الاحترار وعالمنا العربي

 الاحترار وعالمنا العربي

صار ارتفاع درجة حرارة الجو في معظم بلدان عالمنا العربي ملحوظاً، بكل ما فيه من معاناة وتخوفات، فإلى أين تمضي بنا هذه الظاهرة؟

إن غازات الدفيئة الموجودة في الطبيعة تبقي الأرض دافئة بما يكفي لجعلها صالحة للاستيطان, وإن نشاطات الإنسان أدت إلى زيادة تركيز هذه الغازات وإضافة غازات جديدة مثل مركبات الكربون الكلورية الفلورية الأمر الذي سيؤدي إلى رفع المتوسط السنوي لدرجة حرارة الهواء على الصعيد العالمي, وإذا ما حدث هذا فإن التغيرات الناجمة عنه قد يكون لها تأثير كبير على سكان الكرة الأرضية.

وينجم عن سلسلة كبيرة من الأنشطة البشرية انطلاق غازات الدفيئة, وأهم هذه الغازات هي:

1 ـ ثاني أوكسيد الكربون:

تطلق الكائنات الحية التي تعيش فوق الكرة الأرضية نحو 100000 مليون طن سنوياً من غاز ثاني أوكسيد الكربون عن طريق عملية التنفس, وتطلق النباتات المتفسخة كمية تتراوح بين 2000 ـ 5000 مليون طن في السنة, إلا أن الأنشطة البشرية بعد الثورة الصناعية أدت إلى الإخلال بهذا التوازن وذلك بإطلاق كميات إضافية من ثاني أوكسيد الكربون على طريق إحراق الوقود الاحفوري, وازالة الغطاء الغابوي, وتقدر كمية غاز ثاني أوكسيد الكربون التي تنبعث من حرق الوقود الاحفوري بنحو خمسة مليارات طن سنوياً, وإن تدمير الغطاء الغابوي بفعل التصحر وإزالة الغابات يؤدي إلى انبعاث كمية منه تقدر بنحو 1600 مليون طن سنوياً.

2 ـ أوكسيد النيتروز:

ينتج من العمليات الميكروبولوجية التي تتم في التربة والمياه وحرق الوقود الأحفوري.

3 ـ الميثان:

ينتج الميثان من البكتريا اللاهوائية التي تعيش في النظم الايكولوجية في المناطق الرطبة, ويتولد من نشاطات الإنسان في هذه الأقاليم بدرجة رئيسية كزراعة الأرز وتربية الحيوانات المجترة واستخراج الفحم من المناجم وفي أمعاء الحشرات المستهلكة للخشب كالنمل الأبيض.

4 ـ مركبات الكربون الكلورية الفلورية:

إن مركبات الكربون الكلورية الفلورية وخاصة المركبات الأكثر استعمالاً كمواد دافعة ومذيبة في مرذات الايرصول, وكمواد سائلة في معدات التبريد, وكعوامل لدفع الرغاوي, وكمذيبات في صناعة الإلكترونيات, وهي لم تكن موجودة في الغلاف الجوي قبل اختراعها في الثلاثينيات من هذا القرن.

وقد ارتفع تركيزها حتى وصلت إلى 392 جزءاً في الترليون من حيث الحجم عام 1986, وهي في ازدياد.

5 ـ الأوزون التروبوسفيري:

لقد كان تركيزه في طبقة التروبوسفير عام 1985 يتراوح بين 0.01 ـ 0.1 جزءاً لكل مليون من حيث الحجم, وهو في طريقه للزيادة.

وتساعد الانبعاثات الناتجة عن الأنشطة البشرية في زيادة تركيزات غازات ظاهرة الدفيئة بنسبة كبيرة في الغلاف الجوي, فغاز ثاني اوكسيد الكربون يساهم بنسبة 48.6 بالمائة من التأثير الإشعاعي الذي تسببه غازات الدفيئة الناجمة عن الأنشطة البشرية, يليه من حيث التأثير المواد الكلوروفلورو كربونية بنسبة 26.7 في المائة, ثم غاز الميثان بنسبة 13.3 في المائة, واوكسيد النيتروز 6.7 في المائة, وتساهم الغازات الأخرى بنسبة 6.7 بالمائة الباقية.

نحن وتبدلات المناخ

بدأ تسجيل الإحصائيات المتعلقة بتبدلات المناخ عام 1861م, وتعتمد منظمة الأرصاد الجوية العالمية في عملية التنبؤ بالتغيرات المناخية إلى ملاحظات أكثر من ألف محطة للرصد الجوي موزعة على مختلف أرجاء الكرة الأرضية, وتشير تقديراتها الى أن درجة حرارة سطح الكرة الأرضية قد ارتفعت 0.6 درجة مئوية خلال القرن الماضي, وقد شهدت سنة 1998م ارتفاعاً قياسياً في درجة الحرارة لم يسبق أن سجل منذ بدء تسجيل الإحصائيات المتعلقة بتبدلات المناخ عام 1861م, وإن ارتفاع معدلات حرارة الهواء يثير القلق, ويمكن أن يؤدي إلى آثار سلبية على الاقتصاد والبيئة والمجتمع.

وتشير تقديرات الفريق الحكومي المعني بتغير المناخ انه في حالة بقاء الانبعاثات عند معدلاتها المعتادة فإن درجة حرارة هواء سطح الأرض سيرتفع في القرن المقبل بمعدل 0.3 درجة مئوية في العقد الواحد, الأمر الذي سيؤدي إلى زيادة مرجحة في متوسط درجة الحرارة على النطاق العالمي عن القيمة الحالية يبلغ مقدارها ثلاث درجات مئوية في نهاية القرن المقبل, يتبع ذلك ارتفاع متوسط سطح البحر على النطاق العالمي بنحو ستة سنتيمترات في المتوسط خلال العقد الواحد خلال القرن المقبل بسبب التمدد الحراري للمحيطات وذوبان الجليد القاري, ويبلغ الارتفاع المتنبأ به في متوسط سطح البحر في نهاية القرن المقبل على النطاق العالمي بحدود 65 سنتيمتراً, كما يؤدي تغير المناخ إلى ظهور عواقب اجتماعية واقتصادية خطيرة.

ويمكن أن يكون لارتفاع درجة حرارة الغلاف الجوي المستحث بتأثير الدفيئة عواقب كبيرة على النظم الاقتصادية والاجتماعية والطبيعية في الوطن العربي, ذلك ان ارتفاع درجة حرارة هواء سطح الكرة الأرضية ثلاث درجات مئوية عام 2100م سيؤدي إلى ارتفاع في مستوى سطح البحر 65 سنتيمتراً على مستوياته الحالية, كما تنتقل الحدود المناخية للزراعة صوب القطبين بمعدل 200 ـ 300 كيلومتر مقابل كل درجة مئوية ترتفع بها درجة حرارة هواء سطح الكرة الأرضية, وبنحو 150 ـ 200 متر فوق المنحدرات الجبلية, وتحدث تأثيرات حتمية وملموسة على الموارد الاقتصادية والاجتماعية والطبيعية في الوطن العربي.

إن ارتفاع مستوى سطح البحر سيعرض آلاف الكيلومترات المربعة من المناطق الساحلية المنخفضة في الوطن العربي للغرق, حيث ستتعرض دلتا النيل وأجزاء من السهل الرسوبي في العراق والمناطق الساحلية المنخفضة في الجزيرة العربية وسواحل بلاد الشام وشمال إفريقيا للغرق , وستتعرض المدن الساحلية في الوطن العربي للخطر حيث سينزح الملايين من سكانها بسبب تآكل السواحل والجفاف وما يصاحب ذلك من مشاكل صحية حيث لا يتوافر في المناطق التي يلجأ إليها هؤلاء خدمات تكفي لتوفير الراحة للمهاجرين, وربما تتفشى الأوبئة في مخيمات هؤلاء اللاجئين.

وفي إقليم البحر المتوسط الذي يسود أرجاء واسعة من شمال الوطن العربي سيؤدي التغير المناخي المستحث بتأثير غازات الدفيئة إلى انخفاض إنتاجية النباتات وسيفضي إلى تصحر السهوب في شمال إفريقيا والشرق الأوسط, وسينتقل الحد العلوي للصحارى تحت تأثير تغير المناخ ليمتد على الأرجح إلى أقدم جبال الأطلسي الأعلى والأوسط وأطلس التل في شمال إفريقيا, وأقدام جبال طوروس وزاجروس ولبنان والعلويين في المشرق العربي, وستغمر مياه البحر نحو 10 بالمائة من أراضي جمهورية مصر العربية الصالحة للزراعة, وأجزاء من بساتين النخيل على ضفاف شط العرب في العراق.

كما ان التغيرات المتعلقة بالمناخ والتي تحدث في الغطاء الغيمي والهطول والرياح ستؤثر على الأشكال الأخرى من الطاقة المتجددة في الوطن العربي كالطاقة الشمسية وطاقة الرياح, وتؤثر تأثيراً كبيراً على الطاقة الكهرومائية بما تحدثه من تغير في توافر موارد المياه مما يجعل بعض مرافق القدرة الكهرومائية الحالية شيئاً بطل استعماله, كما سيزيد ارتفاع درجات حرارة الهواء من استهلاك الطاقة لتكييف الهواء في الوطن العربي, بينما سيؤدي إلى انخفاض استهلاك الطاقة لأغراض التدفئة.

إن أهم مناطق الوطن العربي تأثراً بالتغير المناخي بالنسبة للإنتاج النباتي بسبب انخفاض توافر الموارد المائية هي غرب الجزيرة العربية والمغرب وموريتانيا والصومال وجيبوتي ومناطق شرق السودان, وإن ارتفاع درجات الحرارة في بعض أرجاء الوطن العربي ما بين 1 ـ 2 درجة مئوية سيؤدي إلى انخفاض الهطول بنسبة 10 بالمائة, الأمر الذي سيؤدي إلى انخفاض الجريان السطحي السنوي بنسبة تتراوح بين 40 ـ 70 بالمائة.

ونظراً لأن اغلب طرق النقل في الوطن العربي هي على الشريط الساحلي, فإن جميع الجسور والطرق السريعة ستكون مهددة بخطر ارتفاع مستوى سطح البحر, كما ستتعرض البنى الأساسية بالنقل البري للخطر في الوطن العربي.

وتحدث التغيرات في الحرارة والهطول في الوطن العربي تغيراً جذرياً في أنماط الأمراض التي تحملها النواقل والأمراض الفيروسية وذلك بإزاحتها صوب مناطق عرض أعلى مما يؤدي إلى تعرض أعداد كبيرة من سكان الوطن العربي للخطر.

ويؤدي ارتفاع درجات الحرارة على النطاق العالمي وتزايد الإشعاع فوق البنفسجي نتيجة لنفاذ الأوزون السترتوسفيري إلى تأثيرات ضارة على جودة الهواء في الوطن العربي, ومن شأن زيادة الإشعاع فوق البنفسجي (ب) عند سطح الأرض أن يزيد من خطر حدوث أضرار في الجلد والعيون.

ويمكن لزيادة عدد الموجات الحارة أن يزيد من مخاطر الارتفاع المفرط في معدلات الوفيات في الوطن العربي, حيث تؤدي الى زيادة الإصابة بالإجهاد الحراري وضربات الشمس.

ويترتب على المجاعة وسوء التغذية وتدهور نوعية المياه الصالحة للشرب المستحث بالجفاف في الوطن العربي عواقب وخيمة على صحة الإنسان العربي وبقائه.

ماذا نفعل?

يمكن أن تكون لارتفاع معدلات حرارة الغلاف الجوي المستحث بالظاهرة الدفيئة عواقب كبيرة على النظم الاقتصادية والاجتماعية في الوطن العربي, وينبغي اتخاذ خطوات قومية لفهم التأثيرات الناجمة عن هذا التغير على سكان الوطن العربي وموارده الطبيعية, ذلك ان ارتفاع مستوى سطح البحر وتغير طابع حركة الغلاف الجوي وما ينجم من تغيرات في أنماط الطقس الآلية واحتمال قلة الموارد المائية العذبة وانتشار الأمراض والآفات وزيادة كمية الأشعة فوق البنفسجية (ب) التي تصل إلى سطح الأرض, يمكن أن تؤثر في إمكانية الإنتاج الزراعية والغذائي, وتحدث تأثيراً ضاراً في صحة الإنسان العربي ورفاهيته.

ولابد لنا أن ندرك أن قدرة الدول العربية الفقيرة على التكيف مع التغيرات المحتملة, وعلى التقليل إلى أدنى حد من مساهمتها في هذه التغيرات من خلال ابتعاثات غازات الدفيئة مقيدة بمواردها المحدودة ومشاكل ديونها الخارجية وا لصعاب التي تواجهها في محاولة تنمية اقتصادياتها على أساس مستديم, ويتطلب الأمر تعاونا كبيرا بين الدول العربية لتقدير التأثيرات المحتملة لتغير المناخ والتصرف حيالها بشكل جماعي, والتعاون مع المنظمات الدولية المتخصصة كبرنامج الأمم المتحدة للبيئة والمنظمة العالمية للأرصاد الجوية, للضغط على الدول الصناعية لوضع الضوابط التي وضعت في الاتفاقيات الدولية المتعلقة بتغير المناخ قيد التطبيق, لأن العواقب الخطيرة المحتملة لتغير المناخ على البيئة العالمية وبيئة الوطن العربي تعد أسباباً كافية لاعتماد استراتيجيات استجابة فورية.

ونقترح هنا التدابير الواجب اتخاذها على الصعيد القومي لمواجهة تغير المناخ, وأهمها:

1 ـ العمل على تثبيت تركيزات غازات الدفيئة في الغلاف الجوي عند مستوى يحول دون حدوث تدخل خطير بشري المنشأ في النظام المناخي من خلال تكييف النظم الايكولوجية طبيعياً مع تغير المناخ لضمان عدم تهديد الإنتاج الغذائي وتمكين التنمية الاقتصادية من الانطلاق بطريقة مستديمة.

2 ـ إنشاء مركز عربي للمناخ لتحقيق أهداف مناخية تطبيقية كمراقبة الجفاف وارتفاع معدلات حرارة الغلاف الجوي.

3 ـ تحسين فاعلية الخدمات المناخية العربية وإدخال تحسينات على مراقبة المناخ وتقييمه على الصعيد القومي.

4 ـ وضع منهجيات لإعداد قوائم حصر مصادر ومصارف غازات الدفيئة في الوطن الغربي, وإجراء تقديرات قومية لمدى سرعة التأثر وتحديد تكاليف سياسات الحد من غازات الدفيئة.

5 ـ تعزيز القدرة على التنبؤ بالمناخ وتوفير دلائل واضحة على التأثيرات البشرية.

6 ـ وضع إطار عربي منسق لمعايرة البيانات المناخية وتبادلها بصورة كاملة وغير مقيدة.

7 ـ تعزيز أنشطة التدريب والتعليم والتوعية بقضية تغير المناخ في الوطن العربي.

8 ـ تنمية الموارد البشرية اللازمة لمعالجة مشكلة تغير المناخ وآثاره السلبية على الوطن العربي.

9 ـ العمل على تطوير الغطاء الغابوي في الوطن العربي.

10 ـ العمل على تطوير مصادر طاقة انظف يزخر بها الوطن العربي, كالطاقة الشمسية وطاقة الرياح.

11 ـ التخلص التدريجي من مركبات الكربون الكلورية الفلورية وفق بروتوكول مونتريال لحماية طبقة الأوزون الستراتوسفيرية والتعديلات التي جرت عليها.

12 ـ التعاون الدولي لتنفيذ اتفاقية كيوتو لتغير المناخ, ذلك ان معالجة الجوانب الأكثر تعقيداً في تأثير المناخ على النطاق العربي فقط هو معالجة مضللة.

13 ـ تطوير مصانع الغازات الحيوية في الوطن العربي لتقليل انبعاثات غاز الميثان الناجمة عن معالجة النفايات.

14 ـ إنشاء برامج قومية للمناخ دعماً للتنمية المستديمة في الوطن العربي.

15 ـ وضع منهجيات لتدير التأثيرات الاجتماعية والاقتصادية لتقلبات المناخ وتغيره على الوطن العربي.

16 ـ وضع برامج لمواجهة الطوارئ والكوارث لتقليل الآثار السلبية الناجمة عن ارتفاع حرارة الغلاف الجوي المستحث بتأثير ظاهرة الدفيئة على الوطن العربي.

الحياة عند الينابيع الحارة

يعتقد بعض العلماء أن الينابيع الحارة, عند قاع المحيط, تؤوي تنوعاً أحيائياً فريداً, يفوق الخيال. ويتأكد ذلك حين يكتشف العلماء, من حين لآخر, بعض تلك الأحياء, ومنها هذه الدودة (بومبيى), التي تعيش في مياه تلك الينابيع الحارة, وتتحمل.

لحم حوت للثعالب !

راعت اللجنة العالمية المنظمة لصيد الحيتان احتياجات سكان سيبيريا للحوم ومنتجات الحيتان, فسمحت للسكان هناك بالصيد. واكتشف المراقبون أخيراً أن جزءاً من لحم الحيتان المصيدة تأكله الثعالب التي يربيها السيبيـريون في مزارع خاصة, من أجل فرائها !

شر يوقظ شراَ

بمراجعة وقائع زلازل القرنين الماضيين, اكتشف الباحثون, في معهد كارينجى بواشنطن, ارتباط الهزات الأرضية بتنشيط البراكين الخامدة وتفجرها, حتى وإن كانت على بعد يصل إلى 540 ميلاً من مركز الزلزال. تكرر ذلك عشرين مرة, في مائتي سنة, مع الزلازل التي تزيد قوتها عن (7), فهي القادرة على تقليب الذوب الصخري في مكمنه, والضغط على غاز ثاني أكسيد الكربون المحتبس, ليندفع ويوقظ البركان الغافي!

 

عدنان هزاع رشيد