ثريا العريض ومحمد طلبي

ثريا العريض ومحمد طلبي

  • الشعر جزء من تكويني ينقذني حين ينهمر الجفاف
  • ولدت بصوت يمتلك القدرة على التعبير وإسماع الآخرين مشاعره
  • الدخول إلى الكتابة بمنزلة الركض في امتدادات فيلم سينمائي
  • حواء كانت أول شاعرة في التاريخ وأول الفلاسفة كان آدم
  • أنا امرأة وأنثى تحمل طاقات الإبداع والإنتاج والإضافة

د. ثريا العريض صوت جريء صادح انطلق منذ سنين من خيمة شاعر البحرين الكبير إبراهيم العريض. ولأن الشعر لدى ثريا العريض هو وجع وقضية وجود فهي لذلك لا تحدق في فراغ عندما تكتب نفسها بعداً أسطورياً عربياً ذا نفس يملؤها إحساس بالغبطة.

علا صوت هذه الشاعرة في المنطقة في الوقت الذي لا تزال فيه أصوات كثيرة خافتة برغم أن المشهد الأنثوي في الجزيرة قد تغير كثيرا، وثمة نساء يتربعن على منصات القيادة في كل مكان.

وأنت تقرأ ثريا العريض أو تحضر أمسياتها تحس بأن الشعر لديها قضية مهمة في مواجهة الوجع العربي الذي ما فتئ يمسح همومه فينا.

ولأن عالم الإبداع العربي لا يزال برغم كل شيء عالماً مختل الميزان لصالح الرجل، فإن ثريا لا تعتبر ذلك آفة من آفات التخلف تشعرها بالغبن والقهر، وهي لا تمانع في تقبل ما يصفه البعض بالتصنيف الاختزالي "أدب المرأة" وترى في ذلك نوعاً من التميز الذي يجب الاعتزاز به في الوقت الذي تصر فيه معظم المبدعات على رفضه في مواجهة الإرهاب النقدي الذكوري الذي ابتدعه.

بأي مفتاح يمكن الدخول إلى عالم شاعرة بحجم ثريا العريض لا تتوقف عن رسم الخرائط الجميلة لحقول الشعر وحقول النفط، فالحديث معها مليء بتفجرات إبداعية تتسلل تفاصيلها الحميمة بانسيابية عجيبة.

وقد حاورها الكاتب الجزائري محمد حسين طلبي الذي يعمل مسئولا عن تعريب البرامج العلمية والتكنولوجية في المعهد الوطني للتكوين المهني، وله مؤلفات علمية عديدة بالإضافة إلى اهتماماته الأدبية والصحفية.

  • ثريا العريض خبيرة التخطيط في ميدان النفط، تعيش بين حقوله، تنتجه وتبيعه، وتكتب النص العميق الأنيق عن هموم الوطن والمرأة، فمن هي؟

- امرأة تركض يوميا بين الأرقام والحروف بحثا عني معنى أفضل لوطن اليوم وطريق أخصب لوطن الغد، وتظل تحس بأن ما دام لا يناديها الوطن فهي حقا.. بلا اسم.

  • شاعرة، رسامة، وإدارية مرموقة في واحدة من أكبر شركات النفط في العالم، أليس صعبا أن تلبسي كل هذه الهموم مجتمعة؟ وهذه القدرة على المزج بين العمل العام الذي يكون العطاء فيه عادة للخارج، والعمل الإبداعي الذي يحتاج إلى نوع من الانغلاق على الذات، على حساب ماذا جاءت؟

- أرامكو هي فعلا أكبر شركات إنتاج النفط والغاز في العالم، وهو مجال يبقيني في مشارف المستقبل حيث العلم والاقتصاد والطاقة والتقنية ومستقبل العولمة التامة. وقد كانت العلوم الرياضية بالذات مادتي المفضلة أثناء الدراسة. ووالدي يرى الرياضيات والشعر طريقين للتعبير عن نفس الحقائق ككل بلغتها الخاصة، الأرقام والكلمات.

تعلمت ممارسة الركض بين الأرقام والحروف دون أن أفقد إحساسي بأي منهما، أصغي لما تقولانه وأرسم صورة الحقيقة كما تبيناها معا.

وعملي يتيح لي السباحة العميقة في كل منهما، وكذلك هوايتي في الكتابة اليومية.

أما ما ذكرته من الهموم فإنني أراها فرصة التفاعل مع الحياة بكل وجوهها وبكل جوانب كياني إنسانة تعيش عالما متواصل الوشائج، وباحثة متخصصة ومواطنة عربية عاشقة لوطنها ومثقفة تؤمن بأن الفعل وتغيير الواقع من مسئولياتها الجوهرية، وشاعرة تجد في الشعر ذاتها الأخرى التي تتجسد لغة أو تختفي في لجج اللا شعور، وأيضا أما لا تتملص من مسئولية أمومتها، ومادمت لا أراها هموما بل نعمة من الله، فإنني أستمتع بها.

كل هذا يأتي فعلا على حساب العمل الإبداعي طبعا، ومع هذا فأنا غزيرة الإنتاج مقارنة بغيري.

وربما يأتي بصورة تمزج السلبي بالإيجابي على حساب حياتي الاجتماعية حيث وجدتني مع ممارسة تهميش الحياة الاجتماعية في حياتي، أضحيت أستمتع بكل لحظة أقضيها مع الذات، أو مع الآخر المتلقي المعلوم والمجهول الذي أكتب له، وقرائي يتواصلون معي بصورة مشبعة وجميلة عبر الهاتف والبريد وحتى الفضائيات.

أيديولوجية النص

  • في هذا العصر، عصر انهيار الأيديولوجيات في أي موقع ترين أيديولولجيا الشعر، أو أيديولوجيا النص الجديد الخالي من الثرثرة؟

- بالنسبة لي كان الشعر ومازال هو عصر الصدق وقد يقال الصدق في كلمتين وقد يحتاج إلى مجلدات. بعض قصائدي ملحمية الطول، وبعضها يأتي في مقطع أو مقطعين.

كل قصيدة تعبر عن إحساسي الحقيق إلى درجة البكاء وأنا أكتب، والبكاء وأنا أستعيد الانفعال بالقصيدة حين ألقيها، هذه من أكبر المعضلات عندي. أختنق بالكلمات ويحتبس صوتي في الدموغ.

وأنت بالتأكيد لا تقصد "الثرثرة" بمعنى الاسترسال في الكلام بل "السفسطة"، بمعنى الكلام الخالي من المعنى مثل المحار الفارغ من اللؤلؤ؟ ولدينا آلاف القصائد التي لا تقول شيئا بغض النظر عن طولها أو قصرها مثل كومات المحار الجاف على سواحل الخليج، لا يهم حجمها ما دامت فارغة.

بغض النظر عن التيار السائد الذي يمجد القصيدة الومضة، ليست كل ومضة تحمل إضاءة فكرية أو تثير تأملا أو عاطفة.

ولا نستطيع أن نتهم شعرا حقيقيا بالثرثرة ونؤكد أن التكثيف أبلغ من الاسترسال، ولا أعني بذلك الإسهاب والتكرار، إلا إذا استطعنا أن نقول إن عمق الإحساس بالحزن يمكن أن تمثله دمعة صغيرة مثلما تمثله تلك الرغبة المستفيضة بالعويل من داخل القلب، أو أن ابتسامة صغيرة تحمل نفس عمق الشعور بالسعادة الذي يفيض برغبة التقافز رقصا أو إطلاق عقيرتك بالغناء.

هو بالتأكيد ليس عصر الخطابية ولكننا أحيانا لشدة احتراقنا نصرخ لا لننبه الآخرين إلى آلامنا فقط، بل أيضا لننبههم إلى المستقبل الذي سيداهمنا جميعا وهم لا يدركون.

الشعر والمستقبل

  • والشعر كرؤيا خلاص مستقبلي، هل هو موقف كذلك؟ ومتى تتشبث ثريا العريض بجمرة هذا الشعر ومتى تأخذ استراحة المحارب؟.

- الشعر هو قدري، لم أطلبه ولم أسع إليه ووجدته دون خيار جزءا من تكويني، ومازالت القصيدة تداهمني متى شاءت وأحتفي بها احتفاء من تلاقي حبيبا دون موعد مسبق.

ومازال الشعر معي يتنامى وجودي بوجوده، منذ الطفولة حتى الآن، ولا أظنه سيتوقف إلا إذا توقف قلبي عن النبض أو ذهني عن التفكير.

الشعر ليس جمرة أتشبث بها، بل هو كالمطر ينقذني حين ينهمر بمشيئته من جفاف العالم الخارجي واحتراق الداخلي.

هل هو خلاص مستقبلي؟ ربما.

هو رؤية أمل طفولي لا تفقد الإيمان بالمستقبل.

ربما هو انتظار لمخلص لا يأتي ولكننا وعدنا أنفسنا بمجيئه، ونتعلق باحتمال مجيئه لكي لا نسقط فى هوة اليأس مستسلمين.

هل آخذ استراحة محارب؟

أحيانا، ولكن ليس بوعي قاصد، دائما أحمل قلما وورقا، فالشعر يأتي بمشيئته لا بمشيئتي.

  • جرأة الخوض في الذات والممنوع والخروج عن الجاهز، هل تعتقدين أن المبدعة الخليجية ستعبر جسر هذه الأمور بأمان وتلحق بأخواتها العربيات اللائي علا صوتهن منذ زمن بعيد؟

- هذه أهم أولوياتها، بل هي إثبات وجودها كمبدعة، على ألا تفعل ذلك بقصد مسبق لاستقطاب أضواء الشهرة أو دعم من جهات مشبوهة أو مغرضة تطالبها بالصراخ وإعلان القطيعة والانتماء إلى الغير.

المبدعة الحقيقية لا ترى نفسها مكممة، أو منفية خارج بر الأمان، لأن دافع الكتابة والإبداع عندها ذاتي، أي هي بالدرجة الأولى تكتب لنفسها وليس للنشر والانتشار والبروز، وإذا لم يكن المتلقي مستعدا لتقبل ما تكتب فستظل تكتب ولا تطلعه عليه. ولو وجدت نفسها وحيدة في جزيرة نائية فستظل تبدع لأنها مبدعة بالسليقة، الأهم والأشد جوهرية بالنسبة لها هو أن تعبر وترتاح من فيض المشاعر، لا أن يصفق لها السامعون والقارئون، أو يصنفوها ضمن فئة النخبة.

أقول هذا من تجربتي الذاتية، لم أنشر شعري- وليس فيه ما يرفضه المتلقي- لأنني كنت أراها تجربة ذاتية بيني وبين نفسي.

ولدت بصوت قادر على التعبير عن "رؤيتي الخاصة، وإن لم أعبأ بكم هو عال وهل هناك من يستمع إليه، ومادمت أسمعه فأنا بخير، وليس لدي مشكلة في سماع صوت الذات أو إسماعه لأحد، لا أفكر في الممنوع، بل أعبر عن كل ما أحس بلهجة التعبير عن الشعور لا عن الشكوى والتظلم، لا أنتظر من أحد أن يفتح لي الباب بل أعرف أن قدرة فتحه ووجهة خطواتي هي مسئوليتي بالدرجة الأولى.

لا أفتعل مسيرة صاخبة وأستعين بطبول ذات صدى لكي يلهج الآخرون إعجابا، ولا أتوقف لأنهم ينزعجون ويشجبون ويغضبون.

وأنا لا أشعر بأنني منفية، باختياري أو غصبا عني، خارج جماعتي، محليا وعربيا وإنسانيا، أحبهم وأحترم انتمائي إليهم حتى لو اختلفت مواقفنا، وأحدس أنهم يحبونني أو على الأقل يحترمونني لأنني صادقة معهم ومع نفسي.

عطاء المرأة

  • هل الثقافة العربية ثقافة مضادة للمرأة؟ ومتى يمكن اعتبار المبدعة والمباع في هذا الوطن فريقين يجمعهما هم واحد، يتعطران بالمداد والزعفران معاً؟

- في رأي أن النص- الإبداعي والنقدي على السواء- يجب ألا ينظر إليه من خارج جنس المبدع أو الناقد، وأن معرفة جنس المبدع تأتي كمعلومة تفيد فقط في تفهم صدق النص وعمق تعبيره عن خصوصية تجربة المبدع، يجب ألا ننظر إلى هذه الخصوصية بانتهازية تسوغ التفاعل مع الجنس المماثل أو الآخر بقصد التضخيم أو الاحتماء أو التقزيم والتحطيم أو حتى الاستفادة المتبادلة عبر علاقات شخصية. ومع هذا فالوضع في الساحة عامة مع الأسف ليس مثاليا.

المرأة غالبا مازالت تفتقد الثقة بنفسها إلى درجة الإيمان بأنها لا تستطيع الوقوف دون أن يسندها جدار ما له ظل، ظل رجل، أو ظل مجتمع، وقد تتمرد على هذا فتظل تطلب ظل ناقدة تتحيز لها.

أحيانا مبدعاتنا ورائداتنا يخلطن بين مشاعر الطموح والنرجسية الذاتية، ومشاعر التظلم من تحيز المحيط ضد المرأة، من ذلك التظلم من الثقافة العربية، أو الثقافة الإسلامية.

الثقافة العربية ليست راهنا مضادة للمرأة، هي جزء من الثقافة العالمية ولذلك التصقت بمعطياتها في الماضي والحاضر مع بعض التفاصيل الذاتية الخاصة النابعة من القيم القبلية وأسلوب البداوة المهددة بالغزو والتخوف منه.

المرأة كانت دائما موقع ضعف في حياة المجتمع المنظم فهي تحمل بأنوثتها ذلك الإغراء الفطري الذي لا يستطيع الرجل مقاومته، ومتى اجتمعت الجاذبية الفطرية ببلاغة الصوت المقنع لا يمكن التنبؤ بما قد يتجاوزه من تعليمات القبيلة أو يرتكبه في حقها، والمرأة متهمة، بمنطق ذكوري ظالم، بأنها هي التي تدفع الرجل إلى الخطأ، هكذا يرى المجتمع المرأة منذ بدء التكوين محملة بخطيئة الرجل والمرأة، وهي المدانة دائما، ولذلك كان ذلك التخوف من صوت المرأة حالة قائمة.

اليوم بعد قرون من محاولات تطوير النظرة الجاهلية إلى المرأة بداية بالتعليمات الإسلامية وانتهاء بالتنوير المتواصل مع الثقافة العالمية، بعض المجتمع اعترف بقدرات المرأة الإيجابية، بل "هناك من قد يتطرف إلى حد التخوف من هذه القدرات، فيراها منافسة للرجل ويقاوم اقتطاعها بعض الفرص التي ظل يحتكرها لنفسه وبمباركة المجتمع كله.

لماذا الغضب؟

  • إذن متى يمكن التخلص من مصطلح ثقيل كمصطلح أدب المرأة، والذي اعتبره بعضهم تسمية جاءت من خارج الأدب؟

- تعرف حتى هذه اللحظة لم أكن أفهم لماذا كل هذا الغضب من الأديبات على مصطلح أدب المرأة. ربما أنت أول من وضحت لي أنه يرتبط من حبل السرة برحمها، وأنه من قلة الأدب المتشبه بالأدب، بالضبط مثل التعبير (أعزك الله) المتظاهر بالأدب مرتبطا بالإشارة إلى المرأة في الحديث بين رجلين.

قل لي أنت: هل سيتوقف الرجل- وليس في مجتمعنا العربي فقط- عن رؤية المرأة مجرد أنثى، مدفئة للفراش، أو طيفا له مفعول الفياجرا، أو حقلا لتجربة نجاح الحبات الزرقاء؟ لا أظن.

حتى الأدباء وكبار السياسيين، وصناع الرأي يظلون يرون المرأة جسدا دافئا، أهميتها الأولى تأتي من توقد شبابها وجمالها.

ما الذي يهمهم من إبداعها أو تميزها أو قدراتها القيادية؟ كل هذا يجعلها غير مرغوب فيها كالشوكة في دور التابعة الذي يؤثره للمرأة في حياته، فهي هنا احتمالات مركزة للتمرد.

لا يهمني أبدا أن يسمى أدبي أدب امرأة، ولا يضيرني ذلك، ولا أصر عليه، القضية كلها هامشية لدي لأنني لا أرى المرأة تنتج أدبا بجسدها وتفاعلاته وتميزاته في إطار الجنس، بل بصفاء مشاعرها وقدرتها على ملامسة أحاسيسها وتميز أسلوب تعبيرها عنها. وفي هذا لا تختلف المبدعة عن المبدع جنسيا بل فرديا. ولكنها تختلف في تلقيها ذاتيا لمؤثرات محيطها وفي زاوية خاصة بها ضمن زواياه المتعددة.

أنا امرأة وأنثى وأحمل طاقات الإبداع والإنتاج والإضافة، لا أنكر أن أدبي أدب امرأة، لأنني فعلا امرأة، وأعتز بذلك.

تصنيف المثقفين

  • كيف هي علاقتك بالرجل في حياتك الحقيقية؟ خارج إطار الوقوف في شرفة الكلمة أو رسم المثاليات التي يحلم بها المثقفون؟.

المثقفون تصنيف لم نتفق بعد على معناه وكل أبعاده. وفيما يتعلق بعلاقة الرجل بالمرأة هناك أبعاد أخرى تظل ضمن المجهول أو المعلوم المسكوت عنه.

معظم من عرفت من الرجال "المثقفين وغير المثقفين كانوا إيجابيين حيال المرأة، فتقاليدنا عربيا وتعاليمنا إسلاميا تطالب بمعاملة المرأة بالحسنى وحتى حمايتها، الوحيدة التي تسقط في فجوة تجاهل هذه التعليمات تكون غالبا الطرف الأضعف في علاقة حميمة، علاقة عائلية أو علاقة عاطفية أو حتى علاقة عمل يأخذ الطرف الثاني فيها دور الانتهازي الأناني.

ربما قلة من الذين تعاملت معهم شذوا عن هذه القاعدة الذهبية، ولكني أحتفظ بعنان المواقف في يدي، وأملك قدرة تحويل السلبي منها إلى إيجابي.

ربما لأنني كنت حظيظة منذ البدء إذ ولدت لأب مبدع ومثقف وريادي التفكير، احترم قدرات المرأة بكل أوجهها وآمن بقدراتها وهي في ذهنها لا تقل في رأيه عن أخيها ولذلك فتح لي ولشقيقاتي كل أبواب التعليم والثقافة وترك لنا حرية طرق أي باب متاح لتحقيق ذواتنا وقدراتنا، عدا الأبواب التي تدمر الذات- وفوق ذلك ورثت عنه عشق اللغة وموهبة الشعر ولذلك يراني استعادة لذاته في طفولته وشبابه. ومثله أحترم التفوق الفردي دون تحيز.

الشعر.. تجربة محتدمة

  • قيل إن الشعر يرتبط بالرجل، والرواية تلح على المرأة، أين الحقيقة برأيك؟

- الشعر موهبة، يولد بها بعضنا، رجالا ونساء، والشعرية قد تأتي في الشعر وفي الرواية.

الروائيون كانوا دائما أقل من الشعراء، وقد يجتمع الشعر والرواية في الملحميات مثل الإلياذة والأوديسة في شعر دانتي وهوميروس مثلا.

المرأة قلما تقارع الرواية لأنها مثقلة بالواجبات العائلية الأسرية فلا تجد الوقت اللازم الكافي لكتابة الرواية، وهي لم تمارس تجربة الحياة الحرة خارج أسوار المنزل والأسرة إلا منذ وقت قريب في الحضارة الإنسانية، حتى في الغرب، لا تعرف عن الاقتصاد والحروب والكوارث إلا ما يهز جدران بيتها. وهي في انشغالها الدائم بالبيت والأسرة لا تجد الوقت المترف للتأمل في أحوال الدنيا وفلسفة تداعياتها.

تفجر الشعر يأتي تجربة محتدمة وسريعة، حتى لو اختمر الإحساس بها طويلا، لا تتطلب تحضيرا مسبقا ولا تجميع معلومات، مجرد تفجر وجداني يعبر عن أحاسيس ذاتية، ولذلك بغض النظر عن المصطلحات، لا أشك في أن أول شاعرة كانت أمنا حواء، وأول فيلسوف كان أبونا آدم الذي تساءل عن مغزى خلق الوجود بخيره وشره، وأول روائي كان ابنهما قابيل الذي سجل أحداث الغيرة الأخوية والتفضيل الأبوي، بينه وبين أخيه هابيل.

  • يتحرك الكثير من الشعراء عادة في متاهات؟ أساطير قد تكون معروفة أو غير معروفة لدى الناس. من موقعك في قلب الجزيرة العربية، أي أسطورة تحركك إذا وجدت؟

- كل الأساطير التي اطلعت عليها تبقى في مخزوني المعرفي والوجداني، وتحركني، خاصة تلك التي تؤطر المرأة أو الكائن القيادي المبتلى بأوضاع اللاخيار.

تراثيات تاريخنا الخليجي والعربي والعالمي مليئة بمواقف مثيرة، عشتار أو الزهرة رمز الجمال والخصب والعظمة الأنثوية تعود بي إلى حضارة ديلمن التي تتجذر فيها المنطقة الشرقية من الخليج بين البحرين والإحساء، وهي تصبح عندي رمز الخصب الإبداعي الذي يظل خالدا في الزمن.

زرقاء اليمامة، العربية التي اصطفيت ببعد النظر وهي تدعم سلامة قومها بهذا النظر، ولكنها حين ترى ما لا يستطيعون تصديقه أو فهمه منطقيا يعودون إلى السخرية من أنثويتها، ويدفعون الثمن غاليا.

العرافة تأتي دائما في أشعاري أتقمص دورها الرائية التي لا يصدق رؤيتها الآخرون والنتيجة وبال عليها وعلى الآخرين.

ليلى التي لا يتذكرها الناس إلا كحبيبة للمجنون، ليلى الصامتة التي لا تعبر عن حبها ولا رغباتها وتستسلم لقيم الأسرة والقبيلة.

سالومي الضائعة بين طموحات أمها هيروديا وضعف زوج أمها هيرود.

ميدوزا التي تأخذ أنوثتها صيغة تهديد، عيناها تحيلان الناظر إليها حجرا، وشعرها حيات وأفاع تتلوى.

سافو الشاعرة التي حين ركزت على خصوصيات الأنثى اتهمت بالشذوذ.

سيرانة، حورية البحر التي يشد صوتها البحارة العابرين، شهرزاد، أول رمز لاستخدام المرأة للغة كسلاح ضد الوأد، دنيا زاد الأخت الأصغر والوجه الآخر لشهرزاد، الأنثى التي لم يلتفت أحد إلى جوهرية موقعها إذ تحاورها شهرزاد لتتخذ قراراتها المصيرية. ابن ماجد، قاهر البحار الخليجي الذي يترك امرأته تنتظر على الشاطئ بينما يرسم خرائط البحار البعيدة وينطلق بسفنه مغامرا.

طارق بن زياد، القائد الذي افتتح عالم فردوس أرضي للعرب، لكي يفقده فيما بعد عبدالله بن الأحمر، ويبكي "كالنساء" بتعبير من؟ أمه شخصيا. هي ذاتها تعتبر البكاء والضعف للنساء فقط، حتى وهذا الرجل الذي يبكي هو ابنها.

امرؤ القيس، الذي يعلن "اليوم خمر.. وغدا أمر".

ابن فرناس، الذي يتحدى الأفق بأجنحة من شمع، فتذوب أحلامه الشمس.

ابن أبي ربيعة الذي يعشق نفسه ويخلد تفوقه في غزواته النسائية، ولكنه لا يرى نفسه جديرة بعشقه لها إلا من خلال عشق الغواني لها.

كلها رموز أسطورية تطفو في قصائدي.

أجمل النصوص

  • هل تحفظين قصائدك؟ وكيف تتخيلين أجمل نصوصك؟

- عجيب أن تسألني هذا السؤال لأن عدم حفظ قصائدي هو أكبر عقبة ألاقيها في أمسياتي الشعرية حيث الإلقاء يلعب عاملا مهما في التواصل مع السامع بحميمية أكثر. وإدراكا لهذه الحقيقة تجد بعض الشعراء يحول إلقاء الشعر إلى تمثيل مسرحي مدروس. بالنسبة لي ليس لدي الوقت لحفظ القصائد خاصة الطويلة منها ولكني أنغمس عفويا في مشاعري الأصلية التي أحسستها وقت ولادة القصيدة بكل تفجراتها حتى أكاد أفقد صوتي أو أغص بدموعي، مما يملؤني بالحرج. أحفظ بعض قصائدي الأقدم والأقصر.

أمام سؤالك أستعيد تجربة الكتابة وأحاسيسي عندها، هي تجربة الدخول إلى عالم مرئي محسوس مسموع بكل تفاصيله وظلال ألوانه وأصدائه، من وشوشة الأصداف ولمعتها إلى نبرة الصوت وبحته، إلى ملوحة الدموع ورنين الأجراس الفضية في ضحكات الطفولة، إلى التماع رمل الساحل أو الصحراء وهشاشته تحت قدمي، إلى حفيف الأمواج ونصاعة زبدها، إلى دمدمة الريح، إلى تسلل الضباب والتماع البرق وتدافع قطرات المطر، إلى نقوش أجنحة الفراشات الحريرية.

هي تجربة الدخول إلى عالم حلم أسطوري وواقعي وكأنه فيلم سينمائي أجري في امتداداته.

مرة قالت لي زميلة رسامة: حين أسمع شعرك أشعر بأنني أرسم لوحة. وأنا حين أسمع غناء فيروز أحس بأنني أكتب شعراً.

 



أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات




ثريا العريض





محمد طلبي





امرأة .. دون أسم





أين اتجاه الشجر..؟