الدكتور سليمان العسكري والدكتور رشدي راشد

الدكتور سليمان العسكري والدكتور رشدي راشد

رشدي راشد في حوار مع و«العربي»
المؤتمرات العلمية العربية تحولت إلى «مَكْلمَة»!

  • القيم العقلية في الثقافة العربية هي المؤثرات الأسبق على الثقافة العلمية.
  • فشلت مشاريع النهضة لعدم اهتمامها بالبحث العلمي.
  • ردًا على البابا ماذا فعل المسلمون غير الصراخ؟!.

في الوقت الذي اجتمعت خلاله لجنة جائزة الملك فيصل العالمية برئاسة الأمير سلطان ابن عبد العزيز ولي عهد المملكة العربية السعودية ونائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والطيران السعودي لتقرر منح البروفسور رشدي راشد جائزتها عن الدراسات الإسلامية لهذا العام 2007، كانت مجلة (العربي) تستضيفه في حوار مفتوح.

لم تكُن هذه الجائزة العربية الكبيرة، هي جائزة العالم الفذ الأولى، فقد حصد العديد من الجوائز في مجال تاريخ فلسفة العلوم، ومنها؛ ميدالية الرئيس الفرنسي للإنتاج العلمي عام 1989م، وميدالية الأكاديمية الدولية لتاريخ العلوم (ميدالية ألكسندر كويري) عن أعماله عام 1990م، وميدالية مركز بحوث التاريخ الإسلامي بمنظمة المؤتمر الإسلامي، وجائزة أفضل كتاب في البحوث الإسلامية من رئيس الجمهورية الإيرانية، لأعماله عن تاريخ العلوم العربية في عام 1998م، وجائزة وميدالية مؤسسة التقدم العلمي الكويتية التي منحها له أمير الكويت عن أعماله في تاريخ الهندسة عام 9991م، وجائزة ابن سينا الذهبية من فيدريكو مايور، المدير العام لليونسكو «عن مساهمته في التعريف بالثقافة الإسلامية باعتبارها جزءًا من التراث الثقافي العالمي ولإذكاء الحوار بين الثقافات المختلفة» عام 1999م، وجائزة مركز البحوث العلمية الوطني في فرنسا CNRS عام 2001م.

ولد رشدي حفني راشد في عام 1936م، بالعاصمة المصرية، القاهرة، حيث درس في جامعتها، ليحصل على ليسانس الفلسفة وهو في العشرين من عمره، ثم ينتقل إلى فرنسا، فيكمل دبلوم الرياضيات من جامعة باريس، وينال دكتوراه الدولة في تاريخ فلسفة الرياضيات في الجامعة نفسها. بعد ذلك يشغل رشدي راشد مناصب عدة في المركز الفرنسي القومي للأبحاث العلمية عام 1965م، ومنصب مدير أبحاث الابستمولوجيا وتاريخ العلوم في جامعة دنيس ديدرو - باريس، حتى عام 2001م، ومدير مركز الفلسفة والعلوم والفلسفة العربية للعصور الوسطى حتى عام 2001م.

أسس رشدي راشد في 1984م - وأدار منذ سنة 1993م - فريق بحوث الابستمولوجيا وتاريخ العلوم والمعاهد العلمية. نشر العديد من المقالات والأبحاث والكتب في مختلف الدوريات عن مساهمة العلوم الإسلامية والعلماء العرب في تطوير وتقدم العلوم، كما يرأس تحرير دورية العلوم والفلسفة العربية، بجامعة كامبريدج، ويشغل حالياً منصب المدير الشرفي لقسم أبحاث المستوى الرفيع في مركز البحوث العلمية الوطني في فرنسا CNRS.

وضع رشدي راشد أكثر من 30 كتابًا، ومن أعماله المهمة إشرافه على موسوعة تاريخ العلوم العربية التي صدرت في لندن ونيويورك طبعتها الأولى في 1996م، وقد حرر فيها الأجزاء التي تقع في تخصصه المباشر، وهي الحساب والجبر والبصريات الهندسية. ومن أشهر أعماله: مدخل لتاريخ العلوم (باريس 1971)، كتاب الجبر لديوفنطس (القاهرة 1975)، أعمال عمر الخيام في الجبر ـ بالاشتراك مع أحمد جبار (حلب 1981)، العلوم في عصر الثورة الفرنسية (باريس 1984)، أعمال الكندي الفلسفية والعلمية (ليدن 1998)، أعمال السجزي الرياضية (باريس 2004)، فلسفة الرياضيات ونظرية المعرفة عند جول فيامين (باريس 2005). ويلقي رشدي راشد محاضراته في تاريخ العلوم في كثير من عواصم العالم.

وقد حضر الحوار المفتوح الذي دار في مقر مجلة العربي بالكويت، وناقشه خلاله، رئيس تحرير «العربي» الدكتور سليمان إبراهيم العسكري، ومن أسرة التحرير: د. محمد المنسي قنديل، وأشرف أبو اليزيد، وهذايل الحوقل.

  • لعل البدء والاستهلال في حوارنا المفتوح يكونُ مناسبًا إذا ما حدثتمونا حول خرافة حجم العلوم والمعلوماتية. ذلك أنه حين يتم الحديث عنها في عالمنا العربي يتم تناولها بنوع من التهويل، والتضخيم، لهذه الثروة المعلوماتية؟

- قد لاتكون خرافة، ولكن هناك صعوباتٍ يمكن بالقرار السياسي تجاوزها، كما أن هناك شقين؛ الشق العلمي البحت، في الطبيعة والطبيعة النووية، وأنا اعتقد أن هناك أناسًا جيدين وعلى مستوى علمي جيد في العالم العربي، ومصر بالأخص، فمنهم الحاصل على جوائز قيمة في الفيزياء ومنهم النساء أيضا. كما أن هناك مصريين يعملون في أماكن عدة من العالم في أمريكا وأوربا، وهؤلاء على أتم الاستعداد للمساعدة في أي مشروع تكنولوجي أو علمي.

أما الجانب التطبيقي، وهو الجانب التكنولوجي، فهذا لايمكن اكتسابه إلا بالممارسة وهنا يأتي دور القرار. هل يوجد قرار ببدء الممارسة الفعلية، وخاصة أن هذه الممارسة ليست جديدة كليا، فقد كانت هناك ممارسة لذلك القرار، وكانت هيئة الطاقة الذرية بما فيها من أشكال الممارسة الموجودة. أنا أعتقد أنه ليس هناك صعوبة لايمكن تجاوزها، هناك بضع صعوبات يمكن تجاوزها من خلال الأطر العلمية والفنية الموجوده ضمن إطار زمني معقول، فالقرار قرارٌ سياسي أولا، إذا أخذت السبل ليس هناك معجزة تتم حتى يحدث ذلك.

لكن هذا أيضا يرتبط بتصور عام - لن نركز على مسائل الفيزياء النووية - ولكن على مستوى تصور للبحث العلمي وأهمية وأسس البحث العلمي. مثلا لو أخذنا مركز البحوث في مصر، وهو مركز تطبيقي أساسا ، يعني عندما تريد أن تعرف أين يوجد المتقدم والمعاصر للبحث العلمي في العالم، ستلجأ لمركز البحث، صحيحٌ أنه يوجد بعض الاشكال في بعض الجامعات لكن مركز البحث العلمي من تصوره الأول هو تصور تطبيقي وأنا أعتقد أن هذا لا يكفي لمعطيات وتحديات العصر الموجود، فلابد أن يكون هناك أكثر من مركز، وألا يكون تطبيقيا فقط، ولكن نجد فيه أيضا العلوم الأساسية أو العلوم النظرية بما فيها الرياضيات والكيمياء والطبيعة وغيرها.

إذن أولوية البحث العلمي هي التي لابد أن تناقش، هذه الأولوية تناقش في الصحف بمجرد كلمات، ثم تعقد المؤتمرات وبانتهائها يظن الناس أنها حلت المسألة ، وفي الحقيقة أنا نفسي شاركت في أكثر من مؤتمر، والناس تعيد نفس الكلام حول كيفية تطوير البحث العلمي وتنتهي الأمور عند هذا الحد، ولهذا قررت ألا أحضر مثل هذه المؤتمرات لأنها أصبحت (مَكْلمَة)!

شيء آخر أحب أن ألفت النظر إليه هو أن هذه المؤتمرات العلمية مهمة لو كان هناك بحث نشط حتى تأتي بنتائج جديدة تقولها بهذا المؤتمر، ويكون مؤتمرًا للمتخصصين أما في العالم العربي فقد ظهرت فكرة المؤتمرات بديلا للبحث العلمي وأصبحت مضيعة للوقت في أغلب الأحيان.

ولعلي ألخص بالنسبة للمعرفة العلمية فهي مكفولة للجميع ويكفي قراءة المجلات العلمية للمعرفة، ولكن يفترض تكوين الكوادر القادرة على هذا العمل وأنا أعتقد في وجود قادرين - سواء في الداخل أو الخارج - من الممكن أن يتعاونوا لمثل هذا العمل، إلا أنني أعيد وأكرر: القرار ليس قرارا علميا فقط ، ولكنه قرار سياسي بالدرجة الأولى.

  • في إطار البحث العلمي، طرحتم قضية مهمة تتمثل بوجود مايشبه الجامعة المتخصصة أو المعهد المجهز لإعداد وتأهيل العلماء والباحثين في المجال العلمي، فما هي حدود هذه الفكرة؟

- هذا حلم كنت أتطلع إليه، يتجسد في إنشاء معهد، مثل المعهد الموجود في بريمستون، وهذا ليس تقليدًا، ولكنه يُفترضُ أن يقوم على الأسس ذاتها، وهذا المعهد يكون فيه أساتذة دائمون يمثلون مجموعة قليلة جدا ولكن على أعلى مستوى. والفكرة أن تعطى للأساتذة في العالم العربي منح لمدة سنة أو سنتين على أقصى تقدير حتى يقوموا بالأبحاث بالتعاون مع هؤلاء الدائمين في المعهد. في هذه الحال من الممكن مساعدة البحث العلمي ، كما أنه يساعد أيضا على تجديد التعليم، بمعنى أن هناك الكثيرين بعد نيل الدكتوراه لا يواصلون البحث ويقفون عند هذا الحد فتكون هناك فرصة لإعادة التأهيل وحثهم على البحث.

هذا المعهد - حتى لايكلف الكثير - أتصوره في حدود العلوم النظرية مثل الفيرياء والفيزياء النظرية، الفلك النظري، والدراسات الإنسانية، على سبيل المثال: تاريخ المؤسسات، تاريخ العلوم، وبعض اللغات القديمة، وأشياء مثل هذا النوع، والأفضل ألا يكون هذا المعهد تابعا لدولة من الدول بل بإدارة مستقلة علمية وهذا أحد الحلول من مئات الحلول التي يمكن أن تساعد.

هذا حل أيسر من ناحية أن المناخ يساعد على خلق مثل هذه المعاهد التي تكلفتها أقل. ولكن يجب أن يكون مثل هذا المعهد بجوار مكتبة ضخمة حتى يواصل العلماء البحث في الميادين المختلفة مع حضور أغلب المجلات العلمية .

  • هذا يقودنا إلى الحديث حول النشر العلمي: هل تعتقد أنه مع وجود الوسائط الجديدة من الإنترنت والأسطوانات المبرمجة، تحدث طفرة مساعدة، وما مدى الحدود التي يمكن أن نستفيد منها بهذا الشكل؟

- هذا سيساعد كثيرا، خاصة أن الكثير من المجلات الآن موجود على الإنترنت، ويمكن الاشتراك فيها عن طريق الإنترنت، ولكن هذا لايغني عن تكوين مكتبة من المجلات والكتب الأساسية التي ليست متوافرة على الإنترنت، وهو أمرٌ ممكن بكل الوسائل المتوافره الآن من التصوير وما إلى ذلك، فلا بد من أخذ السبل لهذا والبدء، ويجب ألا يكون تابعًا لدولة حتى لا يكون مجالا للدعاية والافتخار، ثم نسيان الأمر، بل يكون تابعًا لهيئات علمية منتخبة ومستقلة.

  • قد نقسو على أنفسنا أحيانا في الوطن العربي بالمقارنة مع دولة (الاحتلال الاسرائيلي) الجار العدو، هل تعتقد أن المقارنة دائما في صالحنا أم أنها تعطي نوعا من اليأس لأننا لن نصل إلى ماوصلوا إليه، فالمقارنة قائمة، خاصة أن «العربي» كثيرا ما تكتب حول الواقع العلمي عندهم ولدينا، وأخص بالذكر الواقع العلمي، لأن البون والفارق كبير جدا؟

- إن النقطة الأولى تتمثل في الاستفادة (عند دولة الاحتلال الإسرائيلي) من انتهاء الاتحاد السوفييتي - إن صح التعبير- والهجرة اليهودية من الاتحاد السوفييتي الذي كان يوفر مدارس قوية جدا في تدريس الرياضيات والفيزياء، وقد كان العرب ممنوعين من الاستفادة من هؤلاء لأسباب سياسية.

والنقطة الثانية أن أكثر العلماء اليهود ليست لهم هوية وطنية، والعديد منهم قد يكون أستاذا في جامعات أمريكية وفي دولة (الاحتلال الاسرائيلي) في الوقت نفسه.

أما الأمر الثالث فهو أنهم نجحوا منذ البداية في تأسيس معاهد، مثل المعهد التكنولوجي في حيفا؛ وهو من أعلى المعاهد التكنولوجية، ولكن مع البعد السكاني العربي والبعد التاريخي وأناس تحاول منذ أكثر من قرن ونصف القرن على الأقل التقدم في هذا المجال، فأنا أعتقد أنه لم تكن هناك لدينا في أي يوم من الأيام العزيمة لقبول التحدي وقبول متخصصين على أعلى مستوى.

نعم، فقد حدث في بعض الفترات خلال الفترة من 1954 إلى 1967، إلا أنها كانت مع أخطاء عديدة وجسيمة ، فقد كان هناك الوازع والرغبة إلا أن الأساليب المتبعة كانت تحطم هذه الرغبة ومن هذه الأساليب ماساعد على الهجرة بشكل واسع أو عدم الرجوع إلى البحث العلمي.

  • مع محاولات إيران خلق قوة نووية ـ سلمية كانت أو خلاف ذلك ـ هل ترى فيما يشنه الغرب من هجمة شرسه عليها أمرًا طبيعيًا أو لمصلحة دولة (الاحتلال الاسرائيلي) المتفردة بتلك القوة في المنطقة؟

- الاثنان معا، بمعنى أنهم لا يريدون انتشار الأسلحة النووية، لأن نفس المحاربة - لفكرة امتلاك الطاقة النووية - موجهة ضد كوريا الشمالية لتظل الأسلحة النووية محصورة بأيديهم وهذه ناحية.

أما الناحية الأخرى طبعا فإن ذلك من مصلحة دولة (الاحتلال الاسرائيلي) ، لأنها تحارب امتلاك إيران للقنبلة الذرية، لأنها تهدد وجود دولة (الاحتلال الاسرائيلي)، لكن هذا لم يمنع الإيرانيين من أن يستمروا في محاولة الإنتاج النووي وهذا مايقومون به.

أما كل هذه الضجة، فهي علاقات توازن قوى في المنطقة، ومن الممكن أن ينجح الإيرانيون كما نجح الكوريون، والأمر يتوقف على مدى استعدادهم للمقاومة، وهذا يدعم السوق الاخرى ومن كل ذلك تنشأ مشاكل سياسية ضخمة.

  • نعود إلى الواقع العربي هناك ست دول عربية أعلنت رغبتها في الانضمام إلى ركب البحث العلمي مثل تونس ومصر الا أنكم ترون عدم جديتها بالانضمام خاصة - مصر - فما مظاهر عدم الجدية التي ترونها؟

- إن من يريد أن يعمل بهذا لابد له من أن يبدأ في إنشاء قاعدة للبحث، فلو أن هناك قرارًا يتم اتخاذه، ويفرض الاهتمام بالقاعدة العلمية البحثية، لكن القرار لا يؤخذ من أحد المسئولين الذي يقول قررنا!

النقطة الثانية، أن أمريكا أعلنت أنها مستعدة لتزويد مصر بالوقود النووي وهذا ما ينبيء بتحكم أمريكا في الوقود النووي وإدارته في مصر، فليست هناك فكرة حتى الآن لإنتاج هذا الوقود في مصر، أو حتى محاولة كمحاولة الإيرانيين أو الكوريين.

النقطة الثالثة، محاولة الدكتور أحمد زويل حين قرروا عمل جامعة تكنولوجية، انتهت هذه الجامعة بقطعة أرض تم أخذها منه وانتهت المحاولة!

رابعا: كيف نثق بمشاريع - أغلبها - تنتهي بنهاية عقيمة مثل مشروع (الوادي الجديد) ومشروع (توشكى)، فلا يمكن أن يقنعك هذا بجدية في المسير ولو نجحوا حتى في بعض الأمور فهذا مانتمناه على الأقل في البداية، ولكن هل هذا يعطيك إحساسًا جديًّا.

  • وماذا لو اعترضت بعض الدول الأوربية بما فيها أمريكا؟
  • وهل ماينطبق على مصر ينطبق على بقية الدول العربية التي أعلنت هذا على نفسها؟

- ينطبق ثلاث مرات أكثر ، وهؤلاء يلعبون في خانة الأسد!

  • هل من الأجدى ان نسعى للاهتمام بتاريخ العلوم التي لم تكتمل ولم يعد يُستفاد منها أم نسعى بكل جهدنا للالتحاق بركب العلوم المعاصرة الحديثة؟

- هذا التناقض غير مجد، ان التاريخ بذاته لا فائدة منه إن لم يكن يحث على تجديد الفكر وعلى البحث العلمي، ودون هذا فلا فائدة منه، فليس هناك تناقض. فلايمكن أن تبحث في مجال وتنسى آخر. مثال على ذلك في عام 820 ظهر علمٌ جديد وهو علم الجبر وحتى أفهم ظهور هذا العلم تدخل العلوم الانسانية أولا ـ بمعنى أنه لفهم كيفية ظهور علم الجبر لابد من العودة إلى علم اللغة، وعلم الفقة ـ فحين تدرس تاريخ العلوم فإنك لا تدرس وقائع فقط، بل تدرس فكرة علمية، وفلسفة علمية، وتدرس مضمونًا علميا وأشياء عديدة في الوقت نفسه. فليس هناك تناقض بين تدريس التاريخ العلمي والتجديد باللحاق في العلم الجديد.

  • في أكثر من مقالة ناديت بإعداد القاموس العربي العلمي، ونعيت على أن معاجمنا العربية تكون أحيانا عاجزة عن اشتقاق مصطلحات توازن المخترعات الحديثة، هل تعتقد أن بإمكاننا عمل قاموس علمي يوازي ما يحدث في مجالات العلم الآن؟

- مشكلات القاموس متعددة؛ المشكلة الأولى ليس هناك في العالم العربي قاموس تاريخي علمي، بمعنى وجود قاموس يشرح كيف خلق هذا المصطلح وكيف تطور، ومن أين جاء.

وأعطيكم مثلا كلمة « مخروط»، من أين جاءت، وما معناها؟ تلاميذي يحاولون الآن - بشكل متواضع -عمل هذا.

النقطة الثانية تتمثل في أن النشاط العربي في العلوم والبحث العلمي الآن غير موجود وضحل، فليست العربية لغة العلوم الآن، وهذا يجعل من الصعوبة بمكان عمل القاموس العربي كاملا متكاملا ، فهناك مشكلة حقيقية. فقد حصلت محاولات عديدة ولكن هذا المشروع يحتاج إلى جهد أكبر من المبذول الآن، وليست هذه مهمة المجامع فقط بل أيضا مهمة مؤسسات أخرى كثيرة في داخل الدول العربية .

  • بالنسبة للمشاريع العلمية في الوطن العربي، هل تعتقدون أن الثقافة السائدة وطريقة التفكير، وعدم وجود أطروحات فكرية وفلسفية له اثر على عدم الاهتمام بالعلم ، بمعنى أن الاهتمام بالعلم يتطلب حضور ثقافة علمية تسود بين الناس، وما هي المؤثرات التي تؤثر في العالم العربي من هذا الجانب؟

- أولا قبل الثقافة العلمية توجد القيم العقلية في الثقافة العربية ، يعني إلى الآن في الثقافة العربية هناك نقاش وحوارات في الكتابة حول هل نحتكم إلى العقل أو لا نحتكم إلى العقل.

وأنا لا أقول إن كل الثقافات تحتكم إلى العقل، فهناك جانب عقلي وجانب غير عقلي، ولكن على الاقل نعترف بالجانب العقلي. يعني إذا تناقشنا حول ما هو المعيار، هل هو العقل أو أحد النصوص، وهو حسب رؤيتك أنت للنص.

بهذا الخصوص كنت أتناقش مع أحد المسئولين في بلد عربي فقال هناك ثوابت! وسألت: ماهي الثوابت؟ قال: دينية طبعا.. وتساءلت: هل للمسيحي واليهودي ثوابت؟ وأضفت : أنا لا أعترف بهذه الثوابت، فهل تجيء إلي بشرطي لأني لا أعترف بها، فأنا مواطن لي الحق في اختيار الثوابت، فلاتفرضها علي، فأنا قد أشك بهذه الثوابت.

وهكذا، حين نحتكم إلى العقل، تظهر هذه الفكرة الأساسية لدينا. وأنا أرى أن هناك تراجعا ضخما. يكفي أن تسير في الشارع حتى ترى هذا التراجع. وهو تراجع في الكلام بالجرائد، في أسلوب التعبير، في كل الجوانب.

أما كيف نستعيد القيم العقلية، فهنا تدخل فكرة تدريس العلوم وتعليم فلسفة العلوم، وتاريخ العلوم. هذه إحدى الوسائل القائمة على العقل، بالإضافة إلى العمل على انتشار المعرفة العلمية البسيطة وتبسيط العلوم، وهذا هو المشروع. بمعنى أننا إذا أردنا أن ندخل هذا العصر فلابد أن ندخله بهذه الطرق وليس من خلال طرق أخرى ، ولكن حسب تصوري المحتمل - لأني غير مقيم - أن الاتجاه الاساسي للممارسة السياسية يمضي في اتجاه معاكس ، ولا يمكن أن أكون صريحًا أكثر من هذا .

  • بالعودة إلى تاريخ العلوم، هناك سؤال قد يكون عن جهل: ألا يوجد تضخيم في قيمة العلوم العربية، بمعنى أن كل الإنجازات العلمية حصلت في ظل حكام مستبدين لم يتركوا مسافات لحرية البحث العلمي وكان أكثر اهتمامهم موجها للأدب والشعراء؛ هذا شق، وشق آخر أن هناك كثيرًا من العلوم اعتمدت على الترجمات الإغريقية القديمة بحيث إننا لم نعرف المترجم منها والأصيل أو ما الذي أضافوه ، فهل توجد مبالغة في تصوير هذه العلوم العربية؟

- لا أعتقد أن المبالغة كبيرة، بالعكس، فالعلوم الاكثر دقة مثل الفلك والرياضيات بدأت بترجمات، ولكن حصل شيء غريب غير الترجمات اليونانية، هو اختراع علم الجبر، وهو ليس له علاقة بالترجمات فهو اختراع عربي ليس له أي جذور.

من ناحية أخرى، فإن المدنية الجديدة التي تأسست كانت تحتاج إلى تطوير بعض العلوم مثل الفلك وأشكال الفلك لتحديد مواقيت الصلاة والصيام. والذي حصل أن الجبر أعطي امكانات لم تكن موجودة قط، وهي امكانات تطبيق علم حتى داخل الرياضيات مثلا. بمعنى أن تطبق الحساب على الجبر، فينتج لك علم حساب الأعداد أو تطبق الهندسة على الجبر يظهر لك علم الهندسة الجبرية، وهكذا ظهرت مجموعة من العلوم لم تكن موجودة من قبل.

من جهه أخرى كان البحث نشطا، فحتى داخل العلوم اليونانية أكملت العلوم العربية تلك العلوم اليونانية بأشياء لم تكن معروفة من قبل. مثلا في الهندسة؛ كان هناك هندسة المصطحات، أو هندسة القطعة المخروطية، وابتعدوا أكثر من هذا، فبدأوا يدرسون الفراغية والاسقاطات حتى طوروا الهندسة، فقد كانت الهندسة اليونانية مخصصة في العلاقات داخل الشكل، بمعنى أنها تقتصر على الشكل والعلاقات داخله، وقد بدأ العرب بالتفكير في العلاقات ما بين الأشكال، فظهرت فكرة التناقض مما غيّر مضمون فكرة الهندسة.

وفي الفلك، كان الأمر بالمثل، فظهر عامل البحث الذي خلق أهم شيء في الفلك. فمنذ القرن الثامن وبداية التاسع الميلاديين، في عهد الخليفة المأمون، أسسوا مراسم جديدة، وبدأوا يحسبون الزيجات القديمة مثلا على أسس علمية دقيقة، وخلقوا شيئا لم يوجد من قبل اطلاقا، وهو الملاحظة المستمرة لمدة 30سنة، وهذه لم تكن موجودة.

الحاصل في هذه الأثناء أن التناقضات بدأت داخل الفلك، وظهر نقد حقيقي من الداخل وهو نقد قاس، وهذا النقد أوجد مدرستين؛ الأولى خلقت نماذج جديدة ليست داخل فلك بطليموس ولكن تتعدى أخبار بطليموس، ومن ناحية أخرى كتب ابن الهيثم مؤلفه الضخم ـ وهو أحدث كتاب حققته ـ وهو خلق مايسمى بنظرية لحركات الكواكب لم تخطر على بال بطليموس أو أحد غيره.

فنحن لم نضخم إطلاقا كما أن ما لدينا لايحتاج إلى تضخيم، والذين يضخمون هم من لا يعرفون هذا التاريخ من الداخل، ويضخمونه بشكل سيئ قوي وليس قويًا فقط لانه لو كان قويا لكان جيدًا.

أما بالنسبة للنقطة الأولى ـ وهي الاستبداد السياسي ـ فهذه نقطة لا أفهمها لسبب بسيط: أن تطور العلوم في الاتحاد السوفييتي تحت حكم ستالين انطلق بشكل ضخم، فما العلاقة بين شكل الدولة وتطوير العلوم؟ هذه ليست علاقة بسيطة لأنه تحت حكم أدولف هتلر كان الموت مصير كل شئ، وتحت حكم ستالين حدث العكس، فقد طور أكبر مدرسة في الفيزياء وفي الرياضيات والفلسفة.

حكاية الاستبداد الشرقي، لا أعلم بها، يمكن أن نقول: الاستبداد التركي (العُثماني)، لكن في القرن العاشر، تحت حكم البويهيين، كان تطوير العلوم شيئًا ضخمًا جدًا، وتحت حكم المأمون، وتحت حكم الفاطميين هل كان هناك استبداد في تلك الفترات؟ ففي عهد الحاكم بأمر الله كان هناك نوع من الأكاديمية لم تقتصر على تدريس الفلسفة والفقة بل اشتملت على العلوم أيضا، كما أن إحدى مخطوطات ابن الهيثم مثلا نقل فيها مخروطات، وشاعت قصة أن ابن الهيثم مضطر لاتمام عمله ليتمكن من العيش، وأنا وجدت أنه بعد أن نقلها بخمس سنين كانت موجودة في مكتبة القصر، إذن القصة حقيقية؛ بمعنى وجود أكاديميات ترعى العلوم وتطورها، أما الاستبداد الشرقي فلا أدري عن ارتباطه بالعلوم، ولدي أمثلة كثيرة تقول إن هذا التفسير وذلك الربط مفتعلان قليلا .

  • في النقطة الأولى التي أوردتها حول التضخيم، نعتقد أن أحد أسباب هذه الرؤية هو عدم وجود تحقيقات حول أصول هذه الكتب التي تعمل عليها ككتاب الجبر الذي كان عمدة هذه الكتب ولم يحقق فيه؟

- لقد حصلت في مصر محاولة في الأربعينيات والخمسينيات من القرن العشرين مع وجود مصطفى مكرم ومصطفى التازي، كان هذان الباحثان حقيقة من المهتمين بتاريخ العلوم ونشرت مقالات لهما تستغرب فيها من مهاراتهما العلمية في الفيزياء. وقد حاول مصطفى مكرم بجهد -حين رجع إلى مصر - تطوير الفيزياء، وتطوير الزمالات العلمية، وتطوير تدريس تاريخ العلوم، وتطوير تدريس الصحافة العلمية، إذن حظي هؤلاء في تلك الفترة بتقدير من النخب السياسية، وكان أول عمل لجمال عبد الناصر هو تشريفه لذكرى رحيل مصطفى نزيه، وهذا الشعور بالاهتمام قل الآن .

  • الجغرافيا تلعب دورًا كبيرًا في رعاية العلوم وتنميتها واكتشافها أصلا؛ بمعنى علوم الري التي تطورت بإسبانيا، وجاءت بطريقة شق الأفلاج، كانت نتيجة للطبيعة الجغرافية، ألا يكون من المُهم أن نخصص بعض العلوم في المناطق العربية، أي أن تكون هناك نظريات علمية تصاحبها نظريات تطبيقية تفيد منها المناطق العربية؟

- نعم، لابد، ويجب للتخصص أن يكون من الداخل وليس نتيجة لاستيراد أو مورِّد. بمعنى يمكن تخصيص الطاقة الشمسية التي استغلتها دولة (الاحتلال الاسرائيلي) ولكن يجب أن ننظر إلى هذا بمزيد من الاعتدال، ويجب أن نحسم هذا بمعنى هل من اليسير في بلد مثل مصر تطوير الطاقة الشمسية أو تطوير طاقات أخرى؟

هناك أولويات فلا يكفي أن تسمع في الغرب أن هناك اهتمامًا بالطاقة الشمسية لأسباب مثل ارتفاع أسعارالنفط، فلابد من البعد عن الاستيراد المثلي التقليدي، بل ابدأ بالأساس وأن تعمل ما تريد وقتما تريد، وما لم يكن هناك بحث علمي سيكون المصير هو الفشل.

لقد فشل محمد علي، وجمال عبدالناصر، عندما لم ينتبها إلى البحث العلمي، فبالرغم من ضخامة ما عمله محمد علي ستجد أن كل شيء تطبيقي، ولا تجد أنه أقام معهدًا أو أكاديمية ولم يفكر في هذا أحد. وكذلك حين أقام جمال عبدالناصر مركز البحوث لم يهتم بالبحوث العلمية الأساسية.

  • بالنسبة لتقدم العلوم في الحضارة الإسلامية، نجده تزامن مع تطوير التفكير العقلاني الفلسفي وهو الأمر الذي نراه في علم الكلام، فما الشئ الفاعل في تلك الفترة التي نتج فيها الاهتمام بالعلم وأثر بدوره على طابع التفكير الفلسفي في طرح قضايا لا يجرؤ على طرحها أحدٌ في وقتنا الحالي، وهل تجاوزت التطورات العلمية في تأثيرها وانعكست على التفكير العقلي؟

- من العهد الأول بدأت مشاكل حقيقية وكانت في التفسير والتدليل، وفي الوقت نفسه بدأ الاهتمام بالعلوم الإنسانية والبحث في العلوم الإنسانية، وتأسست مدارس، ومدارس منافسة سمح لها بالتنافس مع سواها، وظهرت في الكوفة والبصرة وبغداد، ثم في الاماكن الأخرى بالعالم الإسلامي، كما ظهرت علوم أخرى لم تكن معروفة من قبل.

فلو أخذنا -على سبيل المثال - أعمال الخليل بن أحمد في اللغة وتطبيقه للرياضيات على اللغة، واختراعه لمواضيع جديدة في اللغة. أو أخذنا من جانب آخر الفقه، نرى كيف ظهرت المدارس الفقهية أيضا مثل مدارس الحنفية والشافعية وغيرهما التي بدأت تطبيق الرياضيات في حساب المواريث وحساب الفرائض مما أدى إلى فكرة تطوير علوم أخرى وإدخال الرياضيات.

مثال على ذلك الشيباني الذي كتب نسخة من كتاب في حساب الفرائض، ليظهر علم جديد من الحساب يفرض الاختلاف والتناقض، فالشيء الأساسي هو ظهور فكرة التناقض، دون وجود لفكرة التكفير، والسماح بالتعددية منذ البداية، مما ساعد على ظهور الكلام الذي له أيضا أصول اجتماعية، فمنهم من ترجع أصوله إلى فارس والإمبراطورية البيزنطية ـ حيث لديهم عقائد مختلفة.

ظهرت هذه المسائل الفلسفية العميقة مما شجع على حركة الترجمة، وأخذت الدولة المبادرة في الترجمة، ولم تقل إن هذه علوم كفرة، أو إنها علوم غير أصيلة، ولا قيل إن كل العلوم اليونانية هي علوم غير أصيلة، فقد استوعبت بشكل ضخم وخلاق احتياجات جديدة، وأصبحت هناك سوق بمعنى الكلمة، سوق للفكر وسوق للفلسفة وسوق للعلوم.

كان هناك علماء وفقهاء ولغويون يحتاجون إلى ثقافة مغايرة غير الاحتياجات العلمية الأخرى، مثل الفلك. الشيء الأساسي كان التعدد والاحتكام إلى العقل بوجود النص. وبالنظر مثلا إلى نظرية القياس التي كانت تدور حولها مناقشة ضخمة، وهل نقبل بأحكام القياس أو لا نقبل فقد كان هناك تعدد في الآراء لدى المذاهب الأربعة كافة كما كان لعلماء الشيعة آراء أخرى، فالأمور كانت تؤخذ هكذا، فلم توجد تلك التعقيدات التي - مع الأسف - بعضها موجود الآن .هذا التعدد والاختلاف والاحتكام إلى العقل خلق هذه الحال .

  • زيارة بابا الفاتيكان لتركيا؛ الدولة التي يمكن أن تقلب المعادلة في دين أوربا، جاءت بعد أسابيع مما قاله وكان يرى فيه رؤية مغايرة للإسلام. نحن أمام موقفين للبابا، فكيف ترى الموقفين، ما بين هجوم على الإسلام وزيارة لتركيا الإسلامية؟

- إن زيارة بابا الفاتيكان إلى تركيا هي زيارة للأرثوذوكس؛ أي الكنيسة البيزنطية. وفي الوقت نفسه البابا رئيس دولة الفاتيكان ويفكر بالمعادلات السياسية.

ولنرجع إلى تصريحات البابا، فهذه لم تكن وليدة الصدفة بل، له أيديولوجية معينة يمكن قراءتها في كتبه. فهو ينطلق من أن أوربا ليست مسيحية فقط بل مسيحية رومانية بمعنى أن تاريخ أوربا وتاريخ الكنيسة هو واحد بالنسبة له، وأن الوحدة الأوربية - والذي يميزها عن المجموعات الأخرى - هي في الكاثوليكية وليس اليورو. فكل الفئات الأخرى الموجودة في القارة من يهود وبروتستانت وأقليات أخرى هي خارجة، وإن استوعبتها أوربا ليست في النسيج ولا الثقافة الأوربية. فهو ضد الفاتيكان القديم في هذا.

من الناحية الدينية يريد بابا الفاتيكان العودة إلى القداس القديم باللغة اللاتينية، ويريد أيضا توحيد الكنيسة، بمعنى أن هناك أقلية رفضت نتائج الفاتيكان، بما في ذلك العودة إلى قداس اللاتينية والحوار مع الأقليات الدينية الأخرى، فهذه الفئات لم تخرج من الكنيسة بل أصبحت أقليات داخل الكنيسة، وهو يود العودة بهذه الأيديولوجية مرة أخرى، فالبابا لم يكن باستطاعته أن يعلن هذا للبروتستانت أو اليهود أو حتى الأرثوذكس، الذين أحسوا بهذا ونشروا مقالات تنقد موقف البابا من الإسلام وكان الهدف منه «إيقافه عند هذا الحد».

يتهم البابا الإسلام بعدم العقلانية، فبالنسبة لأستاذ بجامعة ألمانية يعرف الكثير عن التاريخ، هل يمكن أن يظل تصوره هذا حين يقرأ الفلسفة الإسلامية أو اذا قرأ توماس الاكويني - الذي هو أساس الكنيسة - واستشهد بأشياء ليست على مستوى نقاش، واعترض على البابا بعض الناس على مستوى الكنيسة. لكن ما أصر أن أقوله إن هذا الموقف سياسي واعٍ، وهو تصور لأوربا والحضارة الاوربية للبابا وهناك - مثله - مجموعات أوربية ترى هذا التصور.

  • هل تعتقد أن البابا يطرح سلوكا جديدا يخلق فيه قومية أوروبية على أساس ديني؟ على أساس تجميعهم حول أن السمة الأساسية لاوربا هي الكاثوليكية؟ ألم يحسب البابا - وهو المتخصص في الدراسات اللاهوتية - تصورًا للنزاعات والصراعات الدينية التي يمكن أن يفجرها بين الإسلام والمسيحية؟

- يمكن أن يفكر في الحسابات، فمن نتائج الحسابات رأى أنه من الممكن أن يقول هذا، فماذا فعل المسلمون غير الصراخ، خاصة أنه اجتذب بعض المفكرين الإسلاميين، وهو كأي سياسي قد رمى قنبلة وهو يعلم ماذا سيقول ، وقدر انفعال الآخر بأنه سيصرخ ويحتج ، إلا أن ردة الفعل الحقيقية يفترض في أن تكون هناك محاورة فكرية حقيقية تنقد فيها هذا، وينشر رأيك هذا باللغات الأجنبية، ويوزع، ويدخل عن طريق وسائل الإعلام ، إلا أن ما حصل يزيد من الكره للمسلمين والإسلام .

  • هل تعتقد أن البابا ايضا منطلق من أسس نازية هتلرية ألمانية؟

- إنه من دون شك ينطلق من أسس فكرية منذ القرن التاسع عشر والتفكير في المدرسة الفيلولوجية الألمانية.

  • في البلدان العربية ينطلق توجه إلى اطلاق حرية القطاع الخاص والقطاع الخاص أيضا لم يع أهمية البحث العلمي في الصناعة والهندسة والإدارة.. إلخ، فهذا القطاع إلى الآن لم يتوجه إلى انشاء مراكز البحث العلمي الخاصة به ، وهو الامر الذي يسرع عملية البحث العلمي؟

- .... لكن تبقى وجوه القطاع الخاص كثيرة، فمنها جانب تجاري أو صناعات تركيبية تجميعية. يجب إلزام الصناعات الكبيرة بوجود مراكز بحث داخلها مثل شركات الصيدلة، وآخر قرار للمركز القومي الفرنسي للبحث العلمي أنه قلل ماهية التطبيق بالنسبة للعلوم البيولوجية وطلب من المصانع دفع المبادرة لهذا، فلابد من تحديد نقطة بداية تسبق انتشار الشئ بهذا الخصوص.

  • ما الاشياء الملحة التي يجب ان نبدأ بها من واقعنا؟

- البحث العلمي الأساسي، فالبحث يعطيك نقطة التطبيق فيما بعد، وعن نفسي - بالرغم من أني من أولئك الذين لا يفكرون بشكل رجعي - أصر الآن على تعليم اختياري، يعني يجب إنشاء مدارس ومعاهد ترعى المتميزين وتهتم بهم للوصول إلى أبعد مدى علمي ممكن.

هذا غير ديمقراطي، إلا أنه المدخل الوحيد لصناعة العلماء لمجتمع تخلف كثيرا. فمثلا في فرنسا هناك الجامعات ، ولكن ما يصرون عليه - بشكل أساسي - هو ما يسمونه بالمدارس العليا، كمدرسة المعلمين العليا. فهؤلاء عندهم جميع الامكانات المادية والمعنوية ، فهم خارج نطاق الجامعة.

إن اخذنا الجامعات العريقة في أمريكا -مثل هارفارد - فهناك التمييز المادي وعمليات انتقاء نخبوي للطلبة المتقدمين وهو الأمر ذاته في جامعة طوكيو التي عملت بها، حتى تخرج نخبة المجتمع من الخريجين الذين يعملون في الجيش والشرطة ومؤسسات الدولة.

(يتذكر د. رشدي راشد باسمًا: في بداية عملي في جامعة طوكيو ولدى وصولي إلى هناك لم أكن قد حصلت بعد على التأشيرة وقد صادف وجود ضابط هناك من خريجي جامعة طوكيو وسهل عملية استخراجها).

ثم يستطرد : قد لاتكون هناك علاقة بين الجامعة وعراقتها وضابط الجيش أو الشرطة ولكن هكذا تتم الأمور. ففي اللحظة التي كان بها الاقتصاد الياباني يهبط، قابلت مدير جامعة طوكيو الذي أكد لي دعم الحكومة لهم بالرغم مما تمر به بما قيمته 7% رواتب وإمكانات، وذلك لوجود فكرة ضخمة من ورائها، خاصة وانا أعتبر في سنة 1993 من أوائل المعينين في جامعة طوكيو وكيوتو من خارج طوكيو.

لقد تساءلت حول سبب ذلك ، وقد أكد لي مسئول هناك أنهم متميزون عن كل العالم بالتطبيق، وبعد عشر سنين يمكن أن يلحق بهم العديد من الدول، فلابد لهم من الاهتمام بالعلوم الأساسية حتى تظل لهم الأسبقية. فهذه هي استراتيجية الدولة، هذا على اعتبار أنني في العام 1993 كنت من أوائل المعينين في جامعة طوكيو من الخارج فقد حرصت جامعتا طوكيو وكيوتو على هذا النهج لعدة سنين وظللت أعمل في التدريس بكلية فلسفة وتاريخ العرب لمدة أربع سنوات.





رئيس التحرير د. سليمان العسكري مستمعا إلى إجابة الدكتور رشدي راشد على أحد أسئلته





 





غلاف لإحدى الموسوعات التي أشرف العالم الكبير على إصدارها