المفكرة الثقافية

المفكرة الثقافية

القاهرة

نقلة لتحقيق التنوع الثقافي
إنشاء المركز القومي للترجمة في مصر

من المؤكد أن مصر حققت إنجازًا ثقافيًا ضخمًا سيعود أثره سريعًا على العالم العربي كله، عندما قام الرئيس المصري بإصدار القرار الجمهوري رقم 26 لسنة 2007 بشأن تشكيل مجلس أمناء المركز القومي للترجمة.

وأشار الدكتور جابر عصفور، الذى أسندت إليه مهمة إدارة هذا المركز، إلى أن هذا الكيان الثقافي يهدف إلى فتح نوافذ الارتقاء بأوضاع الترجمة من أجل الوصول إلى معدلات قريبة من العالمية في حدها الأدنى، موضحا كيف أن أقطارا مثل إسبانيا وإيطاليا وحتى (دولة الاحتلال الإسرائيلي) يترجم كل منها حوالى 20 ألف كتاب سنويا، وأضاف أنه إذا وصلنا في إنتاج المركز إلى معدل 1000 كتاب في العام بدلا منه فى عشر سنوات ستكون النتيجة باعثة على الأمل والتفاؤل بإمكان الوصول إلى الحد الأدنى من المعدلات العالمية.

وأضاف أن المركز يسعى إلى تنمية حركة الترجمة عن طريق تدريب المترجمين وتطوير قدراتهم، فضلا عن فتح نوافذ المعرفة أمام القارئ العربي في كل مجالاتها وأقطارها وبكل لغاتها، بعيدا عن هيمنة لغة واحدة، وتأكيدا لمبدأ التنوع الثقافي الخلاق، ومن جهة أخرى سيحاول هذا المركز تحقيق التوازن المطلوب بين فروع المعرفة المختلفة بما يعالج التدني الملحوظ في ترجمة الثقافة العلمية، ويؤدي إلى الارتقاء بالوعي العلمي وتطويره، ودعم حركة البحث العلمي بفروعه المختلفة، وسد الثغرات المعرفية الموجودة في ثقافتنا المعاصرة، وفي المجالات العلمية التي تدخل في نطاق اهتمام المؤسسات الأكاديمية الحريصة على مواكبة التصاعد غير المحدود في ثورة المعرفة، هذا بخلاف تكوين شبكة قوية من العلاقات مع المؤسسات الدولية التي يمكن أن تدعم عمليات الترجمة في المركز ماديا ومعنويا، بالإضافة إلى التعاون مع مؤسسات وزارة الثقافة والناشرين في القطاع الخاص في مصر والأقطار العربية جمعاء، بما يحقق الارتفاع المستهدف في معدلات إنتاج الكتاب المترجم بوجه عام.

وأكد لنا عصفور أنه لا يعقل أن يكون نصيب كل مليون مواطن عربي حوالي كتاب مترجم واحد، بينما يصل نصيب كل مليون مواطن إسباني 250 كتابًا مترجمًا!!

وقد نص القرار الجمهوري على أن يرأس هذا المركز القومي وزير الثقافة المصري، ويضم في عضويته خمسة وزراء آخرين هم: وزير التعاون الدولى، وزير الخارجية، وزير الإعلام، وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، ووزير التعليم العالي والدولة للبحث العلمي، فضلا عن مدير المركز، وكذلك رئيس اتحاد الناشرين المصريين، وقد سمى القرار الجمهوري عشرة أعضاء لأشخاصهم يضمهم مجلس الأمناء وهم: اثنان من غير المصريين : الدكتور سليمان إبراهيم العسكري (من الكويت)، والدكتور حمادي صمود (من تونس)، وثمانية من المصريين المشتغلين بالترجمة والمهمومين بقضاياها وهم: الدكتور أحمد أبو زيد، إدوار الخراط، الدكتور يونان لبيب رزق، محمد سلماوي، السيد ياسين، الدكتورة رجاء ياقوت، الدكتور مصطفى فهمي، ونجيب ساويرس.

وأوضح الفنان فاروق حسني، وزير الثقافة المصري، أن المركز سيمر بثلاث مراحل: الأولى تستمر لمدة عامين وتكون الأولوية فيها للترجمة إلى العربية، ولكن لا تمنع هذه الأولوية من البدء في عمليات محدودة في الترجمة من العربية إلى غيرها من اللغات، وذلك عن طريق الشراكة مع بعض دور النشر العالمية، وأضاف الوزير أنه تم بالفعل إنجاز بعض الترجمات في هذا المجال، بالإضافة إلى الاتفاق المبدئي مع بعض دور النشر مثل الجامعة الأمريكية بالقاهرة، ودار نشر (آرماتان) الفرنسية، كما تستكمل المفاوضات مع عدد آخر من دور النشر العالمية.

مصطفى عبدالله

دمشق

أسبوعان للفيلم العربي الفرنسي

في موعد يتقدَّم نحو أن يكون حدثًا ثقافيًا سنويًا، أُقيمت تظاهرة «أسبوعا الفيلم العربي الفرنسي في دمشق»، وذلك في إطار تعاون متواتر فيما بين المركز الثقافي الفرنسي في دمشق، والمؤسسة العامة للسينما في سورية، على الرغم مما يشوب العلاقات السياسية السورية الفرنسية من تشوش، يصل إلى درجة التنافر.

هنا، قد يكون تناول هذه التظاهرة فرصة مناسبة للحديث عن مدى قدرة الفعالية الثقافية على تجاوز الاختلال في العلاقات السياسية، على اعتبار أن الثقافي هو دائم وعميق وبعيد المدى، ويعبِّر عن الشعوب، بثقافاتها، وهوياتها الحضارية، ونزعاتها السلمية، بينما لا يعدو السياسي إلا أن يكون عابرًا مُتقلِّبًا، بين لحظة وأخرى، محكوماً بتنازعات المصالح، وطوارئ الأحوال.

تأتي تظاهرة «أسبوعا الفيلم العربي الفرنسي» في دمشق إذن في سياق عمل الطرفين الفرنسي والسوري، وتعاونهما الثقافي الإبداعي، وضمن برامج وخطط كل منهما، من جهة، كما أنها تأتي تلبية لحاجة المشاهدين في الاطلاع على أحدث الإنتاجات السينمائية، خاصة في إطار ما يُسمى «سينما دول الجنوب»، التي تتمُّ بدعم وتمويل من قبل جهات حكومية فرنسية (وزارة الثقافة، ووزارة الخارجية)، من جهة ثانية.

أسئلة التمويل

وربما ينبغي أن يكون من المعروف أن «صندوق دعم سينما الجنوب» تأسس منذ العام 1984، بدعم من وزارتي الخارجية والثقافة الفرنسيتين، بغية تشجيع التعاون الثقافي، والاطلاع على الخصوصيات المحلية في كل بلد من بلدان الجنوب، وفسح المجال أمام المبدعين للتعبير عن ذواتهم وخصوصياتهم.

وفي لقاء مع السيد جوليان شوفينيز، الملحق الثقافي الفرنسي في دمشق، قال إن الصندوق قد أنتج حتى مطلع العام 2007، قرابة 320 فيلمًا روائيًا طويلاً, أخرجها 220 مخرجاً، من 69 دولة جنوبية, وكان من بين هذه الأفلام 74 فيلماً عربيًا, منها فيلمان سوريان (لكل من محمد ملص وأسامة محمد). وأن الصندوق غالبًا ما يقدِّم مساعدة مادية تتراوح ما بين 100 إلى 160 ألف يورو، للفيلم الروائي الطويل.

الآن، ربما بات من نافل القول الحديث عن إشكالية التمويل والدعم، وتأثيرها على المضامين الفكرية، والمعالجات البصرية، للأعمال المنتجة عبر التمويل والدعم الخارجي، فذاك مما أشبعه المخرجون والنقاد والمهتمون والمتابعون، اتفاقًا واختلافًا.. ولكن السؤال الذي ينبغي الانتباه إليه هو: لماذا تتقدَّم مؤسسات وجهات حكومية فرنسية، لتمويل ودعم إنتاج أفلام سينمائية، في بلدان الجنوب، فيما تستنكف المؤسسات والجهات الحكومية في البلدان ذاتها عن فعل ذلك، وتتقاعس عن دعم وتمويل وتشجيع الفعاليات الثقافية الإبداعية في بلدانها؟

دنيا.. الافتتاح.. والعروض

بعد كلمتين ترحيبيتين، وشكر متبادل فيما بين السيد محمد الأحمد المدير العام للمؤسسة العامة للسينما في سورية، والسيد سفير فرنسا في دمشق، وفي صالة سينما «الشام»، جرى عرض فيلم الافتتاح، بعنوان «دنيا» للمخرجة اللبنانية جوسلين صعب، 2005، والذي سبق أن أثار ضجَّة حوله، خاصة في مصر، على الأقل لأن أحداثه وموضوعه تتعلق بها. ومع ذلك فإن المشاهدة الأولى للفيلم تشير إلى العديد من المآخذ على السيناريو، وعلى البناء الفني، والأداء التمثيلي، مما يجعل حقيقة الضجّة أكبر من الفيلم ذاته.

وبانتقال التظاهرة إلى صالة المركز الثقافي الفرنسي، جرى على مدى أسبوعين متتالين، عرض مجموعة من الأفلام المتنوعة المصادر، من شرق البلدان العربية وغربها، ومن شمال وغرب إفريقيا، والمختلفة في سنوات الإنتاج، ما بين قديمها مثل فيلم «تحت سماء دمشق» للسوري إسماعيل أنزور 1931، وجديدها مثل فيلم «فلافل» للبناني ميشيل كمون 2006.وفي وقت يمكن الانتباه إلى عرض مجموعة من الأفلام الوثائقية، إضافة إلى الأفلام الروائية الطويلة، فإنه يمكن ملاحظة عناية التظاهرة بعرض مجموعة أفلام سورية لا علاقة للدعم الفرنسي بها، وربما كان الأمر مجرد تحية للسينما السورية، على الرغم من أن هذه الأفلام سبق أن عرضت في دمشق أكثر من مرة، وتمَّ تجاوز الأفلام السورية الجديدة!

قائمة الأفلام الروائية الطويلة، في التظاهرة، ضمَّت مجموعة من الأفلام، هي: «تراب الغرباء» للسوري سمير ذكري 1998. و«الطحالب» للسوري ريمون بطرس 1991. و«باماكو» للموريتاني عبدالرحمن سيساكو 2006. و«رسائل شفهية» للسوري عبد اللطيف عبدالحميد 1991. و«آه يا بحر» للسوري محمد شاهين 1994. و«سنغال الصغيرة» للجزائري رشيد بوشارب 2000. «نسيم الروح» للسوري عبد اللطيف عبدالحميد 1998.

بينما ضمَّت القائمة أفلاماً تسجيلية وثائقية، تتوافر فيها جوانب مختلفة من الدعم والتمويل الفرنسي، منها: «لبنان/الحرب» للبنانية رانيا ستيفان 2006. و«الآخرون: بسام كوسا، اللعبة الواعية» للأردنية سوسن دروزة 2002. و«بضع من أيام أخر» للسوري جود سعيد 2004. و«غريبة في مدينتها» لليمنية خديجة السلامي 2004. و«قبل الغياب» للسورية جود كوراني 2005. و«ارتجال» للفلسطيني رائد أنضوني 2005. و«أمينة» لليمنية خديجة السلامي 2006. و«العراق أغاني الغائبين» للعراقي ليث عبد الأمير 2006. و«إذا تعب قاسيون» للسورية هالا محمد 2006.

ندوة مركزية.. مائدة مستديرة

وكان من الجديد هذا العام، أن تضمَّنت التظاهرة انعقاد الندوة المركزية، أو المائدة المستديرة، التي أدارها المخرج السوري عمر أميرلاي، وكانت بعنوان: «الفيلم الوثائقي السوري في المشهد السمعي البصري الإقليمي»، وبمشاركة مجموعة من السينمائيين العرب، أمثال: المخرجة اللبنانية رانيا أسطفان، والمخرجة الأردنية عزة دروزة، والمخرج السوري جود سعيد، والمخرج السوري حازم حموي، والمنتج والممثل السوري عروة نيربية. قد تبدو الملاحظة الأهم في الندوة، أنها «حامت» حول موضوعها، أكثر من الدخول فيه، لأن الارتجال كان من أبرز سماتها، ولم تتمّ الإحاطة بحزمة الأفكار والتساؤلات التي طرحها أميرلاي، فتناثرت الأحاديث هنا وهناك، بشكل أقرب إلى العشوائية! وذلك على الرغم من أن مدير الندوة «عمر أميرلاي»، هو من أكثر السينمائيين العرب علاقة بموضوع الندوة، على اعتبار أنه أحد أهم التسجيليين السينمائيين السوريين والعرب، على السواء، ويحتفظ في سجلِّه بقائمة من أهم الأفلام التسجيلية الوثائــقية «في المشهد السمعي البصري الإقليمي».

بشار إبراهيم

رام الله

سحر خليفة في (ربيعها الحار)
رحلة الصبر وواقع الانتفاضة

بلغةٍ شعريّةٍ سرديّةٍ جميلة؛ طرّزت الكاتبة والروائية الفلسطينية المعروفة سحر خليفة ثوب روايتها الجديدة (ربيع حار، رحلة الصبر والصبّار) التي صدرت عن مركز أوغاريت الثقافي للنشر والترجمة في رام الله، في مائتين وعشرين صفحة من القطع المتوسط، تُوثّق خليفة، وتصوّر آلام الانتفاضة الفلسطينية الدائرة رحاها، وتصوّر تباريحها وهمومها، مسلّطة الضوء على مكانين رئيسيين، هما: نابلس - وتحديدًا البلدة القديمة - وكذلك رام الله، في حين يحكي الزمن الواحد قصّة الموت الفلسطيني والدم المسفوك بلا هوادة أو حدود أو نهاية.ربيع سحر خليفة الحار أهدته إلى (نساء حوش العطعوط في نابلس القديمة: لنحفر التجربة في الذاكرة ووعي الأجيال)، فيما قدمت لهنّ أيضاً في نهاية روايتها اعترافا بالشكر والتقدير لأنهنّ حسب ما أثبتته في شكرها (فتحن لي ذاكرتهنّ كنافذة أطللت منها على التجربة ووقع الأحداث فلولا رواياتهنّ المفعمة بالتفاصيل وعمق الإحساس لما تمكنت من التقاط الجو وتصوير المأساة). وقدّمت خليفة شكرًا وامتنانًا للصحفي رشيد هلال الذي كتب عن يوميات حصار الرئيس عرفات أيام الاجتياح والتي استوحت منها كثيراً من مجريات الأمور.

إذن بإهدائها وشكرها ظهر المكان والزمان اللذان بنت عليهما خليفة روايتها، واللذان أيضاً ربطا الماضي (نكبة العام 1948 التي مازالت آثارها ماثلة)، بالحاضر الذي تمثّل بالاجتياح وتداعياته. فالمكان راوح بين عين المرجان في إشارة إلى الهجرة والتشرد واللجوء وبين رام الله ونابلس بالرغم من أن المكان يبدو والزمان كذلك مسقطًا على أكثر - من موضع، وهو أشمل وأوسع من حصره وتحديده.

كل ذلك، ساقته خليفة في قالب لغوي سهل وجميل وأحيانا سهل ممتنع، بلغة شبه عامية، واضحة ومستساغة تتدفق بيسر، وبنسق متّزن.

في الرواية ظهرت صورة المرأة/الأنثى، عند سحر خليفة وفق أكثر من نموذج فهي مرة تبدو بيضاء سمينة، ومرة ناعمة وخوّيفة، ثم شقراء مثل اللعبة، وأحيانا هي جنكية قليلة الأصل. وقد تكون ذات وجه جميل أبيض ناعم، وأنف صغير كالفستق، وفم مرسوم بالأحمر، وشفتين حمراوين، وهي بيضاء وشعرها أشقر، وذات عينين مثل النرجس، أو مثل شبابيك مفتوحة على أفق من الأزهار والنسائم وسحاب الصيف.

ونجد المرأة عند سحر خليفة أيضاً، أنثى يرتاح الرجل لعشرتها، فهي مخدة من ريش، يغطس فيها وينام عليها ويكمشها فتنصاع لقبضة يده، ويحسّ بالنعومة من تحته وفوقه وعليه، وجه ناعم وصوت ناعم وجلد ناعم.

سحر خليفة من أكثر الروائيين العرب ترجمة إلى اللغات الأوربية، ويجد النقاد أن رواياتها هي انعكاس لمأساة مدينتها نابلس وشعبها، وهي صرخة لبعض الأخطاء التي يقع فيها أفراد الشعب: عمالة، جهل، فساد...إلى غير ذلك، وأنها تسجيلية لوقائع تاريخية أو رؤية ورصد، وهي تصوير للواقع وتعميق وفهم أكبر لحــياة الناس.

وحازت سحر خليفة تقديرات عالمية عدّة، وفازت أخيرًا بجائزة عميد الرواية العربية نجيب محفوظ من الجامعة الأمريكية في القاهرة، عن رواية تحكي ضياع القدس.

عبد الحكيم أبو جاموس

طرابلس

محمد أركون
والبحث في سوسيولوجيا الفشل

يعد محمد أركون من أهم المفكرين المعاصرين المعنيين بدراسة قضايا الفكر الإسلامي من منظور معاصر ومن المشغولين بالمواجهة النقدية بين هذا الفكر الإسلامي والعصرنة الحديثة بكل اتجاهاتها وتياراتها النقدية.

محمد أركون المولود بمنطقة القبائل الكبرى بالجزائر عام 1928 والأستاذ حاليا بجامعة السوربون بباريس، استضافته قاعة المركز العالمى بطرابلس ضمن سلسلة محاضراته عن: «معالم فى طريق تحديث الفكر الإسلامي المعاصر» وسط حشد من المثقفين والمهتمين والجامعيين الذين وجدوا في هذه المناسبة فرصة كبيرة، تحدث لأول مرة، تتيح اللقاء مع هذا المفكر الإسلامى الذي انتقلت كتاباته وأفكاره إلى أجيال من الطلبة والمثقفين والدارسين.

لاشك أن المركز ببرنامج محاضراته المتنوعة والاسماء الجيدة التي يدعوها يسهم في خلق حالة ثقافية تحرك الساكن وتسمح بفتح النوافذ أمام تيارات متعددة من الفكر الداعى لطرح الكثير من الأسئلة ومناقشة الكثير من الأفكار التقليدية التى نتعامل معها غالبا باعتبارها مسلمات لا تقبل الحوار. بدأت المحاضرة بتقديم للأستاذ موسى الأشخم منسق الندوة؛ ثم شرع إثر ذلك الأستاذ محمد أركون فى طرح عدة مداخل لمحاضرته، حيث أوضح أن الفكر الإسلامي الذي يعالجه هو الفكر الناطق باللغة العربية، وفى هذه الدائرة فإن اختيار الباحث دائما هو الالتزام بالمنجز الاجتماعى والتاريخي للإسلام، ولاسيما فى منطقة إفريقيا الشمالية، وذلك منذ بدايات الشباب وحرب التحرير الجزائرية، فهو الدءوب على المنهج العلمي وليس هدفه مجرد جمع التاريخ.

لقد أوضح المحاضر أن بعض المسلمين لا يرغبون فى التحديث، بل يريدون أسلمة الحداثة. وباعتباره مؤرخا فهو لا يتورط في الشعارات، بل يتقيد بالعلم التاريخى الذى يبحث فيما حدث في الماضي، بهدف الوصول إلى بعض آليات الفكر اللازمة.

ولقد طرح المحاضر أسئلة منها: ما تعريف التحديث؟ وما المقصود بتحديث الفكر الإسلامي؟ وكيف أطلق مفهوم التحديث وعلاقته بالحداثة؟

وهنا تبدو المحاضرة وكأنها محاولة الإجابة عن هذه الأسئلة.

عند الحديث عن الحداثة والتحديث لابد من العودة إلى البدايات الأولى للموقف الفلسفى منذ عهد اليونان، عندما يطرح السؤال من قبل العقل ليدرك أصل الأمور، فمن ناحية يتم تصميم آلة للعقل منطقية أو أداة عقلية للتدبر، كذلك يتم البحث عن المدينة وتكوينها بلا عنف وباحترام العقل.

يدعو المحاضر أيضا إلى دراسة أسباب الانقطاع في التلقي المعرفي العلمي بالتركيز على عودة المناظرات في مجالس العلماء، كما كانت في القرن الرابع الهجرى، وهذا مجرد نموذج، وهذا يعني حضور أطر معرفية مناسبة لابد من وجودها أو وجود مشابه لها.

ومثلما علينا أن ندرك أسباب انقطاع التعامل مع العقل، كما ورد عن ابن رشد، الذى كان ظاهرة لم تستمر، الأمر نفسه ينطبق على ابن خلدون والذي كان ظاهرة لم تستمر مدرستها.

في جميع الأحوال علينا أن ندرس أسباب توقف حركية اللوغوس وتغليب الميتوس، وهذا هو مفتاح التحديث.

هناك أيضًا ضرورات تتطلبها دراسة الرهانات المعرفية فى مرحلة الحداثة ومرحلة ما بعد الحداثة.

وهنا يبدو الأستاذ محمد أركون أقرب إلى من يحاول تحريك الوقائع من خلال العودة إلى مجريات التاريخ العربى الإسلامي، ليطبق عليه المعرفة العلمية، ولكن بمناهج متطورة حديثة.

ولهذا فهو يدعو إلى معالجة وفهم بعض الظواهر مثل السيطرة العثمانية على الوطن العربى لقرون طويلة ومدى ما كشفت عنه من نتائج، وكذلك دراسة أحداث مهمة مثل ثورة يوليو 1952 فى مصر والمظاهر السياسية المعروفة بحركة الثورة الإيرانية وغيرها. أي أن تطرح الأفكار للنقاش المفتوح وسوف نجد الدعوة لدراسة الظواهر السلبية التاريخية بأسلوب علمي، هي المدخل الرئيسي لهذه المحاضرة بمعنى آخر محاولة دراسة سوسيولوجيا الفشل في العصر الإسلامي. مثلا لماذا فشل ابن رشد في البيئة العربية الإسلامية؟

ولماذا فشل ابن خلدون؟

والمدخل يقودنا إلى دراسة سوسيولوجيا النجاح أيضا، ولكن فى أماكن ومناطق أخرى إلى التحديث.

إن القول إننا نعلم التاريخ هو خطأ، لأننا في الحقيقة نعلم الميثيولوجيا، إنه التصور الخيالي للماضي وليس الحقيقى.

وعلى سبيل المثال تصورنا للعثمانيين هو تصور خيالي وليس حقيقيًا.

هكذا كانت محاضرة الأستاذ محمد أركون، فهي سارت على الخصوصية نفسها التى يمكن أن نلمسها في دراسات أبحاث الكاتب، وإذا كان هناك ما يمكن ملاحظته، فهو أن المحاضرة لم تكن كافية لفهم آليات التفكير عند المحاضر، وخصوصا أن الأستاذ محمد أركون باحث يكتب ويفسر ويشرح أكثر منه متحدثًا، يصل بموضوعه المطروح إلى نتائج واضحة في ملخصها وأغراضها والتي انتوى الوصول إليها.ولهذا السبب وغيره، كانت التساؤلات التي عبر عنها جمهور المحاضرة بعيدة عن الهدف العام، لأنها ركزت على تفاصيل، ليست دائما واضحة كهدف فى حد ذاتها، بقدر ما هي أداة من أدوات مناقشة القضية العامة.

رمضان سليم

تونس

جائزة للدراسات الإسلامية

يُختتم في 30 يونيو 2007 قبول الأعمال المرشحة لجائزة رئيس الجمهورية التونسية العالمية للدراسات الإسلامية.

وتمنح الجائزة سنويًا منذ 2002 إلى كل شخص مادي أو معنوي تميّز على الصعيد العالمي في إبراز ودعم الصورة المشرقة للدين الإسلامي في العالم ومبادئه السمحة التي ترتكز على الاعتدال والتكافل والتآزر وذلك بغاية إثراء الفكر الاجتهادي، المؤمن بالحوار والتفتّح، والرافض للانغلاق والتحجّر.

كما حُدّد مقدار «جائزة رئيس الجمهورية العالمية للدراسات الإسلامية» بـ 30.000 دينار تونسي.

على ألا تمنح هذه الجائزة إلى الشخص نفسه في الميدان الواحد أكثر من مرة. ويرأس لجنتها وزير الشئون الدينية.

ويشترط أن يكون البحث أصيلاً منشورًا، لا تقلّ صفحاته عن 250 صفحة من الحجم المتوسّط، محررًا باللغة العربية أو بإحدى اللغات العالمية في المجال المشار إليه، ولم تمض على طبعته الأولى سنتان عند تقديمه، ولا يقبل أيّ عمل يكون رسالة جامعية أو تحقيقًا لمخطوط أو حاصلاً على جائزة أخرى، كما يقدّم البحث في خمس عشرة (15) نسخة.

وسوف يتم الإعلان عن الفائز بهذه الجائزة خلال شهر رمضان 1428 هـ / 2007م

مكناس

أيام ثقافية وإعلامية كويتية في المغرب

يشكل موضوع «حوار الحضارات والثقافات» مادة خصبة تناولها العديد من المنتديات واللقاءات بالمغرب، وذلك من أجل فتح نقاش مستفيض بين المفكرين والأكاديميين للوصول إلى آفاق رحبة تصل الشمال والجنوب من شأنها أن تذيب جليد التباعد الذي أصبح يفصل بين عالمين متناقضين في العادات والتقاليد ونظرتهما إلى الآخر.

ولعل الترجمة التي يعتبرها الكثير من النقاد خيانة للنص الأصلي، قامت بدور كبير في التقريب بين العديد من الحضارات والثقافات منذ قديم العصور، وذلك من خلال نقل أمهات الكتب والمؤلفات في الكثير من الميادين العلمية والفكرية والفلسفية والسياسية من لغاتها الأصلية إلى لغات كثيرة وهو ما سمح بالتعريف بتلك الثقافات والحضارات ونقلها إلى المتلقي في مختلف أنحاء العالم، الشيء الذي أثرى عملية التأثير والتأثر والفعل التواصلي في العالم.

في هذا الإطار عمد المكتب الإعلامي الكويتي بالمغرب إلى تنظيم أيام ثقافية وإعلامية في مدينة مكناس التي تبعد عن العاصمة بحوالي 250 كلم بهدف فتح تواصل جاد ومسئول مع الفعاليات المغربية الموجودة في المدينة حول الكثير من المواضيع التي تساهم بشكل كبير في بناء صرح تواصلي كوني يستند إلى مقومات الترجمة وحوار الحضارات والثقافات.

ويمكن التأكيد على أن التظاهرة الثقافية والإعلامية الكويتية التي احتضنتها المدينة وجدت في «الترجمة وحوار الحضارات: الكويت نموذجا» محورا خصبا لطرح العديد من الإشكاليات والتعريف بقيم الحضارة العربية الإسلامية السمحة التي تدعو إلى الحوار والتفاهم واحترام الآخر وترسيخ قيم التسامح والتعايش بين الشعوب، فضلا عن إبراز مظاهر الاهتمام بالترجمة من قبل ثقافة وإعلام الكويت لتقريب حضارات وإشعاع ثقافات.

وقد حاضر في الندوة الفكرية كل من الدكتور حسن أوريد والي جهة مكناس تافيلالت ورئيس مركز طارق بن زياد للدراسات والأبحاث ومدير التربية بالمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو) الدكتور سعيد النومس.

وتطرق الدكتور أوريد والي جهة مكناس تافيلالت في مداخلته إلى إشكالية الترجمة التي ساهمت في تغيير القارة الأوربية وأثرت الحضارة الإسلامية من خلال ترجمة أمهات العديد من الكتب والمؤلفات.

وأشار المفكر المغربي إلى أن الكتب الجيدة المترجمة استطاعت أن تغير مجرى التاريخ وحضارة بأكملها وهو ما حصل في الحضارة الإسلامية، لأنها ترجمت كتبا قيمة وذات أهمية كبيرة. وأكد الدكتور أوريد أن العالم العربي يتقن لغات العالم وله معرفة جيدة وحميمية بلغات الشعوب الأخرى وهو ما يساهم بشكل كبير في إثراء عملية الترجمة وسيساهم بشكل فعال في مد جسور الحوار بين الثقافات والحضارات.

كما تطرق رئيس مركز طارق بن زياد إلى دور (بيت الحكمة) الذي رعاه حنين بن اسحاق في إغناء حقل الترجمة والحضارة العربية الإسلامية التي تتميز عن باقي الحضارات الأخرى بقابليتها على الانفتاح على الآخر، كما أكد على أن النهضة الأوربية قامت على الترجمة عبر التراث اليوناني.

وركز حسن أوريد على عدد من الشروط التي يجب توافرها في المترجمين كالمعرفة الجيدة باللغة والثقافة والموضوع حتى تكون ترجمة النص قوية، معبرا عن أمله في بناء لبنات هياكل قوية للترجمة التي واكبت نهضة حضارة العديد من الأمم حتى تساهم بشكل فعال في إقامة جسور قوية من التواصل والحوار الكوني بين الشعوب.

واستعرض الدكتور الكويتي سعيد النومس مدير منظمة الإيسيسكو بالمناسبة القيمة المعرفية والإبستيمولوجية والتواصلية التي تتيحها الإصدارات الكويتية خاصة إصدارات المجلس الوطني للثقافة والفنون الآداب ووزارة الإعلام في إقامة جسور للتواصل بين الثقافات والحضارات في العالم، وذلك من خلال المواد القيمة التي تنشرها منابرهم الرائدة.واعتبر الدكتور النومس في ذات السياق أن الموقع الجغرافي للكويت وانفتاحها على ضفة الخليج جعلها في علاقة دائمة مع العالم الخارجي، ومع ثقافات وحضارات عالمية خالدة منذ عهود غابرة.

وقال الدكتور النومس في محاضرته التي ألقاها أمام جمهور غفير من المهتمين والمتتبعين بقصر «الروى» التاريخي إن «العديد من المطبوعات الكويتية كعالم الفكر وعالم المعرفة وجريدة الفنون تهتم كثيرا بالترجمات العالمية وهو ما يثري الحوار والتواصل بين الثقافات والحضارات».

واعتبرت الندوة الفكرية التي أقيمت في التظاهرة التي استمرت أسبوعا من اللحظات المضيئة في اللقاء الذي استحسنه الكثير من المهتمين وتابعه العديد من وسائل الإعلام العربية والأجنبية.

كما شهدت التظاهرة ضمن أنشطتها الأدبية تنظيم ندوة أخرى تمحورت حول «الحركة الثقافية والإعلامية بالكويت» وقد شارك فيها العديد من الباحثين والأكاديميين المغاربة من بينهم الدكتور عبد الله بن عتو أستاذ بكلية الآداب بمدينة القنيطرة والناقد المسرحي عبدالرحمن بن زيدان والدكتور بنصر العلوي.وقد عرفت التظاهرة متابعة مهمة من قبل وسائل الإعلام وجمهور المدينة المتعطش الذي حج بكثرة إلى باب منصور التاريخي الذي أقيمت فيه القرية الكويتية الصغيرة، حيث اعتبر اللقاء فرصة حقيقية للاستفادة من الندوات والجلسات الحوارية التي حضرها الكثير من المفكرين والباحثين.

وفي اليوم الأخير من التظاهرة التي أقامت مسابقة ثقافية خاصة بالطلبة تم توزيع الجوائز على الفائزين وذلك بحضور جمهور غفير استحسن التظاهرة وعبر عن أمله في أن تعاد مرة أخرى، خاصة أنها شكلت للمتلقي هناك لقاء متميزًا عرف تنظيم العديد من الأنشطة من ندوات ومعارض ولقاءات ومسابقات تهدف بالأساس إلى خلق دينامية فعالة في المجال الثقافي وتقوية العلاقات بين المغرب والكويت.

وفي كلمة ختامية شكر مدير المكتب الإعلامي محمد الهاجري كل من ساهم في إنجاح التظاهرة، خاصة مركز طارق بن زياد الذي قدم مجهودات كبيرة، كما كشف الهاجري النقاب عن تنظيم المكتب الإعلامي لتظاهرة مماثلة في مدينة سلا ضواحي العاصمة الرباط هذا العام.

المصطفى الصوفي

مدريد

بيت عربي في إسبانيا

تم أخيرًا الإعلان عن بدء نشاطات البيت العربي في مدريد، حيث أقيم حفل رسمي للاحتفال بهذا الحدث حضره دبلوماسيون عرب معتمدون في العاصمة الإسبانية وشخصيات سياسية وثقافية إسبانية، يأتي في مقدمتها وزير الخارجية الإسباني ميغيل أنخيل موراتينوس، الذي أكد على أهمية هذا البيت في مجال العلاقة مع العرب، إضافة إلى ما يمكن تحقيقه في مجال الفهم الأفضل بين العالمين العربي والإسباني. وقد جاء هذا الحدث بعد مرور أكثر من نصف عام على توقيع اتفاق التعاون بين كل من وزارة الخارجية الإسبانية والوكالة الإسبانية للتعاون الدولي وبلديتي مدريد وقرطبة.

جرى هذا الاحتفال في مسرح الزارزويلا المدريدي، وتلاه حفل غنائي للمغنية الفلسطينية أمل مرقس. كما تم عرض عدة أفلام سينمائية من عدة دول عربية في منتدى الفنون الجميلة. ومن المقرر إقامة العديد من النشاطات خلال هذا العام، سواء المعارض الفنية، أو الندوات المتنوعة، أو حلقات النقاش، أو حفلات الموسيقى، أو الأفلام السينمائية، التي تتعلق بالعرب والمسلمين والتي توضح صورتهم الحقيقية التي شوهتها بعض وسائل الإعلام في العالم عبر عقود، وخاصة في السنين الأولى من هذا القرن، علما بأن الميزانية المخصصة لهذا العام تبلغ ثمانية ملايين يورو، مقدمة من قبل الجهات الموقعة على الاتفاق.

هذا وقد كلفت الدكتورة خيما مارتين مونيوز إدارة هذا البيت العربي، إضافة إلى البيت العربي في قرطبة الذي يتركز في المركز الدولي للدراسات العربية والإسلامية، كونها حاصلة على الدكتوراه في مجال الدراسات العربية والإسلامية، وأستاذة جامعية، ومؤلفة لعدة كتب جامعية في هذا المجال. وقد رأت الدكتورة مونيوز أن الفهم الخاطىء المتبادل في العالم أدى إلى إحساس الغربيين بشيء من الرفض تجاه العرب والمسلمين، ولهذا فإن قيام هذا البيت العربي في إسبانيا، المعروفة بتاريخها العريق، المرتبط بالعرب المسلمين، يؤهلها للقيام بدور طليعي في أوربا يساعد على تطبيق السياسات المتوازنة بين الشعوب، إضافة إلى محاولة خلق تقارب بين العرب والمسلمين من جهة، وإسبانيا وأوربا بشكل عام من جهة أخرى، فضلا عن تعميق العلاقات السياسية وتوسيع التبادلات الاقتصادية، والمساهمة في تحقيق السلام العادل في الشرق الأوسط. والجدير ذكره أن البناء الذي خصص لهذا البيت في العاصمة الإسبانية، هو بناء من طراز مودخار (مدجّن) يعرف باسم « لاس اسكويلاس أغيير»، ويقع بالقرب من شارعي ألكالا وأدونيل، ويتم الآن ترميمه ليصار إلى افتتاحه خلال شهر سبتمبر القادم.

ومن نافلة القول إن هناك شخصيات بارزة فكرت وساهمت في جعل هذا المشروع حقيقة ملموسة لذا ينبغي تقديم الشكر والتقدير إليهم، لأن إنجازه في هذه الفترة التي تشهد أزمات متعددة في العالم، يعد عملا إيجابيا جدا، ويمثل مبادرة إيجابية تحمل في طياتها دعوة للمفكرين والمثقفين الإسبان والعرب كي يساهموا في نجاح نشاطاته من خلال المشاركة في طرح الأفكار الجديدة المفيدة وتقديم المساعدة والدعم الممكنين، خاصة أن العلاقات الإسبانية - العربية كانت على الدوام جيدة، ويستوجب علينا تطويرها لما فيه خير الشعبين العربي والإسباني.

غازي حاتم





د. سليمان العسكري





د. جابر عصفور





د. مصطفى فهمي





د. محمد سلماوي





ملصق التظاهرة





غلاف الرواية





محمد أركون





 





جانب من القرية الكويتية في المعرض التراثي للأيام الثقافية والإعلامية الكويتية بمكناس





مدير المكتب الإعلامي محمد الهاجري والمستشار الإعلامي عبد الرحمن المطيري خلال حفل الاختتام