الإعلام العربي بين الأزمة وصياغة القرار أحمد عبدالملك

الإعلام العربي بين الأزمة وصياغة القرار

لا شك أن التفكير الممنهج، والرؤية الواضحة للأمور جعل القرارات التي تتخذ، أكثر واقعية خلال الاجتماعات الرسمية، حيث لا تؤثر فيها الانفعالات ولا ردود الأفعال لأحداث تكاد تكون مقلقة لبعض الدول.

ولقد درج العرب على التواصل والتحرك السريع و المدهش عند حدوث أزمة في بلد معين قد يمتلك مقومات التأثير على بقية البلدان. وتنشيط " الفاكسات "، و" الهواتف "، و" الدبلوماسية " من أجل عقد اجتماع عاجل يكون في ظاهره استكمالا لسلسلة اجتماعات سابقة، لكنه في واقع الأمر مظاهرة سياسية للتنديد بموقف معين، أو تأييد معين.

ونلاحظ أن جدول أعمال المجتمعين حافل بالعديد من الموضوعات العملية التي تحقق للمجتمعين مكاسب كثيرة على المستوى القومي، ولكن الظرف الطارئ الذي حتم إقامة الاجتماع نراه يستحوذ على الاهتمام كله، وبالتالي يتم نسف الجدول، والاستعاضة عنه بما يتلاءم والظرف الطارئ وفي البلد الذي حدثت فيه الأزمة أو وقع فيه الحادث.

فعلى المستوى الإعلامي، مازلنا نسمع منذ أكثر من ثلاثين عاما ديباجات وقرارات تتعلق بتفعيل دور الإعلام في تحقيق الانتماء العربي للثقافة العربية واحترام حرية التعبير والحوار الأخوي، وتوثيق الصلات بين الدول العربية وصولا إلى حدتها، وإنماء شخصية الإنسان العربي وتحصينها وخلق توازن بين الأصالة والمعاصرة، وغيرها من الآمال التي لا نزال نبحث عنها ونعيدها في كل اجتماع.

الإعلام والانشغال القطري

ونظراً للانشغال " القطري " للإعلام العربي، وتفرد كل دولة بالترويج لسياساتها المحلية، وغياب الهاجس القومي - برغم تكراره في الخطب الرنانة عند الاجتماعات - نجد أن التنسيق يكاد يكون معدوما على المستوى العربي، وإن لجان المتابعة تجد نفسها عاجزة عن متابعة ما تم من قرارات وتوصيات، خصوصا إذا شمل ذلك التزامات مالية تجاه تنفيذ بعض الطروحات الإعلامية، وقد نشير هنا إلى مسلسل الحضارة العربية - الذي تناولناه في مقال سابق - ومن سيموله؟ ومن سيكتبه؟ وما هي المشاهد التي ستكون فيه ومن هم الفنيون الذين سيعملون به؟؟

إن التردد العربي في المساهمات القومية يرجع أولا إلى السياسات المتبعة في الإعلام داخل كل قطر عربي، وأن هذه السياسات تندرج تحت باب السياسات العامة لكل دولة، والتي قد لا تتواءم مع السياسة العامة للبلد الجار، فكيف هو الحال مع 22 دولة وسياسة؟

و يرجع ثانيا إلى محاولة بعض الدول العربية الاستئثار بوجود المؤتمر أو الاجتماع للترويج لسياساتها المحلية، بحيث يكون لها نصيب الأسد من القرارات والتوجيهات التي تخدم ظروفها وأهدافها ولا يسير ذلك في النسق العام للتوجه القومي. وهذه مشكلة أساسية للعجز عن مواصلة تنفيذ القرارات التي تتخذ.

كما لا يخفى على الجميع - ثالثا - حالة التوتر بين بعض البلاد العربية والانقسامات حول رؤية مشتركة حيال القضايا التي تخص العالم العربي، ولعل أبلغ مثال على هذا، هو التوجه والاختلاف العربي تجاه قضية " الشرق أوسطية " والتعامل مع إسرائيل.

الاضطراب والاستقرار

ويرجع ذلك التردد - رابعا - إلى الاستقرار السياسي والاضطراب السياسي الذي نراه في البلاد العربية، فهناك دول تنعم بأمن واستقرار سياسي واجتماعي ملحوظ كدول الخليج العربية، في الوقت ذاته تعاني دول أخرى تحركات واختلافات تصل إلى حد العنف السياسي، وهذا بلا شك يؤثر سلبا على حجم التوجه القومي في الصياغات الإعلامية المشتركة.

هل نحن فعلا بحاجة إلى رؤية جديدة للإعلام العربي؟ هل نحن فعلا نعاني مشكلة اختراق إرهابي؟

إن محاولة تعميم سلبيات سياسية واجتماعية تحدث في هذا البلد أو ذاك ليس مبررا مقبولا لمحورة القرارات التي تصدر عن الاجتماعات الرسمية، خصوصا إن كان ما يحدث في ذاك البلد أو هذا، قضايا داخلية يجب عدم التدخل فيها وتضخيمها بالشكل الذي درج عليه الإعلام - غير الواعي - في بعض البلدان التي تعتمد " الصراخ الإعلامي ".

وهل فعلا تعاني جميع الشعوب العربية اختراقاً إرهابياً؟

إن الواقع الذي يعيشه إنسان القرن الواحد والعشرين، بكل منجزاته التكنولوجية والاتصالية على وجه الخصوص، يجعلنا قريبين من هذا الواقع، وألا نعتقد أن الشعوب العربية لا تزال تترنح تحت وطأة الجهل، وأن " الحماس الإعلامي ".. و" الأغاني الوطنية " التي يتم حقنها في عقل هذا الإنسان قادرة على تشكيل رأي عام مخالف لما يعتقده ويشاهده ويسمعه من أحداث حتى داخل بلده من الإعلام الدولي!

مبالغات إعلامية

إن كل القرارات السابقة، خصوصا المتعلقة بالأمن القومي ووحدة المصير المشترك، وحتى الديمقراطية، اكتشف الإنسان العربي محدوديتها وعدم مصداقيتها سواء أثناء التغطيات للعمليات العسكرية " المزعومة " والتي سموها " انتصارات "، وهي في الواقع هزائم، و " نكسات "، أو في التوجهات الداخلية المتعلقة بالحوار مع الجماعات المناهضة للحكومات، والتي لم تصل هذه الحكومات إلى حوار معها.

ونعود إلى ما نشر حول مشكلة الاختراق الإرهابي الذي تصوره بعض وسائل الإعلام العربي على أنه مشكلة تواجه العالم العربي!!

إننا لم نلمس هذا التوجه أو هذه المشكلة في بلدان الخليج، ولا في بلاد عربية أخرى، ولئن كان وجوده في بلد أو بلدين عربيين فلا يجوز لنا تعميم ذلك. أو دق ناقوس الخطر، وتهييج الرأي العام بأن العالم العربي قد دخل مرحلة المواجهة ولو كانت فكرية مع الإرهاب! وهل كل العقول العربية هشة وقابلة لمثل هذا الإرهاب، مهما كان مصدره، ودرجته؟

إن المبالغات التي يمطرنا بها بعض الكتاب العرب بحاجة إلى تدقيق ومماحصة، إذ ليس كل ما يجول بخاطر أي كاتب، وهو يقع تحت وطأة ظروف معينة يمكن أن يقبل به، ويؤخذ كتوجه قومي يتم تعميمه على جميع الدول العربية. كما أن القرارات التي تصاغ داخل بلدان لها أوضاع خاصة أمنيا واجتماعيا، يجب أن تكون لها صفة الهم المشترك، وليس العكس.

نحن كنا نحتاج إلى رؤية جديدة في الإعلام العربي منذ إطلاق القمر الصناعي العربي قبل عشر سنوات، وكان لا بد أن يصار إلى تحديد الإطار القومي لاستيعاب التحول الجديد في الإعلام منذ ذاك التاريخ ، لكن الممارسات " القطرية " خلال السنوات العشر الماضية لم تكن مشجعة لتحديد تلك الرؤية.

والآن، وبعد ظهور الطريق السريع للمعلومات ، والإنترنت والتلفزيون الرقمي، وقيام بعض الدول العربية بتوقيع مشاريع إعلامية ضخمة خاصة بها، ومنها إطلاق أقمار صناعية، نجد أن مجرد طرح هذه المطالبة برؤية جديدة للإعلام العربي قد تجاوزها التاريخ!

ومع وجود التنافس بين الفضائيات العربية، ومحاولة كل منها كسب مزيد من الإعلانات، والتبشير بأن كلا منها هو الأفضل والأحسن والأرقى، نجد أن الحديث عن الأطر القومية لمبادئ أو رؤية إعلامية جديدة لن تكون له مكاسب من المنظور الواقعي، فواقع العالم العربي أنه استخدم الإعلام لإيصال رسائله الرسمية إلى متلقيه داخل وخارج القطر، وقد يكون هذا مقبولا في ظل تعرض العالم العربي لحملات خارجية واعتداءات مشتركة، ولكن في ظل الانقسامات في الرأي، وعدم وضوح الصورة لطبيعة العلاقات بين الحكومات العربية، وجدنا هذا الإعلام يكرس وجهة نظر مالكيه، مهما كانت درجة صحتها، ويشوه ويحقر وجهة النظر الأخرى، ووجدنا أن الجماهير العربية قد انساقت وراء هذه الحملات، دون أن يكون لها رأي في طبيعة وأسس الخلافات أو تضاد التوجهات للإعلاميين المتواجهين!!

تدفق أحادي الاتجاه

ونحن نلاحظ في إعلام الدول العربية الذي عانى من تدفق أحادي للمعلومات - شأنه شأن دول العالم الثالث - أن بعض دوله المالكة لوسائل الإنتاج نجدها تطبق نفس التوجه، ولعل الأيام التالية تصدق هذه المقولة، ولسوف نجد تدفقا إعلاميا من دولة أو دولتين إلى بقية الدول التي لا تمتلك مقومات ووسائل الرسائل الإعلامية، لكن هذا لن يكون واقع الحال، إذ إن التعددية، وتوفر مصادر الإعلام الراقية تحول دون حصول ذلك التدفق حيث إن العقل العربي قد استوعب لعبة السياسة والإعلام، وأن العقول العربية التي تضخمت من الإعلام الراقص، والدعاية السياسية الواضحة، ما عادت تقبل هذا النوع من التوجه، صحيح قد يؤثر ذلك في المجتمعات ذات الأهمية العالمية، ولكن ليس مع كل الدول العربية والتي ارتبطت شعوبها ببث المحطات الراقية والتي تعتمد إقناع المشاهد والمستمع ولا تبحث عن دعاية سياسية، بل تبيعه المنتج الجيد والجديد، وهو يدفع لذلك طواعية، لأنه يشعر أن المحطة الراقية تحترم عقله.

لقد نظر العرب كثيرا في الهم الإعلامي، وتم حفظ مئات الدراسات، ونشر المئات من الرؤى والمقترحات لتجديد الإعلام العربي. ولكن لا يزال هذا الإعلام يحتاج إلى الآلية المشتركة ذات الأبعاد الديمقراطية، ويحتاج إلى نفض ثوب المعالجات الفوقية، والتنفير الدعائي الذي دوما يأتي بنتائج عكسية، والمشكلة أن بعض القائمين على هذا الإعلام، في بعض الدول العربية، يوهمون أصحاب القرار بأن الدعاية السياسية الواضحة هي مكسب جماهيري، ولا يعلمون بأن المشاهد من الذكاء بمكان بحيث لو شاهد مالا يقبله فكره، لضغط زر الريموت كنترول وتحول إلى محطة أخرى.

صحيح قد تكون هذه سياسة ذات جدوى في الستينيات عندما لا يوجد تجاوز للبث، ولا توجد أقمار صناعية، ولا شبكات معلومات متطورة، لكننا نعيش اليوم أوج ثورة للتكنولوجيا، وعليه يجب أن تنبع توجهاتنا من هذا الواقع، ونحاول إحداث تغيير جوهري حتى في العقليات التي مازالت تتعامل وتوجه الإعلام منذ الستينيات.

وأخيراً فإنه من المحزن أن تكون التوجهات الإعلامية " تكتيكية " " مرحلية " دون أن تكون سياسات ثابتة، وهذا ما نراه في صياغة بعض القرارات والمطالبات العربية عندما تحدث هزات سياسية واجتماعية هنا وهناك.

 

أحمد عبدالملك

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات