أشكال.. وألوان من المسلسلات ولكن ما الهدف?

أشكال.. وألوان من المسلسلات ولكن ما الهدف?

لو نظرنا إلى واقع المسلسلات التلفزيونية والأعمال الدرامية المعروضة في شهر رمضان من كل عام، لوجدناها - في أكثر حالاتها - لا تخرج عن ثلاثة أصناف أو أشكال.

تتوزع هذه المسلسلات على النحو الآتي:

أولاً: المسلسلات التاريخية: وهي أعمال درامية فنيه، تستقي مادتها ومواضيعها من التاريخ وما وقع فيه من أحداث ووقائع، كان لها كبير الأثر والأهمية، مما دفع منتجي الدراما، في وقتنا الحاضر، للسعي حثيثا من أجل تجسيدها في أعمال فنيه درامية، ومن ثم عرضها على شاشات التلفزة كما حصلت ووقعت في تلك الأزمان.

وهذه المسلسلات التاريخية إضافة إلى أنها أعمال درامية ذات مستوى عال من القيمة الفنية، وخاصة مصداقيتها في تناول الموضوع التاريخي وأسلوب طرحه، وعلى الرغم من التكاليف الباهظة في الإنتاج والتنفيذ، فهي أيضا عبارة عن وثائق وسجلات تكرس وتوثق لتلك الأحداث والوقائع التي جرت في الحقب التاريخية البائدة. ومما يشير إلى مصداقيتها وقدرتها على الإقناع لنا، أننا نشعر ونحن نشاهدها عبر شاشة التلفاز وكأنها تصوير حي ونقل مباشر لتلك الأحداث والوقائع، حيث يبعث - هذا الشعور - في نفوسنا جرعة كبيرة من التأثر والانفعال بها، تفوق أضعافا كثيرة جدًا مما لو كنا نقرأها في كتاب أو نطالعها في مرجع يتحدث عنها بأسلوب السرد والرواية فقط، ولذا فهي تترسخ في أذهاننا ونحفظها في مخيلتنا - عبر هذا الأسلوب الدرامي / المرئي - بشكل أعظم دقة وأكثر قدرة من الأسلوب الكتابي/ القرائي.

والمتتبع لمثل هذه المسلسلات، سوف يلاحظ بشكل واضح وجلي، أنها جاءت على نوعين من حيث تناولها للموضوع التاريخي. فالنوع الأول يركز على شخصيات تاريخية محدده، تدخل في باب السير الغيرية، كسيرة الملوك والعظماء والقادة، أو إلى ما هنالك من شخصيات أخرى، كانت في سيرتها محور الأحداث ومركزها الأساس، لما لها من دور بارز وأثر فاعل في تلك الأحداث ووقوعها آنئذ، وسواء كانت هذه الشخصيات إيجابية ذات فائدة لمجتمعاتها وواقعها، أم كانت سلبية تجر المصائب والويلات على أهل زمانها وعصرها، فهي تبقى في النهاية، شخصيات مؤثرة في مجتمعاتها فاعلة فيها، ومن هذه المسلسلات على سبيل القصر لا الحصر: المتنبي، صلاح الدين، هولاكو، الزير سالم، عمر الخيام، الظاهر بيبرس، صقر قريش (عبدالرحمن الداخل)، الحجاج، امرؤ القيس، أبناء الرشيد، خالد بن الوليد.....الخ.

أما فيما يخص النوع الآخر من المسلسلات التاريخية، فهي تلك التي تركز على الأحداث والوقائع التاريخية، بعيدًا عن ذكر شخصيات محدده بعينها، تكون هي بؤرة التركيز أو صاحبة البطولة المطلقة في المسلسل كما في السير الغيرية، وذلك طبعًا لأهمية هذه الأحداث وقيمتها البالغة على جميع المستويات والصعد الحياتية في ذلك الوقت، سياسية كانت، أم اجتماعية، أم اقتصادية.... الخ، ومن هذه المسلسلات على سبيل المثال:- ربيع قرطبة، ملوك الطوائف، آخر الفرسان، الصعود إلى القمة، الشوكة السوداء، ذي قار، الموت القادم من الشرق، زمان الوصل.

وهناك - أيضا - بعض المسلسلات التي لا تفصلنا عن زمن أحداثها سوى بضعة عقود من الزمن، وتحديدًا وقعت أحداثها في القرن التاسع عشر وصاعدًا، ندخلها في إطار المسلسلات التاريخية - إن جاز لنا ذلك - وهي من مثل: أيام شامية، الخوالي، فارس بلا جواد، الشتات، ليالي الصالحية، محمد متولي الشعراوي، أم كلثوم، التغريبة الفلسطينية، نزار قباني، قاسم أمين، عائد إلى حيفا، العندليب، باب الحارة....إلخ.

ثانيًا: المسلسلات الحديثة الجادة التي يغلب عليها الطابع المأساوي، فهي مسلسلات بدأ الاهتمام بها وبعرضها على شاشات التلفزة، الفضائية والأرضية، أكثر من المسلسلات التاريخية، وذلك لكثرة إنتاج مثل هذه المسلسلات، بسبب الإقبال الكبير على مشاهدتها من الناس عامة، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فهي مرتبطة بسابقتها، في أنها تلتقط أحداث الحاضر ووقائعه لتصبح مادة عرضها وأساس مضمونها، ففي الوقت الذي وضح لنا أن المسلسلات التاريخية تعتمد في عروضها ومضامينها على أحداث وقعت في أزمان غابرة، تفصلنا عنها حقب زمنية متفاوتة في الطول ومتباعدة في الفترات، فإن المسلسلات الحديثة تعتمد في بنيتها المضمونية وقالبها الشكلي على أحداث الحاضر ووقائعه، وذلك بعرض كثير من القضايا التي نعايشها ونتعاطى معها كل لحظة وحين، كالعلاقات الاجتماعية وتفاعلاتها في كل مناحي المجتمع والحياة، والقضايا السياسية بتشعباتها، وخاصة مسألة الإرهاب والدوافع التي تكمن وراء انتشاره ونموه، ثم الشئون الاقتصادية وأحوالها وانعكاساتها على الفرد والمجتمع على حد سواء، ومن هذه المسلسلات: قتل الربيع، غصات الحنين، زمن الأوغاد، الطريق الوعر، ذكريات الزمن القادم، الحور العين، دعاة على أبواب جهنم، صاحبة الامتياز، سكة الهلالي، جمرة غضى، رجال تحت الطربوش، الوزير وسعادة حرمه، أسياد المال، حدائق الشيطان، الهشيم، أحلام لا تنام، الرحى، عايش في غيبوبة، أعيدوا صباحي، الفرية، نجمة الخليج، ، دنيا القوي، غزلان في غابة الذئاب، غلطة عمر، الاختيار الصعب...الخ.

ثالثًا: المسلسلات الحديثة ذات الطابع الملهاوي، حيث تطرح هذه المسلسلات مضامينها وأفكارها في قالب كوميدي يبعث على الضحك، حتى لتصل في أسلوبها وتناولها للفكرة حد السخرية والتهكم، وفي أحايين أخرى تمزج ما بين الكوميدي والتراجيدي (التراجيكمك) في الوقت نفسه، ليتشكل من مزجها لون فني آخر، يختلط به الضاحك بالباكي وتتماهى فيه البسمة مع الدمعة في كيفية التناول للموضوع المراد إنتاجه وطرحه لجمهور المشاهدين، والذي لا يخرج هذا الموضوع إلا من خزانة المجتمع وجعبته الملأى بالقضايا الحياتية بأنواعها وأشكالها المتعددة: اجتماعية أو سياسية أو اقتصادية...الخ.

وشيء آخر لا بد من قوله، أن هذه المسلسلات الكوميدية الطابع، لا تختلف عن مثيلاتها من المسلسلات التي ذكرناها في الصنف الثاني من الفقرة السابقة، إلا من حيث إنها (المسلسلات الكوميدية) تصب مواضيعها وتضعها في وعاء كوميدي ضاحك، يشكل ركنا مهما من أركان إنتاجها وصناعاتها. وبهذا يصبح عنصر الإضحاك فيها أحد أهدافها ومقاصدها - ولا نقصد بالإضحاك هنا، ذلك الذي يكون مجانيًا ليس من ورائه طائل إلا الهزل والتهريج، وإنما الإضحاك الموجه والموصل في الوقت نفسه إلى هدف ما، يختبئ خلف هذا الإضحاك، والذي يسعى منتجو هذه المسلسلات إلى إيصاله إلى جمهور المشاهدين والمتلقين، ولعل مسلسلات من مثل: سلسلة مرايا لـ (ياسر العظمة)، غشمشم، بطل من هذا الزمان، بقعة ضوء، عالمكشوف، طاش ما طاش، قرقيعان، داوديات، عودة غوار، أبو الهنا، عيلة ست نجوم وأجزاؤها....الخ أكثر ما تمثل هذا النوع من المسلسلات التلفزيونية ذات الطابع الكوميدي المعروضة في شهر رمضان المبارك من كل عام.

أهداف المسلسلات ومقاصدها

كل عمل فني، مهما كان مضمونه المطروح لجمهور المتلقين أو فكرته، ومهما اختلفت أساليبه التعبيرية، أو تنوعت قوالبه الفنية، التي يجعلها الفنان / المنتج وعاء لهذا المضمون أو جسدًا لتلك الفكرة، لابد وأن يكون من وراء إنتاجه هدف يرمي إليه منتجه، أو رسالة معينة يروم إيصالها إلى جمهور المتلقين، مع الأخذ بعين الاعتبار اختلاف فئاتهم وشرائحهم الاجتماعية وعلى الرغم - أيضا - من تباين أذواقهم الفنية وتفاوت مستوياتهم الثقافية والمعرفية في كيفية النظر إلى هذا العمل أو ذاك. ولهذا - ومع كل ما ذكر - تبقى الهدفية والقصدية في هذه الأعمال الفنية محط توجهاتهم وأحد مقاصدهم. ولو اختلفت زاوية النظر والرؤية لأي منهم، كل بحسب ذوقه وثقافته أو إسقاطاته النفسية والشعورية على هذه الأعمال.

والمسلسلات التلفزيونية بأشكالها ومواضيعها المتعدده هي - بلا شك - نوع فني يطرح مادته من خلال فعل التجسيد الدرامي / التمثيلي، الذي ينهض على قيام مجموعة من المبدعين: فنانين ممثلين وحرفيين فنيين، إضافة إلى طواقم من العاملين التي تتنوع أدوارهم وتتعدد مهماتهم التكميلية في سبيل إنجاز هذا الفن / العمل على أكمل وجه، من إضاءة وديكور وموسيقى وماكياج وملابس... إلخ حتى بالتالي نصل - نحن كجمهور نتلقى هذا العمل - من خلال مشاهدتنا له وقد اكتمل فعل إنتاجه، إلى الهدف المزروع في مضمونه والقصد المبثوث في ثنايا موضوعه، لنخرج في النهاية، بانطباع ما عن هذا العمل الدرامي، المرهون في الوقت نفسه بدرجة اقتناعنا به ورضانا عنه، على مستوى الشكل والفكرة.

وبما أن هذه المضامين المطروحة في المسلسلات التلفزيونية المعروضة في الأعمال الدرامية مأخوذة من مجتمع ما أو مستقاة من واقعه، سواء كان هذا الواقع تاريخيًا ماضيًا، أم آنيًا حاضرًا، فإنها بالضرورة سوف تعكس هذا الواقع، أو على الأقل، لابد وأن تتطرق إلى بعض جوانبه المعيشية أو تتعرض لبعض قضاياه الحياتية المختلفة، تلك القضايا، التي يراها مبدعو الفنون ومنتجوها، وخاصة فنون الدراما، مثيرة للانتباه، وجديرة بالاهتمام، لما فيها من أمور، ومواقف حساسة تمس النفس الإنسانية وقضاياها المتعددة، سياسية كانت أم اجتماعية أم اقتصادية أم فكرية... الخ، مما يدفع هؤلاء المبدعين ومنتجي فنون الدراما إلى تجسيدها في أعمال فنية، تجيء على شكل مسلسلات وأعمال تلفزيونية، تبث وتعرض من خلال شاشة التلفاز وعبر محطاته الفضائية. كل هذا من أجل أن يطلع عليها المشاهد / المتلقي، فيرى من خلالها سلبيات المجتمع ومشاكله تتعرى أمامه وتنكشف بوضوح تام، فيعرف - عندئذ - الغث من السمين في واقعه ومجتمعه.

ولهذا - وبما أن الحال كذلك - فإنه من الطبيعي لأي مجتمع كان، أن يوجد في واقعه سلبيات عدة، تقود إلى إشكالات متنوعة، ومشاكل يكون لها تأثير سيئ وضار على بعض مرافقه الحياتية، التي ربما تصل إلى بنيته التحتية والفوقية أيضا. ولكن ما هو ليس من الطبيعي - بل يصبح مرضًا خطيرًا يسري في جسد المجتمع، أن تبقى هذه السلبيات على حالها، دون النظر إليها بعين التوجيه والإصلاح، مما يزيد من تدهور هذا المجتمع وسقوطه في مهاوي الجهل والتخلف المؤديين إلى تعطيله وشلله ثم موته.

ومن هنا فإن أهمية الفنون ورسالتها - وخاصة المسلسلات التلفزيونية والأعمال الدرامية، والتي هي جزء من هذه الفنون وأحد أنواعها، وذلك لأن هذه المسلسلات لها حضور بارز ولافت للنظر، متمثل في كثرة عددها وتنوع عروضها، خاصة في شهر رمضان من كل عام (أكثر من مائة وعشرين مسلسلاً وعملاً تلفزيونيًا في رمضان العام 1427هـ / 2006م ) فإن أهميتها تكمن في أنها يجب أن تكون ذات مهمة إصلاحية، تعرض السلبي بغية معالجته وتؤكد على الإيجابي بقصد تكريسه وترسيخه. وبهذا تكون بمنزلة درس يحمل في داخله العظة والعبرة على المستوى المعرفي، مطعمة بطابع فني جمالي يتسم بالمتعة والتسلية من خلال المواقف الكوميدية الضاحكة التي تغلف الفكرة وتلفها، حتى يسهل على المتلقي / المشاهد متابعتها للنهاية، (بالرغم من كثرة حلقاتها وطولها / 30 حلقة أو أكثر ولكل حلقة 60 دقيقة ) دون ملل أو كلل.

كلمة أخيرة

لا شك في أن فنون الدراما، وخاصة الدراما التلفزيونية المتعلقة بالمسلسلات، قد تصاعدت وانتشرت في كثير من أقطار الوطن العربي بشكل واضح جلي لا مراء فيه، والسبب في ذلك، ما قلناه آنفًا في بداية حديثنا، وتحديدًا في الأسطر الأولى من هذا المقال المتعلقة بالثورة في وسائل الإعلام والاتصال، التي اجتاحت العالم ودخلت كل مؤسسة وبيت، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، فإن عملية التنافس في الإنتاج لمثل هذه الأعمال التلفزيونية بين الأقطار العربية وبين كل مؤسسة فنية وأخرى في القطر الواحد، قد حضرت كسبب آخر لا يقل أهمية عن سابقه في تصاعد هذا الفن ونموه على صعيد الإنتاج والعرض، وسبب ثالث يتصل بالكثرة في أعداد الفنانين والمبدعين من كتاب نصوص ومؤلفين و كتّاب سيناريو ومخرجين وممثلين، وكذلك متخصصين في فنون الإضاءة والديكور والموسيقى والسينوغرافيا...إلخ، إضافة إلى تزايد عدد مؤسسات الإنتاج العامة منها والخاصة، اليوم أكثر من ذي قبل، كل هذا قد عزز من تصاعد هذا الفن أيضا ، وانتشاره على نطاق واسع جداً في الوطن العربي برمته.

يؤكد هذا القول - سالف الذكر - أننا من قبل، وتحديدًا منذ عقد من الزمن أو أكثر قليلاً، لم نكن نرى مثل هذا الكم الهائل من المسلسلات التلفزيونية والأعمال الدرامية، وإنما كنا نشاهد القليل منها مقارنة مع هذه الأيام. وهذه القلة في المسلسلات التلفزيونية سابقًا، نعزوها إلى عدم وجود الأسباب التي تحدثنا عنها في الفقرة السابقة في ذلك الوقت.

أما اليوم وفي ظل الأسباب سالفة الذكر، فإننا بتنا نشاهد كثيرًا من المسلسلات التي أصبح لها حضور بارز على مستوى الشكل والمضمون في كثير من الدول العربية مثل: سورية ودول الخليج وخاصة دولة الكويت وبعض دول المغرب العربي مثل تونس...إلخ.

والجدير بالذكر أنه على الرغم من كثرة إنتاج هذه المسلسلات فإن هذا لم يمنع من ظهور الكثير من هذه الأعمال في مستويات درامية عالية القيمة على مستوى فني وتقني. ولكن الشيء الذي لابد من قوله - أن كثرة هذه المسلسلات التلفزيونية، وتخصيص عرضها في شهر واحد (شهر رمضان) قد أحدث إرباكًا عند المشاهد يتمثل في عدم قدرته على متابعة هذا الكم الهائل من المسلسلات في هذه المساحة الزمنية القصيرة على أكمل وجه.

والسؤال الذي يفرض نفسه هنا، على عاتق من يقع هذا الإرباك؟

هل يقع على مؤسسات الإنتاج، أم يقع على محطات التلفزة والقنوات الفضائية، التي تقوم بعرض هذه المسلسلات جميعًا في فترة واحدة؟

تساؤل نطرحه على أهل الاختصاص والمعنيين بهذا الشأن، عسانا نلقى مجيبًا عنه.

 

سعيد سعادة 





من مسلسل «خالد بن الوليد»





مشهد من مسلسل درب الزلق