاحظ دين تحليل كمال لمنهج التحليل البنيوي للأسطورة عند كلود ليفي شتراوس على وجه الخصوص، صحيح كانت هناك بصمات خفيفة للتحليل الشكلي للحكاية عند بروب، ومحاولة للاقتراب من رؤية العالم بمعنى من المعاني، التي يمكن أن تنطوي عليها بنيوية جولدمان، ولكن العلاقة بليفي شتراوس ظلت هي الأقوى، في مدى استجابتي القرائية لدراسة كمال، وذلك ابتداء من «التشابه المثير الذي يمكن رصده بين بنية الأسطورة، خصوصًا كما يحللها ليفي شتراوس، وبنية القصيدة الجاهلية». ويوازي ذلك تصريح كمال - فيما بعد - بأن «عمل ليفي شتراوس هو الألصق بالمشروع الذي أنمّيه». وأن «مصطلحاته قد لعبت دورًا تأسيسيًا في تطويري للمنهج البنيوي»، ومصداق ذلك مصطلحات ليفي شتراوس الأثيرة، أو مفاهيمه الإجرائية، التي تحولت إلى عناصر تكوينية منهجية في تحليل كمال كله، ونرى علامات حضورها في تكرار مصطلحات دالة من مثل «حزم العلاقات» و«القيمة الدلالية» والثنائيات الضدية» (الأثيرة عند شتراوس) والتحولات، و«الوحدات التكوينية» و«الوحدات الأولية» (أو الوحدات الصغرى، التي هي «الميثيمات» جمع «ميثيم» أصغر وحدات الأسطورة عند ليفي شتراوس). وكان ما يجمع بين كمال وليفي شتراوس - في النهاية - هو وحدة الهدف، التي تجعل من الأسطورة في حالة كلود ليفي شتراوس، بنية دالة من خلال العلاقات التي تتبنى بين عناصرها التكوينية، رأسيًا وأفقيًا، أو تجعل القصيدة، في حالة كمال أبي ديب، بنية دالة موازية، لكن من خلال وجودها التشكيلي النوعي والعلاقات العميقة، التي تسود بين مكوناتها البنيوية.

أبوديب وتأثيره

ولاأزال أعتقد أن تأثير تحليل كمال أبي ديب لمعلقة لبيد كان يوازي تأثير كتاب جوناثان كلر على أكثر من مستوى، فكلا العملين فتح أفقًا واعدًا لمن جاء بعده من الدارسين، وأصبح إنجازًا لا يمكن تجاهله في تاريخ القراءات الجديدة للشعر الجاهلي. صحيح أن نزعة نرجسية، عالية النبرة، كانت تتخلل عمل كمال، في إشارته إلى جدة إنجازه، أو وعيه بخطورة عمله، خصوصًا حين يؤكد أن دراسته «لا تتشكل في إطار المعطيات التقليدية، التي طغت على كل الدراسات العربية، وتناول الاستشراق الغربي للتراث الشعري العربي». وهي عبارات لا تذكر سوى الدراسات السابقة المتصفة بالتقليدية، وذلك على مستوى الحضور، لكن ماذا عن مستوى الغياب في الجدلية، التي ظل كمال مغرمًا بها، وجعلها عنوان واحد من أهم كتبه، «جدلية الخفاء والتجلي». أعني قراءات أدونيس الحداثية للشعر الجاهلي، التي افتتح بها الجزء الأول من مختاراته «ديوان الشعر العربي»، وأعاد نشرها - بعد تعديلات طفيفة - في كتابه «مقدمة الشعر العربي» (1970). وأضيف إلى ذلك محاولات لطفي عبد البديع في كتابيه «الشعر واللغة» (1969) و«التركيب اللغوي للأدب» (1970). وكانت موازية لمحاولات مصطفى ناصف التجديدية في قراءته «الصورة الأدبية» (1958)، و«نظرية المعنى في النقد العربي (1964) و«مشكلة المعنى في النقد» (1970) و«دراسة الأدب العربي» (1965). ولا أنسى جهد محمد النويهي في كتابه «الشعر الجاهلي: منهج في دراسته وتقويمه» (1966). وقد مضى مصطفى ناصف - على وجه الخصوص - في تعميق مجرى قراءته الجديدة للتراث الأدبي والنقدي ابتداء من «قراءة ثانية للشعر القديم» (1970) و«صوت الشاعر القديم» (1992) وليس انتهاء بـ «الوجه الغائب» (1993).

وفي مقابل ذلك، هناك على مستوى الاستعراب جهود ماري كاترين بيتسون بكتابها عن الشعر الجاهلي (1970) وبعدها ريناتا ياكوبي (1971) ثم أندراش حاموري بكتابه عن «فن الأدب العربي في العصر الوسيط» (1974). وكلها كتابات سبقت دراسة كمال أبو ديب. ومهدّت له الطريق، ولم تكن تقليدية بحال، ولولاها ما مضت دراسته عميقًا في الأفق الذي فتحته هذه الدراسات المحدثة بكل معنى الكلمة.

الطريف أن كمال أبوديب بدأ - في أطروحته للدكتوراه عن «مفهوم الصورة الشعرية عند الجرجاني» - متأثرًا بأفكار «النقد الجديد» الذي سهّل عليه التحول إلى البنيوية، فالمسافة ما بين الاثنين ليست بعيدة، وإنما قريبة بما يتيح الانتقال اليسير بينهما. في اتجاه صاعد ينبني على الاتصال وليس القطيعة. ولذلك ظل كمال في منحاه البنيوي بعيدًا عن منحى إدوارد سعيد الذي أصبح صديقًا له. فيما بعد، وترجم له «الاستشراق» و«الثقافة والإمبريالية». وكان البعد عن منحى إدوارد سعيد، في ذلك الوقت، يعني البعد عن مدار ميشيل فوكو الذي اهتم كل الاهتمام بالكتابة عن القوة، وفضح إيديولوجيات القمع. ولذلك كانت دراسة كمال أبوديب، عند صدورها سنة 1975، قريبة - في مجالها المعرفي - من كتاب جوناثان كلر عن «الشعرية البنيوية» بعدها عن مدار إدوارد سعيد، سواء في «بدايات» أو الكتاب الذي صدر بعده بثلاثة أعوام: «الاستشراق». وقد انتبه كمال إلى هذا البعد فيما بعد، فحاول اختزاله بإدخال عناصر من «البنيوية التوليدية» عند لوسيان جولدمان (1913 - 1970) الذي توفى قبل صدور دراسة كمال بخمس سنوات.

ولا أقصد إلى التقليل من شأن إنجاز كمال أبو ديب الرائد في التحليل البنيوي للشعر الجاهلي، سواء في دراستيه الأوليين أو دراساته اللاحقة، التي ضمها كتابه «الرؤى المقنعة» الذي صدر بعد ذلك بسنوات عدة - عن الهيئة المصرية العامة للكتاب. في القاهرة سنة 1986، وإنما أريد أن أضع هذا الإنجاز في سياقه فحسب، غير منكر أنه أسهم مع غيره السابق عليه، والموازي له، ثم اللاحق عليه، في تأسيس منظور مغاير لدراسات الأدب العربي في الولايات المتحدة. وهو المنظور الذي لايزال يواصل مساره التراكمي، مفيدًا من المتغيرات التي اقترنت بتحولات البنيوية نفسها، وما جاء بعدها من اتجاهات لاحقة.

 

جابر عصفور