عز الدين ميهوبي وسهيل الخالدي

عز الدين ميهوبي وسهيل الخالدي

  • أبشع إرهاب يعرفه مجتمع هو إقصاء المثقف مثقفا آخر
  • نسعي لبناء مجتمع ديمقراطي حر بعيدا عن النخبة المتواطئة
  • الشعب الجزائري متجذر في تاريخه العربي، ولا يمكن تحويله إلى تواريخ أخري

يمتاز الشاعر الجزائري الشاب "عز الدين ميهوبي"- رئيس اتحاد الكتاب الجزائريين- بأنه شاب متعدد المواهب، فهو شاعر أصدر عدة دواوين منهـا: في البدء كان الأوراس، النخلة والمجراف، اللعن والغفران، الرباعيات، حيزية، قناديل من وطني، وغيرها. ويعتبر أول من أدخل الأوبريت الشعري إلى الجزائر، فهناك مغناة قال الشهيد، ملحمة الجزائر، سيتيفيس وغيرها.

وبإلاضافة إلى الشعر فـ "عز الدين ميهوبي" صحفي لامع حيث أدار لعدة سنوات تحرير يومية "الشعب" وقد وصلت ذروة توزيعها اليومي في عهد إدارته لتحريرها، ثم أصدر أول صحيفة رياضية في القطاع الخاص، وهي أسبوعية الملاعب التي اتخذت خطا مختلفا عن معظم الصحف رياضية في الوطن العربي، إذ مزجت بين الرياضة والفن والثقافة في نص صحفي واحد، وقد نجحت في أوساط الشباب نجاحا متميزا. وربما ساعدت موهبة "عز الدين" الفنية كخطاط ورسام درس الفنون الجميلة في الوصول إلى هذه النتيجة.

واذا كان الكثير من الناس لم يتوقعوا لهذا الشاب أن يحقق نجاحات في الشعر والصحافة باعتبار أنه خريج المدرسة الوطنية للإدارة، حيث كان ينتظره منصب إداري رفيع لم يفكر أبدا بتسلمه مفضلا الصحافة والشعر، إلا أنهم فوجئوا ثانية بهذا الشاعر الصحفي ينجح في إدارة التلفزيون، ثم يشارك في تأسيس حزب سياسي كبير، ثم ينجح في انتخابات البرلمان ليصبح نائبا عن ولاية المسيلة ولد عام 1959 في إحدى بلداتها الصغيرة، ليدخل معترك السياسة، أكثر المعتركات صعوبة في جزائر اليوم.

وفي مارس 1997 كان اتحاد الكتاب الجزائريين في حالة موات والخلافات بين المثقفين وصلت إلى ما لا يطاق، فوجهت مجموعة من شيوخ. الأدباء نداء إليه لعقد مؤتمر للاتحاد وإنقاذ بيت المثقفين الجزائريين، وقد فعل وأعاد إحياء هذه المؤسسة الثقافية من جديد. وقد أجرى هذا الحوار معه الصحفي المعروف سهيل الخالدي الذى أجرى العديد من الحوارات الثقافية ويرأس وكالة صحفية خاصة في الجزائر.

  • ما هي خطتك لتنشيط اتحاد الكتاب الجزائريين محليا وعربيا التي بدأنا نرى نتائجها رغم قصر المدة؟

- أولاً: اتحاد الكتاب الجزائريين الذي يضم في صفوفه أكثر من 350 كاتباً ومبدعاً هو من المؤسسات التى تضطلع بالهم الثقافي والفكري. وقد كان لهذه المؤسسة طيلة مواكبتها لمسيرة المجتمع الجزائري دور كبير، من خلال السعي إلى التأسيس لثقافة وطنية تهتم بوضع لبنات بناء الدولة الوطنية، عبر تمثل التراث الجزائري والثورة الجزائرية واستلهام ثمانية آلاف سنة من الوجود، في كل المنتوج الثقافي لهـذا فإن اتحاد الكتاب كان أحد العناصر المعرة عن الوجدان الجزائري، غير أنه تعرض مع دخول الجزائر أزمتها المتشعبة لحالة من التراوح والبحث عن مخرج. فالاتحاد كان في السبعينيات والثمانينيات إحدى الأدوات المعبرة عن الثقافة الأحادية رغم رجود بعض التنفسات، ومع دخول الجزائر في التعددية، صار عليه أن يتفاعل مع المعطيات الجديدة، فخرجت من معطفه تنظيمات ثقافية حاولت التميز عن آراء الاتحاد رغم أنها مازالت تملك صفة العضوية فيه.

وعندما عقد مؤتمر "الانبعاث" في مدينة سطيف "مارس1997" كانت المسألة التي تشغل بال أعضاء الاتحاد هي: كيف يفكر الكاتب الجزائري بصوت عال في زمن طغى فيه صوت الرصاص؟ ورغم أنه بعد منحنا الثقة كنا نعلم أن العبء ثقيل وأن المسئولية لا يتحملها عضو أو مجموعة من الأعضاء. إنما هي مسؤلية كل الكتاب الذين يشكلون بتراكم منتوجهم الوعي الممتد في جسم الأزمة والإدراك المفكك للأسئلة التي طرحتهـا هذه الأزمة.

فالبداية كانت العمل على استعادة ثقة الكاتب في نفسه، ثم ثقة المجتمع في الكاتب، ثم التأكيد على استقلال الكاتب- المثقف عن أي مؤثر سلطوي أو وصاية، لأن هامش الحرية أساسي وحرية التعبير لا تأتي بقرار إداري أو منة من السلطة، لكنها نضال وتضحيات ووعي كامل بالمسئولية وبقدر ما نبديه من اعتزاز بشيوع حرية التعبير والنشر، فإننا نأمل أن تتوفر الأدوات المادية والتقنية التي تسمح للكاتب بأن يكون فاعلا في محيطه ومؤثرا في القرارات التي تطبخ خارج مؤسسته!

ومن أولويات الاتحاد أيضا وضع استراتيجية لتأمين استمراره في الوجود كمؤسسة منتجة، وذلك من خلال وضع آليات تخفف من عبء الأزمة المالية ووضع تصور تنظيمي يسمح بالانتشار وطنيا ودوليا.

كما أن الاتحاد يزيل في تصورنا حواجز المحايلة والإلغاء ويسعى لتكريس الحوار الثقافي غير الإقصائي، كما أنه يعمل لأن تكون له امتدادات في الوطن العربي من خلال الإسهام في ترقية ثقافة التنوير وبما يفتح أمامنا أبواب المساهمة في تأكيد التنوع داخل العولمة.

الاتحاد ومشكلة الانتشار

  • هل هناك إجراءات محددة اتخذت للانتشار عبر الوطن من جهة وتكريس الحوار داخل العولمة من جهة أخرى؟

- بعد شهر من تنصيب القيادة الجديدة للاتحاد أقمنا

ندوة عريية ناقشت موضوعا لا تختض به الجزائر إنما هو حالة يعيشها العالم كله وإن بدرجات، وهي علاقة المثقف بالعنف وكانت محاولة لتفكيك هذا السؤال وبناء تصور لهذه العلاقة، وهو بدالة لإشاعة ثقافة الحواريين الفرقاء، أيديولوجيا وسياسيا وقد أدركنا أن أبشع إرهاب يعرفه مجتمع أو إقصاء المثقف مثقفا آخر وفرض الوصاية الأيديولوجية والأبوة الفكرية، وقلنا إن اختلاف الرأي وتلاقح الأفكار هو سبيلنا إلى الوصول إلى مجتمع ديمقراطي حر بعيدا عن سلطة النخبة المتواطئة.

ولتحقيق الانتشار، تركزت سياسة الاتحاد على توسيع قاعدة فروعه لتصل إلى ثلاثين فرعا جهويا إلى جانب فرعين ننوي تأسيسهما، أحدهما في أوربا والآخر في المشرق والخليج العربي لفتح قنوات يين الاتحاد وباقي التنظيمات الثقافية العربية والعالمية الأخرى. ونعول كثيرا على إقامة مشاريع شراكة ثقافية بين الاتحاد وأشقائه في الوطن العربي، يشجعنا في ذلك التجاوب الكبير الذي لمسناه من أمانة الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب بقيادة الدكتور "علي عقلة عرسان" ومن مختلف التشكيلات الثقافية العربية.

مجلات جديدة

  • قررتم إعادة إصدارا "الكاتب الجزائري" بعد أن توقفت طويلا.. فما هو خططكم في هذا الاصدار؟

- الكاتب الجزائري بحاجة إلى منبر يعبر فيه عن مواقفه وتصوراته تجاه المجتمع، لهذا كان علينا أن نعمل على تحويل مجلة "الكاتب الجزائري" إلى صحيفة نصف شهـرية يمكن من خلالها مسايرة الأحداث والتعبير عن الموقف في وقته والتأكيد على أن الكاتب والمثقف هو أحد صانعي القرار بما يحمله هذا القرار من أبعاد سياسية وثقافية واجتماعية لأنه في النهاية يبقى أحد مكونات ضمير الأمة كما أن صحيفة "الكاتب الجزائري" ستكون مفتوحة أمام كل الأقلام والأفكار والطروحات مهما كان اتجاهها لأننا نؤمن أن التنوع أساس الثراء، وأن الثراء يعني التراكم المعرفي الذي هو أحد محفزات النهضة.

وفضلا عن "الكاتب الجزائري" نسعى إلى مواصلة إصدار مجلتي "المساءلة" و"الرؤيا"، وربما عناوين أخرى بحسب الوضع المالي والمادي.

ومن بين آليات العمل إقامة اتفاقات ثنائية بين اتحاد الكتاب كطرف والولايات (المحافظات) وعددها 48 كطرف ثان لتحقيق هدفين:

1- أن تتكفل كل محافظة بطبع 3 أعمال.

2- التكفل المالي بالأنشطة والفعاليات الثقافية التي يكون الاتحاد طرفا فيها.

االصراع اللغوي

  • هل تعتقدون أن الصراع اللغوي في الجزائر له أسباب موضوعية جوهرية؟ وهل هناك حقا صراع بين الأمازيغية والعريية؟ ولماذا نجد دائما من يدافع عن لغة ثالثة أجنبية؟ لقد أخذ هذا الصراع الكثير من الجهود وكلف الكثير من الأموال وسبب الكثير من المشكلات، فما هي أسسه؟ وإلى ماذا يهدف؟ وكيف يمكن أن ينتهي؟

- أتساءل أولاً إن كان حدث صراع بين الأمازيغية ولغات الرومان والوندال والبيزنطيين الذين احتلوا أرض الجزائر طويلاً قبل مجيء العرب الفاتحين؟ لا أعرف ولكن لم يصلنا سوى رفض "أبناء الجزائر" من ماسينيسا ويوغرطا ومسيبسا وتاكفاريناس للوجود الأجنبي والعمل على مقاومته، ولم نسمع بعد "أسلمة" هذه الأرض عن وجود صراع بين الوافدين من الشرق والسكان الأصليين، وكان هناك تناغم روحى أسقط أوراق الصراع التي تحاول بعض الأقلام والطروحات إيهام الناس بوجودها.

الصراع الحقيقي جاء بعد احتلال الجزائر في 1830 وتحضرني هنا مقولة وردت على لسان القس زويمر الذي قال "جئنا هذه الأرض- أي الجزائر- لنبدل لغة بلغة ودينا بدين وعادات بعادات .. ولم نأت فقط لنشر حضارتنا كما يزعمون!" فعملية الإستئصال التي مارسها الفرنسيون على امتداد أزيد من قرن وثلاثين سنة، عرفت صراعا على الأرض، صراعا على الدين، صراعا على الأمة وفي النهاية كل ذلك يمثل صراعا من أجل الحياة.. ولا يختلف اثنان في أن الضريبة كانت جد غالية لأن الوصول إلى الاستقلال الوطني الشامل يمر عبر تحقيق الاستقلال السياسي والاقتصادي واللغوي.. فالفاتورة كانت ملايين الشهـداء و لم يكن ذلك صدقة أو منة!

وإذا كانت هناك بقايا صراع بين العربية التى تشكل رأس مال الأمة لأنها متجذرة في وجدان الشعب الجزائري والفرنسية، فإن الفرنسية هي "غنيمة حرب" تستعمل عند الحاجة.. وما لا نقبله هو أن تتحول الفرنسية إلى ضرة في البيت الجزائري وأن يتحول وجودها إلى تشكيك في وجود اسقلال لغوي كامل.. وكل هذا أنتج ما أطلق عليه في الجزائر "حزب فرنسا" أي التيار الذي يدأفع عن المصالح الفرنسية خاصة الثقافية منهـا في الجزائر.

فطبيعي جدا أن يكون هناك صراع في مختلف المؤسسات الجزائرية، غير أن ذلك لم يغير من حتمية اتجاه التاريخ نحو استعادة العربية لموقعها الطبيعي في منظومة الشرعية الوطنية.. وما وجود قانون لتعميم استعمال اللغة العربية في الإدارة والجامعة مع إنشاء المجمع الجزائري للغة العربية والمجلس الأعلى للغة العربية جنبا إلى جنب مع تأسيس المحافظة السامية للأمازيغية، إلا تأكيد على إرادة السلطة في الجزائر على الحسم في مسألة الهوية. الهـوية التي ظل سؤالها مطروحا طيلة سنوات الأزمة، فالدستور الجزائري المعدل في نوفمبر 1996 كان صريحا حين قال إن مكونات المجتمع الجزائري ثلاثة:

- الإسلام.

- العروبة.

- الأمازبغية.

وهي المكونات التي أبعدت عن التنافس الحزبي والسياسي.. فالفرنسية، إذن ليست من مكونات المجتمع الجزائري ووجودها عارض فقط. أما الأمازيغية فهي حقيقة وطنية. وتجرية تدريس الأمازيغية تؤكد أنها لم تعد مطلبا سياسيا فيه كثير من المزايدات، إنما تحولت إلى تجسيد يخضع لجملة من التحسينات التي تتطلب الحد الأدنى من الاتفاق التقني والتوافق السياسي لترقية الأمازيغية بعيدا عن أي ازدواجية سلبية!

أما الذين يحاولون استخدام الأمازيغية كمنافس للعربية لتأمين بقاء الفرنسية في الديار الجزائرية فإنهم من أولئك الذين يناورون لحماية مصالح معروفة، وهم أشبه بالذي يرقص في عرس غيره (!) وأفضل جواب على هؤلاء جميعا وجود ربع سكان الجزائر على مقاعد الدراسة.. وبالعربية!

الكتابة بالفرنسية

  • وماذا عن مصير الكتابات التي أنتجها كتاب جزائريون باللغة الفرنسية؟

- الكتابة بغير اللغة الأم تطرح دائما إشكالية كبيرة فهل الأدب ينسب إلى اللغة أم إلى الجغرافيا؟ بمعنى هل ما يكتبه "محمد ديب" الجزائري الذي اختار منفاه ومازال يقول إن ما يكتبه كان دفاعا عن وطن، وتكذيبا للطروحات الكولونيالية ولا أحد يشك في أن كتابات "محمد ديب" تنبض بالوطنية وبالصدق بما لا تجده في كتابات بعض الذين يكتبون بالعربية، فهل نأخذ بروح النص والفكرة التي يحملها أم نحصر ما يكتبه "محمد ديب" وغيره بالفرنسية ضمن الأدب الفرنسى؟! ثم في هذه الحال ماكتبه فرنسيون مساندون للقضية الجرائرية، هل يمكن أن تعتبره أدبا جزائريا؟ والأمثلة كثيرة عن أدباء في البلاد العربية وغير العربية كتبوا بغير لغة وطنهم الأم؟

رأيي الشخصي في الموضوع أن هناك حدودا حمراء مطالب أي كاتب أو مثقف بأن يلتزمهـا تجاه وطنه، فإذا تحكمت ظروف تاريخية في أن يكتب أديب بغير لغته الأصلية كما هو الشأن بالنسبة لعدد كبير من أدباء الجزائر أمثال محمد ديب، كاتب ياسين، مولود فرعون، آسيا هذا الأديب مطالب بألا يتجاوز حدود اللغة للتعبير عن موقف ثقافي أو سياسي، لأنه لايجد لغة أقدر على التعبير عن موقفه هذا أفضل من اللغة التي يتقنها، كما أننا لسنا مطالبين باسداء النصيحة له باتقان العربية إنما نرفض أن يعادى اللغة العريية، أو أن يستعمل اللغة الفرنسية لتشكيل سلاح إضافي مازالت تراه فرنسا مبررا لوجودها الثقافي، في الجزائر.

ونأمل أن يقول مثقفون بغير العربية دائما مثلما قال المرحوم "مالك حداد" "اللغة الفرنسية منفاي"، ولعل الشيء الذي نتوقع أن يتحول إلى قنبلة موقوتة لاحقا هو ما يطلق عليه أدباء الجيل الثاني من أبناء الجزائر في الهجرة والذين ينتجون أدبا بغير لغتهم الأم والذين قد يتحولون مع مرور الوقت إلى تكريس الثقافة الملحقة بالثقافة الأصلية وأعتقد ان الثقافة الجزائرية مطالبة بترجمة أعمال الجزائريين باللغات الأخرى حتى لا يبقى هذا الشرخ كبيرا ولكني تضيق مسافة الاختلاف اللغوي بين الجزائريين كما أن العالمية تفرض علينا مسئولية الحفاظ على هذا التنوع الثقافي في إطار الوحدة. وبعيدا عن تكريس الازدواجية إن استمرت، ستكرس الطروحات التي يسعى جناح ثقافي وسياسي إلى الإبقاء عليها وهذا الجناح قسمه مثقف جزائري إلى 3 طبقات:

1- طبقة الفرانكوفونية: وهي الفئة التي تتعامل مع اللغة كوسيلة تخاطب وتفاهم فقط.

2- طبقة فرانكوفيلية: وهي الطبقة التي تسعي إلى تكريس الفكر الفرنسي وتفكر فرنسيا.

3- طبقة الفرانكوكانية: وهي فئة المرضى بفرنسا أو الذين يرون أن فرنسا نموذج حياة.

لكن الجيل الحالي متشبع بالثقافة العريية ويشكل أزيد من ربع السكان الجزائريين الذين هم على مقاعد الدراسة " 7 ملايين" وهو القوة التي ستحبط مثل هذه المشاريع والتي تكرس انتماء الجزائر الثقافي والتاريخي بعيدا عن كل الطروحات الوهمية التي تسيطر على هذا الجناح الثقافى السياسي بكل فئاته.

واذا ما تجاوزنا مسألة احترام الرأي والرأي الآخر فإنه بإمكاننا الإسهام في المشروع الثقافي الوطني الذي مازال ينتظر مساهمة جادة من جانب المثقفين، كل قي موقعه ومن موقفه. وثراء الثقافة الجزائرية لم يحقق الصدمة المنتظرة ومازال يراوح مكانه بحثا عن اللحظة التى يمكن فيها أن يجتمع وطار وبوجدرة والغماري على مائدة واحدة، وأعتقد أن مبادرة كعقد ملتقى لكل المثقفين الجزائرين، يمكن أن تكون خطوة نحو التأسيس لفعل ثقافي منتظر.

أين المنتج الثقافي؟

  • كيف تكون مواجهة العزل ونحن لا نجد في الأسواق الجزائرية المجلات والكتب العربية والأجنبية ذات القيمة العلمية والفكرية، والمنتوج الوطني مثله مثل أي منتوج ثقافي لأي بلد في العالم، لا يمكنه أن يلبي الحاجة؟

- صحيح لايعقل أن ينعدم وجود مجلات ثقافية أو نشرات في بلد يزخر بتنوع ثقافي ويطل على أوربا، فكل المحاولات لإيجاد منابر ثقافية باءت بالفشل، بدءا بمجلة "الثقافة" التي تصدر كلما واتتها الظروف وقبلها مجلة "امال" لأدب الشباب، ثم مجلة "الرؤيا" لاتحاد الكتاب و"المساءلة" وغيرها من التجارب، فلم تنشأ للثقافة أو للمثقفين قناة يعبرون منها إلى الرأي العام، هذا فضلا عن المشاكل المالية والتقنية التي تصادف أي مشروع، حتى في ظل الانفتاح الإعلامي لم تنجح الصحف التي تكفلت بالمشهد الثقافي مثل "جسور" و "الشروق الثقافي" و " العالم الثقافي " فكلها تجارب لم يكتب لهـا النجاح حتى إن وزارة الثقافة بفعل عدم الاستقرار لم تحافظ على مجلة الثقافة التي تعد أقدم عنوان في الساحة الثقافية الجزائرية.

والسؤال الذي نطرحه دائما، هل نحن بحاجة إلى ثقافة استثمارية أم ثقافة استهلاكية، فالثقافة الاستثمارية حتى تكرس، لأنها منتجة للأفكار، يجب أن تحظى بدعم كبير من الدولة. أما ثقافة الاستهلاك فأمرها متروك للشارع.

وهنا أثمن جهد الكويت في الإبقاء على صدور مجلة العربى المرتبطة بحركة الثقافة العربية والمؤرخة لهـا، والنشر المستمر لسلسلة "عالم المعرفة" وهو ما يؤكد أهمية الثقافة في حياة الأمة، هذا دون أن ننسى مجلة "عالم الفكر" التي تشكل منبرا نخبويا. وأتوقع أن الاستثمار في المجال الثقافي يتطلب صبرا كبيرا وتضحية ومجاهدة في سبيل تأصيل بعض القيم التي يحتاج إليها المجتمع للحفاظ على توازنه، واعتقد أنه ابتداء من نوفمير 1998 فتحت السوق الجزائرية مجددا للكتب والصحف والمجلات العربية والأجنبية عبر القطاع الخاص، ونأمل أن يكون هذا القطاع مدركا لحاجة المجتمع الجزائري إلى المعرفة الجدية، ولا يفكر فقط بالربح.

وآمل أن تكون هناك مبادرة من أتحاد الأدباء والكتاب العرب وسائر المؤسسات الفكرية والثقافية العربية، بالسعي لدى الجهات الاقتصادية والتجارية في الدول العربية لإلغاء الرسوم الجمركية عن الكتاب العربي قصد تخفيض ثمنه وجعله في متناول الجميع.

 



أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات




عز الدين ميهوبي