الدكتور ثروت عكاشة في صالون
«العربي»
اختتمت مجلة العربي العام 2006 بالعديد من الأنشطة والفعاليات الأدبية
والثقافية التي لقيت أصداء مدوية في الساحة الثقافية المحلية والعربية، وقد كان من
أبرزها الدعوة التي وجهها رئيس تحرير «العربي» الدكتور سليمان العسكري لوزير
الثقافة المصري الأسبق الدكتور ثروت عكاشة، حيث أقيمت على شرفه ندوة ضمت عددًا من
السفراء والشخصيات السياسية والأدبية في المجتمع الكويتي تتقدمهم الشيخة حصة السالم
الصباح الأمين العام لدار الآثار الإسلامية وطالب الرفاعي والأديبة ليلى
العثمان.
يعتبر الدكتور ثروت عكاشة من أهم المترجمين والنقاد والمؤرخين في
عالمنا العربي، وقد أثرى الثقافة العربية بالفكر التنويري الذي امتاز به عن غيره،
ساعيا إلى التواصل مع الآخر ومد جسور الالتقاء والاتصال بين الحضارات، مؤمنا
بالتغيير والتجديد، عاملا على إرساء الدعائم الأساسية لنهضة مصر الحديثة ومطبقا
أفكاره وقيمه على أرض الواقع منذ توليه لأول مرة وزارة الثقافة في عام 1958 حتى عام
1970 فقد شهد عهده إطلاق القطاع العام في السينما المصرية، وإنقاذ آثار النوبة
ومعبد أبي سمبل ومعبد فيلة، عند إنشاء السدّ العالي، وإنشاء قصور الثقافة، ومتحف
محمود مختار، ومتحف مراكب الشمس، وتأسيس فرقة الموسيقى العربية في دار الأوبرا
المصرية، والفرقة القومية للفنون الشعبية، والسيرك القومي، وفرقة باليه أوبرا
القاهرة، كما أطلقت عروض الصوت والضوء في الأهرام والقلعة والكرنك ومتحف مراكب
الشمس، وبهذا ترك بصمة ذات طابع عربي وإنساني على إنجازاته المصرية، ما جعل منه
الشخصية المصرية الثقافية الأولى التي يتردد صداها على امتداد العالم أجمع، بالغا
أروقة وقاعات المنظمات العالمية والدولية.
وفي الندوة، سلط د.ثروت عكاشة الضوء على إنتاجاته الإبداعية التي
قدمها في موسوعة تاريخ الفن «العين تسمع والأذن ترى» التي صدرت في العام 2001 ،
جامعا بها التدرج التاريخي للفنون والتصوير في حضارات العالم المختلفة بدءًا منذ
كتابه الأول «الفن المصري» الذي أصدره في العام 1971 ، حتى كتاب «فن الواسطي من
خلال مقامات الحريري» في العام 1999 ، موضحا الصعوبات والمعوقات السياسية والفكرية
التي اعترضت ولادة هذه الموسوعة،بدءا من عملية جمع المخطوطات والرسومات حتى العمل
على نشرها وإصدارها، مؤكدا بذلك حرصه على أن يرى عمله النور لتحقيق المنفعة الأدبية
للعالم كافة. وانطلاقا من حرصه على حوار الحضارات في وقت لم تكن فيه هذه الفكرة
سائدة فقد ترجم بمهارة عالية امتازت بنقاوة المفردة المترجمة وحسن اختيارها ليماثل
بذلك طبيعة النص الأجنبي، مقدما تراجم لأعمال أدباء ومفكرين أجانب، ففي 1942 ترجم
«الحرب الميكانيكية» للجنرال فولر، و«العودة إلى الإيمان» لهنري نك في العام 1950،
هذا بالإضافة الى العديد من أعمال جبران خليل جبران ومجموعة من الأبحاث الإنجليزية
والفرنسية.
كما أثارت حياته السياسية فضول عدد من الحضور لاعتبار علاقته الوثيقة
بجمال عبدالناصر وعبدالحكيم عامر أحد أبرز رجالات الثورة في مصر، باحثين عن الأسباب
الحقيقة لاعتذاره عن الانضمام لمجلس قيادة الثورة، بالإضافة إلى الخلافات داخل
السلطة الجديدة على تولي السلطة من جهة وعلى توجه مجلة التحرير من جهه أخرى،
ومايتعلق بكل هذه الصراعات السياسية من مفاهيم وقيم ذات بعد ثقافي تتعلق
بالديمقراطية وحقوق الإنسان.
حظي الدكتور ثروت عكاشة بالعديد من الجوائز والأوسمة داخل وخارج وطنه،
ومن أهمها الميدالية الذهبية لليونسكو لجهوده المبذولة من أجل إنقاذ معبد أبي سنبل
وآثار النوبة في العام 1968 ، وجائزة العويس للإنجاز الثقافي والعلمي عام 2005، كما
احتفي به في الكويت العام الماضي كشخصية مكرمة في مهرجان القرين الثقافي، وتشرفت
مجلة «العربي» بوجوده في أروقتها مثريا شتاء الكويت ثقافيا وأدبيا.
الكويت
رسالة سلام من الصين
ضمن أنشطة وفعاليات مهرجان القرين الـ 13 ، حظي محبو الآثار النادرة
والمهتمون بالتاريخ البشري بفرصة قيمة للتعرف على أبرز الإنجازات الثقافية
والجغرافية التي حققتها الصين القديمة من أجل التواصل مع حضارات العالم الأخرى،
وذلك في معرض «رسول السلام من الصين» الذي أقيم في متحف الفن الحديث بالكويت، بحضور
السفير الصيني في الكويت ووجيو هونغ.
افتتح المعرض الصيني بمناسبة مرور الذكرى المئوية السادسة لرحلات
الأميرال المسلم «شينغ خه» الذي قام بسبع رحلات مهمة في تاريخ الحضارة البشرية في
الفترة مابين 1405 - 1433، وبأسطوله الضخم المسمى بـ «الكنز» الذي ضم 315 سفينة
وأكثر من 25 ألف بحار عبر بحار الصين والمحيط الهندي مرورا بالخليج العربي وسواحل
إفريقيا النائية متعرفا ومتواصلا مع شعوب وحضارات هذه القارات وزائرا أكثر من 30
دولة منذ ستة قرون، إلا أن المؤرخين يعتبرون رحلته الأخيرة التي وصل بها إلى رأس
الرجاء الصالح على المحيط الأطلسي هي من أهم الرحلات وأضخمها بالعتاد، كما تجردت
هذه الرحلات من الأطماع الاستعمارية للصينين التي سادت في تلك الفترة مكتفين
بالاكتشاف المعرفي للحضارات والشعوب الأخرى بما يحتويه من ثقافة وتجارة وعلوم
وعمران تم تبادلها وتعزيزها لخدمة البشرية، وبذلك نشروا رسالة الشعب الصيني في
تحقيق التعايش السلمي مع الشعوب منذ قرون.
وفي كلمة للسفير الصيني ووجيو هونغ أكد أهمية هذا المعرض قائلا:
«يعتبر هذا المعرض إنجازا ثقافيا فنيا يربط بين جمهورية الصين ودولة الكويت، ويوثق
مدى التعاون الثقافي بينهما» خاصة لما احتواه المعرض من رسومات تعكس العلاقات
العربية الصينية لأكثر من 600 عام، هذا إضافة إلى العلاقات الصينية الإسلامية التي
تعود إلى أيام الدول الأموية في دمشق والخلافة العباسية في بغداد. في ثلاث قاعات
بمتحف الفن الحديث انقسم المعرض، حيث احتوت إحداها على عروض تسجيلية ضوئية تحكي
رحلة الأميرال شينغ خه إلى العالم العربي ومسلكه لطريق الحرير، واشتملت القاعتان
على منحوتات أثرية وقطع نقدية قديمة من البرونز والنحاس والذهب وخرائط خاصة بالرحلة
تبين خط سير الرحلة بالإضافة إلى صور ملونة ولوحات فنية منها صورة لنهر باسين
وسلسلة جبال الصين، وصورة لرجل أعمال فارسي يمتطي جمله في رحلة تجارية طويلة عكست
وعورة الصحراء، وصورة لسفينة بنيت عام 1974 ، وعين ماء على شكل هلال في الصحراء،
كما وجدت في المعرض صورة لتشينغ خه حاملا سيفه، وصرح لزنجه في حديقة، ولوحة تعبر عن
سوق مزدحم بالناس. واحتوى المعرض على نموذج طبق الأصل لخرائط استخدمها الرحالة في
رحلته بينت اعتماده على الفلك وأشكال النجوم في الإبحار، وبوصلة على شكل تنين وأخرى
ملونة باللونين الأحمر والأخضر.
حمل معرض «رسول السلام من الصين» رسالة تواقة إلى الانفتاح على الآخر
والتعايش السلمي وحب السلام تجاوز عمرها 600 عام، وتجدد نفسها للأمة الصينية عملت
جاهدة منذ مئات السنين من أجل غد مشرق ومستقبل آمن.
الكويت
«الفن الياباني المعاصر» في
الكويت
استضافت الجمعية الكويتية للفنون التشكيلية معرض «الفن الياباني
المعاصر»، والذي شارك فيه بأعمالهم التشكيلية، والنحتية والفوتوغرافية أحد عشر
فنانًا يابانيًا يمثلون مختلف المدارس الفنية في اليابان.
وافتتح المعرض السفير الياباني لدى الكويت ماساميتسو أوكي، ورئيس مجلس
إدارة الجمعية الكويتية للفنون التشكيلية الفنان عبدالرسول سلمان، وبحضور الأمين
العام للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بدر الرفاعي.
وحرص الفنانون اليابانيون - المشاركون في المعرض - على أن تتضمن
أعمالهم رؤى استشرافية، مستخلصة من ملامح يابانية محلية.. هذه الملامح ظهرت في
صياغات فنية متعددة الجوانب والاتجاهات، رصد الفنانون من خلالها تحولات ومتغيرات
حياتية طالت مجتمعهم، وأدت إلى ظهور أشكال أخرى للحياة. وكان الرمز هو الأساس الذي
اعتمد عليه هؤلاء الفنانون في طرح رؤاهم وأفكارهم تلك التي بدت فيها عناصر الأعمال
متحركة، وذات عمق دلالي واضح، وبالتالي فقد أظهر المعرض جانبًا مهمًا من الفن
الياباني المعاصر، واستطاعت اللوحات المعروضة - بكل توجهاتها الفنية - أن تبرز
جماليات المعنى في الأسلوب، وطرح الأفكار. وبدت التجربة التشكيلية عند الفنان
أتسوشي فوكوي مغايرة للتقليد والسائد، وذلك حينما رصد في رسوماته التشكيلية رؤى
تتعلق بالحياة اليومية، في ديمومتها وتواصلها، وبالتالي فقد جاءت ألوانه متوهجة
بالحيوية، ومتلاحقة في سيولتها، وانسيابها على فراغات اللوحات، وهذه الرؤية ساهمت
في إيجاد علاقة حسية بين الأفكار المطروحة، ومشاعر الفنان التي وجهت ريشته نحو رسم
تلك المدلولات اليومية.
واستخلص الفنان ساتوشي هيروسي تجربته الفنية من خلال الحواس الإنسانية
الخمس «وخاصة الشم واللمس والتذوق، كي يضع مواد خاصة - من الممكن الحصول عليها
بسهولة من المحيط الخارجي - على أسطح اللوحات مثل شرائح الليمون، وبعض أنواع
البودرة»، والخرائط القديمة، والأوراق وغيرها، ومن ثم محاولة دمج هذه المواد في جسد
اللوحة، للحصول في النهاية على مفاهيم وجدانية جذابة.
والفنان نوبوميتشي من خلال ترؤسه مجموعة مايوا دنكي، عرض أعمالاً تخص
هذه المجموعة الفنية، ظهر فيها الحس الفني مزدحمًا بالمدلولات المحيرة، تلك التي
تظهر وكأنها منتجات صناعية، على الرغم مما فيها من سوريالية.
وفي أعمال الفنان توموياسو موراتا الكرتونية، كانت الرؤى متجهة إلى
مجالات حيوية، وذلك من خلال شخصيات كرتونية. تميزت بأوجه جمالية عدة، ثم جاءت
منحوتات الفنان تيتسويا ناكو مورا مزدانة بالحركة، وفي أشكال متفاعلة مع المحيط
الخارجي، ولكن في رؤى رمزية تجريدية. كما أن الفنان كاتسو هيرو سايكي في صوره
الفوتوغرافية، استخدم أسلوبًا حديثًا في التصوير، اعتمد فيه على هدم الفكرة
التقليدية للصور ذات الأبعاد الثلاثة، واستبدال أبعاد ثنائية بها. وبالتالي فإن
الفنان لم يعتن كثيرًا بالمظهر أو الجوهر، بقدر اعتنائه بقيمة الصورة، وما ستقدمه
من جديد لعين المتلقي. وعبرت أعمال الفنان ماسافومي ساناي التصويرية، عن مناظر
طبيعية، لم يؤطرها الفنان في صياغة تقليدية، ولكن حرص على أن تبدو شديدة الحساسية
فيما يتعلق بمدلولات المعنى، واختار الفنان صوره من الطبيعة، ولكن بأسلوب غير
مفتعل، أو بنقل كامل قد يخلّ بالصورة، ويجعلها لقطة توثيقية عادية. ولقد اختار
زوايا، وعناصر جمالية. ساهمت في تضمين هذه الأعمال بأيقونات حداثية.
وتواصلت تجريدية الفنان يوشيهيرو سودا مع صياغته الفنية، التي استخدم
فيها الحفر على الخشب. ومن ثم توزيع هذه الأشكال المحفورة على زوايا، وأركان المعرض
بأسلوب غير تقليدي. أما الفنان تابايمو، فإن أعماله تضمنت أفلامًا كرتونية، موضوعة
فيما يشبه منشأة يومية. مثل المطبخ، أو الصالة وغيرهما. وتتجسّد الرؤية المحلية
بوضوح في أعمال الفنان نوبويوكي تاكاهاشي. تلك التي رسم فيها الأماكن، والمعالم
اليابانية. سواء الحديثة أو التراثية، مثل المنازل، والمعابد، والمنتجعات وغيرها،
ثم إظهار الملامح المحلية عليها، من أجل إبراز جوانبها لأعين المشاهدين، وهذه
المناظر أو المشاهد في أعمال الفنان لم تكن تقليدية. بقدر ما كانت متناغمة مع لغة
تأثيرية مزدانة بالجاذبية في طرح الفكرة. وأظهرت أعمال الفنانة ميوكي يوكو ميزو
جوانب فنية عدة. وذلك بفضل ما أقدمت عليه من تجسيد حالات فنية استخلصتها من البيئة
المحلية اليابانية، وذلك من خلال الحفر على الحجر. والخشب، وكذلك الورق، وبالتالي
تضمين هذه الصياغة الفنية الكثير من الموتيفات اليابانية المتوهجة بالحيوية. وبشكل
عام، فإن معرض الفن الياباني المعاصر، أعطى صورة قريبة من واقع الفنون الجميلة في
اليابان، بفضل ما تضمنته الأعمال من تنوع سواء في التكنيك المستخدم، أو الأسلوب
الذي اتبعه كل فنان على حدة.
مدحت علام
مسقط
ندوة لإعادة اكتشاف شبه الجزيرة
العربية
عقدت بالعاصمة العُمانية وزارة التراث والثقافة بالتعاون مع جمعية
التاريخ والآثار بدول مجلس التعاون ندوة «آثار شبه الجزيرة العربية عبر العصور»
والتي افتتحها سلطان بن حمدون الحارثي وكيل وزارة التراث والثقافة لشئون التراث
بكلمة أكد فيها على أهمية الندوة المتخصصة لبحثها في العمق التاريخي والحضاري لشبه
الجزيرة العربية وعرضها تقييماً شاملاً لحصيلة العقود الأخيرة من نتائج المسوحات
والتنقيبات الأثرية بها، علاوة على طرح للقضايا في مجال البحث الأثري والوقوف على
الجهود التي تبذل من أجل حماية وإدارة مواقع التراث الثقافي الوطني وإبرازها على
المستوى الإقليمي والعالمي. ولا شك بأن مضمون بحوث الندوة ستضيف قيمة عالية لتاريخ
شبه الجزيرة العربية الممتد من عصور ما قبل التاريخ وصولاً للعصور الإسلامية.
وألقى الدكتور عصام بن علي الرواس عميد كلية الآداب بجامعة السلطان
قابوس ورئيس جمعية التاريخ والآثار بدول مجلس التعاون كلمة جاء فيها أن شبه
«الجزيرة العربية مقصد لاهتمام العالم وعلى مختلف الأصعدة نظراً لما تحتله شبه
جزيرتنا من موقع جغرافي فريد ومن موضع استراتيجي مميز يتوسط الشرق والغرب ويشرف على
بحار ومحيطات. وما زالت الجزيرة محط اهتمام الجميع كل في مجال اختصاصه من العصور
القديمة إلى يومنا الحاضر لا يخبو لها نشاط ولا يعدم لها حراك ولا يهدأ لها تفاعل
مع نسيج نفسها ومع العالم المحيط بها». وأوضح الرواس أن الجمعية استطاعت أن «تحقق
إنجازاً علمياً من خلال مؤتمراتها السنوية ويتمثل ذلك في إصدارها ستة مجلدات ومجلة
علمية محكمة وهي ثمرة بحوث تلك المؤتمرات».
وفي كلمة الدكتور عبد الرحمن الأنصاري رئيس تحرير مجلة أدوماتو
بالمملكة العربية السعودية حول آثار شبه الجزيرة أشار إلى أن شبه الجزيرة العربية
كانت «مسرحاً واسعاً لأحداث جسام نهض بها سكانها في مدنهم وقراهم مستفيدين من
الموارد الطبيعية التي تعايشوا معها واستغلوها أحسن استغلال، إذ قامت الممالك
متتالية منذ فجر التاريخ معتمدة على الجذور التي تركها الأولون من رواد عصور ما قبل
التاريخ، الذين تركوا وشمهم على سفوح الجبال ورموزهم وأفراحهم وأتراحهم مرسومة على
تضاعيف الأودية ومسالكها التي قامت عليها مدن التجارة التي استطاعت أن تسجل نفسها
مدناً عالمية في عصورها المختلفة وفرض سكانها تاريخها من خلال ما خلفوه لنا كابرا
عن كابر. لقد كافح سكان الجزيرة العربية منذ أكثر من سبعة آلاف عام في سبيل البقاء
حتى أكرمهم الله بنزول القرآن الكريم على خاتم الأنبياء والمرسلين فكان منهم القادة
والفاتحون».
وبدأت الندوة أعمالها ببحث جفري روز من جامعة سادترن في الولايات
المتحدة عن «الهجرة البشرية من إفريقيا إلى الجزيرة العربية خلال الحقبة الجليدية
المتأخرة» ثم تحدث الدكتور هافز بيتر أوربمان عن البيئة والحياة الفطرية في أبوظبي
ومقارنتها بمثيلاتها من دولة الإمارات العربية المتحدة.
كما قدم الدكتور عباس سيد أحمد من قسم الآثار والمتاحف بجامعة الملك
سعود محاضرة عن «العصور الحجرية المبكرة في المملكة العربية السعودية» وتعرف منها
على طرق التكيف البشري والتطور الحضاري في المملكة العربية السعودية خلال العصور
الحجرية المبكرة، حيث بدأ بمقدمة ترسم خلالها المسرح الجغرافي الذي جرت عليه أحداث
تلك الفترة مستعرضاً بإيجاز تاريخ العمل الآثاري في المملكة وتطرق إلى قضية عبور
الإنسان لشبه الجزيرة العربية وصولاً من شرق إفريقيا.
وكان المحور الثاني تحت عنوان (الجزيرة العربية في الألف الخامس
والرابع قبل الميلاد) في ظلال الحفريات الأثرية المكتشفة في المنطقة. وأما المحور
الثالث فكان (الجزيرة العربية في فترة الألف الثالث والثاني قبل الميلاد) حول نشأة
المستوطنات واستقرار الإنسان ودوره في استغلال الموارد والثروات الطبيعية. وتناول
المحور الرابع (الجزيرة العربية في الألف قبل الميلاد وظهور التعدين) راصداً أهم
ملامح المستوطنات في هذه الفترة. أما المحور الخامس فاتخذ مادته من (الجزيرة
العربية في العصور الإسلامية). ثم كان المحور السادس والأخير مستلهماً حركته من
(مواقع التراث العالمي في الجزيرة العربية) وهي (واحة بهلا ومواقع طريق اللبان) في
السلطنة و(مدن صنعاء وزبيد وسبيان، في اليمن) وقلعة البحرين.
وتتجلى قيمة الندوة في مرور منطقة شبه الجزيرة العربية بنمو عمراني
غير مسبوق في تاريخها الحديث باتجاه تحقيق التنمية الشاملة ضمن المسار التاريخي
للعولمة وتداعياتها وبزوغ اقتصاديات المعرفة ونهوض مجتمعات الإبداع معززة بتقدم
تقني فائق السرعة الأمر الذي يدعو وبإلحاح إلى الالتزام بحماية الموارد الثقافية
وإدارتها وتوظيف قيمها المعرفية بكفاءة بقدر الالتزام الصارم بحماية التنوع الحيوي
والبيئي من أجل استدامة التعايش المتزن بين الإنسان والطبيعة. وتأتي هذه الندوة
العلمية ضمن جهود السلطنة في الاهتمام بالبحث والتطوير لمواردها الثقافية
والتاريخية والطبيعية وبلورتها كتجارب إنسانية ملهمة لأجيال الحاضر والمستقبل، وفي
إطار الجهود المتواصلة والتي ما فتىء المختصون بآثار الجزيرة والمهتمون بدراستها
يواصلون بحوثهم عنها، بالإضافة إلى حرص السلطنة متمثلاً في وزارة التراث والثقافة
على المساهمة في توفير المناخ العلمي للعلماء للنقاش وتبادل الآراء والاستماع إلى
ما توصلت إليه نتائج التنقيب الأثري الذي لا يتوقف نشاطه في مناطق شبه الجزيرة
العربية والتي أجزم بأن الكثير من هذه الاستنتاجات وحصيلة النتائج بحاجة إلى إجماع
علمي بدلاً من الاجتهاد الشخصي الذي يتحمس البعض في إبرازه دون التمحيص والتدقيق
الشمولي ودون الأخذ بالمعطيات المتجددة في هذا المجال.
عبد الله علي العليان
القاهرة
عبد الله الغنيم أول كويتي في برنامج الباحث
المقيم
اختارت مكتبة الإسكندرية الدكتور عبد الله الغنيم ليكون أول عالم
كويتي يحل ضيفا على برنامج الباحث المقيم الذي استحدثه مركز المخطوطات ليصل ماضي
المكتبة بمستقبلها.
فبعد عالم الكيمياء المصري المقيم منذ سنوات في باريس الدكتور رشدي
راشد، والعلاّمة الدكتور محمود مكي، أستاذ الأدبين العربي والإسباني، وعضو مجمع
اللغة العربية في مصر، والشاعر السوري أدونيس استقبلت مكتبة الإسكندرية الغنيم،
الذي تعتبره واحدا من أهم المتخصصين في تاريخ الجغرافيا العربية، وقد أصدر العديد
من الدراسات المهمة في هذا المجال ومنها: (المخطوطات الجغرافية العربية في المتحف
البريطاني)، (جغرافية مصر من كتاب الممالك والمسالك لأبى عبيد البكري)، (منتخبات من
المصطلحات العربية لأشكال سطح الأرض)، (المخطوطات الجغرافية العربية في المكتبة
البريطانية ومكتبة جامعة كامبردج)، (سجل الزلازل العربي : أحداث الزلازل وآثارها في
المصادر العربية)، (أشكال سطح الأرض في شبه الجزيرة العربية في المصادر العربية
القديمة)، وأخيرا الكتاب الذي صدرت طبعته الأولى أخيرا بعنوان (بحوث ومطالعات في
التراث الجغرافي العربي) وقد تولى وزارة التعليم في الكويت مرتين، ولايزال مديرا
لمركز دراسات الكويت الذي يقوم بعمليات توثيق مهمة وهناك تعاون منذ سنوات عدة بينه
وبين مركز المخطوطات، كما أنه عضو بمجلس إدارته، وقد حضر الغنيم إلى مصر قبيل موعد
هذا البرنامج حيث اشترك في اجتماع مجلس إدارة المركز.
وفي قاعة الأوديتوريوم قدم الغنيم أولى محاضراته بعنوان (نظرات في
التراث الجغرافي)، الذي أسهم في إثراء الفكر الجغرافي الحديث وفى تقديم مناهج
وأفكار جديدة لا تزال محل تقدير الأوساط العلمية.
وفي هذه المحاضرة طرح تقويما عاما للدراسات المتعلقة بالتراث
الجغرافي، كما أعاد النظر في بعض الكتب التي تم تحقيقها في العقدين الأخيرين من
القرن الماضي، وبين أهمية مشاركة الجغرافي المتخصص في تحقيق النصوص وتحليلها
والإفادة من مصطلحاتها، ودراسة الخرائط والمصورات الجغرافية القديمة دراسة
نقدية.
أما المحاضرة الثانية فكانت في القاعة الوسطى عن رائد الملاحة في
المحيط الهندي أحمد بن ماجد، الذي يعدُّ أحد أبرز العلماء العرب في علم البحر،
هؤلاء الذين جمعوا بين العلم والعمل، فقدم طائفة من المرشدات الملاحية التي تبين
طرق الملاحة في المحيط الهندي والخليج العربي والبحر الأحمر. وأوضح الدكتور عبد
الله الغنيم أن كتاب (الفوائد في أصول علم البحر والقواعد) لابن ماجد يعتبر أول
كتاب يصل إلينا في مجال علم البحر والإرشاد الملاحي في التراث العربي، وقد تناقله
الربابنة العرب في المحيط الهندي واستفادوا من معلوماته الغزيرة وإرشاداته.
وكانت ثالث محاضراته حول الزلازل في التراث العربي، حيث شرح فيها
أسباب الزلازل عند العرب، ومدى تأثرهم بآراء من سبقهم من الأمم، ثم حاول دراسة
الزلازل في الكتابات العربية، بدءا بتحليل المصادر، والمنهج الذي ينبغي اتباعه في
إعداد سجل بأحداث الزلازل الواردة في المصادر العربية، ثم تحليل ذلك السجل وبيان
الاستنتاجات التي يمكن استخلاصها منه.
واختتم محاضراته بموضوع (تبادل اليابس والماء بين اليونان والعرب)،
مشيرًا إلى أن فكرة طغيان الماء على اليابس وانحساره عنه، خلال الأزمنة الجيولوجية
المختلفة، من الأفكار التي راودت علماء الإغريق منذ بدايات العصر الذهبي لليونان،
الذين برهنوا على آرائهم بعدد من الأدلة والبيانات التي تدعم وجهات نظرهم. وأكد أنه
في عصر ازدهار العلم العربي قدم مجموعة من العلماء كالمسعودى والبيروني وابن سينا
وغيرهم إضافات مهمة مهدت السبيل لظهور ما يسمى بنظرية زحزحة القارات، التي وضعها
ألفريد فجنر في العقد الثاني من القرن العشرين، والتي كانت بدورها مادة لبحوث علمية
استمرت عقود عدة، أثمرت في النهاية عن نظرية جديدة هي نظرية تكتونية الألواح أو
الصفائح. وقد دعم الغنيم آراءه فى هذا الموضوع بمجموعة من الاقتباسات عن ابن سينا
وإخوان الصفا والبيروني لم يسبق نشرها مما حدا بالدكتور يوسف زيدان أن يضعها ضمن
محتويات باب (فصوص النصوص) على موقعه على شبكة الإنترنت.
وفي تقليد يتبع للمرة الأولى فى هذا البرنامج قام زيدان بإهداء
الدكتور عبد الغنيم درع مركز المخطوطات تقديرا لدوره المتميز في مجال
الجغرافيا.
ومن الجدير بالذكر أن هذا البرنامج يأتي إحياءً لإحدى السمات المميزة
لمكتبة الإسكندرية القديمة، حيث حرص البطالمة، حُكام الإسكندرية القدامى، الذين
أنشأوا المكتبة، على أن يستقدموا لها العلماء من أرجاء العالم القديم؛ ليمكثوا فيها
ويثروا الحياة العلمية بها، مما كان له أعمق الأثر في تأصيل المعرفة، وتطوير
العلوم، وإرساء مجد الإسكندرية كمنارة للفكر والعلم لا ينمحي أثرها من ذاكرة
الإنسانية. ومن هذا المنطلق يتبنى مركز المخطوطات بالمكتبة، هذا البرنامج الرامي
إلى استضافة كبار الباحثين التراثيين في العالم، وألمع الأسماء في سماء المجالات
التراثية المختلفة، للإقامة فترة في المكتبة يلتقي خلالها (الباحث المقيم)
بالمتخصصين، بما يضمن الاحتكاك المعرفي المباشر، واقتباس الروح العلمية مما يحفظ
توهُّجها وانتقالها من جيل إلى جيل.
مصطفى عبدالله
بيروت
فيروز و.. «صحّ النوم»
وأخيرًا أمكن تقديم مسرحية «صحّ النوم» للرحابنة وفيروز في مسرح
«بييل» ببيروت بعد أن تأجل عرضها في السابق مرتين، وكاد يتأجل عرضها في المرة
الثالثة بسبب الظروف الأمنية والسياسية اللبنانية. فقد كان من المقرر أن تُعرض
للمرة الأولى ضمن مهرجانات بعلبك في بداية السبعينيات من القرن الماضي، ولكن العرض
تأجل ثم ألغي بسبب وفاة الرئيس جمال عبدالناصر.
وعندما تقرر عرضها في بدايات الصيف المنصرم حال العدوان الإسرائيلي
على لبنان دون ذلك، وعندما أصرّت فيروز وزياد الرحباني على عرضها في مسرح بييل لم
يكن المناخ الأمني والسياسي مواتيًا أيضًا، ولكن أمكن جمهور فيروز والمسرح الرحباني
المنصور في ثلاث أمسيات متتالية، الأمر الذي نقل «صح النوم» من مجرد مسرحية رحبانية
على الورق، إلى مسرحية مكتملة الولادة على مسرح يغص بروّاده.
«صحّ النوم» تأتي بعد المسرحيات التاريخية مثل «أيام فخر الدين»
(1966)، والانتقادية السياسية مثل «الشخص» (1968)، والوطنية مثل «جبال الصوّان»
(1969). لكنها لا تنجو من إغراءات الإسقاط السياسي. وإذا كانت «جبال الصوان» حجر
الأساس في تناول المسرح الرحباني للصراعات اللبنانية، خلال مرحلة احتشدت فيها
الإشارات والدعوات إلى التغيير، فإن «صح النوم» المبنية على حكاية شعبية «الخاتم
والبئر» تتميز بنفس انتقادي للبيروقراطية والفساد الإداري.
يدعو الأخوان رحباني (أي عاصي ومنصور وهما اللذان وضعاها في الأصل) من
خلالها إلى ضرورة المشاركة الشعبية والإصلاح الإداري. وهذا يعني أن «صح النوم»
لاتزال حديثة ومعاصرة على الرغم من أنها وضعت قبل ثلث قرن.
فالمشكلة التي تعالجها، لاتزال مطروحة عندنا ولم تُحلّ، وقد لا تُحلّ
أبدًا.
الوالي ينام طوال الشهر، ولا يصحو سوى يوم واحد للاهتمام برعاياه،
موقّعًا فقط على ثلاث من معاملات الأهالي المعروضة عليه.
قرنفل (أي فيروز) تنتظر منذ ستة أشهر للتوقيع على معاملة بناء سقف
لبيتها الذي من دون سقف. ماذا تراها تفعل؟ تسرق ختم الوالي، وتروح تنهي كربة
المواطنين المنتظرين. لكن قرنفل العفريتة ترمي الختم في البئر، وتخلق ما يمكن
تسميته أزمة سياسية. الوالي، بقلبه الكبير، يعفو عنها، بعد أن تغوص في عتمة البيئر
وتنتشله. وتقول فيروز في المسرحية: «يا مولانا الوالي/ شفت الأهالي ناطرين/ واقفين
ناطرين/ حاملين بيوتهم بأيديهم/ جرَحني صريخ ولادهم/ وشفتك نايم يا مولانا».
«صحّ النوم» بحواراتها الملحّنة الشديدة الغزارة، هي المسرحية
الغنائية الرحبانية بامتياز. الأغنيات امتداد للحوار، وليست تزيينية بل تنخرط في
السياق الدرامي. أوبريت تقوم على مونولوجات مغنّاة.
جاء زياد الرحباني ونفض غبار الماضي عن تسجيلاتها الموسيقية القديمة.
لم يتطاول على توزيعها الأصلي، هو الذي كاد يعيد كتابة تاريخ فيروز بتوزيعاته، بل
اكتفى بإعادة تسجيل الموسيقى والحوارات الغنائية، وعدّل في إيقاع بعض الحوارات.
وتتمثل بصمته الخاصة في إعادة قراءة البناء الموسيقي الأصلي وتسليط
الضوء على مواطن القوة فيه.
وبما أن حجر الأساس «صحّ النوم» هو الغناء الفردي والجماعي، فقد كان
من الطبيعي أن يعطي زياد الرحباني للكورس دورًا مستقلاً، إلى جانب الممثلين
والراقصين. بل إنه وظف الكورس في كسر الجدار الرابع من الجمهور. ولجأ إلى الخيار
«البريختي» التغريبي نفسه، من خلال إدخال عنصر العزف الحيّ، إذ اخترع ثلاث عازفات
بالزي العسكري (فلوت وطبل وصنوج).
بعض الباحثين في السيرة الرحبانية رأى في هذه المسرحية تحذيرًا أطلقه
الرحابنة من تمادي الحكم في إغفال قضايا الناس، وضد استفحال الفساد الإداري. لكن
المقارنة مع الواقع تقف عند هذا الحدّ.
ففي العالم الرحباني لا بد من أن تكون النهاية سعيدة. تتصالح المعارضة
(قرنفل) مع الحاكم، وترفع الظلم، وتترك للمواطنين أن يشاركوا في الحكم أخيرًا.
وأخيرًا يمكن القول إن المسرح الرحباني ابتداءً من أول مسرحية
رحبانية، وصولاً إلى «صح النوم»، مبني أصلاً حول البطلة. يفصّل الرحابنة المسرحية
على مقاس البطلة، أو المغنّية. في المسرح الغنائي الرحباني تشكل فيروز واسطة القول،
إنها الواسطة، هي واسطة العقد في المسرحيات، بالمعنى شبه الاستئثاري للبطولة: أي
أنها موضوع القصة وحبكتها ومحرّكها والحلّ لعقدتها.
بهذا المعنى تكون الواسطة هي الوسيطة. وهذا ما حصل في مسرحية «صحّ
النوم» الرحبانية، وفي سائر مسرحيات الرحابنة.
جهاد فاضل
حلب
قصيدة تعيد اكتشاف طريق الحج
الحلبي!
من حسن الحظ أن شاعراً مجيداً من أكبر شعراء العصر المملوكي قد وصف
رحلة الحج آنذاك أزمنةً وأمكنةً وأشواقاً، بدقة وعمق. إنه ابن جابر الأندلسي. هو
شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن علي بن جابر الأندلسي المريّي الضرير، وهو
غير سميّه وسابقه زمناً التونسي ابن جابر الوادي آشي.
تحت عنوان: (طريق الحج الحلبي في العصر المملوكي كما وصفه ابن جابر
الأندلسي في قصيدته الرائية)، ألقى د.أحمد فوزي الهيب محاضرة في جمعية العاديات
متحدثاً في البداية عن ابن جابر، فقد ولد شاعرنا في مدينة المريّة عام 896 هـ
(1298م)، ودرس فيها وأخذ عن شيوخها، ثم غادرها إلى مصر، ثم إلى دمشق، ثم انتقل إلى
حلب وأقام فيها. كان ابن جابر إماماً عالماً فاضلاً بارعاً أديباً، له النظم والنثر
البديعان، اخترع أول بديعية في الأدب العربي، سمّاها (الحلة السِّيَرا في مدح خير
الورى)، والتي عُرفت ببديعية العميان. وله كتب عدة في اللغة والنحو والبلاغة
والعروض. وهو، فضلاً عن ذلك، شاعر مكثر له شعر كثير متفرق في كتب الأدب، كما له
أيضاً ديوان كامل في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم.
وعن قصيدته التي وصف فيها رحلته إلى الحج وقلّ أن نجد لها نظيراً في
الأدب العربي، قال المحاضر: إن الشاعر نظمها على البحر الطويل، وبناها على روي
الراء المفتوحة المطلقة، وذكر فيها منازل الحجيج ومواقيتهم من بداية الرحلة إلى
نهايتها في مكة المكرمة بدقة لافتة للنظر بدءاً من البيرة وانتهاء بمكة المكرمة.
وهذا يعني أن رحلته هذه قد كانت بعدما غادر حلب، واستقر في البيرة. وكُتُبُ التاريخ
تحدد عام دخوله حلب، وهو 347 هـ، ولكنها لا تدقق في عام مغادرته إلى البيرة، وإنما
نجد في كتاب (أعلام النبلاء) أنه سكن مدة في البيرة قبل موته. وتحدث د. الهيب عن
رحلة ابن جابرفي قسمين أو مرحلتين:
1 - مرحلة أولى قصيرة تمهيدية، بدأت من البيرة، وانتهت بحلب.
2 - مرحلة ثانية طويلة رئيسة أساسية، بدأت من حلب، حيث اجتمعت فيها
وفود الحجيج الذين أتوها مما حولها من مدن، لتنضم إلى الحجاج الحلبيين في قافلة
كبيرة، استعد القائمون عليها استعداداً ضخماً يتناسب مع طول طريقها ومصاعبه. لذلك
نجده يطيل المكوث في حلب سبعة عشر يوماً، حتى تتم الاستعدادات اللازمة، ويبدأ
الانطلاق. وقد وصف ابن جابر المرحلتين كلتيهما في هذه القصيدة.
قدّم الشاعر لقصيدته هذه بالحث على ترك الدار والأهل والارتحال إلى
الرسول قائلاً:
1 - دع الدار وارحل للذي جاء بالبشرى وبع دارك الدنيا من الله
بالأخرى
2 - دعتنا إلى دار النبوة عزمةٌ فقمنا ولم نترك لأنفسنا عُذرا
ذكر الشاعر غايته من قصيدته هذه، إنها إيقاظُ همم الناس للحج والعمرة
والزيارة والمجاورة، ومدْحُ الرسولِ وذكره وذكر آثاره ودياره لينال شفاعته يوم
القيامة وفي نهاية حديثه قدّم د. الهيب بعض الملاحظات السريعة على هذه القصيدة التي
تتبع فيها ابن جابر رحلة قوافل الحج من حلب الشهباء، بل من البيرة، إلى مكة المكرمة
تتبعاً دقيقاً، أمكنةً وأزمنةً، لذا نستطيع أن نعدها نوعاً من أدب الرحلات، أو
الأدب الجغرافي يمكن أن تضاف إلى رحلات ابن جبير وابن بطوطة وابن فضلان وغيرهم.
واستغرقت الرحلة من منطلقها إلى مكة المكرمة غايتها الأخيرة ثلاثة
أشهر وثمانية أيام، بدأت من اليوم الأخير من شعبان إلى السابع من ذي الحجة.
فإذا أضفنا مثلها لطريق العودة مع مدة أداء مناسك الحج والعمرة
والزيارة، وصلنا إلى أن رحلة الحج الحلبية آنذاك كانت تستغرق سبعة أشهر أو ثمانية.
وقد أتت قيمة القصيدة من الناحية الجغرافية من أنها ذكرت عدداً كبيراً من الأماكن
زادت عن السبعين.
ولم يذكر الشاعر أي مخاطر اعترضت طريقه، مما يعني أن الطريق زمن
الشاعر (العصر المملوكي) كانت آمنة بعد القضاء على الخطر الصليبي وسيطرة المماليك
على البدو.
ونجد في هذه القصيدة بعض الإشارات التاريخية، مثل يوم الفيل وغزوة بدر
وغيرهما. واللغوية مثل مكة التي سميت بكة لأنها بكّت، أي دقت أعناق الكافرين.
د. محمد جمال طحّان