إلي أن نلتقي

إلي أن نلتقي

العشاق و.. القضم

لعل المصادفة وحدها هي ما جمع بين عيد العشاق، كما يسميه الغرب "الفالنتاين" والخبر الذي تناقلته وكالات الأنباء من القاهرة عن الرجل الذي ذهب إلى المخفر يشتكي من أن فتاة أكلت قطعة من لسانه مما سبب له عاهة مستديمة وهو يحتاج إلى تعويض.

الفتاة المتهمة، أفرج عنها، بشفاعة القديس فالنتاين، عندما قالت أمام النيابة العامة: إنني أحبه حباً جماً وقد كنا غارقين في قبلة طويلة.

ليس الموضوع هنا عيد العشاق بل قطع اللسان، فعبارة من نوع "من الحب ما قتل" معروفة منذ أيام روميو وجولييت الغربية، إلى حكاية جميل بثينة العربية، الشاعر الذي قتل نفسه حباً وهياماً.. لأنه لم يستطع "الوصال" مع حبيبته.

أما صاحب الشكوى الذي ذهب إلى المخفر مقطوع اللسان فقد كان يشكو من "شدة" الوصال. بالطبع لا تجوز المقارنة بين شكوى جميل من بعاد بثينة إلى حد يحطم القلب والفؤاد. أو من شكوى قيس الذي احترقت ضلوعه لأن ليلى حملت النار إليه وهي على بعد فراسخ، (يعني أميالا)، وبين مقطوع اللسان العصري، ولكن لا بد من طرح السؤال وهو كيف يستطيع العشق أن يقتل أو يعض أو يحرق قريباً أو بعيداً، وهو ما لا يستطيعه حتى أشد الأسلحة الكيماوية فتكاً؟

الجواب على هذا السؤال، كما يطرحه علماء الهندسة الوراثية، يقول إن جينات العشق في الدماغ البشري لا علاقة لها بإيحاءات القلب، بل بجيرانها من الجينات، وأقربها إليها هي جينات الكآبة، وعلى ذمة دراسة بريطانية، نشرت أخيرا، فإن جينات العشق تبذل جهوداً مذهلة للانفلات من عقالها عندما ترى المعشوق، وهو ما يدفع جينات الكآبة المجاورة لها إلى التكور وتحصين خطوطها الدفاعية، ونتيجة لهذا الصراع بين الجينتين: جينة العشق وجينة الكآبة، فإن الدورة الدموية تتسارع.. ويبدأ القلب بالخفقان دلالة على العشق.

هذا هو الجانب المفرح في الدراسة البريطانية، أما الجانب المحزن فهو أن العوارض نفسها تحصل عندما تغيب الحبيبة عن عيني حبيبها، فترتد جينات الكآبة لتأخذ الوضع الهجومي، بينما جينات العشق تتراجع إلى موقف دفاعي وهو ما يسبب أيضا سرعة في الدورة الدموية وخفقاناً في القلب.. ودليلاً على شدة العشق!

ولعل مأساة صاحبنا "مقطوع اللسان" أنه عاش التجربتين معاً، ومن دون فاصل موسيقي، فخفق قلبه مقترباً ومبتعداً بسرعة قياسية يستحق أن ينال عليها أكثر من تعويض.

 

أنور الياسين

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات