عزيزي القارئ

عزيزي القارئ

الجامعة

عزيزي القارئ..

في هذا الشهر الذي أعقب الاحتفال بمرور أربعين عاما على إصدار هذه المجلة ودخولها في العقد الخامس من عمرها التنويري تأخذك "العربي" في استطلاع يحتفي بمرور مائة عام على إنشاء إحدى أشهر الجامعات العربية، (جامعة القاهرة)، لتؤكد ضرورة تواصل أبواب المعرفة جميعاً وانفتاحها أمام المثقف العربي. إن دلالة وجود الجامعة، وحيويتها في أي أمة هي مؤشر على وجود هذه الأمة ذاتها تحت الشمس. ويا له من معنى رحيب ذلك الذي يؤسس له، ويوحي به، التكوين اللغوي للكلمة. ففعل الجمع هو ضم المتفرق بعضه إلى بعض، وتأليف القلوب إلى القلوب، وحشد الجنود لمواجهة المعتدي، والاتفاق على الأمور، وجعل الناس يشهدون صلاة الجمعة. فكأن الجمع فعل للنماء في أمور الدين والدنيا، والجامعة ليست بعيدة عن ذلك. فالجامعة المعنية هي مؤسسة للتعليم العالي، مؤلفة من عدة مدارس أو كليات، يختص كل منها بفرع من فروع المعرفة، وتشكل في مجملها عقل الأمة الأرقى. وقد أطلق هذا الاسم على المدارس الفلسفية ومدارس الخطابة في اليونان القديمة، وعلى المدارس العربية الإسلامية كالأزهر والقرويين والمدرسة النظامية، وهي التي كان لها جميعاً أكبر تأثير في نشأة الجامعات الأوربية، حوالي القرن 13. وقد انتقلت كلمة الجامعة من الدلالة على مجموع الطلاب والمدرسين الذين كانوا يؤلفون رابطة ذات استقلال ذاتي وامتيازات خاصة معترف بها، لتدل على ما تدل عليه اليوم منذ القرن 14، وهذا بعض مما يشير إلى فضل الجامعات العربية على جامعات العالم.

نشأت الجامعات، معظمها- ومنها جامعة القاهرة التي بدأت باسم الجامعة المصرية عام 1908- بجهود أهلية، ثم اكتشفت الأنظمة أهميتها- سواء في الحكم أو الفعالية المجتمعية- فأسبغت عليها الرعاية، وراحت تؤسسها بذاتها، وتنفق عليها، وتتولاها بالإشراف نظراً لخطورتها في إعداد قادة الفكر وتوجيه الرأي العام، لكن الجامعة تظل أوسع أثراً من ذلك، خاصة في نهاية هذا القرن، ومع مطلع قرن جديد أداته للنهوض العلوم والتقنية واستثمار ثورة المعلومات الهائلة في كل مناحي الحياة.

إن الجامعات العربية الحديثة لم تتأسس إلا في أواخر القرن 19، في بيروت ومصر وسوريا، لكنها الآن تعم كل أرجاء الأرض العربية من الخليج إلى المحيط. وهي توصل خيطاً بدأه العرب بالريادة، وتأمل في أن تمد هذا الخيط إلى سداة التميز في عالم صارت فيه المعرفة هي أغلى كنوزه والمعلومات هي أرقى اقتصادياته.

إن "العربي" إذ تحتفي في هذا العدد بعبور جامعة عربية عريقة لمئويتها الأولى، إنما تؤكد أن الجامعات هي جبهة التقدم في عصرنا، لا صلاح لنا إلا بصلاحها، ولا ارتفاع إلا بارتفاع أدائها. لجامعاتنا العربية كلها أخلص الأماني بتنامي الفعالية والرفعة. وإلى لقاء متجدد.

 

المحرر

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات