معضلة القلب في فيينا

معضلة القلب في فيينا

استضافت العاصمة النمساوية مؤتمرا عالميا في أمراض القلب حضره كاتب المقال ورصد بعضاً من فعالياته.

احتضنت مدينة فيينا الفاتنة مؤتمرا الجمعية الأوربية للقلب بين 22 و26 يوليو الماضي، ليعزف أطباء وجراحو القلب لمرضاهم أنغاما علاجية تنافس معزوفة الدانوب الأزرق ليوهان شتراوس وأغنية أسمهان عن ليالي الأنس في فيينا.

واحتل الجدل حول سبب بكتيري لجلطة الشرايين مكانة الصدارة في أعمال المؤتمر، حيث نال نحو 200 محاضرة من إجمالي نحو 2500 محاضرة غطت كل مجالات أمراض القلب وعلاجاتها وجراحاته وحتى الطرق المثلى لتمريض مرضاه.

وكانت الجمعية الأمريكية للقلب قد أعلنت في وقت سابق على المؤتمر اكتشاف أن عدوى ببكتريا ذات الرئة الجرثومية Chiamdia Pneumonia تسبق حدوث الانسداد الدهني، الذي يتصف به مرض القلب. وعثرت فرق بحثية على هذه البكتريا "هليكوباكتير بولاري"، التي تعرف الآن أنها سبب قرحة المعدة، وفيروس يعرف باسم "سيتوميجالوفبرس". وعندما عثر علماء بريطانيون العام الماضي على أجسام مضادة لبكتريا كلاميديا لدى بعض المرضى، اعتبروها دليلا على أن هؤلاء المرضى أكثر تعرضا للإصابة بنوبة قلبية ثانية، واستخدموا مضادات حيوية نجحت في التقليل من التعرض للإصابة.

ولم يحسم أمر هذا الاكتشاف بعد، حيث يرى الدكتور مايكل دافيدسون من جامعة جونز هوبكنز في بلتيمور الأمريكية، أن علاقة البكتريا بمرض القلب مازالت غامضة.

وفي رأي الدكتور محمد عيد فوزي استشاري أمراض القلب في مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث في الرياض، أن الالتهاب بسبب بكتيري ينتج عن الجلطة وليس العكس. وأهم شئ من وجهة نظره في مجال ضيق الشرايين الوقاية منه ومنع تطوره بتجنب العوامل المسببة له مثل التدخين، ارتفاع الكوليسترول، عدم ضبط ضغط الدم، مرض السكر، البدانة الشديدة، وعدم ممارسة الرياضة.

وحول العلاقة بين بكتريا كلاميديا والذبحة الصدرية غير المستقرة، استعرض الدكتور أ. فارفيري من قسم أمراض القلب والجهاز التنفسي في جامعة روما أمام المؤتمر، خطورة هذه الذبحة التي قد تؤدي إلى الاحتشاء العضلي القلبي الحاد. وتحدث هذه الحالة المرضية الحادة تجلطا موضعيا في صفائح التليف العصيدي Atherosclerotic Plaque التي تؤدي إلى ضيق الوعاء الدموي ثم إلى احتقان العضلة القلبية. وأشار إلى جهل العلماء بآلية هذه الظاهرة، التي تسبب الانعدام المفاجئ لاستقرار الصفائح.

وعرض الدكتور فارفيري "نظرية العدوى" التي ترى وجود جرثومة تتلف غشاء الشريان مسببة التجلط الموضعي أو تحت نشاط الالتهاب الوعائي. ومن بين هذه الجراثيم كلاميديا نيمونيا التي يبدو أنها ذات علاقة بمرض القلب. وتسبب هذه البكتيريا أمراض الرئة، التهاب القصبات، التهاب الجيب، وتعتبر السبب الشائع للعدوى بين الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 5 و15 عاما.

وتتوافر دلائل في مجال علم الأمصال تدل على ارتباط بين هذه البكتيريا ومرض احتقان القلب.

واستعرض الدكتور فارفيري دراسة فنلندية تشير إلى أن العدوى بكلاميديا نيمونيا حادة تعتبر عامل خطر ملحوظا للإصابة بأمراض القلب الشريانية.

ولم يفته عرض شكوك محيطة بهذه الدراسات تتمثل في أن ارتفاع نسبة الأجسام المضادة لدى مرضى الشريان التاجي مقارنة بغيرهم لا يعتبر كافيا للدلالة على علاقة بين عدوى كلاميديا وهذا المرض، وأنه لم تتوافر بعد دراسات واسعة على مرضى مختارين بأمراض مثل احتشاء عضلة القلب أو الذبحة الصدرية.

التهاب يمرض القلب

وحول دور العدوى أو الالتهاب في زيادة التعرض لأمراض القلب، قدم الدكتور ليران بهاجات من معهد وولفسون لأبحاث البيولوجيا الطبية في لندن، رأيا حول أن رد الفعل الوعائي الالتهابي يرفع من احتمال الإصابة القلبية نظرا لتأثيراته في زيادة تركيز التجلط في الدورة الدموية.

وحسب تصريح الدكتور بهاجات لم تتناول الدراسات في هذا المجال سوى الحيوانات ومتطوعين أصحاء، ويحتاج إثبات العلاقة بين الالتهاب والعدوى وأمراض القلب الى مزيد من الدراسات.

ولم تسيطر الشكوك على كل الأبحاث التي شهدها مؤتمر فيينا حول علاقة العدوى والالتهاب بأمراض القلب، إذ تعددت الدراسات التي تدعم هذه العلاقة، ومنها ما قدمه الدكتور ألاردفان ديرفال من المركز الطبي في جامعة أمستردام، إذ أوضحت دراسة له أن النشاط الالتهابي في عودة الإصابة القلبية يكون مصحوبا بالإصابة بمرض الشريان القلبي الحاد "غير المستقر".

ويرى الدكتور فان ديرفال أن الوقاية من الجلطة القلبية، التي تعتبر سببا مباشرا في احتشاء عضلة القلب والذبحة غير المستقرة، ممكن عن طريق الإقلال من الالتهاب في الإصابات القلبية، ليس فقط في حالة الصفائح القلبية الأولية، ولكن أيضا في حالة الإصابة من جديد.

وخلص الدكتور فان ديرفال إلى أن محفزات الالتهاب لم تتضح تماما حتى الآن، وأن دور عوامل العدوى مثل كلاميديا يتعزز، لكن الدهون تشاركها في هذا المجال، التي تتحول في الصفائح إلى وسائط مثل البروتينات الدهنية المتأكسدة. وتم تدعيم هذه النتائج بملاحظة أن تجارب تخفيض الدهون لدى مجموعة كبيرة من المرضى يؤدي إلى تخفيض كبير في الإصابات الحادة بسرعة "من أسابيع إلى شهر" بعد علاجات تخفيض الدهون "بالأدوية أو الحمية". ويفسر هذا المفعول بانخفاض المحرض الالتهابي في الصفائح.

ولدى من يعانون من تكرار الإصابة يمكن للعلاج بهدف تخفيض الالتهاب في الصفائح أن يتيح لهم فوائد علاجية كثيرة "انخفاض في معدل الذبحة غير المستقرة واحتشاء عضلة القلب".

ولأن عودة الإصابة بأمراض القلب تعتبر شائعة، تمثل هذه النتائج حسب الدكتور فان ديرفال، أملا كبيرا لمرضى القلب.

 

 

محمد عزت عامر

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات




أمام مقر انعقاد المؤتمر في فيينا