حماة.. النواعير تشدو في مدينة الألف شاعر

حماة.. النواعير تشدو في مدينة الألف شاعر

تصوير: فهد الكوح

تتهادى السيارة التي تنقلنا من دمشق إلى حماة التي تعد من أهم مدن سوريا ومن أقدم مناطق السكن في الشرق الأوسط، نخترق شوارع حماة إلى وسطها. نصعد إلى محل إقامتنا، اكتشف ستائر النوافذ فيطل منظر النواعير التي تدور، وعلى مقربة منها كنت أمتع نظري بهضبة مرتفعة تحيط بها الأشجار الخضراء الباسقة، قالوا إنها قلعة حماة، أكروبول المدينة القديمة ومن حولها امتد العمران فكانت حماة اليوم.

جولتنا الأولى عامة شملت المدينة بمتنزهاتها وحارااتها القديمة، وتنتهي الجولة العامة فأعود لأقف مرة أخرى محاولاً التغلغل في حماة، تجتاحني الحيرة من أي الأبواب أدخل وكل ما فيها يشدنى فاردد ما قاله الصافي:

هذي حماة مدينة سحرية

وأنا امرؤ بجمالهآ مسحور

ولأن كل سحر يحتاج إلى من يفك طلاسمه فقد. اصطحبنا رياض محناية من صحيفة الفداء وكان نعم الصاحب والصديق وبدأت رحلتنا التي جبنا خلالها المدينة وبعض الريف، توقفنا نستمع لشدو النواعير فتارة أشعر بها تغني مع أفراح حماة وسوريا بأعياد الوطن في تشرين، وتارة أحس بأنينها على أمواه العاصي التي لم تعد غزيرة وفياضة كما كانت ولكنها في كل الأحوال نشرت الخضرة وروت الورود في حماة لقرون طويلة حتى أن جدران القناطر الحجرية التي تجري مياه النواعير فوقها في مجارِ خاصة غطيت بالخضرة، سألت، وأنا ابتسم: يا أهل حماة عرفنا كيف زرعتم الأرض ولكن قولوا لنا كيف أوراق الحجر؟!

من شيرز إلى أفامية

وأعود لأسأل نفسي ثانية من أين أدخل حماة.. من أي الأبواب فلا أدري.. استغيث بامرئ القيس أقتفي أثره ثم أتردد فالحمويون العرب لم يرضهم استنصار ذلك الشاعر بقيصر الروم ليثأر لأبيه حتى ولو أنه لم يفلح!

تقطع أسباب اللبانة والهوى

عشية جاوزنا حماة فشيزرا

بدأنا إذن من شيرز ومن ضيافة اسامة بن منقذ، صعدنا إلى القلعة التي ترتفع عن كل ما يجاورها بما يقارب الخمسين متراً على شكل هضبة سماها المؤرخون "عرف الديك" تجولنا بين أطلالها بدءاً من بابها الرئيسي إلى كتلتها الهرمية التي أقيمت على الصخر المقطوع بشكل عمودي لتزداد منعة إلى قصر البردويل "قصر غيبور" الذي يمثله البرج الجنوبي إلى أبراجها الثلاثة الأخرى المتبقية من الأربعة عشر برجاً التي كانت مشيدة في عهود مضت، ومن يصل شيزر لابد له من وقفه أمام عظمة أميرها أسامة بن منقذ رب السيف والبيان الذي لا تزال كتب التاريخ تمتدح بطولاته، ووقفاته في وجه الروم والفرنجة في 1138 م عندما هاجموا بلاده وكثيرا ما كانت تتكرر هذه الهجمات حتى عرفت شيزر بأنها الخط الدفاعي الأول للعرب والمسلمين ضد البيزنطيين والصليبيين وحملاتهم المتواصلة ، وكما خدلت بطولات أسامة كذلك خلد إرثه الشعري والذي ترجم إلى لغات عالمية، ومن أكثر قصائد أسامة تأثيرا مراثيه أهله وعشيرته الذين قضوا نحبهم في زلزال 1157 م وكان أسامة في ذلك الحين بدمشق ولما عاد لم ير أحداً من أهله ، فصارت قصورهم قبورهم.

قصة عشق

نودع شيزر والحزن يسري في نفوسنا ونتابع طريقنا إلى أفامية.. وما أدراك ما أفامية ؟! مدينة تحكي عهوداً مغرقة في القدم، ندخلها كما نريد ومع قناة العاشق الذي أثبت أن الحب الصادق يصنع المستحيل.

يا رياض حدثنا عن العاشق، يبتسم وهو يقول : آثار الحب يا صديقي منقوشة على الحجر، فهذه القناة تنسب إلى أمير سلمية الذي هام عشقاً بأميرة أفامية ونافسه في ذلك أمير جلميدون وهي منطقة مجاورة لأفامية، ولكن الأميرة الحسناء اشترطت على من يريد الاقتران بها إيصال المياه إلى أفاميه، وهذا بحد ذاته كان حينذاك أشبه بالمعجزة، فالمسافة بين المدينتين أكثر من 85 كم إلا أن للحب قواه الخارقة فقد أوصل أمير سلمية المياة إلى أفامية بقناة بلغ طولها "150كم" وعرضها 65 متراً مرت على سطح الأرض وعبرت " 12" جسراً وظلت تسقي أفامية قرابة ثمانية قرون ثم تحولت مياها إلى حماة.

بين أعمدة أفامية سرنا في الشارع الرئيسي "الكاردو" الذي يمتد 1850 متراً والأعمدة على الجانبين يصل عددها إلى 1200 عمود منها المربعة الشكل التي تدل على وجود شارع يقاطع الكاردو وأخرى أسطوانية ولكن منها الأملس ومنها ذو الأخاديد الطولية وأما الأم فهي الأعمدة المحلزنة والتي تعتبر هوية أفامية معمارية ليس لها مثيل وهذه الأعمدة المحلزنة كل واحد منها يخالف الذي يليه في اتجاه حلزنته وذلك لكيلا تشع الشمس في اتجاه وزاوية واحدة.

وبمنتصف الكاردو يرتفع عمود كبير حتى 14.5 متراً كانت قديماً آلهة النصر تتربع على قمته، الشوارع في أفامية شطرنجية الشكل " مستقيمة ومتقاطعة" ويحيط بالمدينة الأثرية هذه سور أثري كشف معظمه أي أكثر من 6.8 كم وهذا السور مؤلف من ثلاث طبقات تعود إلى العصر الهلنستي والروماني والبيزنطي وله تحت التراب أكثر من ثمانمائة عام.

على جاني الشارع الرئيسي " الكاردو " رواقان من اليمين واليسار، ولا تزال في أفامية آثار المسرح والساحة التي يتجمع فيها الناس للبيع والشراء وأثناء المحافل، ولا تزال بقايا مكان قاضي السوق موجودة وهذا القاضي مهمته فض النزاعات في قضايا البيع والشراء وما يحصل في السوق.

في أشهر الربيع وحتى اليوم تفترش أرض أفامية بنبات الأكانسا الشوكي " الخرفيش كما يسميه الأهالي" حتى أن بعض الأعمدة كانت قواعده مزخرفة بأشكال هذا النبات ، كما أن آثار الحمامات لا تزال موجودة أيضا والحمامات لم تكن للنظافة فحسب، وإنما كانت أكثر من ذلك فهي نواد رياضية ومجالس للثقافة والمناقشة ، والصرف الصحي كله كان يمر من تحت الأرض وكان مخططاً له بشكل دقيق، وإذا كنا قد دخلنا أفامية مع قناة العاشق فإننا خرجنا مع قصة " بركة الحظ " المرمرية والتي قيل أن الجندي وقبل خروجه للقتال كان يقف أمامها ثم يوليها ظهره ويقذف بقطعة نقدية فيها فإن كانت صورة الملك للأعلى يتفاءل بالنصر والعودة.

وعظمة الحاضر في أفامية لا تقل عن عظمة الأمس فيها، فأعمال الترميم قائمة فيها لتعيد أمجادها كما كانت وهذه العمليات مدروسة ومخطط لها ويشرف عليها مدير آثار حماة عبدالرزاق زقزوق.

وبجانب أفامية تعتلي قلعة المضيق تلا مخروطياً ويحيط بها خندق عظيم ، ويقال إنها هي أفامية نفسها وقد كانت منضمة إلى المدينة على مدى قرون ستة، ولكن بعد معركة حصلت بقرب المضيق تغير اسمها.

والجميل في هذه القلعة أنها لا تزال آهلة بالسكان حتى اليوم والمنازل مزدحمة فيها وأزقتها ضيقة وفيها جامع قديم أعمدته منحوتة من الحجر الكلسي ومزنرة بالبرونز ومذنته بيضاء مقطعها مثمن الشكل ومن المضيق هبطنا نحو متحف أفامية وهذا المتحف يعود بناؤه إلى عام 1524 م وكان خاصاً بالحجاج القادمين من أسطنبول إلى مكة المكرمة أو العائدين بعد قضاء مناسك الحج وهذا الخان بني من حجارة مسرح أفامية، وفيه منهل تصل إليه الماء بطريقة الأواني المستطرقة ولذلك فقد جعل له درج لكي ينزل عليها الوارد مع نزل مستوى الماء.

وفي المتحف لوحات فسيفسائية ابرزها التي تمثل سقراط مع حكماء اليونان الستة، ولوحة العنقاء وهي من أجمل اللوحات والعنقاء مخلوق اسطوري بجسم حيوان مفترس وجناحي ومنقار طير جارح وعنها يقول المثل العربي " ثلاثة من المستحيلات : الغول والعنقاء والخل الوفي" ويقول المعري:

هي العنقاء تكبر أن تصادا

فعاند من استطعت له عنادا

وهل هناك جدوى من العناد في هذه الحالة؟ ومن اللوحات المهمة الرائعة لوحة الأمازونات وهن كما تحكي الأساطير المحاربات القوقازيات ، والأمازونة فتاة قد يكون ثديها الأيمن وهي في التاسعة أو العاشرة لكي يضمر فلا يعيقها في رمي السهم، وتقترب الأمازونة من الرجل مرة في العام فإن أنجبت بنتاً كانت أمازونة وإن أنجبت ولداً فإنه يقتل

ومن يتابع الآثار والمتاحف في حماة فإنه سيقف على سلسلة طويلة من القلاع والقصور والأماكن الأثرية لا يمكن تجاهلها ولكني ألتمس العذر إن لم أحط بها نظراً للمساحة المتاحة في هذا الإستطلاع وللوقت الذي كان محددا ولا يمكن لمن يزور حماة تجاهل قصر بن وردان وأسرية والمخرم وآثار سلمية وقصر العظم وهذا الأخير من أبرزها وقد بناه أسعد باشا العظم أثناء توليه متسلمية حماة في"1740 م" ليكون مقراً له وهو نفسه باني قصر العظم المتحف الشهير في دمشق، ولا يزال قصر العظم الحموي تحفة معمارية نادرة وأنموذجاً صادقا للطراز العربي في فن البناء وزخرفته وبخاصة قاعة الذهب وهي أكبر قاعاته، وقد اتخذت مديرية الآثار من هذا المبنى متحفاً لحمة ليضم آثارا تعود إلى الألف الثاني قبل الميلاد وفسيفساء ميريمين التي تعود إلى القرن الثالث الميلادي وبعض اللقى وأزياء مناطق حماة وتصاميم منازلها.

العاصي والنواعير.. رمز العطاء

بالفعل يقع زائر حماة في شباك الحيرة عما يكتب وماذا يترك وكل يشده بجمال من نوع خاص، نمنح انفسنا قسطا من الراحة ومما تشتهي ونتجول بين متنزهات حماة الكثيرة وعلى ضفاف عاصيها الرائع الذي يمتاز بشريط أخضر طوله 177 كم نسير برفقة ذلك الرجل اللطيف والمنهج الثقافي العذب وليد قنباز، قلت له: هل يستحق هذا النهر المعطاء إسم "العاصي" فقط لأنه يتجه بعكس أنهار سوريا، فرد بدهشة: ومن قال إنه السبب الوحيد، فالبعض يرد التسمية إلى أن مصب النهر في البحر قرب السويدية وعلى بعد "27 كم" من انطاكية وانطاكية وما حولها بقيت بيد الروم البيزنطيين بعد دخول الإسلام وفتوحاته وبعد الروم دخلها الصليبيون فبقيت بأيادٍ غير عربية وكان العاصي يرويها فقالوا كيف لنهر يجري في ديار الإسلام يدخل أرض الكفر ويروي أهلها.. إنه عاصٍ.

ويقول آخرون سمي النهر بالعاصي لأنه تأبى على ضفافه فاحتال عليه الحمويون بنوعير تغني له وتسرق مياهه دون أن يدري، حتى أن أحد الشعراء قال:

عصى فلم يسق أرضاً من حدائقهم

إلا بحيلة وسواس النواعير

فما هي النواعير وما هو سرها في حماة؟ يسمع عنها الكثيرون ولكن لا يعرفها إلا من يزور حماة ويشاهد دورها الكبير الذي لعبته لقرون طويلة، والنواعير تغرف المياه في صناديق خشبية صممت مع إطارها لتسكبه عندما تصير في الأعلى في مجارٍ فوق قناطر ترتفع بضعة أمتار، وهذه القناطر تتوزع في حماة لتوصل المياه إلى مساكن الحمويين وبساتينهم فتمنحها الخضرة والنضارة.

جلسنا في أحد المنتزهات مع بعض الأصدقاء نستمتع بالمشروبات الساخنة في وقت أخذ الجو يميل فيه للبرودة وكانت الناعورة التي تجاورنا تطلق صوتها من قلبهـا (المحور الذي تدور عليه) وكفتها (ما يستند إليه القلب) فشعرت أن هذا الصوت يعكس إحساس المستمع والحالة النفسية فإن كان فرحاً كان الصوت غناء لطيفاً وإن كان حزيناً فربما يبكيه ذلك الأنين الأجش، ولقد جاء اسم الناعورة من صوتها، والنعير صوت في أقصى الأنف، وأما الاسم الذي تعرف به كل ناعورة علي حدة فإنه آت من اسم بانيها أو من اسم المكان الذي تسقيه أو من وجودأثر ديني قربها أو لالتصاق قصة طريفة بها، ولا تزال حتى اليوم في حماة "17" ناعورة وخارج المدينة "98" ناعورة ولكن الناس استغنوا عن الناعورة هذه الأيام بالمحركات نظراً لكلفتها الباهظة، ويقال إن ناعورة المأمورية قبل احتكاكها بالماء تزن "31" طناً وما دامت بهذا الوزن فإنها تركب جزءاً جزءاً بعد أن تعد أجزاؤها على الأرض ويعطى كل واحد رقما بحسب تسلسل التركيب، وأكبر النواعير الموجودة حالياً هي المأمورية وعلى دائرتها "120" صندوقاً. وخشب الناعورة غالباً ما يكون من الجوز ليقاوم الماء وعوامل الطبيعة وكل ناعورة كبرت أم صغرت فيها 48 ضلعاً، وتبقى النواعير أجمل أثر سياحي وتراثي في حماة ولا تزال أيضاً محط إعجاب لما تتصف به من مزايا رائعة تعمل طوال ساعات اليوم بلا توقف، فما دام الماء يجري هي تعمل، وهي تسقي مادتها "تسقي البساتين فتنمو الأشجار ومن خشب الأشجار تصنع الناعورة" ولا تحتاج لأي جهد بشري ولا إلى أي طاقة سواء كهربائية أو وقودية والأهم من ذلك أنها لا تلوث البيئة، وتعرف بعضها أنها محملة إلى ازدادت صناديق غرف المياه فيها إلى مرة ونصف عما في سواها.

في رياض الثقافة

طبيعة حماة الجميلة الساحرة هي التي جعلت أحمد شوقي "أمير الشعراء" لا يستغرب حين قالوا لها "إن نصف أهل هذه المدينة شعراء" وبعد انتهاء زيارته وقبيل خروجه منها قال: لا عجب إن كان نصفهم شعراء والعجب لماذا ليسوا كلهم شعراء، يريد أن من يعيش في حماة الساحرة والملهمة بكل ما فيها يجب أن يكون شاعراً، ولا يزال الإلهام مستمراً ولا تزال حماة معروفة ببلد الألف شاعر وفي كل قراها ومناطقها تعتبر عالماً ثقافياً يصعب الإحاطة به، فكلما عدت إلى مقر إقامتي كنت أجد الكتب وقد تركها مؤلفوها وعليها إهداؤهم الجميل الظريف، يقول رئيس فرع اتحاد الكتاب العرب بحماة الشاعر محمد منذر لطفي إن الحركة الثقافية والأدبية في حماة جزء من الحركة الأدبية في سوريا، الحركة الأدبية في حماة تعيش نهضة فعلية معاصرة حيث تنشط الأجناس الأدبية كلها الشعر والقصة والكتابة المسرحية والنقدية والكتابة في مجالي البحوث وأدب الأطفال ولهذه النهضة أعلامها ومن يتحدث عنها لابد من أن ينحني باحترام لذلك الثالوث الذهبي الذي شهده مطلع هذا القرن والمتمثل بشاعر العاصي بدر الدين الحامد والمعروف أيضً بشاعر الوطن وبالطبيب الشاعر وجيه البارودي سيد العشاق والأستاذ الجامعي الشاعر عمر يحيى وأولئك الثلاثة طيب الله ثراهم تركوا أثرهم الواضح على الحركة الشعرية في حماة، قلت ولكن يتهم البعض شعراء حماة ببعدهم عن الحداثة، فقال: هنا لنا رأي وما نريدة هو الاتفاق على فهم الحداثة لكيلا تختلط الأوراق وتتضعضع، نحن نفهم الحداثة على أنها معاصرة تنهج نحو التجديد في الموضوع فالتفعيلة جاءت من البحر الذى التزم به الشاعر القديم ولو أعدمنا هذه التفعيلة لقضينا على عنصر مهم من عناصر القصيدة وهو موسيقاها، والكتابة مؤلفة من منطقتين عرفهما العرب منذ القديم وهما الشعر والنثر، ومهما كان النثر جميلاً فلن يكون شعراً ما لم تترافر فيه مقومات الشعر.

وعن نشاط اتحاد الكتاب العرب يقول منذر لطفي: كل عضو في الاتحاد يقوم بثلاثة أنشطة في العام وهو يختار مكانها ولنا في كل أسبوعين نشاطان في اتحاد الكتاب العرب، والأدباء الحمويون يحصدون غالباً الجوائز الأولى في المسابقات الأدبية سواء داخل القطر أو خارجه.

وعن النشاط المسرحي حدثنا سمير الحكيم ففي حماة لاتغيب الأعمال المسرحيه عن المسارح الموزعة في المدينة والريف.

حدثني صاحبنا رياض محناية وهو عضو الاتحاد إنه كان في سلحب عندما سمع اسمه يذاع عبر مئذنة المسجد، عندها اكفهر وجهه فهو يعرف أن اسم المتوفى يذاع من مكبرات المسجد، قال: أخذت أتلمس نفسي وسألت من حولي ماذا أسمع فضحكوا وقالوا: هنا نستفيد من مكبرات المسجد في إذاعة الأنشطة الثقافية والدعوة إليها والآن هم يدعون لمحاضرتكم، وأنا أعجبتني القصة وأعجبني هذا الدور المفيد الآخر لمئذنة المسجد والمكبرات التي تعلوها- وكما تمتاز حماة بدورها في الساحة الثقافية الأدبية فإنها كذلك في المجال العلمي فبلدة السقيلبية التابعة لسهل الغاب المعروف بزراعته الخصبة وبأرضه المزروعة بنفس المساحة المزروعة في هولندا، فيها توجد، كما يخبرنا مدير المركز الثقافي أديب قندراق، أعداد كبيرة من المهندسين في مختلف الاختصاصات وهم لايعملون فقط في الغاب أو في حماة وانما يتوزعون في مختلف أنحاء سوريا وخارجها أيضاً ولدينا عدد كبير من الأطباء على رأسهم الدكتور معروف رزوق الاختصاصي في جراحة الشرايين والأوردة القلبية وهر مقيم في أمريكا.

ومن بين علماء حماة كانت لنا فرصة اللقاء مع واحد من أبرز علماء سوريا عمر حمشو في مختبره بمدينة حماة، ذلك المختبر العلمي الذي شهد حلول مشاكل ألكترونية معقدة ومستعصية في مجال آلات النفط والكهرباء وبعض المعامل الصناعية وأجهزة الاتصال في سوريا، ويحدثنا بتواضع عن المشاكل المستعصية التي حلها في معمل الأدوية وفي حفارات النفط ومحطات الكهرباء علماً أن توقف محطة بانياس الحرارية مثلا ليوم واحد يكلف عشرات الملايين من الليررات، وهذا العالم يسخر إمكاناته العلميه من أجل خدمة وطنه، وأخبرنا أيضاً أنه سوف ينتقل إلى مجمع علمي حديث ضخم في أعلاه برج تظهر على لوحته الألكترونية درجة الحرارة تحت الشمس وفي الظل ودرجة الرطوبة واتجاه الرياح وسرعتها ومدى تلوث الهواء والمختبر محاط بالكاميرات وكل ما فيه يعمل بالرقم السري وما هو أكثر تطوراً

ولقد قام هذا العالم بإيجاد حلول كثيرة في مجال الكمبيوتر، وفي كل أسبوع أو أسبوعين يخرج بإنجاز جديد، عندما زرناه كان منهمكاً في تطوير وإصلاح أجهزة معمل السكر والمرشدات الملاحية للطيران المدني، وقد استعانت بخبرات هذا العالم بعض الدول الصناعية الكبرى كأمريكا واليابان وبريطانيا وإيطاليا وألمانيا وفرنسا واستطاع أن يقدم، لهم حلولاً لمشاكلهم المستعصية، كما أنه وعلى حد قوله استطاع أن يخترق أكثر من 11 ألف مخطط ألكتروني ولديه مفاجآت كثيرة فهو لم يقدم أكثر من عشر طاقته العلمية، وفي مختبره يعد بعض الكوادر من الشباب خريجي الهندسة، وإلى جانب عمر حمشو وفي حماة التقينا المخترع محمد سالم محمد الذي قدم اختراعاً مميزاً ينذر عن الزلازل لدى حصول هزات صغيرة وقبيل حدوث الهزات الكبيرة التي تحدث الكوارث والجهاز بسيط وخفيف الوزن ويمكن لكل مواطن اقتناؤه فهـو يختلف عن جهاز ريختر ويمتاز بحساسيته العالية وبأنه يعمل على الكهرباء وعلى المدخرة الجافة، لم يطل لقاؤنا بالعالم عمر حمشو فقد كان بانتظارنا بعض الزملاء الصحفيين والكتاب والشعراء حول مأدبة العشاء التي أقامها الأستاذ بسام الصواف رئيس تحرير جريدة الفداء اليومية الحموية وفي هذه الدعوة كان التعارف بالشاعر الكبير عبدالوهاب الشيخ خليل الذي امتعنا بحديث الذكريات عن الشاعر والبطل الحموي سعيد جرابات الذي كان الفرنسيون يحسبون له ألف حساب.

صعدت سيارتنا هضبة قلعة حماة والتي أصبحت متنزهاً شعبياً جميلاً حيث لم يبق من معالمهـا شيء إلا الحفريات القليلة في أحد جوانبها إثر تنقيبات كشفت عن الكثير من تاريخ حماة التي تعتبر أقدم مدينة مأهوله في المشرق وتضم بين خباياها آثاراً تعود إلى الألف السادس قبل الميلاد ويقولون إن أريحا فى فلسطين تشاركهـا في هذا القدم، ومن متنزه القلعة كانت مساجد حماة تبدو كنجوم خضراء تزين السماء ليلاً وأقدمها المسجد الأعلى الكبير ويقال: إنه الخامس في الإسلام بعد مسجد قباء والأقصى والحرمين الشريفين ويعود هذا المسجد إلى عام "17" هجرية عندما فتح أبوعبيدة بن الجراح حماة وعرف بالجامع الأعلى الكبير لأنه كان أعلى من الأرض ويصعد إليه المصلون على الدرج وكانت تتبع له في العهـد الأيوبى دار الملك المظفر ومدرسة السيدة خاتون زوجة الملك المظفر وبذلك كان له دوره التثقيفي، وأما الماء فإنها تصله من الناعورة المحمدية والمسجد تابع لمديرية الأوقاف وأما من معظم أحجار أفامية مجملة بالنقوشات المعبرة الناحية الأثرية فإنه يتبع لمديرية الأثار ويتميز اليوم بمئذنته الحجرية الرائعة والتي لم يبق إلا نصفها وحول هذه المئذنة يقال إن حموياً التقى صديقا له من خارج حماة فقال له أتصدق إن لدينا في حماة مئذنة مسجد نصفها ذهب، فاستغرب الصديق وقال أو لم يسرقها أحد؟ فقال الحموي أبداً. وعزم الصديق على زيارة حماة لرؤية المئذنة، ولما شاهدها قال لصديقه الحموي وأين الذهب فأجاب الحموي وهو يبتسم نعم نصفها ذهب ونصفها لم يذهب بعد والمهم أننا كسبنا زيارتك، ومن أهم معالم هذا المسجد مئذنته الشمالية ومنبرة الخشبي المزخرف ومئذنته الجنوبية وقبر الملكين المنصور والمظفر الأيوبيين وتابوتهما الخشبي وأيضاً قبة الخزنة، وفي حماة مساجد أثرية كثيرة مثل مسجد أبي الفداء والنووي وغيرهما.

زراعة.. وصناعة تقليدية أيضاً

إنها حماة التي يقطنها قرابة مليون ونصف مليون إنسان ومساحتها 880 كم 2 تسحر زائرها بحاضرها المزدهر الجميل وتشده عراقتها وآثارها فيحتار إن كان سائحاً هل يرفه عن نفسه فيها أم يحول زيارته إلى سياحة ثقافية، قصور مشيدة لا تزال وقلاع شامخة وحجارة سطر عليها التاريخ أروع آياته فحاربت الفناء وتغلبت عليه لتحكي لنا عظمة الأجداد إلى مصياف إحدى مناطق حماة توجهنا وعلى الطريق التي تحف بها الأراضي الزراعية من الجهتين يتوزع الفلاحون بمحاريثهم القديمة وبفئوسهم وغراسهم ليستودعوا الأرض بذور مواسمهم أو ليحطيوا بعض الأشجار المثمرة بالعناية فلا تخيب آمالهم، يستوقفنا دير الصليب بكنيسته الكبرى وآثاره المرمرية الحمراء كما تبدو لأول وهلة وهو يجثم على هضبة صخرية تحيط به كروم العنب والتين فتزيده هيبة، ويعود تاريخ هذا الدير إلى 418 م وفيما نتأمل عظمة الأطلال المتطرفة عن القرية تفاجئنا فناجين القهوة وعدد من الصبايا، ولا نستغرب، فالقهوة وغالباً المرة ضيافة حموية إلى اليوم، ولكن الطريف أنهم في وحدة صناعة السجاد المجاورة للدير قبل أن يعرفوا لماذا جئنا ومن أين.. جاءونا بقهوتهم، وزرنا الوحدة التي تقوم العاملات فيهـا بصناعة السجاد بالأنوال اليدوية التي يزيد عددها على العشرة وعليها تتناوب ثلاثون عاملة بين معلمه ومتدربة وبنتيجة الصبر والتأني وإتقان المهنة يخرج السجاد الرائع بجماله الذي يضاهي المناظر الطبيعية وغير بعيد عن الوحدة تقوم شركة الحاج حسين لعصر الزيتون وأمامها يزدحم الزبائن مع أكياسهم، وما إن يوضع الزيتون في متناول السيور حتى تسحبه إلى أحواض الغسيل وبعد أن يصير نظيفاً تنقله المكائن إلى الكسارة فيهرس الحب مع نواه ويتحول إلى آلة العجن والتشغيل فيصب الزيت من جهة وتنتقل المواد المعصورة ليعاد تصفيتها ثانية ومنها يؤخد ما يتبقى من الزيت ثم تباع الفضلات إلى معاصر أخرى تقوم بتعريضهـا لدرجات حرارة مرتفعة ويستخلص منها بعض الزيت الذي لا يصلح للطعام وإنما يستفاد منه في صناعة الصابون وتباع الفضلات النهائية "العرجوم" لتصنع على شكل قوالب للحرق والتدفئة، ويقول صاحب الشركة إن بعض أنواع الزيتون في بلادنا وبالأخص القادم من محافظة إدلب قد تعطي المائه كيلو حتى 40 كيلوغراما زيتاً وأنواعاً أخرى لايصل عطاء المائة منهـا أكثر من "20" كيلو.

وحماة إضافة إلى أنها مدينة زراعية إلا أنها تهتم بالصناعة اهتماماً كبيراً ففيها على سبيل المثال معمل الحديد الذي يكاد يكون فريداً من نوعه في القطر وأمامه تصطف الشاحنات محملة ببقايا الحديد ليتم صهره وإعادة تصنيعه، وهذا المعمل والمعروف بشركة حديد وهذا المعمل والمعروف بشركة حديد حماة في حقيقته ينقسم إلى معامل ثلاثة: معمل الصهر، معمل القضبان، ومعمل الأنابيب. وينتج مادة العروق الفولاذية بطاقة تصل إلى 92 ألف طن سنوياً كما ينتج 110 آلاف طن من الحديد المبروم والحلزوني سنوياً ويستفاد من هذا الحديد في البناء كما ينتج من الأنابيب المعدنية المستخدمة في تمديدات المياه والغاز بطاقة تصل إلى 40 ألف طن سنوياً من الأنابيب المغلقة والسوداء.

وفي حماة أيضاً تقوم صناعة الإطارات والإسمنت وبعض الصناعات الغذائية وصناعة النسيج والغزل والحياكة وتكثر النولات القديمة التي يعمل عليها أرباب حرف وصناع أعطوا هذه الصناعة ما تستحق من اهتمام وبهذه النولات بمختلف أنواعها تحاك البسط والسجاد وحتى الشراشف ومناشف الحمام الحريرية والقطنية وعليها تحاك أيضاً بيوت الشعر وهذه الحرف مع غيرها كصناعة العقل من الحرف النادرة التي تحافظ عليها حماة من الانقراض.

ونتابع رحلتنا التى تستغرق بضعة عشر كيلومتراً نحط بعدها في رحاب مصياف ونتسلق إلى قلعتها العظيمة التي تتربع فوق مرتفع صخري، وهي في حقيقتها تتألف من قلعتين تتوسط احداهما الأخرى، وإذا كان عنصر البناء فيها متنوعا فمرد ذلك إلى تنوع أساليبه عبر العصور الهلنستي فالروماني والبيزنطي ثم العصر العربي، وتتألف قلعة مصياف من طوابق ستة أعلاها كان لتربية الحمام الزاجل الذي يستفاد منه في المراسلة وقد لعبت هذه القلعة دوراً مهماً في عهد الإسماعيلية حيث اتخذها سنان راشد الدين مقراً له ويقال إن هذه القلعة كانت تستوعب 250 جندي مع ما يحتاجون إليه لإربعة أشهر فيما لو حوصرت

ومن اللافت أن قلاع حماة كلها قائمة على هضاب هرمية الشكل بحيث يتعذر تسلقها أو حتى مهاجمتها بالمنجنيقات فيما هي تستطيع صد المعتدي ولذلك كانت تمثل أكروبولات حقيقية للمدنية.

وتضم حماة مزيداً من القلاع والأماكن الأثرية وكلها معالم تاريخية لاتزال أطلالهـا قائمة تلقي العناية والحرص من قبل الجهات المعنية وأنا على يقين أن واحد من هذه المعالم إلي دراسات كثيرة لاستحضار الانتصارات والانكسارات التي مربها وما أكثر هذه المعالم الأثرية في حماة، فبالاضافة إلى ذلك فإن الخانات والحمامات الأثرية بأشكالها تكثر هناك.

في ضيافة الحمويين

من يرد أن يرى الشعب المضياف والباسم في وجه ضيفه دائما فليزر حماة فالجميع يرحبون والترحاب لا يقتصر على القهوة بل يتخطاها إلى الموائد العامرة بالأطباق الحموية الشهيرة كالباطرش والمقلوبة وغيرهما من مثل ما اكتظت به مائدة زميلنا رياض، وهذا المجتمع الحموي الكريم هو شريحة من المجتمع السوري ولكن له خصائصه المحلية كما يقول الدكتور عبدالرزاق الأصفر، وقد استمر هذا المجتمع في النضال منذ بدايات الاحتلال العثماني وحتى جلاء الفرنسيين حيث تحررت الارادة العربية وبدأ التفتح وبدت الحركة الاجتماعية ديناميكية فتغيرت طبقات المجتمع ومعاييره وعاداته وانصهر المجتمع الحموي في بوتقة العروبة حتى صارت الأقليات عربية الانتماء، والتواصل بين أبناء البادية وأبناء المدينة وأبناء الريف أعطى الروح العربية دفعاً مميزاً وغلب الطابع العربي وامتاز مجتمع حماة بالتألف والتسامح الديني فقد ضم الإسلام بمذاهبه والمسيحية بمذاهبها وبين كلا الطرفين المودة والتآخي وحسن الجوار والتزاور في المواسم والأعياد والأفراح ولم يعد في حماة تمييز بين الأحياء أو بين سوق وحاضر وهما القسمان الأساسيان في المدينة قديماً.

"حماة مدينة بلا نساء" ..!

عبارة كتبها رئيس تحرير مجلة المصور المصرية بعد ما زار حماة في الثلاثينيات ولكن الأوضاع تغيرت اليوم كثيراً كما شاهدنا وكما حدثتنا سلام سنقر فقد استطاعت المرأة وهي نصف المجتمع أن تثبت وجودها إلى جانب الرجل وأشرعت أمامها أبواب الوظائف وأمكنة العمل، والمرأة الحموية كأخواتها في باقي أنحاء سوريا لها حقوقها السياسية كحق الترشيح وحق الانتخاب ومن النساء السوريات من تقلدت منصباً وزارياً.

وفي حماة توزع المرأة يومها بين العمل والمنزل وهي ربة منزل متميزة ، ومع انفتاح الأبواب أمامها ومع منحها حقوقها استطاعت أن تعبر عما بداخلها من خلال أنشطتها فبرعت الكثيرات سواء في مجال الشعر أو القصة أو التمثيل أو في مجال الفنون التشكياية والنحت وهذا مهم حتى على صعيد الأسرة لما للمرأة من دور في التأثير على شخصية أطفالها.

وإذا كانت المرأة قديماً حبيسة المنزل فإنها اليوم تساير المرأة العصرية ولكن باحتشام سواء فى ملبسها أو عملها أو في أي تصرف يصدر عنها ولكل منطقة في حماة زي خاص بالمرأة ، ولقد صادف وصولنا حماة إقامة معرض تشكيلي شاركت فيه فنانات من مختلف أنحاء حماة ، ولدى زيارتنا إلى بلدة وادي العيون وهي من البلدات الجميلات في حماة وترتفع عن سطح البحر أكثر من 500 م كانت في انتظارنا رئيسة البلدة هناء أحمد وهي أول رئيسة مجلس بلدي في سوريا ويقال فى الشرق الأوسط وهي مهندسة واعية تتابع عملها بإتقان ، وعندما خرجنا من مكتب هناء أحمد قمنا بجولة فى هذه البلدة التي تتبع لمنطقة مصياف تقوم على سفحي جبلين متقابلين وفى أحد مقاصف هذه البلدة جلسنا فى الطابق العلوى متحملين برودة الجو مقابل أن نتمتع بجمال السفحين اللذين يعبران عن قدرة الإنسان الخارقة ، فهذه السفوح عامرة بالزراعة في مدرجات تصد التربة في نهاية المدرج بالأحجار لكيلا تنجرف وفي ذلك مشقة وجهد مضاعف يتحمله الفلاح الذى يسد حاجة وادي العيون لمحاصيل الزيتون والحمضيات والفاكهة والحبوب والعنب والرمان ويصدر الفائض إلى مدينتي مصياف وطرطوس وسميت البلدة بوادي العيون نظراً لكثرة عيون نبع الماء فيها والتي تزيد على "360" عيناً أي بعدد أيام السنة وتتحول بعض الينابيع في الشتاء لتصير أنهاراً أو كالأنهار ووسط هذه السفوح يعانى مجلس المجدينة من شق الطرقات كثيراً، وبلدة وادي العيون واحدة من بلدات كثيرة وجميلة في حماة دعينا إليهـا ولكنه الوقت ولا نستطيع أن ننسى تلك الدعوة الحارة جداً والتي وجهت إلينا من ناحية شطحة التي وصفها لي صديقي نهاد شهوان بأنها من أجمل بلدات الغاب.

وفي طريق العودة إلى حماة كنا نشاهد قطعان الماشية في القرى ، وهذا ما جعلنا نتذكر كلية الطب البيطري وهي أبرز المنشآت التعليمية الكثيرة جداً في حماة، ولهذه الكلية أهميتها من حيث انفرادها في سوريا وقد أنشئت 1969 م واختيرت حماة مقراً لها نظراً لوفرة الثروة الحيوانية سواء في سهل الغاب أو في البادية.

ونظام الدراسة في هذه الكلية خمس سنوات بعدها يحصل الخريج على شهادة تؤهله لممارسة المهنة، وفيها مجال لمتابعة الدراسات العليا حتى الدكتوراه في الطب البيطرى وقد تم استحداث مشفى تعليمي يضم مخبراً للتشخيص وقاعات للجراحة والتوليد وللأمراض الباطنية، وتلحق بالمستشفى وحدتان بيطرتان يمكنها معالجة الحالات الحقلية فيما لو اتصل المربى بالكلية طالبا المعونة ، وللكلية علاقات تبادل خبرات مع مثيلاتها فى الوطن العربي، وفي أوروبا وبالأخص ألمانيا وكثيرا ما يزورها أساتذة ألمانيون ليحاضروا فيها، وكان لكلية الطلب البيطرى دور بارز في تطوير الثروة الحيوانية والقضاء على الأمراض التي قد تصل عدوى بعضها إلى الإنسان .. وهذا ما حدثنا به الدكتور تامر حداد عميد الكلية.

وتنعم مدينة حماة بالمشاريع الجديدة فى مختلف الأماكن ولكن هذه المشاريع لا تقام عبثا وهي مبنية على أسس مدروسة واندفاع الحمويين وراء الجديد لم ينسهم تراثهم، فقد أخبرنا رئيس مجلس مدينة حماة أنهم أقاموا قسماً خاصاً لصيانة النواعير لكي يبقى بعضها دائراً فهي رمز عريق لهذه المدينة ، وحول مخطط المدينة التنظيميى يقول مروان حلواني لقد وضع المخطط في 1960 وروعيت فيه قضية ازدياد السكان والحاجة للخدمات وكثافة السير وحاجة المدينة للمدارس والمواقع الإدارية إلا أن هذا المخطط أعيد تقييمه في 1985 وهذا التقسيم كانن ضروريا خاصة أنه مضى على المخطط الذي سبقه أكثر من ربع قرن وأنه يجب الانتباه إلى المحافظة على الأرض الزراعية التي بدأ يجتاحها مد العمران والتقييم بين أيضاً أن الشوارع في المدينة شطرنجية الشكل "متعامدة" وهذا لا يتناسب مع حماة لأنه يسبب الحوادث ويخلق اختناقات وكثافة في المركز والتنظيم الشعاعي الحلقي هو الأسلم وقد أخذت هذه الملاحظات بعين الاعتبار في المخطط الجديد، وبما أن المدينة تتوجه نحو السياحة بعدما شهد العام الماضي آلافاً من السياح الذين جاءوا للاستمتاع بطبيعة المدينة وبتراثها فإن هناك مشاريع جديدة سوف تكون جاهزة للاستثمار مع إطلالة الربيع الذي بدأ منذ العام الماضي بوقع خاص على نفوس الحمويين الذين أحيوا عيد الربيع بأفراحه وأنشطته.

مستقبل حماة

وسوف تستمر المدينة في التطور متماشية مع الحديث ولكن دون المساس بقديمها فلا يحق لمواطن أن يهدم منزلاً مالم تقم اللجنة المختصة بالكشف على واقع البناء ويتم تقييمه، بأي بناء جديد أيضاً ينبغي أن يأخذ ترخيصاً ولا يمنح الترخيص قبل معرفة شكل البناء ومواصفاته ومدى تجانسه مع ما حوله لكيلا يبدو دخيلاً.

وتتابع حماة إقامة المشاريع الجديدة ولكن ليس دفعة واحدة لتفاجأ السياح والزوار بالجديد في كل عام، ولكيلا يكون العمل في المشاريع مرهقاً ومملاً ومكلفاً.

انتهت رحلتنا في رحاب مدينة أبي الفداء وحططنا رحالنا في آخر المحطات ومسك االختام كان مع محافظ حماة محمد سعيد البخيتان، الذي كان يستطلع من حديثنا ما خلصنا إليه في استطلاعنا ، رجل حصيف، أسلوبه فى االحديث يدل على خصال حسنة ومنبت طيب ونقاشه يدل على سعة ثقافته وهو أحد متابعي العربي منذ إصداراتهـا الأولى.

عن مستقبل حماة يقول: إن هذه المدينة باستراتيجية موقعها على طريق دولى يربط شمال سوريا بجنوبها، وبتاريخها الذى أثرته الحضارات العريقة المتعاقبة والتي تركت أثرها على أحداث الشرق القديم، وبطبيعتها الجميلة، تستدعي قراءة متأنية لمستقبلها ونحن نعمل من أجل إبراز الأهمية التاريخية ننشىء المتاحف الجديدة التي يشاهد فيهـا الزائر اللقى الأثرية القيمة والمكتشفات الثمينة، ونقدم أيضاً مديتتنا من خلال المهرجات السياحية والثقافية والتسويقية كمهرجان الربيع الذي بدأنا في إحيائه العام الماضي وكان تظاهرة سياحية وفنية واقتصادية وثقافية شدت الأنظار وصارت تقليداً سنويأ يقام فى الشهـر الرابع من كل عام، ويجسد مهرجان الربيع في مضمونه التراث الإنساني الفني لمحافظة حماة، والفرح بأعياد الربيع يعني فرحاً بولادة الخصب والعطاء، وقد احتفل أسلافنا عبر السنوات الماضية بولادته عبر مظاهر مختلفة عفوية مثلت توقهم إلى السعادة وطموحهم إلى التفأول ونحن نعيد تلك المظاهر الجميله لما تمثل من عراقة ومخزون تراثي أصيل.

حماة بتاريخها العريق وبالتطورات التي شهدتها خلال السنين الماضية تقدم نفسها، من دون وسيط مستعينة بمخزونها التراثي والثقافي وبسحر عاصيها وتواعيره، إلى العالم وهي اليوم تحتل مواقع عديدة على شبكات الإنترنت الدولية وقد ارتبطت أخيراً عبر هذه الشبكة عن طريق فرع الجمعية العلمية السورية للمعلوماتية وكان ذلك هدية لها من الدكتور بشار الأسد رئيس الجمعية ، وإقبال السياح إلى مدينتا في العام الماضي في عيد الربيع كان يظهر مدى إعجابهم بما فى حماة من جوانب تروى ظمأ السياح المثقفين وترضي السياح الذين يطلبون التمتع بالمناظر الطبيعية فتؤمن للجميع المستلزمات من أجل سياحة مريحة، وضفاف العاصي بما أقيم عليها من مرافق شاهد على ذلك.

وشملت حماة التطورات التي شهدتها سوريا في العقدين الأخيرين وهذه التطورات رصدتها استطلاعات مجلة العربي في المدن السورية، وعلى سبيل المثال فإن مدينتنا تزخر بالمنشآت التعليمية والصحية والصناعية الحديثة، هذه المنشأت جعلت من حماة مدينة عصر دون أن تمس بتراثهـا الرائع والقيم وهذا ما شاهدتموه على أرض الواقع ورصدته عدسة الأستاذ فهـد بالتأكيد.

مع انتهاء الدوام الرسمي انتهى حديثنا مع المحافظ وأصر على دعوتنا إلى مائدة الغداء في منزله وهناك امتد اللقاء حتى المساء

لدى وصولنا الفندق كان بانتظارنا "أبومنهل" السائق ومعه السيارة التي اتجهت بنا إلى دمشق كنا نودع فاقتنة اسمها حماة، وكنت أشعر بصوت نواعيرها الذي يشدو على العاصي فيشجي وكأنه ينادينا نحن وضيوف العالم لنقرأ سطوراً مشرقة فى حاضر هذه المدينة المزدهرة .. نجتاز الشوارع وننصت إلى أغنية اللا لا الحموية وهي من الفولكلور الغنائي الحموى وصوت المطرب الأجش يحاكي صوت الناعورة عندما يغني "سمعت عنين الناعورة ......"

 

جمال مشاعل

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات




حماة النواعير تشدو في مدينة الألف شاعر





الساحة بساعتها القديمة وسط مدينة حماة





لا يزال بعض البدو ينتقلون في حماة رواء المرعى لأغنامهم ويسكنون بيوت الشعر





من الحارات الحموية القديمة ولا تزال شوارعها مغروزة بالحجر





النواعير والمساجد الأثرية مما يزيد مدينة حماة روعة ووقاراً





متحف أفامية وتطل عليه قاعة المضيق الأعلى





تتوالي الأجيال فيما الآثار الحموية تزداد بهاء ومكانة تاريخية





قلعة مصياف دور سياسي في الماضي ودورها اليوم تراثي جمالي





محافظ حماة ورؤية للحاضر والماضي





رئيسة المجلس البلدي في وادي العيون





إحدى القاعات الجميلة في متحف حماة قصر العظم





العالم الحموي عمر حمشو





حياكة السجاد والبسط صناعات تقليدية في حماة





سوق الطويل من الأسواق الحموية الكبيرة وغير متخصصة في سلعة محددة





معظم أحجار أفامية مجملة بالنقوشات المعبرة





في مصنع الحديد المميز في سوريا





عجينة القطايف والحلويات المنزلية





من أسواق حماة الشعبية





أفامية المدينة الأثرية الحموية التي تزدهر شامخة بماضيها العريق وهندستها الأصلية





أحد الحمويين بالزي التقليدي ويلف سيجارته





في كلية الطب البيطري وهي الوحيدة في القطر





السيارات محملة بالحديد ليعاد صنعه





على سفوح الجبال وبين المرتفعات يكابد الفلاح كثيرا





في دير الصليب رحلات وبعثات بين عاشقين للطبيعة ومحبين للتراث





من المساجد الأثرية الكثيرة في حماة