دور المساعدات الخارجية لإسرائيل

دور المساعدات الخارجية لإسرائيل

بناء دولة
1948 ـ 1996
عـرض: خالد الفيشـاوي

بحكم طبيعة تشكيل إسرائيل كمجمع عسكري استيطاني معاد للوسط الاجتماعي الموجود فيه تضافرت الاحتياجات الصهيونية العسكرية والديموجرافية والاقتصادية لتخلق فجوة كبيرة بين ما تقتضيه تلك الحاجات من رءوس أموال وبين ما يمكن تدبيره من المدخرات المحلية.

بالرغم من أن إسرائيل تدخل وفقا لتصنيف البنك الدولي ضمن دول الدخل المرتفع، حيث بلغ متوسط نصيب الفرد فيها من الناتج المحلي الإجمالي نحو 1592 دولاراً في عام 1995، فإنها مازالت أكبر دولة متلقية للاعانات في العالم، حيث حصلت على إعانات وتمويلات من الخارج بلغت قيمتها نحو 6.9 مليار دولار عام 1994 بواقع 1278 دولاراً لكل فرد فيها، أي أن هذا الاستمرار أمر غير منطقي بعد أن أصبحت دولة غنية يزيد نصيب الفرد من الدخل فيها عن نظيره في البرتغال واليونان وأسبانيا وإيرلندا ونيوزيلندا فضلا عن كل الدول النامية.

وهذا الكتاب للخبير الاقتصادي بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالاهرام أحمد السيد النجار، يقع في أربعة فصول، الأول منها، يتناول الضرورات العسكرية والاقتصادية والديموجرافية التي فرضت على إسرائيل الحاجة للإعانات الخارجية. والثاني: يتناول تدفق المساعدات الخارجية على إسرائيل من المصادر المختلفة ومبررات تقديمها وحجمها. أما الفصل الثالث فيبحث في الشروط التي استدانت بها إسرائيل، وحجم ديونها الخارجية، وأخيراً يأتي الفصل الرابع ليتناول احتمالات المستقبل بالنسبة لاحتياجاتها للمساعدات الخارجية واستمرار تدفقها من عدمه في ظل محاولات التسوية السلمية للصراع العربي - الإسرائيلي.

الممول

وفي رصده للمساعدات الأمريكية لإسرائيل منذ عام 1948 وحتى الآن، يؤكد المؤلف ضخامتها حيث تشير الاحصاءات إلى أن ما تلقته إسرائيل من أمريكا عام 1952 يوازي 93% من قيمة المساعدات الأمريكية الرسمية المرسلة إلى بلدان الشرق الأوسط.

وفي عام 1953 أوقفت الولايات المتحدة مساعداتها لإسرائيل نتيجة للأزمة الناجمة عن قيام إسرائيل ببناء قناة خاصة لتحويل معظم مياه نهر الأردن إليها، وأسفرت الأزمة عن وقف إسرائيل للمشروع واستئناف الولايات المتحدة إرسال مساعداتها، التي استمرت عند مستوى مرتفع عام ،1954 ولكنها بدأت في الانخفاض عام 1955 واستمرت هكذا حتى عام، 1961 لتعود للارتفاع عام 1962 إلى 71 مليون دولار عام 1965 ثم قفزت إلى حوالي 127 مليون دولار عام 1966، وهو العام السابق على الحرب. والذي شهد بيع صفقات أسلحة أمريكية ضخمة لاسرائيل. ليتراجع حجم المساعدات عام 1967 نتيجة لحصولها على مساعدات ضخمة من مصادر خارجية أخرى فضلا عن أن أمنها لم يعد مهدداً بعد انتصارها وكذلك المغانم التي حصدتها وأدت لزيادة مواردها.

ثمن السلام

ولكن اعتباراً من بداية السبعينيات بدأ سباق التسلح مرة أخرى، وبدءاً من عام 1971 قفزت المساعدات الأمريكية لإسرائيل قفزة هائلة فارتفعت من 71 مليون دولار عام 1970 إلى 601 مليون دولار عام 1971، وفي 1974 قدمت أمريكا مساعدة استثنائية بلغت قيمتها 2570 مليون دولار، وذلك نتيجة لخسائر إسرائيل في حرب أكتوبر. وقفزت مرة أخرى عام 1979 حيث بلغت 4815 مليون دولار ثمنا لاتفاق السلام الذي وقعته مع مصر لتعود إلى مستواها في العام التالي وخلال الفترة من 1981 إلى 1985 كان نصيب إسرائيل النسبي من المساعدات الأمريكية يدور حول ما يقارب ربع تلك المساعدات إلى دول العالم.

وفي عام 1986 تلقت إسرائيل المساعدات الأمريكية الاعتيادية التي بلغت 3 مليارات دولار، منها 1.8 مليار دولار مساعدات عسكرية و1.2 مليار دولار مساعدات اقتصادية وكلها منح لا ترد، فضلا عن منحة طارئة لا ترد بلغت 1500 مليون دولار.

وعام 1991 تلقت إسرائيل 3 مليارات دولار من الولايات المتحدة وهي المنحة المعتادة، فضلا عن تقديم ضمانات الحكومة الأمريكية لقروض مصرفية لإسرائيل من البنوك الأمريكية بقيمة 10 مليارات دولار، واستخدمت ضمانات القروض كوسيلة لحفز إسرائيل على المشاركة في عملية التسوية التي بدأت في مدريد في أكتوبر 1991.

وعليه، فقد بلغ مجموع المساعدات الأمريكية لإسرائيل منذ عام 1949 وحتى عام 1996 حوالي 66588 مليون دولار منها 2105 ملايين دولار قروضا، و23013 هبات و11413 مليون دولار قروضا عسكرية، و29380 هبات عسكرية ومساعدات خاصة لاستيعاب اليهود السوفييت خلال الفترة من 1973 إلى 1992 قيمتها 678 مليون دولار.

ويلاحظ المؤلف أن غالبية المساعدات الأمريكية لإسرائيل قدمت فيما بعد عام 1971، وأنها لم تخضع في كثير من الأحيان للقوانين الأمريكية، هذا فضلا عن أن أزمة 1953 كشفت عن قدرة المساعدات على إجبار إسرائيل سياسيا، إذا ما أرادت أمريكا ذلك.

تحطيم الأسطورة

ويفند المؤلف فكرة أسطورية سائدة بين العرب حول اختلاف مواقف الحزبين الرئيسيين الديمقراطي والجمهوري فيما يتعلق بحدود الانحياز لإسرائيل، معتبرين أن الديمقراطيين أكثر انحيازاً لإسرائيل من الجمهوريين ـ حيث كان جونسون نموذجا للانحياز المطلق لإسرائيل وهو ديمقراطي، بينما كان ريجان نموذجا فجا للانحياز أيضا لإسرائيل وهو جمهوري.

وفي المرتبة الثانية، تأتي المساعدات الألمانية لإسرائيل، وأساس هذه المساعدات هو المعاناة التي شهدها اليهود على يد النازيين الألمان، وإذا كان سقط في هذه المواجهة 4 ملايين يهودي، سقط أكثر من 45 مليون مسيحي ضحايا للاضطهاد، كما سقط ملايين المسلمين من شمال إفريقيا والهند وباكستان وبنجلاديش ضحايا للحرب التي شنها النازي وفاشيست أوربا. ولكن إسرائيل مازالت تخضع ألمانيا للابتزاز لتحصد التعويضات والمساعدات الألمانية.. في عام 1954 شكلت المساعدات الألمانية ما يعادل 30% من الموارد الإسرائيلية، وحتى عام 1971 كانت التعويضات الألمانية الغربية أكبر مصادر المساعدة الخارجية للإسرائيل. وتبلغ قيمة التعويضات التي تلقتها إسرائيل من ألمانيا حتى نهاية عام 1987 نحو 37 مليار دولار. بينما يشير وزير الخارجية الألمانية كلاوس كينكل أنها بلغت حوالي 60 مليار دولار حتى منتصف عام 1996، وستستمر حتى عام 2030 حيث سيصل حجمها إلى 80 مليار دولار.

وفي المرتبة الثالثة تأتي الجباية اليهودية أم مساعدات يهود العالم لإسرائيل، والتبرعات اليهودية دائما منح لا ترد، أما السندات الإسرائيلية فهي دين على الحكومة ضعيفة العائد.

وبلغت حصيلة الجباية اليهودية 10635 مليون دولار خلال الفترة من 1950 ـ 1980 وتأتي أساسا من اليهود الأمريكيين، وفي النصف الأول من الثمانينيات تلقت إسرائيل حوالي ألف مليون دولار من المؤسسات الصهيونية 70% منها من الولايات المتحدة، ومع الهجرة اليهودية السوفييتية ازداد حجم التمويل اليهودي فقدمت 350 مليون دولار عام 1990 و1228 مليون دولار عام 1991. والرقم الحقيقي لمجموع الجباية اليهودية لإسرائيل من عام 1950 وحتى عام 1994 يمكن أن يصل إلى 19368 مليون دولار وإن كان يصعب تحديده بدقة بسبب التعتيم اليهودي على البيانات.

التطبيع

ويستمر المؤلف في رصد المساعدات الأخرى التي تلقتها إسرائيل منذ نشأتها وحتى الآن، والتي بلغت في مجملها من عام 1918 إلى 1996 نحو 179.4 مليار دولار موزعة بين 76.6 مليار دولار مساعدات حكومية أمريكية متنوعة، و60 مليار دولار تعويضات ألمانية و19.4 مليار دولار جباية يهودية، و23.4 مليار دولار أصول أجنبية في إسرائيل.

وقد بلغ الدين المترتب من القروض التي تلقتها إسرائيل 32.46 مليار دولار عام 1990 ونظراً لأن عدد سكان إسرائيل بلغ 4.82 مليون نسمة بمن فيهم المسلمون والمسيحيون والدروز في عام 1990، فإن نصيب الفرد في إسرائيل من الديون يصل إلى 7522 دولارا. ومستوى ديون إسرائيل الحالي يعني كارثة لأي دولة أو مجتمع طبيعي، وإنما نحن إزاء دولة معسكرة يرتبط وجودها بمصالح الدول الغربية الكبرى التي تلتزم بتوفير جميع سبل الحياة له وتتكفل بحل أزماته.

وهكذا ساهمت الدول المانحة للمساعدات بشكل حاسم في صنع إسرائيل. وعن احتمالات استمرار تدفق المساعدات الخارجية لإسرائيل في المستقبل يتوقع المؤلف أن يستمر الغرب على استعداد في تقديم المساعدات لإسرائيل نظراً للترابط العضوي في المصالح التي تجمع بينهم، وإن كان التغير المحتمل هو التحول من المنح والقروض المالية إلى ضخ الاستثمارات المباشرة إلى إسرائيل لتحويلها إلى المركز الصناعي الرئيسي والمهيمن في المنطقة، وهو مرتبط بانفتاح إسرائيل على الأسواق العربية ففي التطبيع المزيد من المساعدات.

دوافع التسلح

وبشكل من التفصيل يبدأ باحتمالات المستقبل بالنسبة للضرورات العسكرية التي تكمن في حاجة إسرائيل للتوزان عسكريا مع دول المنطقة، وتكلفة هذا التوازن مع أقطار المواجهة تفوق قدرات وإمكانات إسرائيل. كما يتوقف احتياج إسرائيل للمساعدات الخارجية على استمرار الصراع العربي ـ الصهيوني، وهو صراع ذو طبيعة تجعل النهايات المتعادلة له أمر غير وارد ـ في رأي المؤلف على الأقل ـ وعليه فسوف يرتفع إنفاقها العسكري بشكل دائم وبما يتجاوز قدرتها على تمويله ذاتيا.

أما عن القول بأن انطلاق مسيرة التسوية السياسية للصراع العربي ـ الإسرائيلي في نهاية أكتوبر 1991 قد يؤدي إلى تراجع الإنفاق العسكري في كل من البلدان العربية وإسرائيل، ويرى المؤلف هذا مستحيلا، إلا احتمالا وحيدا بأن تكون تسوية مرحلية أو هدنة مؤقتة. وعليه فإن الإنفاق العسكري سيكون دائما في تزايد.. وكنا نأمل أن يتوقف المؤلف هنا بعض الشيء ليدرس علاقة النفقات العسكرية الفعلية وعلاقتها بالتقدم على مسار السلام منذ نهاية حرب 1973 وحتى الآن، وهل سياسات حكومات الليكود اختلفت عن حكومات العمل في هذا الشأن؟

على أية حال هناك عامل آخر يدفع إسرائيل لمواصلة الصراع مع العرب بغية الحفاظ على التماسك الهش للمجتمع الإسرائيلي والسعي لتحقيق الاندماج والتكامل الداخلي بين يهود إسرائيل المنحدرين من قوميات وشعوب متعددة. وهناك عامل ثالث لم يذكره المؤلف وإن كانت له وجاهته ويتعلق بأن السلام مع إسرائيل يتم في إطار صراع عربي ـ عربي، وأن الصراعات العربية تغري أكثر الإسرائيليين رغبة في السلام بالتشدد ضد العرب للحصول على أكبر قدر من المكاسب، بشكل أصبحت فيه حدة الصراعات العربية ـ العربية تهدد إمكانات التوصل لتسوية سلمية مقبولة في المنطقة.

وننتقل للضرورات الاقتصادية، حيث يصل المؤلف إلى أن خطط التصنيع والنمو الزراعي وتمويل عجز ميزان المدفوعات والرفع غير المنطقي لمستويات المعيشة تضع إسرائيل أمام احتياجات اقتصادية كبيرة لا يمكن مواجهتها إلا بالمساعدات الخارجية. وكذلك إذا ما تم التوصل لتسوية سياسية للصراع العربي ـ الإسرائيلي، فإن ذلك لا يعني بالضرورة علاقات اقتصادية عادية بين الطرفين.

الضغط الأمريكي

وتحاول إسرائيل بمساعدة الولايات المتحدة الأمريكية أن تنهي المقاطعة العربية لإسرائيل نظراً للخسائر التي تتكبدها نتيجة المقاطعة، والأموال الأمريكية الهائلة التي تتحملها أمريكا لتعويضها من خلال المساعدات الاقتصادية. وفي تقدير لحجم هذه الخسائر، أشار تقرير اتحاد الغرف التجارية الإسرائيلية إلى أنها بلغت 85 مليار دولار منذ عام 1952 إلى 1993، أي قرابة ربع إجمالي المساعدات الخارجية لإسرائيل فيما بين 1948 و1996. وعليه فإن الولايات المتحدة تضغط مباشرة على البلدان العربية من أجل فتح العلاقات الاقتصادية مع إسرائيل أملاً في التخفف من المساعدات الضخمة التي تقدمها لإسرائيل، والتركيز بالمقابل على ضخ الاستثمارات المباشرة إليها لجعلها المركز الصناعي والتجاري والمالي والسياحي للمنطقة.

أما عن الضرورات الديموجرافية واحتمالات المستقبل.. فإن استمرار احتياجات إسرائيل للمساعدات الخارجية لأسباب ديموجرافية تنطلق من حقيقة أن كل اليهود في إسرائيل لا يزيدون عن 30% من إجمالي يهود العالم، وبالتالي فإن إسرائيل تبذل جهوداً كبيرة لجذب يهود العالم للعيش فيها. وما يستتبعه ذلك من نفقات باهظة لاستيعاب المهاجرين المحتملين لإسرائيل ولا يمكن تمويلها إلا بالمساعدات الخارجية.

 

أحمد السيد النجار

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات




غلاف الكتاب