«فيليب حتي» اجتهادات.. وتناقضات

«فيليب حتي» اجتهادات.. وتناقضات

تابعت في زاوية المفكرة الثقافية من مجلة العربي العدد (576) نوفمبر 2006، شوال 1427 هـ ما نشر تحت عنوان «فيليب حتي وتاريخ العرب» بقلم الأستاذ جهاد فاضل، وما ورد به من استعراض للسيرة الذاتية لفيليب حتي، واحتفال بلدته شملان بإزاحة الستار عن تمثال له، وما بذله من جهد في كتاباته عن العرب والمسلمين، وإظهار عمق محبته للحضارة العربية الإسلامية وإنصافه لها. وبدوري أود الإحاطة بأنه ليس من مجال لإنكار جهود فيليب حتي ودراساته وأبحاثه الإسلامية، ولكن من الإنصاف أيضًا أن نذكر أن العديد من التحليلات، التي أوردها فيليب حتي في العديد من مؤلفاته في حاجة إلى إعادة التأمل في محتواها وما وصلت إليه، فهناك الكثير والكثير من التساؤلات حول بعض آرائه وأفكاره حول السيرة النبوية والتاريخ الإسلامي، حتى إن هذه الآراء والتحليلات كانت محل اهتمام الجامعات سواء في المواد الدراسية المقررة في مواد الاستشراق والمستشرقين، أو كمادة دسمة تناولها بالدراسة العشرات من طلبة العلم في درجتي الماجستير والدكتوراه، ومنهم من أخرج كتبًا علمية حول ذلك. كذلك لم يغب منهج فيليب حتي عن المؤتمرات، التي عقدت في البلدان العربية والإسلامية بشأن الاستشراق والمستشرقين.

وليس هنا من مجال لتشريح شخصية فيليب حتي أو مهاجمته، ولكنها ملاحظات أود الإشارة إليها من واقع ما عهدناه في منبر مجلة العربي من حرية الكلمة وإبداء الرأي، كذلك من واقع ما يربط بيننا وبين المستشرقين من علاقات إيجابية تمثلت في المئات من المدارس الاستشراقية، التي ظهرت في أوربا، وذلك الكم الكبير الذي تخرج في هذه المدارس في عالمنا الإسلامي والعربي. ولعل من أهم ما يلاحظه المتتبع لكتابات فيليب حتي تناقض بعض من تحليلاته وآرائه في العديد من مؤلفاته التي تناول فيها بالدراسة أحد مواضيع السيرة النبوية والتاريخ الإسلامي، فعلى سبيل المثال لا الحصر، تعددت آراؤه وتناقضت حول اسم محمد صلى الله عليه وسلم. ففي كتابه: «صانعو التاريخ العربي»، يقول عن اسم محمد صلى الله عليه وسلم »ولا يرد هذا الاسم في التاريخ قبل مولد محمد، ويبدو أنه لقب فخر لا الاسم الحقيقي الذي سمّته به أمه عند مولده«، وفي مؤلف ثانٍ له بعنوان «تاريخ العرب» (مطول) يقول إن أمه قد دعته باسم قد يظل مجهولا، وفي مؤلف ثالث بعنوان «تاريخ لبنان» يقول «ففي سنة 570 م ولد في مكة طفل سمته أمه محمدًا»، وفي مؤلف رابع بعنوان «الإسلام منهج حياة» يقول «أما الاسم الذي يجب أن تكون والدة هذا الرجل قد سمته به فلسنا على بينة منه اليوم».

هذا ما يتعلق باسمه صلى الله عليه وسلم. كذلك لم تخل ملاحظات فيليب حتي عن رحلة هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة من تناقضاته. ففي كتابه «صانعو التاريخ العربي» يقول: «أما هو - أي محمد صلى الله عليه وسلم - فوصلها - أي يثرب - يرافقه أبو بكر وعلي»، وفي مؤلف آخر بعنوان «الإسلام منهج حياة» يقول: «ثم صحب الرسول أبا بكر وسارا إلى يثرب، أما علي ابن أبي طالب فبقي في مكة في بيت الرسول».

وبعد،فهل من الممكن أن يصدر مثل هذا التناقض من كاتب قضى شطرًا من حياته بين المصادر العربية، التي كانت بمنزلة الكنز الفريد يغترف منه وقت ما يشاء، ولا أعتقد أن هناك بأسًا في الاطلاع على بعض من مصادره التي منها: ألف ليلة وليلة، بالرغم من أن الكتاب عبارة عن مجموعة من القصص الشعبي، كذلك كتاب «الأغاني» لأبي الفرج الأصفهاني، وهو كتاب أدب لا تاريخ قال ابن الجوزي (ت 597 هـ) عن مؤلفه: «ومثله لا يوثق بروايته»، وهناك أيضًا كتاب «مختصر تاريخ الدول» لابن العبري (توفي 1286 م) بالرغم من أن أصول هذا الكتاب كتبت بالسريانية، ثم ترجم إلى العربية، ويؤخذ على ابن العبري تجسيم الجوانب السلبية من التاريخ الإسلامي، وإغفال الجوانب الإيجابية، وقس على ذلك الكثير من مصادر فيليب حتي، وهو في ذلك لا نجد له وصفًا أفضل من وصف الأستاذ أحمد فارس الشدياق للمستشرقين، وهو وصف بالغ الأهمية بقوله: «إن هؤلاء المستشرقين لم يأخذوا العلم عن شيوخه، وإنما تطفلوا عليه تطفلاً وتوثبوا فيه توثبا. ومن تخرج فيه بشيء، فإنما تخرج على القس، ثم أدخل رأسه في أضغاث أحلام أو أدخل أضغاث أحلام في رأسه، وتوهم أنه يعرف شيئًا وهو يجهله، وكل منهم إذا درس في إحدى لغات الشرق، أو ترجم شيئًا منها تراه يخبط فيها خبط عشواء، فما اشتبه عليه رقعه من عنده بما شاء».

د. غسان بن علي الرمال
مدير إدارة الدراسات والبحوث
برابطة العالم الإسلامي - مكة المكرمة