الكلب النبّاح

الكلب النبّاح

حينما أرسل أوكسفام توني غوتش إلى بوبو دايولاسو في بوركينا فاسو مديراً لأعماله في غرب إفريقيا، وجدت زوجته جيني منزلاً كانت قد تركته عائلة ألمانية لتوها. بدا المنزل ملائماً جداً لعائلة غوتش. سرّت جيني كثيراً، لكن ما إن دخلوا المنزل حتى عرفوا السبب الذي جعل العائلة الألمانية تهجره. كلب الجوار ينبح في كل ليلة.

ينبح طوال الليل. إن رأى نوراً في السماء يزمجر على الأشباح. ينبح إذا ما نظر إلى النجوم، ويعوي إذا ما لمح القمر. إن أرخى الليل سدوله وأصبح كالأرض نفسها، بدأ بالأنين وكأنه مخلوق يخاف عتمة الليل. وإن مرّ أحد في الطريق انتفض وبدأ بالنباح إيذاناً بانزعاجه. وما إن يطلع الفجر ويصمت الليل وتخلو الشوارع من المارة، حتى يبدأ بالأنين يشكو وحدته.

في كل ليلة تنهض جيني من رقادها. يئن توني، «أخشى أن أتزحزح، أخشى أن يسمعني الكلب اللعين وينبح بصوت عال». لم تقل جيني شيئاً، أصغت إلى صوت ابنتيها وهما نائمتان. إنما لم تسمع سوى النباح على مقربة من الباب.

الكلاب عادة ما تنبح ليلاً: واجه الغوتشيّون (نسبة إلى غوتش) هذه المشكلة في نيروبي وأديس أبابا. النباح هناك كان متقطعاً، اعتادوا سماعه. أما هذا الكلب البوركيني فقد كان أسوأ ما واجهوه على الإطلاق. وهما اليوم رزقا بطفلتين صغيرتين. والبنات يحتجن إلى نوم هادئ. لكن شيئاً كهذا يبدو بعيد المنال.

بحثت جيني عن النزلاء السابقين لهذا المنزل، فقد كانوا خبراء فنيين من نيوزيلاندا. قالت المرأة الألمانية وكأنها تواسي جيني: «هذا الكلب هو المشكلة الحقيقية».

أبلغت المرأة الألمانية جوني أنها في مناسبات عديدة استغاثت بجارتها الإفريقية المعلمة كما تستغيث بأية امرأة أخرى. قلت لها، «أرجوك، أوقفي نباح هذا الكلب! لا يمكن لأطفالي النوم»، لكنها لم تفعل شيئاً، وقد رحلنا بسبب هذا الكلب.

ولايزال الكلب ينبح.

الآن يتوجب على جيني وزوجها وأولادها الصبر على نباحه، وعوائه وصراخه، وأنينه طوال الليل.

فكرت جيني ملياً بالطريقة التي عالجت المرأة الألمانية بها المشكلة، لابد من سبب أخفقت في معالجته، استغاثت جيني بخادم عجوز (أخيل) ساعدها في دخولها المنزل.

قالت: يا أخيل، «أنت رجل حكيم يا أخيل، وليس لي حيلة في التعامل مع نباح الكلب. حكمتك لا بد أن تهديني سواء السبيل».

نصحها أخيل قائلاً «قدمي هدية إلى جارتك، فهي امرأة ذكية، ولابد أن تتساءل عن سبب مجيئك».

واستفهمت جيني قائلة: ما الهدية التي يمكن أن أقدمها؟

- «لعل شيئاً عندك هنا» أشار عليها أخيل « أنت مربية دجاج».

- سألت جيني «أأقدم لها بيضاً?».

- «تماماً، وأنصحك يا سيدتي أن تقولي لها الكلمات التي سأبلغها إياها».

اختارت جيني أفضل ما عندها من بيض الدجاج الذي تربيه هي وزوجها، ووضعته في سلة وقصدت جارتها.

استقبلت المعلمة البوركينية جيني مبتهجة، وقدمت جيني لها البيض، وأبلغت جارتها الكلمات نفسها التي نصحها أخيل بقولها.

- « قلبي عليك دائماً، أيوجد عندك مشكلة تعانيها في منزلك؟ نسمع نباح الكلب طوال الليل، هل من مساعدة أقدمها إليك?».

ابتسمت جارتها وأخذت منها البيض، وشكرتها لزيارتها، وأبلغتها بأن لا شيء يعكر صفوها في منزلها.

حينما رجعت جيني من الزيارة، سألها أخيل: «زيارتك كانت ناجحة، أليس كذلك ياسيدتي؟».

أكدت له أن زيارتها كانت ناجحة.

ـ حسناً.

وهكذا كان ما كان. واستمرت العلاقة ودية بين العائلتين المتجاورتين، فقد شاهدت جيني وزوجها الكلب يهز بذيله، ولم يعد ينبح في النهار إلا نادراً، أما في الليل فلم يسمع صوته مطلقاً.

 

فريدرك هانتر