عزيزي العربي

عزيزي العربي

رسالة الشهر
أزمة الموسيقى العربية

.. رئيس التحرير

الموسيقى من أرقى أنواع الفنون التي عرفها الإنسان، فهي لغة الروح والمشاعر والأحاسيس. وهي ذلك الشيء اللامحسوس الذي يعايش الإنسان في ساعات الحزن والفرح والتكدر والهياج والثورة.

والموسيقى قديمة قدم التاريخ، حيث ضربات القلب موسيقى، وحفيف الأشجار موسيقى، وتغريد الطيور موسيقى.. أي أنها رافقت الإنسان من بدء التكوين، وكانت في مرحلة من المراحل وسيلة من وسائل التخاطب عند بعض القبائل القديمة وذلك من خلال نقرات معينة على الأخشاب أو الطبول أو النفخ بأبواق مصنوعة يدوياً.. ثم تطورت بعد ذلك رويداً رويداً مع تطور المسيرة الإنسانية، وزاد نضجها وبانت معالمها ووضحت أساليبها وتنوعت آلاتها، حتى أصبح لكل إقليم موسيقى خاصة به تميزه عن أي إقليم آخر في العالم، وهذا التميز أتى من ارتباط الموسيقى بالإنسان المرتبط بأرضه والمتأثر بها وبمناخها والمتفاعل مع مجتمعه.. وهكذا أصبح هناك موسيقى يونانية وبيزنطية وشرقية وشرق أوسطية وغربية.

وقد قطعت الموسيقى الغربية شوطاً كبيراً في مسيرة تطورها وظهر فيها تيارات عديدة ومدارس كثيرة، ونبغ فيها عدد كبير من الموسيقيين أمثال بيتهوفن، باخ، تشايكوفسكي، هايدن، موزارت وآخرين كثر.

وقد أضاف الموسيقيون الغربيون الكثير من النظريات الموسيقية والقوالب الموسيقية والغنائية، ووضعت قواعد وأسس ومناهج لأصول تعليم الموسيقى والعزف والغناء والرقص وكل ما يمت للموسيقى بصلة، الأمر الذي أغنى الموسيقي الغربية وزاد انتشارها حتى في الشرق وعلى حساب الموسيقى الشرقية.

أما الموسيقى الشرقية والتي هي أغنى بالكثير الكثير من مثليتها الغربية فنرى أنها مازالت ترزح تحت وطأة التقليد والإعادة وتكرار الذات والنهب الصريح من الموسيقات الأخرى رغم غناها وتنوعها، فكما هو معروف للموسيقى الشرقية والعربية بالذات طابع خاص بها وأسلوبية فريدة في التعامل معها مع تنوع كبير في النغمات "المقامات" والقوالب الموسيقية والغنائية وموروث موسيقي هائل هو ثمرة جهود عمالقة الفن العربي الأوائل، ولكن مع هذا بقيت متقهقرة، وهذه ظاهرة نراها في معظم الأقطار العربية وهناك أسباب عديدة لها منها قلة المعاهد الموسيقية التي تدرس الموسيقى والغناء والفنون على نحو علمي أكاديمي والموجودة في بعض الأقطار العربية، بالإضافة إلى ندرة المناهج التي تخص الموسيقى الشرقية والآلات الموسيقية الشرقية، حيث يقول معظم الطلاب باستعمال مناهج غير اختصاصية، أو حتى مناهج غربية، كما أن عدم وجود صيغة مشتركة وموحدة للمادة الموسيقية العربية "كأن نرى مقاما واحدا له في كل قطر عربي اسم مغاير أو نرى مقاما يعزف في كل قطر بشكل مختلف عن الآخر أدى إلى تشتت فكر الموسيقى العربية وضياعه وسهولة تحوله إلى الموسيقى الغربية وآلاتها، كذلك أدى ضعف الثقافة الموسيقية والثقافة العامة لدى الموسيقي العربي إلى ابتعاده عن الابتكار والتطوير الإيجابي الذي يخدم موسيقاه ويساعد على انتشارها،. وتقصيره في استصدار الكتب التي تخص الآلات الشرقية وتبين تفاصيلها ودقائقها وإمكان تطويرها بطرائق علمية مدروسة، إضافة إلى أن عدم توافر الدعم المادي والمعنوي للباحثين الموسيقيين أدي إلى التقليل من إنتاجهم وكذلك اندثار الكثير من الأعمال الموسيقية القديمة لعدم توثيقها وتدوينها موسيقيا وحفظها في مكتبات خاصة لسهولة الرجوع إليها، حيث بقيت محفوظة في الذاكرة الشعبية حتى اندثرت، ومنها الكثير من الأدوار والموشحات والمقطوعات الموسيقية. كذلك فإن الاستغناء عن الكثير من الآلات الموسيقية سار بهذه الآلات إلى الانقراض، حيث يجري الاستعاضة عنها بآلات حديثة إلكترونية، وأيضا تباعد المؤتمرات الموسيقية العربية التي تضع الأسس لهذه الموسيقى وتقدم المقترحات اللازمة لتطويرها كان عنصرا مهما في تأخرها.

لذلك فقد توجهت الموسيقى في السنوات القليلة الماضية نحو الاستهلاكية لما تدره من ربح سريع، وذلك بمساعدة الأقنية التلفزيونية الأرضية والفضائية وما تقدمه من تسهيلات وسرعة في الوصول إلى الجمهور، مما أدى إلى انتشار موضة الألبومات والألحان الإيقاعية السريعة والراقصة وابتعاد الموسيقيين عن التأليف الموسيقي الصرف (من دون غناء) الذي يكاد ينقرض في الوطن العربي لولا محاولات نادرة لبعض الأساتذة.

كل هذه الأسباب ساعدت برأي في فقر الموسيقى العربية والحد من تطورها وبالتالي ابتعاد الناس عنها، مما جعلها تتخبط مع التحديث تارة ومع التقليد تارة أخرى. طبعا لن ينسى فضل الكثير من العمالقة الكبار الذين جعلوا الموسيقى هدفهم فأبدعوا وألفوا وقدموا الكثير الكثير، مثل أبي خليل القباني، سيد درويش، كميل شامبير، محمد القصبجي، السنباطي، محمد عبد الوهاب، والرحابنة وغيرهم الكثير ممن أغنوا الموسيقى العربية.

وأخيراً يبقى الأمل في تدارك هذه الأسباب من قبل الجهات المختصة للنهوض بالأغنية العربية لتبقى كما كانت مرآة الشعب العربي وخلاصة روحه.

سعد جرجي هزيم
عازف قانون- سوريا

لنحسن الظن بأطبائنا

.. رئيس التحرير

كتب "علي الأسمري" من السعودية أن الدكتور "ماجد رأفت" قد أورد في بحثه حول أسرار النوم أن (الاستيقاظ حول وقت الفجر أهم أعراض الاكتئاب). قال السيد "الأسمري": "وأنا أخالفه في هذه العبارة لأنه جاء في فضل وأجر المصلي.."، لقد أشار الدكتور الباحث "ماجد رأفت" إلى حقيقة علمية مفادها أن نوعاً من أنواع الاكتئاب وهو ما يطلق عليه Endogenous Depression يكون أحد أعراضه الاستيقاظ المبكر "حوالي وقت الفجر" ذاتياً ومن دون أن يوقظه أحد ثم يعجز المستيقظ عن الإخلاد إلى النوم بل يصيبه الأرق.

إن ذكر هذا العرض لمريض الاكتئاب لا يمكن أن يحمل على وصف مصلي الفجر بالاكتئاب فالمصلي قد يستيقظ ذاتياً بحكم العادة أو بفعل منبه الساعة وقد يوقظه أهل بيته للصلاة ثم لا يجد أي مشكلة- بعد أداء صلاته وقراءة أوراده- في الإخلاد ثانية إلى النوم. فموضوع المصلي إذن لا علاقة له بطريقة الاستيقاظ. فأنا أعجب من مسارعة الأخ المعترض إلى معارضة عبارة الأستاذ الدكتور بذكر آية كريمة أو حديث شريف وكأن الدكتورة "ماجد رأفت" لم تمر عليه تلك الآية أو ذلك الحديث أو كأنه عارض ذلك بما ذكره من حقيقة علمية تؤيدها آلاف الإحصائيات والبحوث. وهنا أسأله "ألا ترى مناسبا أن نحسن الظن بأطبائنا وعلمائنا المسلمين وباحثينا العلميين ونفترض أنهم يقرؤون القرآن المجيد ويطلعون على الصحاح والأحاديث النبوية الشريفة ويحيطون بالحقائق البسيطة التي أشير إليها والتي لا يجهلها حتى طلاب المرحلة الابتدائية في بلادنا الإسلامية؟ وإذا شئنا أن نرد على حقيقة علمية وردت في بحث علمي، أن يرد صاحب الاختصاص وهو في هذه الحالة من يطلق عليه Psychiatrist لأنه يدرك مغزى العبارة الواردة ولا يسارع إلى تفسيرها أي تفسير ثم ينبري للإجابة عليها بشكل افتراضي بعيد عن موضوع الحديث؟ أفلا ترى معي أنه ليس عدلاً أن نقول للدكتور "ماجد رأفت" (وأنا أخالفه في هذه العبارة لأنه قد جاء في فضل وأجر.." ثم نسطر له الآيات الجليلة والأحاديث الشريفة التي يعرفها أبسط المسلمين وكأننا أفحمناه بذكرها بعدما افترضنا تجاهله لحقائق الدين وفضل فرائضه. سامحك الله يا أخي وسامحنا جميعاً، لنحسن الظن بأطبائنا وعلمائنا أو مفكرينا فقد يكون من نعترض عليه أكثر إيمانا منا وأكثر اطلاعا على حقائق الدين الأساسية بحكم آيات الباري التي تتجلى لهم في الحقائق العلمية والطبية كل يوم.

د. حازم مكية- عيادة الطب الصيني
دمشق- سوريا

التدين والوطنية

.. رئيس التحرير

في عدد العربي، "478" سبتمبر 1998م، تابعت بإعجاب مقال المستشار محمد سعيد العشماوي المعنون "هل هناك تعارض بين الوطنية والتدين؟ ويطيب لي هنا أن أضيف إلى ما ذكره المستشار ما يلي:

لا يبدو أن هناك تعارضا في الأصل بين الوطنية والتدين، فالنصوص الشريفة تؤكد أن حب الوطن من الإيمان، وأن كل إنسان مكرم ومحترم في ظل الدولة الإسلامية مهما كان دينه ومعتقده، وأن سيرة الإنسان وتاريخه يؤكدان أن كل امرئ يحب وطنه بالفطرة والغريزة ويدين له بالولاء. لكن يبدو أن ثمة تناقضات أفرزتها الحكومات الشمولية في عالمنا العربي والإسلامي، أدت إلى بروز حالة تعارض بين الوطنية والتدين، حين اتكأت تلك الحكومات على متكأ الوطنية وحب الوطن لتبرير السياسات التي لا يختلف اثنان على عدد صوابيتها، ولا يعني هذا بالطبع أن تلك الإدارات لا تحب أوطانها من حيث المبدأ ولا تؤمن بالوطنية.

الأمر الآخر الذي يمكن الإشارة إليه هنا، التعدد المذهبي أو الطائفي، فكلنا يعلم أن هذا التعدد واقع قائم، يصعب تغييره أو تبديله أو تجاوزه، بل ينبغي احترامه انطلاقا من مبدأ تعدد المدارس الإسلامية في الفقه، والمحافظة على المصلحة العامة لأمة العرب والإسلام، ويترتب عليه تعددية في الولاء في داخل الوطن الواحد والدولة الواحدة. لكن ما ينبغي رعايته أصلا هو ألا يكون هناك تعارض بين الولاء للوطن والولاء للمذهب بصورة خاصة أو للدين بصورة عامة، مع العلم بأن حالة عدم التواؤم والتناغم بين الإدارة العامة وجمهورها فيما يتعلق بالحقوق والحريات والتطلعات والعلاقات الدولية تؤدي إلى نشوء وتعميق ذلك التعارض، والذي تنظر إليه الإدارة العامة على أنة خروج عن دائرة الوطنية والولاء للوطن، وهذا ما تؤكده مسيرة الواقع في عالمنا العربي والإسلامي.

وفي تقديري أن الأمرين يرتبط كل منهما بالآخر، وللخروج من هذه المشكلة تأتي مسألة التوائم والانسجام بين الإدارة العامة والجمهور، وتحمل المسئولية بصورة مشتركة منفتحة واعية، مع أن المبادرة ينبغى أن تكون من الأولى. فبقدر ما يزيد التقارب الفكري والعملي بينهما، ستضيق الهوة المتمثلة في التعارض بين الوطنية والتدين واقعا، وسيصبح التدين- مع تعدد مذاهبه- مكرسا للوطنية فكراً وعملاً، كما ستكون الوطنية محترمة للتدين مهما كان شكله.

رضا علوي السيد أحمد
كاتب من البحرين

لمناسبة مرور 40 عاما على صدورها يسعد العربي
أن تنشر تباعاً شهادات كتاب العربي لكبار العدول

العربي ونضج الربعين
بقلم: عبد الله البردوني

مجلة العربي ضرب من الأعلام المعنوية، الذي يذكر بأسلاف وزملاء من الزمان وأهله ومن الأحداث وجداتها ومن الصحافة وخلفياتها.

فقد أطلت على مفترق الأزمان والأحداث والناس والصحافة. وكان بين إشراقها وغروب الحرب العالمية الثانية ثلاثة عشر عاما. تمخضت بها الظروف على خلاف تمخض ظروف أقطار أخرى. وشبت ثورة رشيد الكيلاني في العراق عام 41 واندفنت في مهدها، كنتيجة للتحرر من المشانق التركية، لأن العرب لا يحاربون إلا بعد نصر ولو كان وهميا، مع أنهم استبدلو بالنير التركي نيراً أقوى لأنه صنع سابقين إلى الثورات السياسية والعلمية.

وجاءت ثورة 23 يوليو بمصر عن دوافع وطنية شريفة الغايات، فنشأت في ظلها ثورة الجزائر، وتلتها ثورة تموز بالعراق عام 58 ونجحت عالميا لإسقاطها حلف بغداد، أما ثورة مصدق في إيران فإنها قبل أن تمد قناديلها.

وبين الثورات والانتكاسات أطلت مجلة "العربي" من هالتها العربية الثقافية كشمس أضاءت من هالة تميمية، فكانت أصدق بشير لميلاد الاستقلال الكامل على أرض الكويت، وكانت تسميتها تدل على صدق ميعادها: العهد العربي، لأنها تبلجت في زمن الرغد الثقافي، إذ سبقتها مجلة "الآداب" البيروتية و"القلم الجديد" الأردنية و"الثقافة الوطنية" البيروتية بستة أعوام، وكانت تنفرد بمناقب كثيرة أهمها: أولا: الانتماء إلى الأرومة الخصبة العربية، ثانيا: امتدادها على الأجواء الضوئية من التحولات، إذ أتت بعد تحديث توالي تحركه من منتصف القرن التاسع عشر إلى انطفاء الحرب العالمية الثانية.

وكان التحديث يحبو ويزحف في جميع الميادين: الميدان الاجتماعي بدعوة، تعليم المرأة ثم تحريرها كما في كتابي "تعليم المرأة" و"المرأة الجديدة" لقاسم أمين، إضافة إلى استقدام العلم الغربي والقدوم إليه وبالأخص في عهد محمد علي. ولما خفت أضواء الخديوية بمصر، تبازغت القومية وكان أول مظاهرها: تشكيل الأحزاب القومية بشقيها: البعثية والقومية التحررية.

وكانت المجتمعات العربية على شتى من النقائض، بين تباعد الأقارب وبين تعدد ألوان الأعلام وقامت المنابر، لأن التحديث الذي توالى نحو قرن، من القرن السابق والحاضر كان مختلف الدعوة متقارب الداعين، وكان زمن بعد الحرب العالمية خصب المنابت تتنامى في حدائقه التفاح والحنظل والكروم والعوسج، لأنه موسم إنبات عام كفجر الربيع.

فكان هناك تحديث يدعو إلى العروبة والإسلام معا، وكان هناك تحديث يخالف فيرى العروبة والإسلام نقيضين بلا رؤية نقائض في الجذور الأولى وفي الفروع التي تعطلت. وجاءت الحداثة الثانية منذ الستينيات وحتى منتصف السبعينات متمازجه بالوجودية بفضل ثقافة سارتر وتنوع مؤلفات زملائه في الشعر والرواية والمسرح، لكن على صراع مع دعوات أخرى أجاد إيصالها الشيوخ الأجلاء، وكانت تتلخص دعواتهم في أن تقوم حضارتهم المعاصرة على الحضارة العربية القديمة، مواكبة أمثالها في الشرق الأدنى، وبالأخص حضارة الهند والصين، لأن قرابة المكان من المكان أنس الإنسان بالإنسان.

أما ما سموها الدعوة الأسموية فنادت بإلحاح على تغذية الحداثة العربية الجديدة في نطاق تآزري بين العروبة والإسلام، وأشاروا إلى نمو الحضارة، بدليل أن عربي القرن العشرين اختلف عن القرنين السابقين اختلافا تطوريا لا عكسيا، غير أن مغريات الغرب وقدرة سياسته واقتصاده وعسكرية استعملت كل أسلحتها بما فيها الثقافة.

وكان الاستطلاع الأمريكي يستطلع كل مرمى نظر فيحتل الفراغ الذي يرى، فكادت أن تخفت الحداثة العربية الإسلامية والشرقية الذاتية.

وتبدي هذا من دون وضوح في مجلات ثقافية كالقلم الجديد في الأردن، والأقلام في العراق، وشكلت الهلال أمومة كل جديد ريثما يلوح أجد دون استبانة قيمة المردود، وتمكنت "مجلة العربي" أن تعلو على الزعازع والغيوم فتعبر طريقها الوسط، تؤمن بالوسط، تؤمن بالإسلام دينا والعروبة نسبا والوسطية ثقافيا أي: ميدان الجمهور الكاسح الذي لا يغرق في ضبابية الغرب، ولا يظل في ظل البوذية والكونفوشيوسية، لأنها بنت الأرض التي تنبسط عليها الشمس اثنى عشر ساعة، وهذا النهج بين الثبوت المتأني والتحول المستبصر وبين اعتصار كل جديد، لأنها تبنت الرصانة والانفتاح كما تشهد تعدد موضوعاتها في كل عدد، وكما يتكاثر قراؤها في كل فصل، لأنها مجلة الثانوي والجامعي والابتدائي، والدكتور في العموميات من تخصصه أو في تخصصه من العموم.

أما أهم صفات مجلة "العربي:" فهي هذه المواصلة من زمن ميلادها إلى زمن إعلان النبوة، لأنها كانت تنشر الأدب المتفق عليه بغض النظر عن السبب. أليست الأربعون زمن إعلان كل الأنبياء دعواتهم باستثناء السيد المسيح؟ كما أنها علامة زيادة نضج الناضج وأحيانا فجر البادئ، أما استهل روسو فلسفته السياسية والاجتماعية في الأربعين؟ أما صاح نبوغ النابغة الذيباني قبل ديك الفجر في سنته الأربعين؟ أما لمع تفوق النواسي في الخامسة والثلاثين؟ لأن هؤلاء لم يتحدثوا ولم يحدثوا انما كانوا أحداثا من ذاتها، لأن كل حدث يعرف من خلال نفعه العام لا من بريقه الآني، وذلك هو الفرق بين موسى والسامري وبين محمد ومسيلمة، وتلك الأمثال نضربها للناس.

أسلوب عصري

.. رئيس التحرير

تحية طيبة وبعد،،

بادئ ذي بدء أتمنى دوام الصحة والعطاء بحلول العيد الأربعين للمجلة الغالية علينا جميعا، وجلة العربي الرائدة والزاهرة أبدا. ولا يسعني إلا أن أثمن دورها الرائد في إعلاء ودعم الثقافة العربية العظيمة بأسلوب عصري قلما نجده في أي دورية أخرى. وإذا جاز لي أن أذكر شيئا رافقني وساهم في توسيع مداركي عبر عمر تجاوز الأربعين، فإنني أذكر ودون تردد العربي الرائدة التي أحرص على لقائها مطلع كل شهر منذ أكثر من عشرين عاما.

وها أنا أبعث لكم بتهنئتي تلك بعد أن فرغت من قراءة عددها لأن الثقافة العصرية هي روح الحضارة وعماد البقاء.

د. وائل أبوعرفه-
القدس الشريف

إفريقيا.. البيضاء

.. رئيس التحرير

بين سهول السافانا وساحل الذهب، تمتد الصحارى ليتقلص الحزام الأخضر على الوسط الأفريقي الضامر، يغدو التناقض هنا سمة للمكان كما هي تخمة الشمال من جوع الجنوب وكما هي مناجم الذهب والألماس، والأسواق الخام ترسم على الأرض سياسات الأبيض للمكان، وتقسمه إلى دوائر نفوذ ومحميات في قارة سمراء لها لون "العاج"اسمها: إفريقيا، ومنذ حرر "هنري بورتون" تقريره عن استراتيجية حوض الكونغو والثروات الدفينة فيه، ومنذ لمع بريق الذهب في "جوهانسبورغ" اشتعلت القارة بنيران الحروب والمطامع كما لم يبخل "المبشر الأبيض" على إنسان الجنوب فصادر حريته ثم صدره من جزر الرق في الأطلسي إلى "سواحل الحرية" في العالم المتحضر، وبعدها أهداه نظام "الآبارتيد"، وعضوية قسرية في المنتديات الاقتصادية للقوى الاستعمارية ، في القراءة السياسية لتطور العلاقات الدولية تعيدنا البدايات إلى التحول في الفكر السياسي الأوروبي من "النظرية القومية" كأولوية لسياسة الدولة الفرنسية في حقبة ماضية إلى مبدأ "توازن القوى" وليد "فيينا 1815" كناظم لدبلوماسية أوربا طيلة قرنين، ثم من "مترنيخ" النمسا و"سياسة البلاط" إلى الطرح البسماركي الألماني لسياسة القوة، ثم يتطور التبرير الفلسفي للعلاقات الدولية إلى إقرار حق الشعوب والقوميات في "تقرير مصيرها" وبعد مؤتمر السلام 1919 يلتقي الفكر السياسي الأوروبي بالأمريكي ليطلق "ولسون" نقاطه الأربع عشرة ويتحدث عن إحلال "الأمن الجماعي" بدل المحلي وعن تبني أوربا دبلوماسية "الأوراق المفتوحة" ثم يدعو "روبرت سكومن" في 1950 إلى أوربا فيدرالية موحدة يكون التطور الاقتصادي خطوة أولى نحوها وصولاً إلى زمن، الشركات الدولية والمنتديات الإقليمية في زمن العولمة، ومع حركات التحرر الوطني وتبلور سياسات غريبة جديدة ومع انفتاح الأسواق وليدة الثورة التكنولوجية يطلق "ديغول 1958" إعلانه رغبة فرنسا تصفية مستعمراتها، لكن حضوراً فرنسياً وأوروبيا لم ينقطع في المكان من معاهدات واتفاقيات اقتصادي وعسكرية وقواعد مفتوحة على كل احتمال، وبين باريس وداكار كما الغرب الأفريقي كله ترى ثقافة "خلاسية" من الإرث القديم كلون الإنسان والمكان، واليوم يؤم "رجال الزولو أبواب اللوفر" في باريس، حيث القمة العشرين الفرنسية- الإفريقية تسوق لشراكات غير متكافئة ولجنوب تابع موضوعها "التنمية والأمن" والتاهيل لشعوب عاشت في أوطانها "سخرة" لشمال لا يعرف الشبع، أثقلته سياساته وفاجأته رياح الغرب الأقصى القادم على عجل إلى أسواق تحكمها "شريعة القوى"، فتقرر فرنسا الشريك التجاري الأول أن تتطلع إلى خارج "حقلها الصغير" كما قال "شارل جلوسين" وزير التعاون، لكن ورغم توسيع هذا المنتدى بعد أن كان حكراً على المستعمرات الفرنسية السابقة، ورغم المساعدات المادية من فرنسا لمجموعتها فيما "وراء البحار" والتي وصلت إلى 4 مليارات فرنك فرنسي سنوياً (3 مليارات دولار عام 97) ورغم سياسة الإصلاح والتنمية ومساعدات المؤسسات المالية الدولية فإن إفريقيا لا تزال اليوم تحت خط الحياة.

"لماذا نريد التنمية؟" أبدا ليس الرخاء وحده، ولا الغد الآمن في الصيغة الدولية القطبية الجديدة والتي توزع الأدوار وانماط الإنتاج والسلوك والثقافات على الشعوب والحكومات بل: لنحفظ القيم الاجتماعية والأخلاقية والموروث الحضاري وهوية الأمة.

فراس كيالي
حلب- سوريا

موسوعة العربي

يحيا فؤادي على عشق لها وأبي

قد عاش عشق أبيه "للعربي"

جميلة في عيون الخلق مذ خلقت

وها هي الآن في ثوب الهوى الذهبي

وها هي الآن فوق الفوق في حلل

تربو على الشمس بل تجتاز في الرتب

الله من آية للعلم قد خلقت

وروضة من عيون العشق والأدب

قد عشت أحضنها دوما وتحضنني

فما سئمنا لقاءات على الشهب

وما سئمت عناقا كاد يقتلنا

وما ارتضينا بديلاً عنه واعجبي

الحب الأول للفتى وأتى

به النبي الخاتم العربي

علي سلمان علي الشميري
اليمن- جدة

مجمع الأفئدة

.. رئيس التحرير

ما أكثر نقاط الالتقاء التي تجمعنا كعرب من تاريخ ولغة ودين وثقافة وجغرافيا وغيرها. رغم كل ذلك تجدنا نتأثر بسرعة بالاتجاهات المسمومة لإلغاء هذا الواقع المشرف.

ولكنني على اقتناع تام بأن أمة تأخذ من العالم قبله كموقع، دينها الإسلام، لغتها العربية، عواطفها الحب والحنين لن تموت.

اسمح لي أن أعتز كل الاعتزاز بمجلة العربي التي تشكل عنصراً من عناصر الوحدة كجزء من الثقافة المشتركة فعندما يقرأ هذه المجلة الآلاف على امتداد الساحة الكبيرة للوطن الكبير. لا شك أن ذلك يجمع الأفئدة والعقول حول الهموم الكبيرة والآمال العظيمة.

كلي ثقة أن يجد القارئ العربي أن الغاية هي توحيد العرب وأن يكون العدو واحداً وهو إسرائيل ومن يقف خلفها فمن يحفر خندق الآلام في جراح القلب غيرها.

د. علي إبراهيم محمود
دمشق- سوريا

رسالة من الإنترنت
أمة من التاريخ

.. رئيس التحرير

إنني واحدة من قراء مجلة العربي الذين يقدرون قيمة هذه المجلة، ومن أهم أبوابها حديث الشهر الذي يكشف عن أفق واسع نحتاج إليه كثيراً في عالمنا العربي، والآن لفت نظري مقالتكم في عدد فبراير "1999" عن الكويت والعراق "دراسة تاريخية ونفسية" وأنا أتفق معكم ومع الدكتور "العروي" أننا أمة من التاريخ وهذه مشكلتنا الأساسية، اننا ندرس تاريخنا كمجموعة في الأحداث البيضاء والسوداء دون ان نتحكم في هذه الاحداث، وقد درسنا في مناهجنا أن هناك معارك إسلامية خالدة لكننا لم نتوقف لنرى ماذا يمكن أن يفيدنا من هذه المعارك "إن معرفتنا بالأسباب التاريخية لحدوث العدوان يمكن أن تفيدنا لكي نقي أنفسنا من تكراره فيكفي حدوث ثلاث حروب تكررت في الخليج كانت أهمها احتلال العراق للكويت".

فاطمة الشيخلي

وتريات
القلب

قلبي اذا ما نهاه العاذلون عصى

ياويحهم هل يظنون القلوب حصى؟

قلوب أهل الهوى كالثلج ذائبة

من الجمال وكم قلبا له شخصا

اقول للعاذل اللاحي ترفق بي

فالقلب كالطفل إن غنيته رقصاً!

وكيف اما رأى الآلام سارحة

ومن مضى خلف سراب الغيد ما نكصا

أيترك الغيد ترميه بمقلتها

وكم عليها بايام الهوى حرصا

والعمر في هذه الدنيا له فرص

إياك يا صاحبي إن تترك الفرصا!

والقلب قد يرتوي من ثغر فاتنة

والثغر لو مص منه الشهد ما نقصا!

دعه اذا هم فالاشواق تدفعه

والباز كم للقطا عند الضحى قنصا!

واعلم إذا لم يكن بالسيف تردعه

فكيف تردعه عن غيه بعصا!

نهاية الأمر ليس القلب تحسبه

طيرا اذا صدته أودعته القفصا!

أحمد محمد آل خليفة- البحرين

 



أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات