كاتبات عربيات بالإيطالية

كاتبات عربيات بالإيطالية

في كتاب واحد أطلت مجموعة من الكاتبات العرب على أوربا التي مازالت أسيرة النظرة القديمة حول «حريم» العالم العربي أطلت هذه القصص المترجمة لتصحح هذه النظرة ولتضيف بعدا إنسانيا جديدا لم يكن الغرب يراه جيدا

لا أفرح كثيرا بفكرة ترجمة ما أكتب وأراها نافذة للتلصص على عالمي الداخلي والخارجي ثم أقبلها قبولي للآخر الذي قد تتوافر لديه الرغبة في معرفة كيف نعيش وكيف نفكر ربما واتته القدرة على فهمنا وقبولنا في إطار تصالح الحضارات والثقافات لا صراعها. كما أن فكرة التلصص على الذات الكاتبة واردة طول الوقت حتى من أصدقائها وأهلها وزملائها في العمل وزملائها الكتاب والكاتبات اللائي ربما يكن أكثر من الجميع في إسقاط المكتوب على الكاتبة.. وقد عانيت شخصيا من هذا كثيرا لا لشىء إلا لأنني عشت حياة ووقائع وأحداثا رأيت أنه من الأهمية بمكان تقديمها فى إبداع جميل يمتع ويدهش، وربما يصدم فهو جزء لا يتجزأ من حقيقة وجوهر التجربة الإنسانية التي يعيشها العالم من حولي، وخاصة وسط أحداث جسام يمور بها العالم العربي الذي نعيش شروطه ومعطياته الاجتماعية من حيث نظرته للمرأة والسياسية من حيث موقعه هدفا لأهواء وطموحات الغرب، والذي نراه في أغلب الأحيان يركز فى ترجمته على النصوص التي تعزز نظرته للمرأة العربية وللذهنية العربية. فهناك نظرة استشراقية صورت بلدان الشرق على أنها مراتع للجنس واللذة فى أجواء غريزية وسرية واعتبرت ذلك الجزء من خريطة العالم، عالما من الغرائز والأجواء السرية شديدة الغرابة، فيحلو دائما الحديث عن نساء الحريم فى القصص العربية التى تصف العلاقات أو الاجواء الجنسية المثيرة ومنها مثلا (الف ليلة وليلة) وطرق تمثيل النساء المسلمات فى الكتابات الأوربية الصريحة جنسيا كما ذكر وركز إرفن جميل شك في كتابه (الاستشراق جنسيا) فضلا عن «الترجمات الزائفة» للكتابات العربية، وقد أكد فكرته من قبل فولتير بمقولته الشهيرة «لو لم تكن هناك مجتمعات الحريم وتعدد الزوجات في بقاع آسيا وأفريقيا لكان على الأوربيين أن يخترعوها».

في الأيام الأخيرة كسرت الإيطالية فالنتينا كولومبو إيهام هذه النظرة بترجمتها لقصص مجموعة من الكاتبات العربيات من المحيط إلى الخليج ليطل العالم على أدب المرأة العربية المعاصرة التى صارت فى حالة بحث دائم عبر الإبداع سواء أكان أدبا أم فنا تشكيليا أم سينمائيا لايجاد صيغة إنسانية للتعبير بغية فهمها وفهم دواخلها. كان لقائى بفالنتينا كولومبو حين بدأت بالتحرك على خريطة العالم العربى لتلتقي بالكاتبات العربيات لتقف على آخر إبداعاتهن فى القصة القصيرة والرواية وتمنح كل واحدة نسخة من كتابها الجديد «كلمة المرأة.. جسد المرأة» والذى يحوى بين ضفافه قصة قصيرة لكل كاتبة.

فالنتينا كولومبو حاصلة على دكتوراه فى الدراسات الإسلامية من جامعة أورينتالا فى نابولى عن المعتزلة..وهى أستاذ للغة العربية فى جامعة لوكا القريبة من فلورنسا،كما كتبت الكثير من المقالات عن الأدب العربى والآن تترجم مجموعة من مقالات مثقفين عرب ومسلمين ليبراليين مثل فرج فودة وسيد القمنى ونصر حامد أبو زيد، وتحلم بإنشاء وكالة أدبية عربية لنشر أعمال لكتاب وكاتبات المنطقة العربية ومساعدة الأدب والفكر العربى على الانتشار فى الغرب وتصحيح النظرة الفولكلورية عن النساء العربيات ومكتبة متخصصة فى الأدب والفكر العربى الحديث باللغات الأجنبية.

رحلة الترجمة

  • فى البدء سألتها: كيف طرات الفكرة وخاصة أنك بدأت بترجمة أدباء رجال..

- من قبل ترجمت لعميد الرواية العربية نجيب محفوظ بعض الروايات مثل «اللص والكلاب» و «حكايات حارتنا» و«ليالى ألف ليلة وليلة» وأفراح القبة. كما سبق أيضا أن ترجمت «البخلاء» للجاحظ، و«مقامات» الهمذانى، والشاعر العربى «أدونيس».

وبعيدا عن الخلاف القائم حول مقولة الأدب النسوى أكدت لى فالنتينا أنها أقدمت على ترجمة عدد هائل من الكاتبات العربيات على اختلاف اتجاهاتهن والتيارات الفكرية التى ينتمين إليها من أجل الاجابة عن سؤال كان يلاحقها فى المؤتمرات العالمية....

هل هناك كاتبات عربيات؟

وكانت إجابتها.. «طبعا، هناك الكثيرات،»

ويسألونها أيضا

ولكن أين هن؟ كانت فالنتينا تضحك من الأسئلة.. قالت لي: قررت أن أجيب برد عملي فقمت بالبحث والتنقيب الذي استمر سنوات عن قصص قصيرة منشورة فى المجلات والجرائد العربية وجمعت عددا من قصص لباقة من كاتبات عربيات معاصرات، وكانت من المرات القليلة التى يقوم فيها ناشر إيطالي كبير مثل "موندادورى" بنشر قصص لكاتبات عربيات. وكلنا نعلم مدى رواج الرواية فى العالم كله الآن.. نفس الناشر نشر لى من قبل "الجانب الآخر من البحر المتوسط" جمعت فيه قصصًا لكتاب وكاتبات عرب برزوا في أواسط القرن العشرين.

أدهشتنى فالنتينا والتى لا يبدو أنها غادرت الثلاثينيات من عمرها وقد قدمت مثل هذا الانجاز.. أن تقدم رسالة دكتوراه فى الدراسات الإسلامية وتعكف على ترجمة بعض من روايات نجيب محفوظ وأدونيس والهمذانى والجاحظ..

  • وحين سألتها عن المعايير أو المقاييس التي راعتها عند اختيار نصوص الكاتبات العربيات أجابت:

- فى البدء اخترت القصص بشكل عشوائى من المجلات والجرائد العربية دون أن يكون لدىّ أية خلفية عن كل كاتبة وإلى أى مجتمع عربى تنتمى ولا أى من الشروط الاجتماعية أو السياسية التى تعيش فيها والتى تنتج هذا الأدب..كان المعيار الأساسى أن أجد هما أساسيا تنضح به القصص فضلا عن الشروط الفنية والخبرات الجمالية والتجربة المعيشة فوجدت نفسى أمام عالم شديد الثراء يجب أن يقدم لقراء الايطالية كما صرت أنبه إلى تدريسه فى الجامعات الايطالية..

فى الوقت الذي يركز فيه الكثير من المستشرقين على الاحتفاء بكاتبات عربيات يعشن فى الغرب ويكتبن بلغات غربية قررت فالنتينا كولومبو ترجمة كاتبات يكتبن باللغة العربية ويعشن فى أوطانهن يعانين ويكابدن شروطا اجتماعية وثقافية يقاومنها بالتمرد بالكتابة والابداع ويراكمن الخبرة الانسانية والجمالية بحثا عن عالم أفضل فى ظل أوضاع مجتمعية جائرة تحكمها النظرة الذكورية. ترجمت فالنتينا كولومبو قصصا لجومانة حداد من لبنان وغادة السمان وهيفاء بيطار من سورية وبتول خضيرى من العراق وليلى العثمان وثريا البقصمى من الكويت ورضوى عاشور ونعمات البحيرى وسحر توفيق ونسمة إدريس وهناء عطية من مصر وأميمة الخميس وهيام المفلح من السعودية ونعمة خالد وسميرة عزام من فلسطين وليلى أبو زيد من المغرب ورمزية عباس الإيريانى من اليمن وبسمة يونس من الإمارات ونافلة ذهب من تونس وتركية عبد الحافظ من ليبيا وأخريات...

بعد أن غاصت فالنتينا بين النصوص وعوالم كاتباتها كشفت لها الترجمة عن رؤية جريئة طامحة إلى التحليق فى عوالم أفضل وتنظر إلى الابداع بأفق أكثر عمقًا ورحابة، حتى حين تكون هموم المرأة الشرقية أو قضايا الذات المقموعة شرطاً خاصا للإبداع.

  • ماذا أضافت لك التجربة؟

- الأمر يبدو أكثر تعقيداً من تحديد قيمة مضافة بعينها وذلك لاختلاف التجربة الإبداعية باختلاف الشروط الاقتصادية والسياسية والثقافية من بلد فضلا عن هامش الحرية والديمقراطية الذى يسمح به بلد عربى للمرأة تحديدا ويمنعه آخر.. فضلا عن نمط المعرفة الذى أتيح لى بحياة النساء فى الشرق والذى قد لا يختلف كثيرا عنه فى الغرب فالفارق فى الدرجة وليس فى النوع.

المرأة والتاريخ

فى مقدمة كتابها «كلمة المرأة.. جسد المرأة» الذى يحوى بين ضفتيه ترجمة عدد كبير من الكاتبات العربيات إلى الإيطالية استعرضت فالنتينا كولومبو تاريخ المرأة فى الأدب العربى، بدءًا بالعصر الجاهلى حيث تغيب شخصية المرأة الحقيقية كإنسانة ليقتصر دورها على المتعة والمهام البيتية والأسرية ثم مرورا بالعصر الإسلامى وحتى العصر الحديث. عبرت الإيطالية فالنتينا عن تقديرها العميق لإنجاز الكاتبات العربيات وقد تنوعت النصوص لكاتبات رائدات وأخريات شابات..

  • لماذا المرأة الكلمة قبل المرأة الجسد فى عنوان كتابك؟

- اقتبست العنوان من كتاب نشر فى الولايات المتحدة للكاتبة والباحثة فدوى مالطى دوجلاس، وكانت قد جعلت عنوانه "جسد المرأة.. كلمة المرأة"، لأنها ترى أن الأدب العربى يمكن تقسيمه إلى فترتين، فترة الجسد الذي يوصف فيه جسد المرأة من خلال الرجل، منذ الشعر الجاهلى حتى شهرزاد، وكانت شهرزاد أول امرأة تبادر بأخذ الكلمة والحكى تعبيرا عن نفسها وبنات جنسها، لكني رأيت أن العنوان يجب أن يعكس ليكون "كلمة المرأة.. جسد المرأة"، وهذه القيمة المضافة معرفيا لها وقد ارتأيت عبر القصص التي وقع عليها الاختيار أن هؤلاء الكاتبات يتكلمن بصوت مرتفع وأنهن استلهمن القدرة على وصف الحياة بأنفسهن حين رأين عبر تاريخ الأدب أن الرجال أنابوا عنهن عبر أزمنة طويلة لكتابة تاريخ حافل بالانتصارات لعب الرجل دور البطولة والمرأة الأدوار الثانية.

لم تنس فالنتينا كولومبو أن تحتفى بجرأة طرح الرؤى المغايرة حيث كان الاختلاف فى تناول التجارب الإبداعية بين كاتبات المغرب والكاتبات المصريات أو السعوديات حسب هامش الحرية الممنوح للمرأة من بلد لآخر كما أن القضايا أيضا تختلف باختلاف الشروط الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التى تقع فيها المرأة الكاتبة من بلد عربى لأخر، كما أكدت كذلك على سمة التنوع بين كلاسيكية اللغة وحداثيتها من بلد لآخر. ومثلما نجد قواسم مشتركة فى علاقة المرأة الكاتبة بالكتابة نجد أيضا أن ثمة فوارق جوهرية بين التجارب الإبداعية لنساء المنطقة العربية وقد أدهشها جرأة الطرح والتناول وشجاعة اقتحام مناطق لم تكن مأهولة للنساء من قبل. على سبيل المثال لا الحصر كتبت بسيمة يونس من الإمارات قصة بعنوان «الموتى يعترفون»، وهى قصة رجل يقتل زوجته والشخصية الرئيسية هى الجسد المتوفى للزوجة، فالجسد الميت هو الحى الذى يضايق الزوج القاتل، حين يبحث عن ساعته التى فقدها وهو يدفن جثة زوجته عاد ليبحث حيث دفنها، فيتعارك مع الجسد الميت، والرمز واضح الدلالة - كما تقول فالنتينا - عن بحث المرأة لصوت مسموع وامتلاك ناصية الجرأة فى الحديث عن حقوقها.

عن رؤيتها لصورة المرأة العربية فى كتابات الكاتبات العربيات قالت: أردت اولا أن أنوه بأن الكتاب يحوى إلى جانب القصص تعريفًا بكل كاتبة، ولي مقال بعنوان «أصوات النساء العربيات يتجاوزن الأنماط السائدة» تحدثت فيه عن الكاتبات وبعض أقوالهن، ثم عن المرأة فى الأدب العربى منذ القدم، وصورتها من خلال أصوات الرجال، كما تحدثت عن الجدل القائم حول أدب المرأة، وأول رواية عربية، والمقولات التى تتردد بأن «زينب» لمحمد حسين هيكل أول رواية عربية والواقع أن هذه الرواية سبقها روايتان، «غادة الزاهرة» لزينب فواز، ورواية أخرى للبيبة هاشم، فالرجال يحاولون محو النساء من تاريخ الأدب. وعندما يتحدثون عن تحرير المرأة لا يذكرون سوى قاسم أمين، بينما هناك الكثير من النساء ومنهن هدى شعراوى. ثم تبعتها أسماء أخرى فى السياسة والأدب مثل نوال السعداوى، وسحر خليفة، وليلى بعلبكى، وغيرهن..

قفا نبكِ من ذكرى حبيبٍ وعرفانِ وَرَسْمٍ عَفتْ آياتُه مُنذُ أزْمانِ
أتت ححجٌ بعدي عليها فأصبحت كخطٍّ زبورٍ في مصاحفِ رهبانِ
ذكَرْتُ بها الحَيَّ الجَميعَ فَهَيّجَتْ عقابيلَ سقم من ضميرٍ وأشجانِ
فَسَحّتْ دُموعي في الرّداءِ كأنّهَا كُلى من شَعيبٍ ذاتُ سَحٍّ وتَهْتانِ
إذا المرءُ لم يخزن عليه لسانه فَلَيْس على شَيْءٍ سِواهُ بخَزّانِ


 

نعمات البحيرى 





 





غلاف كتاب «كلمة المرأة .. جسد المرأة» من ترجمة وتقديم فالنتينا كولمبو





ليلى العثمان





جومانة حداد





د. رضوى عاشور