حين تستبد المدن..

حين تستبد المدن..

في دنياي ثلاثُ مدن. أنتمي للبعض، والبعضُ ينتمي لي. أعشقُ البعض، وأحقدُ على البعضِ الآخر.

ومابين مشتاقة لهذه ومضطهدة في تلك، أسافرُ بيقظَتِي وغَفواتِي المتقطعة..

تعرفُ عني ذلك جيداً يا عزيزى.. تعرفه عني عن ظهرِ قلب..

-1-

أفضلها بكوبٍ من الشاي وحليب أبيض على عجالةٍ كعادتي. تجتاحُني رياحُها يومًا، وتستقبلني أمطارها بعض يوم، ثم تهزمني ضحكات أسمعُ لخوائِها صدى.

لي فيها عينان ومازلتُ لا أرى، ولي فيها نفسٌ تحبو لمقعدٍ منفرد..

عرفتُ فيها أشباحًا يُرعِبهم ظلالهم، ونوراً لايخافُ إلا سطوعه، وقابلت قلوبًا حائرة، على حُبها للحياةِ تَرهبُ خفقاتِها.

في مدينةِ الآثام، كل الآثام بسيطة.. لكنها لا تُغتَفر..

يُرددُ فيها الكروانُ تراتيله بعيداً عن فضولِ البشر..

أفضلُها وحدي يا عزيزى.. أُسابق زمانها بأزمانٍ متعاقبة، وأهرب من هروبي إلى الأبد..

مدينتى.. مدينة التناقضاتِ هذه.. على اتساعاتِها أختنق..

- 2 -

زائرةٌ بالإكراه في مدينةِ الأحلامِ المفزعة. تنتابني بغتة في مواعيدٍ محددة.

تظل عمري تناديني بإغراءاتها، تجذبني أوقاتاَ فتلقف روحي طرقات مترنحة، على حافتها لا أشعر، لا أتحرك ولا أرى....

مقبوضة الروح أنا هنا، أخافها وحدي في ظلماتِها يا عزيزى.. وأكرهُها.. وأكره ألوانها الشاحبة..

هروبي منها يعيدني إليها.. فإليها المنتهى..

- 3 -

أتعرف أني فضلتُ رفقَتَك في مدينتي الثالثة؟

اخترتُكَ لنطوي مسافات بيني وبين نفسٍ مسافرة.. وعلى الشاطئ الآخر نرقصُ تحتَ حباتِ المطر..

موعدنا عند ظهور القمر..

نقفزُ بين طياتِ الورق.. نجدلُ أثوابَ الحروفِ بأشجانِ الوتر.. وننقشُ بألوانِ الفصولِ سفر السفر..

في مدينتى.. مدينة الضباباتِ المشرقة.. مارستُ فعلَ الوطن..

فاوضتُ ثورتى، ثم أعلنتُ هجرتي إليها في الخفى..

دائما أنت معي يا عزيزى.. لكنكَ أنت.. دائما لا تعرفُ، ولا تُرى..

 

إيمان عبدالرحمن