البشر مسئولون عن الاحترار الكوني

البشر مسئولون عن الاحترار الكوني

انتظر خبراء البيئة هذا التقرير طويلا. ومع ذلك، فإنه جاء أكثر حسما وتشاؤما مما توقعوا. فأول تقييم كوني كبير لعلم تغير المناخ خلص على نحو قاطع إلى أن البشر مسئولون مسئولية مطلقة عن الاحترار الكوني والتغير المناخي وذوبان ثلوج جرينلاند والقارة القطبية الجنوبية.

«إننا نأمل أن يتذكر الناس الثاني من فبراير 2007 باعتباره اليوم الذي زالت فيه علامات الاستفهام من الجدل الدائر حول ما إذا كانت النشاطات الإنسانية هي المسئولة عن تغير المناخ أم لا»، هذا ما قاله رئيس برنامج الأمم المتحدة للبيئة في المؤتمر الصحفي الذي عقد بمناسبة نشر أكثر التقارير العلمية موثوقية التي صدرت حول تغير المناخ حتى الآن.

ويقول التقرير الجديد، الذي صدر عن الهيئة الحكومية حول تغير المناخ Intergovernmental Panel on Climate Change report إنه بات من المؤكد في يقين العلماء بنسبة 90% أن حرق الوقود الأحفوري والأنشطة الإنسانية الأخرى هي التي تقود إلى تغير المناخ.

وقال المدير التنفيذي لبرنامج البيئة التابع للأمم المتحدة آكيم ستاينر: «إن كلمة (مسئولية) مطلقة هي الرسالة الأساسية لهذا التقرير»، مضيفا أن هؤلاء الذين يشكون في دور البشر في تغير المناخ: «لم يعد بوسعهم تجاهل الأدلة بعد الآن».

ويقول تقرير الهيئة الحكومية حول تغير المناخ إن الارتفاع في درجة الحرارة الكونية يمكن أن يصل إلى 4.6 درجة مئوية بحلول العام 2100. وتوقع التقرير أيضا ارتفاعا في مستوى مياه البحار والمحيطات وزيادة في عدد وقوة الأعاصير، وهو خلاصة عمل ألف ومائتي خبير بيئي من أربعين بلدا، أمضوا ست سنوات في مراجعة كل بحوث المناخ المتاحة. وصدر في باريس في الثاني من فبراير الماضي.

وكان آخر تقرير للهيئة الحكومية حول تغير المناخ، والذي كان قد صدر في العام 2001، قد توقع أن ترتفع درجة الحرارة الكونية بما يتراوح بين 1.4 و5.8 درجة مئوية بحلول العام 2100 مقارنة بدرجة الحرارة في العام 1990.

غير أن التقرير الجديد يقول إن درجة الحرارة في العام 2100 قد ترتفع، وفقا لأقسى السيناريوهات، بين 1.1 و6.4 درجة مئوية. أما الارتفاع الأكثر ترجيحا فيتراوح بين 1.8 و4 درجات مئوية، بينما رجح التقرير أن الارتفاع المتوقع سيكون 4 درجات إذا استمر العالم في حرق الوقود الأحفوري بالمعدلات الحالية نفسها.

ثلوج تذوب وتتحرك

توقع التقرير ارتفاع منسوب المياه في البحار والمحيطات، على نحو يهدد الأراضي المنخفضة في سائر أنحاء العالم. ومع ازدياد دفء المحيطات، تتمدد مياهها، بينما يسهم ارتفاع درجات الحرارة أيضا في ذوبان الصفيحة الجليدية التي تغطي جرينلاند والقارة القطبية الجنوبية.

وفي العام 2001، توقعت الهيئة الحكومية حول تغير المناخ أن يرتفع منسوب مياه البحار والمحيطات بين 9 و88 سنتيمترا بحلول العام 2100، مقارنة بمستويات العام 1990. بينما التقرير الجديد يتوقع أن يتراوح الارتفاع بين 18 و59 سنتيمترا. ويرتبط الحد الأقصى للارتفاع باستمرار اعتمادنا على الوقود الأحفوري.

لكن التوقعات المتعلقة بارتفاع مستوى مياه البحار والمحيطات تبقى إحدى أكثر المناطق إثارة للجدل في التقرير. توقعت دراسة حديثة أن يصل الارتفاع إلى 140 سنتيمترا. والمشكلة أن فهمنا للكيفية التي سيؤثر بها الاحترار في الغطاء الجليدي لجرينلاند والقارة الجنوبية المتجمدة يبقى محدودا، لكن الأمر المؤكد أن هذا الذوبان سيكون له التأثير الأكبر في التغير المناخي. وقد تضمن التقرير تقديرات لمعدلات ذوبان ثلوج جرينلاند والقارة الجنوبية المتجمدة. لكن الاحترار ربما يسرع أيضا في تحرك جليد الأنهار الجليدية نحو المحيط، ربما من خلال جعل المياه الذائبة للجانب السفلي من التيارات الثلجية أكثر انزلاقا.

وتقول سوزان سولومون، خبيرة المناخ والمساهمة البارزة في التقرير، إنه لم تنشر أية دراسات حول التقديرات الكمية لهذا التأثير، لذا فإن التقرير لم يتضمنها. لكنها تضيف: «إذا ارتفعت درجة الحرارة بين 1.9 و4.6 درجة مئوية أعلى عن مستويات درجات الحرارة في عصر ما قبل الصناعة، واستقرت عند هذا المستوى لآلاف السنوات، فإن ذلك سيقود في نهاية المطاف إلى الذوبان التام للصفيحة الجليدية لجرينلاند. وهو ما سيؤدي إلى ارتفاع منسوب المياه في البحار والمحيطات سبعة أمتار». ويقول التقرير إن الغطاء الجليدي قد انكمش في معظم المناطق، خاصة في فصل الربيع. وكان الحد الأقصى للأراضي المتجمدة في فصل الشتاء/الربيع قد انكمش بنحو 7 في المائة في نصف الكرة الأرضية الشمالي خلال النصف الثاني من القرن العشرين. وقد أصبح موعد تجمد البحيرات والأنهار في نصف الكرة الشمالي يأتي متأخرا خلال الأعوام المائة والخمسين الأخيرة بمعدل 5.8 يوم كل قرن، وفي الوقت نفسه أصبح موعد ذوبانها يأتي مبكرا بمعدل 6.5 يوم كل قرن. وتوقع التقرير أيضا أن يؤثر تغير المناخ في عدد وقوة الأعاصير والعواصف الاستوائية. وكان آخر تقرير للهيئة الحكومية حول تغير المناخ قد قال إن نشاط الأعاصير الاستوائية سيزداد «على الأرجح» في القرن الحادي والعشرين. وهو يقول إن «على الأرجح» تعني احتمالا أن يزيد على 66 في المائة. وهو تقدير أكثر تشاؤما من التقرير الأخير للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية.

وتوقع التقرير أيضا أن تتغير كميات الأمطار بحلول العام 2100. حيث ستشهد المناطق العالية والمتوسطة الارتفاع زيادة قدرها 20 في المائة في الأمطار والثلوج، بينما ستشهد المناطق الاستوائية معدلات أقل.

البشر هم المسئولون

وفيما يتعلق بدور البشر في التسبب في التغير المناخي، قال التقرير: «إن فهم تأثيرات البشر في المناخ قد تحسنت مقارنة بالتقرير الأسبق (2001)، وهو ما قاد إلى ثقة عالية جدا في أن الأنشطة البشرية» مسئولة عن معظم الاحترار الذي حدث منذ خمسينيات القرن العشرين. و«ثقة عالية جدا» وفقا لمعايير التقرير تعني أن «تسعا من كل عشر حالات تكون صحيحة».

ويؤكد التقرير مسئولية البشر الكاملة عن الزيادة الكبيرة في تركيزات غازات الاحتباس الحراري- ثاني أكسيد الكربون، والميثان وأكسيد النيترون- في الغلاف الجوي منذ العام 1750.

وأشار التقرير إلى أن تركيزات غازي ثاني أكسيد الكربون والميثان في الغلاف الجوي هي أعلى بكثير مما كانت عليه في عصر ما قبل الصناعة وعلى مدى الستمائة والخمسين ألف عام الماضية.

وكانت تركيزات غاز ثاني أكسيد الكربون- وهو غاز الاحتباس الحراري الرئيسي- في الغلاف الجوي حوالي 280 جزءا في المليون في عصر ما قبل الصناعة. وبسبب حرق الوقود الأحفوري وتغيير استخدامات الأراضي، مثل الاستغلال الزراعي وإزالة الغابات، وصلت تركيزات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي إلى 379 جزءا في المليون في العام 2005. بينما ازدادت تركيزات غاز الميثان من 715 جزءا في البليون في عصر ما قبل الصناعة إلى 1774 جزءا في البليون في العام 2005.

ومن المفارقات أن هذا الارتفاع في درجة الحرارة كان سيكون أكبر بشكل ملحوظ لولا أن انبعاثات الجزيئات الملوثة والإيروسولات الأخرى خففت قليلا من تأثيرات غازات الاحتباس الحراري، من خلال عكس أشعة الشمس ثانية إلى الفضاء الخارجي.

وقال التقرير إنه من المرجح جدا أن تستمر مواسم الجفاف و«موجات الحرارة». وأشار إلى أن كثافة وطول مدة مواسم الجفاف قد ازدادت في مناطق أوسع منذ سبعينيات القرن العشرين، خاصة في المناطق المدارية وشبه المدارية. وهكذا فإن مناطق الساحل الإفريقي، وحوض البحر المتوسط، وجنوبي إفريقيا، وأجزاء من جنوبي آسيا، قد أصبحت أكثر جفافا خلال القرن العشرين.

ماذا لو ارتفعت الحرارة؟

رجح التقرير أن الارتفاع المتوقع في متوسط درجة حرارة الأرض سيكون 4 درجات إذا استمر العالم في حرق الوقود الأحفوري بالمعدلات الحالية نفسها. لكن ماذا يعنيه هذا الارتفاع؟

يقول الخبراء إنه إذا ارتفعت درجة حرارة الأرض درجة واحدة فستختفي الأنهار الجليدية الصغيرة في جبال الإنديز لتهدد إمدادات المياه لنحو 50 مليون إنسان، وستزداد غلة المحاصيل قليلا في المناطق المعتدلة، وسيموت 30 ألف إنسان كل عام من الأمراض المرتبطة بالمناخ، لكن الوفيات الشتوية في شمال أوربا والولايات المتحدة ستنخفض قليلا، و80 في المائة من الحيود المرجانية في العالم ستموت، بما في ذلك الحيد المرجاني الكبير. وسيبدأ تدفق التيار الدافئ في المحيط الأطلسي في الضعف.

أما إذا ارتفعت درجتين فستنخفض إمدادات المياه في بعض المناطق الأكثر هشاشة (مثل جنوبي إفريقيا وحوض البحر المتوسط) بما يتراوح بين 20% و30%، وستنخفض غلة المحاصيل في إفريقيا بنسبة تتراوح بين 5% و10%، وسيتعرض 40- 60 مليونا أكثر للإصابة بالملاريا في إفريقيا، وسيعاني 10 ملايين إنسان الفيضانات الشاطئية، وستصبح الأنواع القطبية، خاصة الدب القطبي والرنة معرضة لخطر الانقراض التام، وسيبدأ جليد جرينلاند في الذوبان على نحو لا يمكن إيقافه.

ولو ارتفعت ثلاث درجات فسيشهد جنوبي أوربا موجات جفاف خطيرة كل عقد من الزمان، وسيعاني ما بين بليون وأربعة بلايين إنسان من نقص المياه. بينما سيحصل نحو خمسة بلايين على المياه لكنهم سيعانون فيضانات أكثر، وسيعاني من الجوع ما يتراوح بين 150 و500 مليون إنسان، وسيموت ما بين مليون وثلاثة ملايين إنسان بسبب سوء التغذية، وستحدث تغيرات حادة في نماذج الرياح الموسمية، ويتزايد خطر انهيار الصفيحة الجليدية الغربية في القارة القطبية الجنوبية.

أما إذا وصل إلى أربع درجات، فإن هذا معناه انخفاض توفر المياه في جنوبي إفريقيا وحوض البحر المتوسط بنسبة تتراوح بين 30و50 في المائة، وانخفاض غلة المحاصيل في إفريقيا بنسبة تراوح بين 15 و35 في المائة، وتعرض 80 مليون إفريقي أكثر للإصابة بالملاريا، وأن الفيضانات الشاطئية ستزيل العديد من الجزر من الوجود وتشرد ما يتراوح بين 7 و300 مليون إنسان.

معيار ذهبي

لقد وحدت الهيئة الحكومية حول تغير المناخ جهود أبرز علماء المناخ في العالم لمراجعة وتقييم كل البحوث المتوافرة، تحت رعاية برنامج البيئة التابع للأمم المتحدة والمنظمة العالمية للأرصاد الجوية.

ونتيجة تقييمهم، التي تتم كل خمس أو ست سنوات، تؤسس لما يمكن اعتباره معيارا ذهبيا لإجماع حول علم تغير المناخ. والتقرير الأخير للهيئة شبه الحكومية حول تغير المناخ كتبه نحو 600 عالم من 40 بلدا. وشارك في مراجعته أكثر من 620 خبيرا آخرين فضلا عن عدد كبير من المراجعين التابعين للحكومات. وقد قام ممثلون عن 113 حكومة بمراجعة وتدقيق الملخص التنفيذي قبل أن يصدقوا عليه ويعلن في المؤتمر الصحفي. وسيصدر النص الكامل للتقرير على أجزاء على مدى العام 2007. ويعالج الفصل الأول منه، والذي صدر في فبراير الماضي، الأساس العلمي للتغير المناخي.

وسيصدر الجزء الثاني، الذي سيعالج آثار التغير المناخي وانكشافنا أمامها، في وقت لاحق من أبريل الحالي. وسيصدر الجزء الثالث، الذي سيعالج سبل تخفيفنا لهذه التأثيرات، في مايو المقبل.

وسينشر التقرير الكامل، الذي سيحمل عنوان «تغير المناخ 2007: أساس العلم الفيزيائي»، ضمن مطبوعات دار نشر جامعة كامبريدج في وقت لاحق من العام الحالي.

 


أحمد الشربيني 





إذا ارتفعت درجة حرارة الأرض درجة واحدة، فستموت 80 في المائة من الحيود المرجانية في العالم





الاحترار ربما يسرع أيضا في تحرك جليد الأنهار الجليدية نحو المحيط





ذوبان الصفيحة الجليدية لجرينلاند سيؤدي إلى ارتفاع منسوب المياه في البحار والمحيطات سبعة أمتار





حرق الوقود الأحفوري والأنشطة الإنسانية الأخرى هي التي تقود إلى تغير المناخ





الأعاصير المدمرة ازدادت عدداً وعنفاً





الأعاصير المدمرة ازدادت عدداً وعنفاً