عزيزي العربي

 عزيزي العربي

  • هكذا صارت جائزة نوبل

بينما كنت أطالع العدد 641 - أبريل 2012 من مجلة العربي، لفت انتباهي مقال بعنوان «العاصمة السويدية استوكهولم تحتفي بالفائزات بجائزة نوبل للسلام 2011» بقلم السيدة أفراح ناصر، التي وصفت لنا الاحتفالية الكبيرة على شرف الفائزات بجائزة نوبل للسلام، لكن لو عدنا عشر سنوات إلى الخلف لوجدنا أن «نوبل للسلام» مقارنة بالسنوات الخمس الأخيرة قد فقدت هيبتها بسبب التدخلات السياسية والضغوط الداخلية والخارجية التي صارت تتحكم في الأسماء التي تتوج بهذه الجائزة الكبيرة.

ففي سنة 2000 فاز بهذه الجائزة الزعيم الكوري الجنوبي كيم داي جونغ الذي يعتبر أول رئيس كوري جنوبي يزور كوريا الشمالية في مسعاه للتقرب منها وإحلال السلام بين الشقيقتين، ثم الرئيس الأمريكي جيمي كارتر في سنة 2002 نظرًا لعودة منطقة قناة بنما إلى بنما وتوقيع اتفاقيات كامب ديفيد للسلام في الشرق الأوسط، وكذلك حل أزمة الرهائن في السفارة الأمريكية في إيران، وظهوره كوسيط ومفاوض للسلام ضمن عودة الرئيس إ آريستيد إلى هايتي في أكتوبر 1994، ثم المناضلة البيئية وانجاري ماثاي سنة 2004 التي أسست حركة الحزام الأخضر التي غرست أكثر من 30 مليون شجرة في أفريقيا.

ولو عدنا للسنوات الثلاث الأخيرة، لوجدنا أن جائزة نوبل للسلام لم تعد تهتم بتلك الشريحة التي تعمل على تحقيق النتائج الملموسة، ففوز الرئيس الأمريكي باراك أوباما لم يكن منطقيًا نظرًا لتقلده الحكم سنة واحدة فقط، وعدم الإيفاء بوعوده بغلق معتقل غوانتانامو ولم يسحب يومها الجنود من العراق وأفغانستان، ثم ليو شياوبو الصيني الذي فاز بالجائزة سنة 2010 نظرًا لبعض الأعمال الخيرية وكفاحه السلمي لحقوق الإنسان، ثم أتى الدور على الليبيريتين إيلين جونسون سيرليف وليما غبوي، فالأولى سياسية اشتهرت بنشاطها السياسي والثانية، كانت المرأة التي وضعت الحد للحرب الليبيرية الثانية ثم العربية اليمنية توكل كرمان التي نظمت مظاهرات وأسست منظمة «صحفيات بلا قيود»، ولو رشحنا الثلاثة من جديد وأخذنا مقياس الكفاءة الشخصية التي كان معمولا بها منذ سنوات ليست بالطويلة، لكانت السيدة ليما غوبي هي الأجدر بها، لأن إيلين جونسون كانت سياسية أكثر منها ناشرة للسلام، ونحن نعرف «أن السياسة لا تعترف بالأخلاق» كتاب الأمير، ميكيافيلي -، واليمنية توكل لم تحقق شيئًا ملموسًا نظرًا للصراعات المتواصلة في اليمن بعد رحيل الرئيس علي عبد الله صالح.

ولهذا فلو نظرنا من الزاوية الأخرى، لوجدنا أن إيلين جونسون وتوكل كرمان شاركتا حق ليما غبوي، وكان من الأحسن لو رفضتا الجائزة نظرًا لقلة إنجازاتهما وضعف كفاءتهما، ولكتبتا اسميهما مع جان بول سارتر الذي رفض الجائزة عن الأدب عام 1964 بدعوى أنها تؤثر في أمانة الأديب وتدعوه إلى مراعاة جوانب مادية في أعماله، ولي دك ثو رئيس وفد فيتنام في مفاوضات السلام الذي رفضها لأن السلام لم يكن قد تحقق، في سجل أكثر نصاعة من سجل نوبل، لأنهم بكل بساطة نالوا احترام البشرية بدلاً من الإغراءات المادية، وتصرفوا بما يرفضه الضمير وتمليه المسـئولية.

مزوار أحمد ياسن
الجزائر

  • «مستقبل الإسلام الأوربي»

يسعدني ويطيب لي التعليق على «حديث الشهر» - العدد 642 مايو 2012م تحت عنوان «مستقبل الإسلام الأوربي». والذي بدأه السيد رئيس التحرير بسؤالين مهمين، غير أن السؤال الأول هو الأهم - في نظري - حيث يقول: «فكيف تطورت صورة الإسلام ليتحول من صورته كديانة سمحة ومسالمة إلى صورة مخيفة مهددة ترتبط بأتباعه الأقل عددًا والأكثر تطرفًا؟».

وإن كانت هناك العديد من الظروف والملابسات التي ربما تكون قد لعبت الدور الأبرز والأهم في تطور تلك الأحداث - التي تكاد تكون أشبه وأقرب إلى الصورة الدرامية منها إلى الصورة الواقعية - إلا أنني أرى أنه ليس هناك من سبب رئيس وراء تطرف أولئك المتطرفين غير تقاعس حكام المسلمين؛ لاسيما العرب؛ الذين لم يشمروا عن ساعد الجد ويتصدوا للظلم ... واستكانوا للذل والهوان دون أن يحركوا ساكنًا، وهم يرون ما تفعله أمريكا من تعدٍ سافر لا يخفى على العين ـ حتى تلك التي لا تبصر ـ مما سهل الهوان بهم, وكما قال المتنبي:

ومن يهن يسهل الهوان عليه
وما لجرح بميت إيلام

ولا أحسب أن هناك من لم يسمع بقصة تلك المرأة التي استغاثت بالخليفة المعتصم فأطلقتها صرخة مدوية «وا معتصماه» فوجدت قلبًا واعيًا وآذانًا صاغية؛ وسير لها الخليفة جيشًا لنصرتها. فلو أن أولئك النفر من المتطرفين وجدوا ما وجدت تلك المرأة لما وجدنا اليوم متطرفًا، بل لما وُجد مثل هذا المصطلح ولا سمعنا به على الإطلاق. نحن لا نريد من الحكام العرب أن يسيروا الجيوش إلى الغرب وأعوانه - وإن كان ذلك لا محالة حادثا مهما تجنبناه ودفنا رؤوسنا في رمال الصحراء - ولكننا نريد من حكامنا أن يقولوا للغرب: لا... نحن مازلنا على قيد الحياة ولم تمت فينا نخوة الرجل العربي، فقط علينا التلويح بقوتنا وهي ليست بالمستضعفة إن نحن أحسنا استغلالها، فإذا نحن فعلنا ذلك فلن نرى على وجه البسيطة متطرفًا واحدًا لا في الغرب ولا حتى في الشرق؛ وسينتهي هذا الوباء من على وجه الأرض كما انتهى مرض الجدري من قبل.

د. حسن ود تليب
السودان

  • الأمن الثقافي العربي والآفاق المستقبلية

مع انتشار وسائل الاتصال الحديثة بدأت تدخل مصنفات جديدة على ثقافتنا في شكلها المسموع والمقروء متجاهلة تقاليدنا وخصوصياتنا العربية والإسلامية، ومع انتشار ظاهرة شبكات التواصل الاجتماعي، كان لابد من تطوير آليات تحفظ للثقافة العربية قيمتها بين الأمم.

كان التفكير منصبًا في وسيلة تحفظ التراث العربي من التمزق، فكان الأمن الثقافي هو الوسيلة الوحيدة التي تحمي الفكر العربي من الاغتراب لأن عدم الاهتمام بالموروث الثقافي العربي قد أدى بالأمة العربية إلى محن ثقافية تئن من وطأتها حتى اليوم، وبغياب الأمن الثقافي الذي أدى ببعض المثقفين إلى الاغتراب الفكري وجعلهم يتحدثون بلغة غير لغتهم ويفكرون بغير فكرهم حتى ذابت ثقافتنا بين رفوف العولمة وهيمنة الغرب عبر تكنولوجيات الاتصال الحديثة.

والمتتبع للتاريخ يجد أن الاستعمار يستهل حروبه في كل مكان بالغزو الثقافي مبتدئًا بحملات التنصير، وإرسال المستشرقين لدراسة أحوال الأمة وتاريخها، واليوم باتساع وسائل الاتصال بين الشعوب، ومن أبرزها وسائل الإعلام الحديثة، حيث أصبحت الأمة العربية بموجبها تعاني أخطر نوع من أنواع الاقتحام الثقافي لبيوتها ومجتمعاتها ومدارسها ومؤسساتها وأفرادها، وهو غزو مبرمج ومخطط له وذو أهداف محددة، وتقف مؤسسات إعلامية وسياسية وأمنية وتجارية وفكرية وراءه، وللإشارة فقد دعت منظمة التجارة العالمية إلى إذابة الثقافات في ثقافة واحدة، وهنا تظهر أهمية الأمن الثقافي. فماذا أعددنا لهذا الغزو الدخيل علينا؟ وكيف نحصن أنفسنا وأبناءنا من التبعية وما هي الوسائل والآليات لمقاومة هذا الاستعمار الفكري الجديد؟

لقد مر المجتمع العربي مثل غيره من المجتمعات البشرية الأخرى بمرحلة التحولات السريعة والمتلاحقة، التي شملت مختلف أوجه الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية في ظل النظام العالمي الجديد، أو ما يعرف بالعولمة، مما يتطلب التعامل مع هذه التحولات المجتمعية والأخذ بسياسات وتدابير تساعد المجتمع العربي على التكيف مع هذا المولود الجديد من جهة، وقدرة الأفراد في الوطن العربي على استيعاب التغير وخاصة التغيرات الثقافية من جهة أخرى.

وقد أشار الباحث عدنان المجالي في كتابه «قضايا معاصرة»، إلى أن العولمة قد فرضت توجه اقتصاديًا سياسيًا تكنولوجيًا حضاريًا ثقافيًا تربويًا تذوب فيه الحدود بين الدول، وبين الشمال والجنوب وبين الحضارات بعضها بعضا، فهي حركة معقدة ذات أبعاد اقتصادية وسياسية واجتماعية وحضارية وثقافية وتكنولوجية أنتجتها ظروف العالم المعاصر، وتؤثر على حياة الأفراد والمجتمعات. لهذا السبب كان التفكير منصبا في إيجاد آلية لحماية الهوية الثقافية والتراث الحضاري والقيم والعادات والتقاليد التي تمثل أهم الدعائم التي يقوم على أساسها المجتمع من الاندثار، فكان الأمن الثقافي هو الدعامة الأساسية في تحقيق الأمن القومي العربي في ضوء التغيرات العالمية المعاصرة.

وفي السياق نفسه، أكدت الأكاديمية الجزائرية حكيمة بولعشب في بحثها حول الثقافة العربية في ظل العولمة، على أن الثقافة هي المكوّن الأساسي لوجدان أي مجتمع، وتعبر عن العمق التاريخي والمتراكم في المجتمع، فالثقافة تعبّر عن الهوية والانتماء الوطني، وبالتالي فالضرورة ملحة على التواصل الثقافي. والعولمة الثقافية تعتبر تهديدًا للهوية القومية من خلال محاولة تحويل نمط الحياة إلى نمط حياة غربي، في حين تساءل رئيس تحرير مجلة العربي المفكر د.سليمان إبراهيم العسكري في مداخلته بعنوان «زمن السير عكس السير» ضمن ركن «حديث الشهر» لمجلة العربي لسنة 2000 حين أكد على أن الهوية هي أبرز مكون لشخصية الأمة ومن دونها لا مكان لها في تاريخ الشعوب والأمم، وهل يستطيع الإنسان أن يعيش بهويات متعددة دون أن يفقد أصالته القومية؟!

وللحفاظ على مكونات الهوية كان لابد من الحفاظ على أهم مقوم وهو اللغة، فلايمكن أن تستقيم المعارف وتصان الثقافة وتصقل المواهب من دون الحفاظ على اللغة، وما يميز مجتمعنا عن سائر المجتمعات الأخرى هو عامل اللغة المشترك.

وإذا كانت اللغة هي أساس التبعية، فلنجعل منها أداة للتحرر من التبعية لأن هذه الأخيرة تجرنا إلى تبعية اقتصادية وسياسية ثم تتحول إلى تبعية فكرية التي تشمل بدورها المناهج التربوية ووسائل الاتصال والمعاملات التجارية والإشهارية إذ نستطيع القول إننا دخلنا في مرحلة الاستلاب الفكري وكلها عوامل فاعلة في التنمية الشمولية وتؤدي إلى تحقيق الأمن الثقافي الذي نريده ونعمل من أجل تحقيقه.

وبما أن لغتنا العربية لها القدرة الفائقة في استيعاب العلوم الحديثة بجانب اللغات الأخرى، كان لزامًا على صنّاع القرار في وطننا العربي أن يعوا الخطورة المحدقة بنا، والتي أصبحت تهدد أمننا القومي بصفة عامة، وأمننا الثقافي بصفة خاصة لدى شبابنا الذي بدأ يفقد الأمل في المجتمع حيث عمت البطالة وطال الفساد أركان الدولة ورافق هذا الانهيار ظهور الحركات السياسية الدينية المتطرفة التي وجدت ضالتها في أوساط الشباب ممن فقدوا الأمل في الحياة الاجتماعية.

شهاب جوادي - تونس

  • وهم الكتابة

كثيرًا ما نجد الأعذار التي يمكنها أن تبرر فشلنا في تحقيق حلم من أحلامنا ونصدقها، ونأمل أن يأتي اليوم الذي تتهيأ لنا فيه الظروف، وتنمحي كل المصاعب لتحقيق أحلامنا وأهدافنا.

الكتابة هي أحد أحلامنا الكثيرة التي تظل تدغدغ خيالنا والمجال الذي يظن العديد منا أنهم قادرون على الإبداع فيه، لكن الحياة وملابساتها تقف حاجزًا وظروف الزمان والمكان تعمل على عرقلتنا وتجرنا إلى الاستسلام. يظل الهاجس والحلم بداخلنا ونظن أنه كان بإمكاننا أن نكتب ونقول أشياء مهمة للعالم، قد يكون ذلك حقيقيًا فلا أحد يستطيع أن يحكم أو يقيم إمكاناتنا وأفكارنا وقدرتنا على الإبداع.

لكن لسائل أن يسأل: لماذا كتب الآخرون وأبدعوا وكتب غيرهم واختلف الناس حولهم وظللنا نحن نعيش الوهم؟ هل العراقيل والصعوبات سلبتنا فعلاً حقنا في الكتابة؟ أم أن الكتابة عمل إبداعي بعيد عن متناول إمكاناتنا؟ أعتقد أن المحاولة هي وحدها الكفيلة بالإجابة عن ذلك.

لكن لماذا نحب أن نكتب؟ ولماذا يعشعش هذا الوهم في مخيلة الكثيرين دون أن يتمكنوا من تحويله إلى حقيقة؟ هناك أسباب كثيرة للكتابة لكنني هنا أتحدث عن المحاولة الأدبية والفكرية والدافع الغريزي الفردي الذي يشعرنا بواجب الكتابة وبأهمية ما نكتبه؟ أعتقد أن أهم أسباب تعلقنا بهذا الوهم هو ميلنا الطبيعي إلى الخلود واعتقادنا بامتلاك الحقيقة. إن الكتابة تدوين لغوي لأفكار وآراء وأحاسيس ومشاهد وغيرها من الأشياء التي تعتمل في نفوسنا فنخرجها في شكل لغوي، وهذا الخروج قد يكون عفويًا في حال الكلام - أو هو يبدو كذلك - لكنه أكثر تنظيمًا وأهدافه أكثر وضوحًا في حال الكتابة، وهو في هذه الحال أيضًا أكثر اختراقًا لحاجزي الزمان والمكان، فما كتب منذ قرون مازال صداه الفكري يتردد إلى اليوم ومازالت نصوصه تدرس ويبحث فيها إلى الآن.

إن رؤيتنا للعالم والتي تبدو لنا منطقية أكثر من غيرها وتحمل في طياتها جزءًا من الحقيقة ليس لها وجود فعلي إذا لم تأخذ شكلاً لغويًا ولم تصل إلى أذهان الآخرين، وهي أيضًا لن تكون منطقية ولا معبّرة عن الحقيقة إلا إذا اعترف بذلك الآخرون. وهنا تأتي الإجابة عن سؤال مهم أيضًا وهو لمن نكتب؟

أعتقد أن السؤال لا يحتمل أكثر من شقين من الإجابة، فنحن إما أننا نكتب لأنفسنا أو نكتب لغيرنا.

طبعًا لا يمكن أن أنفي الدوافع النفسية والفكرية والاجتماعية التي تدفع الكاتب إلى ممارسة هذا الفعل - دون التفكير في الآخر - فالكتابة عمل إبداعي مميز يتحرر من خلاله المبدع من كل القيود ليصير كائنا حرًا متنقلاً حيث يريد، متجولاً عبر الأزمنة معبرًا عن مواقفه وآرائه بالشكل الذي اختاره، لكن وظيفة التواصل مهمة جدًا في تفسير دوافع هذا الفعل الأدبي. لا يمكن أن نكون مبدعين ومفكرين دون أن نكتب أو نساهم بطريقة معينة في مجال من مجالات الثقافة وفنونها المتعددة أو العلوم واختصاصاتها المختلفة، فذلك ضرب من ضروب الوهم كما لا يمكن أن نكون - نحن العرب - الأفضل في هذه المجالات فقط لأننا كنا يومًا ما كذلك.

جمال الدين الوسلاتي - تونس