مرآة في المرآة

مرآة في المرآة

تنظر راما إلى أتول وتعتقد أن أتول لا ينظر إليها. تعتقد راما أن أتول لا ينظر إليها.. لا ينظر إليها.

لكن أتول ينظر إلى راما. عيناه مثبتتان عليها. هو يرى راما الجالسة أمامه تاركة (ساريها) يتهاوى على الأرضية المزخرفة.

راما تنظر إلى أتول، وتنظر إلى أتول، لكن أتول لا ينظر إلى راما. راما تعرف أن أتول لا ينظر إليها.

راما تفكر : إن الشعاع الأحمر الخافت يملأ عيني أتول ويجعلهما تبدوان كالبنفسج.

راما تفكر : عندما يضحك أتول فإن شفتيه تتمغطان مثل رباط مطاط، وعندما يتحدث فإن أسنانه تتبقع بلون شفتيه.

راما تفكر : أنا لا أنظر إلى أتول، أنا أنظر إلى أسنانه.

راما تفكر : هي قد تطيل النظر إلى أسنانه إن لم ينظر إليها. قد تطيل النظر إلى أسنانه.

لكن الأمر ليس بهذه الصورة.. إن أتول لا ينظر إليها. وأتول يعرف أن راما تعتقد أنه لا ينظر إليها.

في الحقيقة، أتول ينظر إلى راما، ينظر إلى راما، ينظر إلى راما، ينظر إلى راما.

مثبتاً عينيه، ينظر أتول إلى النقطة الصغيرة في بؤبؤ عين راما اليسرى.

يصاب أتول بالدهشة، إذا ثبت المرء عينيه ونظر إلى النقطة الصغيرة في بؤبؤ عين أي إنسان لا يعني بالضرورة النظر إلى ذلك الإنسان. إذن أية قوة على الأرض تجبرني على النظر إلى ذلك الإنسان؟

هناك مرآة كبيرة بالقرب من أتول وراما. هناك خزانة ملابس مصنوعة من خشب الصاج المصقول، ومنقوش عليها الزهور وأوراق الأشجار. هناك ملابس صوفية في خزانة الملابس، في طياتها الكثير من كرات «النفثالين».

أتول ينظر في المرآة التي على خزانة الملابس نفسها، والتي قوائمها غير مستوية، وتحمل علامة شركة بلجيكية في الزاوية العليا. في المرآة يظهر بوضوح انعكاس أتول وراما وهما ينظر كل منهما إلى الآخر.

فجأة تهتز صورتاهما وتتلاشيان.

ان اللذين ينظر كل منهما إلى الآخر هما : أتول وراما، وراما وأتول وصورتاهما في المرآة، الزوجان خارج المرآة، والزوجان داخل المرآة.

مع ذلك لا أحد يعرف أن كل واحد منهما لا ينظر إلى الآخر، لأن كلا منهما لا ينظر إلى الآخر، وهذا يعني أنه: لا أتول ولا راما، ولا راما ولا أتول، ولا راما -أتول، ولا السيد والسيدة أتول دوشي، ولا عائلة دوشي، ولا الزوجان دوشي، ولا أتول وزوجة أتول، ولا راما وزوج راما، ولا أتول جامنداس دوشي وزوجته، ولا السيدة وسيدته، ولا الزوج وزوجته، ولا والد نيكي ووالدته، ولا ابن جامنداس غليداس دوشي وكنته، ولا راما ابنة جيفاكار جيفانلال مها وصهرها، ولا ابن بارميلا جامنلال دوشي وكنتها ينظر أحدهما إلى قرينه.

أحدهما يشعر بأن الآخر لا ينظر إليه، بينما الآخر يواصل دهشته بأن النظر إلى النقطة الصغيرة في بؤبؤ العين اليسرى لأي إنسان لا يعني النظر إلى ذلك الإنسان، إذن أية قوة على الأرض؟ خلف خزانة الملابس جدار مطلي باللون الأصفر. الجدار يقودنا إلى باب نظيف ولامع. في الباب المقفول مقبض يلمع. إذا عدنا إلى الجدار فإنه سيقودنا إلى النوافذ المعلق بها ستائر خضراء غامقة كلون ريش الطاووس. من أعلى نرى نافذة مروحية مائلة ملونة مثل نوافذ كنيسة دنماركية، من خلالها تمد السماء والشمس عيونها الملونة لترى راما وأتول، أو راما وأتول، أو راما وأتول، أو لاما وأتور، أو ماتول، أو تومال، أو لوتوم، أو رامال، أو لامار، أو إيرا، أو لاتا، أو رالا، أو آمار، أو آمال، أو أتول، أو راما، وهما ينظران كل منهما إلى الآخر.

في يد راما اليمنى خاتم ألماس. في يد أتول اليسرى ساعة ذات سبعة عشر حجراً. يد راما تنظر إلى يد أتول. ساعة اليد في معصم أتول تنظر إلى خاتم الألماس، وانعكاساتهما التي تلمع بوضوح في الأرضية تنظر إليهما. والانعكاسات في المرآة تنظر إليهما. المرآة تنظر إليهما.

بالقرب من الأريكة المكسوة باللون البنفسجي، ثمة ثلاث وسائد ناعمة لها ألوان قوس قزح. الستائر الرصاصية المعلقة بالقرب من السرير المنفصل في حجرة النوم، تحركها النسمات خارجاً، تحتك بالجدار فتجلجل كل الأجراس النحاسية الصغيرة المعقودة بالستائر، والزهور المنسحقة فيها تفوح منها فجأة رائحة ذكية، وفي بريق الأجراس يطفو انعكاس أتول وراما وهما ينظران كل منهما إلى الآخر. انعكاسات لا حصر لها بدأت تتأرجح في الأجراس التي لا حصر لها.

ذات يوم أحد، أرسلا ابنتهما إلى عمتها وأقفلا الباب. تجاهلا الأريكة والسرير. جلست عائلة دوشي على الأرض بالقرب من المرآة. الشمس تنظر إليهما من خلال الزجاج الملون. انعكاسهما في المرآة. ظلالهما على الأرض. وجهاهما اللامعان في الأجراس النحاسية، كلها تنظر إلى الزوجين. أتول ينظر إلى راما، وراما تنظر إلى أتول، وراما تعتقد أن أتول لا ينظر إليها. أتول يعتقد أنه ينظر إلى راما، ينظر إلى راما، ينظر إلى راما.

من الأرضية المزخرفة، من أعماق الزجاج البلجيكي، من الأجراس المعدنية المتقوسة، من لمعان خشب الصاج، من البريق على الباب، من الوميض على مقبض الباب، من الزجاج على النافذة المروحية، من دقات ساعات اليد، تظهر صور كثيرة لراما وهي تنظر إلى الصور الكثيرة لأتول. كلهم ينظرون إلى النقط الصغيرة في بؤبؤ كل العيون التي لا حصر لها. صورة أتول تختبيء في بؤبؤ عين راما اليسرى، والعين اليمنى أيضاً. انعكاس صورتي أتول في عينيها ينظر إلى أتول. الانعكاس في عيني أتول ينظر إلى عيون كل تلك الانعكاسات وتعتريها الدهشة لكونها محاصرة بقطع من الزجاج في حجرة استقبال مليئة بالانعكاسات وموشومة بصورة أتول التي لا حصر لها، وانعكاسات صور راما التي لا حصر لها.

في صباح يوم من أيام الآحاد سوف تجلس عائلة دوشي على الأرض فجأة. المرآة في المرآة، في المرآة، في المرآة، في المرآة، في المرآة، في...

 

مادو راي