قصص إسبانية

قصص إسبانية

البيت الحزين
للكاتب: بيو باروخا
ترجمة: الدكتور جمال يوسف زكي

كانوا طوال النهار في البيت الجديد ينتظرون وصول عربة النقل، وفي نحو الساعة الخامسة وقفت العربة أمام باب المنزل.

وصعد الفتيان بالأمتعة القديمة متعثرين ومسرعين ومهرولين، خلال هذه العجلة حطموا قطعة أثاث من الردهة، وكانت أثمن قطعة في البيت المتواضع.

وطلب الحوذي خمس عشرة بيزيتا بدلا من عشر فقط، وهذا ما كان يتراءى له مناسبا لأنه يعتقد أن عربة صغيرة كعربته لا تتسع لكل قطع الأثاث، وأطلق الفتيان الألفاظ الساخرة المبتذلة بسبب عدم رضائهم لما أعطى لهم من إكراميات.

وكان الوقت ليلا، وعلى ضوء قنديل خافت، شرع الرجل وزوجته في وضع قطع الأثاث في أماكنها، بينما كان الطفل يلهو بانتزاع أحشاء حصان مصنوع من الكرتون. وفي الحال ظهرت بوادر التعب على الطفل وشرع في ملاحقة أمه وكان يمسكها من نطاقها، ويناديهما بصوت منخفض. حينئذ، أخذت الأم مصباح الغاز وسخنت إناء به قليل من الحساء كان قد تبقى من طعام الغداء، وجعلت الطفل يتناوله، وبعد لحظات، راح الطفل في سبات عميق.

وشرعت الأم في متابعة مهامها .

وقال لها الزوج: استريحي يا امرأة. لا أعلم ماذا يحدث لي عند رؤيتك تعملين بهذه الطريقة. اجلسي لنتحدث قليلا. وجلست الزوجة وأسندت إلى يدها المسودة من التراب رأسها المتصبب عرقا بشعرها المشعث.

كان الزوج يأمل أن يعيدوه إلى وظيفته في أقرب وقت، وإذا لم يحدث هذا فسوف يقبل المائة بيزيتا التي يعطونها إياه في المخزن مقابل إمساك دفاتر الحسابات حتى يستطيعوا العيش. وكان ذلك المسكن الذي يقطنونه مرتفعا ويقع في الطابق الخامس، ولهذا السبب كان أكثر بهجة. وجعل ينظر حوله ونحو الحوائط الباردة فتسيطر عليه مرارة حزينة، وإلى الأثاث المكسو بالتراب، وإلى الأرض المغطاة بالأحبال الليفية، الأمر الذي كان يثير سخريته وحزنه، مقارنة بما كان يأمل في تحقيقه.

وكانت المرأة الصبور توافق زوجها على كل ما يقول.

وعندما استراحت بعض الشيء، نهضت من جديد، وقالت:

- لم يكن هناك وقت لإعداد طعام العشاء.

وأجابها: لا داعي للقلق. ليس لدي أدنى شهية. سننام دون عشاء.

- لا، سأخرج للبحث عن أي شيء

- إذن سنذهب معا إذا أردت.

- والطفل؟

- سنعود في الحال. لن يستيقظ.

- وذهبت المرأة إلى المطبخ لتغسل يديها، ولكنها لم تجد ماء.

وقالت: حسنا، يجب الذهاب لإحضار ماء.

ووضعت على كتفيها الطرحة، وأخذت إناء.

ووضع زوجها إناء آخر من الفخار تحت المعطف الذي يرتديه. وخرجا دون إحداث جلبة. كانت ليلة باردة وحزينة من ليالي أبريل.

وعند مرورهما أمام المسرح الملكي رأيا جموعا كبيرة من البشر تفترش الأرض نائمة. وفي شارع أرينال كانت تمر السيارات بضجيجها الهائل المزعج بسبب رصف الشارع.

وملأ كلاهما إناءه من نافورة بميدان إيزابيل الثانية، وبذلك الرضا الذي يسيطر على الروح أحيانا لعدم معاناة مواقف مؤلمة، توقفا مرة أخرى لعدة لحظات عند مرورهما أمام جموع البشر التي تفترش الأرض.

ووصلا إلى المنزل، وصعدا السلم دون أن يتبادلا أطراف الحديث. واستعدا للنوم.

وظن الزوج أنه سينام توا من جراء التعب الذي كان يحل به، ومع ذلك لم يتمكن من النوم بسبب القلق الشديد الذي كان ينتابه ويجعله يشعر بأقل ضوضاء بعيدة في الليل، وبدأ يسمع تدريجيا الضجيج المزعج للسيارات، وأمام عينيه كانت تظهر جموع البشر التي تفترش الأرض على أرصفة الشوارع، ويدور في مخيلته الإهمال والتهاون في عدم رعاية جزء من الأسرة البشرية. وكان يناوشه الفكر الأسود ويسيطر عليه الفزع الشديد، وكان يبذل جهدا كبيرا حتى لا يهتز فيوقظ زوجته. وكانت الزوجة المسكينة تبدو في الظاهر مستغرقة في نوم عميق ترتاح من عناء اليوم. ولكن الحقيقة لم تكن كذلك، إنها كانت تتألم، وكانت تشكو بضعف.

وسألها الزوج: ماذا بك؟

وهمست باكية: الطفل؟

وقال فزعا: ماذا به؟

فأجابت: الطفل الآخر بيبيتو ألا تدري؟ غدا سيكمل عامين منذ أن واراه التراب.

وعقب الزوج: رباه! رباه! لماذا هذا الحزن المستمر في حياتنا؟!.

كرنب المقابر
للكاتب: بيو باروخا
ترجمة: الدكتور جمال يوسف زكي

عند مخرج القرية وعلى الجانب الأيسر من الطريق الرئيسي كان يقع أحد المنازل القديمة المكون من طابق واحد، وكانت تظهر بوضوح على حوائطه المسودة من أثر الرطوبة أحرف سوداء تشكل في مجموعها لافتة بها أخطاء خاصة بضبط الكتابة تقول:

" مكتب بينوس دي بلاسيدو "

ولم يكتف الخطاط بالأناقة التي أحاط بها كل حرف من حروف اللافتة بل أراد أن يتجاوز الحدود المعقولة فرسم فوق عتبة المنزل العليا والعريضة ديكا له ريشات طويلة منبسطة يطأ بقدميه قلب جريح يجتازه سهم غادر، إنه سر هيروغليفي لم نستطع التحقق من معناه.

وكان يوجد على جانب الدهليز الفسيح للمنزل كثير من البراميل ذات الحجم المتوسط تشغل حيزا كبيرا تاركة في المنتصف ممرا ضيقا، وعند نهايتها كان يوجد الحانوت، الذي فضلا عن أنه حانة كان محلا لبيع الشيكولاتة والتبغ والأدوات الكتابية وبعض الأشياء الأخرى. وفي الجزء الخلفي للمنزل كانت هناك بعض المناضد تحت عريش الكرم التي يجتمع حولها المولعون بالحديث مع باكو في أمسيات أيام الأحد لتناول الشراب وللتسلية بلعبة الأوتاد المخروطية الخشبية، مشيدين بفينوس آلهة الحب، ولكي يسكنوا من حدة حماسهم كانوا يتناولون شراب نبات العليق الرطب.

كان من الممكن أن تزدهر تجارة خوستا، بائعة الخمور لو لم يكن لديها زوج كسول مسرف متراخ، وفضلا عن علاقته الودودة بكل رواد الحانوت الذين يبتاعون الشراب كان يتحلى بفضيلة قدرته على النسل والإخصاب.

كان أصدقاؤه يقولون له: كيف حالك يا بلاسيدو؟ ماذا! مرة أخرى زوجتك!. . بحق الشيطان لا ندري كيف تقوى على عمل ذلك؟.

وكان يعقب عليهم قائلا: ماذا تريدون؟ إن النساء مثل الخنزيرات. وزوجتي، على الرائحة. هه! إذا تركت سروالي على الفراش أجدها حبلى، توجد الأرض الخصبة والبذرة الجيدة والمناخ الملائم للزراعة طوال العام.

وصرخت الزوجة عند سماعها له: أيها السكير! أيها الخنزير! أفضل لك أن تعمل.

- أعمل! هيهات! أن أعمل! يا لها من خواطر تبتدعها النساء!

وفي يوم من أيام يناير وقع بلاسيدو، الذي كان يسير سكيرا، في النهر، واستطاع أصدقاؤه انتشاله في الوقت المناسب حتى لا يغرق، وبالرغم من ذلك عندما وصل إلى المنزل راح في سبات عميق مرتعد الفرائص ومصابا بالتهاب حاد في الرئة. وأثناء مرضه كان يقوم بغناء كل ما يعرفه من الأغاني البشكنسية، حتى جاء في صباح أحد الأيام ضارب الطبول إلى الحانة فصرخ قائلا له: يا تشومين، هل تستطيع إحضار المزمار والطبلة؟

- حسنا.

وقام تشومين بإحضار المزمار والطبلة لأنه كان يقدر بلاسيدو.

- ماذا أعزف؟

وقال بلاسيدو: الأوروسكو، ولكن في نصفها الأخير.

وعاد بلاسيدو يضيف قائلا: اعزف النهاية يا تشومين، النهاية.

واستدار بلاسيدو برأسه نحو الحائط ومات.

وفي اليوم التالي قام اللحاد باتشي بحفر قبر رائع ومريح بعمق ثلاثة أقدام لصديقه.

واستمرت خوستا، بائعة الخمور، التي كانت حبلى، في الكفاح من أجل أولادها السبعة في الحانة تديرها مسترشدة بنصائح أصدقاء زوجها.

ومن أوفى هؤلاء الأصدقاء كان باتشيثورا، أو كما كانوا يسمونه " باتشي الجهنمي ". كان باتشي يبدو رجلا طويل القامة وممتلئ الجسد، من الخلف كان يبدو مربعا، ومن الأمام مستديرا، ومن الجانب أكرش بشكل فظيع، ولحيته مهذبة بعناية فائقة، ولون وجهه ما بين الأحمر والبنفسجي، وعيناه صغيرتان ومرحتان تحيطهما حافات لحمية بارزة، لم تكن أنفه إغريقية - ويجب الاعتراف بهذا - ولكن لو لم تكن كبيرة جدا وعريضة جدا وملونة جدا لكان من الممكن أن تبدو جميلة، وكان فمه خاليا من الأسنان، ولكن حتى أعداؤه لم يستطيعوا سوى الاعتراف بأن شفتيه مفتوحتان قليلا وتنم عنهما ابتسامات مهيبة، وأن قبعته العريضة كالطبق، التي تحتوي رأسه بالكامل دائما كانت رائعة الذوق.

كانت الألسن الخبيثة وألسن الحاسدين تقول إن باتشي مر بشباب عاصف. هناك من قال إن يديه حملتا بندقية صغيرة متواضعة وساعدتا على سلب مال المسافرين بمنطقة الريوخا عند إنشاء طريق السكة الحديد في شمال البلاد، وهناك من كان يرى فيه سجينا هاربا، وآخرون رأوا فيه بحارا لمركب قرصان، ومن بين الظنون الكثيرة لم يفتقد من اعتقد أن باتشي قد طلب العمل كحفار للقبور لكي يستخرج الشحم من الأطفال الموتى، وفي حقيقة الأمر كانت جميع هذه الشكوك غير صحيحة.

وعند عودة باتشي إلى قريته بعد جولات طويلة في أمريكا، وجد أن الأراضي التي كان يملكها في سفح الجبل قد تم تخصيصها للمقابر. لأنه أشيع في القرية أن باتشي قد مات. وأمام الدعوى القضائية المقامة للمطالبة بحقوقه، عرضت البلدية عليه شراء الأراضي، ولكن باتشي رفض العرض المقدم، واقترح أن يتنازل عن أملاكه بشرط أن يتم تعيينه حفارا للقبور، وأن يتركوه يقيم بيتا صغيرا من التراب المدقوق بجوار حائط مقبرة الكاثوليك لكي يعيش فيه مع قبعته وغليونه.

وقبلوا شروطه، وأقام باتشي منزله الصغير وذهب ليعيش فيه ويرعى المقابر، ومن المؤكد أن الموتى لم يشعروا بالخوف من أن باتشي سوف يتكلف برعاية مقابرهم، لأنه كان يزينها بالنباتات ذات الرائحة الذكية والزهور الجميلة.

وبالرغم من الاهتمام والعناية التي كان يحرص عليهما باتشي فيما يختص بالقبور، كان أهل القرية ينظرون له كما لو كان محكوما عليه بالهلاك الأبدي، السبب يعود إلى أنه في بعض أيام الأحد كان ينسى حضور القداس، وعند حضوره وسماعه إلى خطبة القسيس ومواعظه في الكنيسة كان يقول له بلغة البشكنس غامزا بعينيه: " إنني أعرفك يا صديقي "، وذلك كان يؤدي إلى تحامل أهل القرية عليه لأن باتشي كان يشير بذلك إلى قصة مزيفة، بالرغم من الدلائل التي كانت لديه والتي تؤكد أن القسيس لديه اثنان أو ثلاثة أبناء في قرية مجاورة.

وكان باتشي رمزا للرعب، حتى أن الأمهات لكي يفزعن أطفالهن كن يقلن لهم:

- إذا لم تلتزم الصمت أيها الشقي فسوف أحضر لك باتشي الجهنمي ليأخذك معه.

وكانت الطبقة الأرستقراطية من أهل القرية تعامل باتشي باحتقار، حتى الصيدلي الذي كان يتفاخر ويتظاهر بعبقريته كان يصر على سخريته من باتشي.

كان باتشي والطبيب الشاب يعطف كل منهما على الآخر، وعندما كان الأخير يذهب للقيام بتشريح جثة، كان حفار القبور يرافقه كمساعد، وإذا اقترب أحد الفضوليين من منضدة التشريح وأظهر امتعاضه واشمئزازه، كان باتشي يغمز بعينيه إلى الطبيب كأنه يقول له: هؤلاء يفزعون لأنهم لا يعلمون سر المهنة.! ها!

ولم يكن باتشي يهتم كثيرا بما يقال عنه، وكان يكتفي بكونه مصدرا للوحي والإلهام في حانة خوستا، وكان مجلس المستمعين يتكون من عامل الطرق البسيط وهو المتحرر الوحيد فكريا في القرية، ونائب القاضي الذي عندما كان لا ينوب عن أحد يصنع النعل الفلاحي من الخيش أو القنب، والسيد رامون المدرس القديم بالمدرسة الذي كان يأتي بطعام العشاء وقارورة النبيذ إلى الحانة، وضارب الطبلة، وموظف سوق الغلال، وبعض الآخرين. كانت كلمات باتشي تجذبهم جميعا.

وبعد نهاية حديثه عن الوهج الذي يحدث عند دفن الموتى، قال: " لا يستطيع أحد أن يخاف هذا، إنه مجرد وميض لا أكثر ". وكان كل شخص من المستمعين ينظر إلى الآخر حتى يرى إن كان هناك من أدرك ما تحتويه هذه الجملة.

كانت لباتشي جمل ليست لدى الرجال العظماء، وكان ينطق بأقوال مأثورة جديرة بالمنافقين. كانت فلسفته تكتنفها هذه الكلمات: " إن الرجال مثل الأعشاب، يولدون لأنهم لا بد أن يولدوا، وهناك أعشاب قرمزية اللون وأخرى ذات زهور صفراء، مثلما يوجد رجال طيبون ورجال أشرار، ولكن من كتب عليه أن يكون سكيرا فهو سكير ". وكان يبلل شفتيه في الماء، وبسبب فزعه من قوته كان يشرب جرعة كبيرة من العرق، لأنه وهو حفار القبور أمر بأن يصب في الكأس الصغيرة الماء وفي الكأس الكبيرة العرق. وبالفعل أنها أمزوحة.

ومن ناحية أخرى، كان لباتشي قوة لا يستهان بها. في يوم من الأيام، كان يتفاخر شاب من عمال المناجم بإغرائه للنساء ويحكي عن غزواته قائلا: لي طفل في ضيعة أولوثابال، وآخر في قرية ثوبياوري، وآخر في قرية جاثتلو. فرد عليه باتشي بطريقة فلسفية قائلا: " كان من الأفضل أن يكون أبناء زوجتك هم أيضا أبناءك ".

وعندما كان باتشي يحكي عن مغامراته في أمريكا بينما كان دخان غليونه يسخن أنفه الضاربة إلى الاحمرار، كان يرافق كلماته نغمة من التعجب والقهقهة.

كانت مغامرات باتشي في بلاد أمريكا شائقة للغاية. لقد كان لاعبا وتاجرا وراعيا للماشية وجنديا وخليطا من أشياء أخرى. عندما كان جنديا أجيرا اضطر في إحدى المرات أن يحرق بعض الهنود الحمر أحياء. ولكن اللحظة الحقيقية التي كان يبدو باتشي فيها إيعازيا كانت تلك اللحظة التي يروي فيها مغامراته العاطفية مع نساء زنجيات وسمراوات وصفراوات ويمكن القول دون مبالغة إن حبه قد طاف بكل ألوان النساء.

وبسبب حدة الطبع التي كانت تتسم بها بائعة الخمور. فقد قامت بعد يومين من الفراش عند إنجابها الطفل الثامن لكي تباشر عملها. ولكن في مساء ذلك اليوم اضطرت إلى العودة للفراش بسبب إصابتها بحمى نفاسية أدت إلى نقلها إلى المقابر. كانت بائعة الخمور تثقلها الديون الكثيرة، واضطرت إلى بيع الحانة قبل موتها. واحتضنت أرصفة الشوارع أطفالها الثمانية.

وتحدث العمدة، الذي أراد ألا يلاحظ أحد نطقه بلغَة البشكنس قائلا بلهجة أشبه بلغة الأندلسيين: " لا بد من عمل شيء لأجل هؤلاء الأطفال ". وهمهم وكيل القسيس بصوت فاتر جدا موجها عينيه نحو السماء: " ينبغي عمل شيء من أجل هؤلاء الأَطفال ". وقال الصيدلي: " لا شيء، لا شيء، لا بد من عمل شيء لهؤلاء الأَطفال ". وأضاف سكرتير البلدية: " الطفولة. . والعطف ".

ومرت الأَيام والأَسابيع، وذهبت الابنة الكبرى لكي تخدم في منزل ساعي البريد، حيث كانت سعيدة وأخذت زوجة الحداد الطفل الرضيع مستاءة منه.

وكان الأطفال الستة الآخرون: شومين، وشانتي، ومارتيناتشو، وخوسيه، ومارو، وجاسبار، يتجولون في الطريق حفاة طالبين الإحسان والصدقة.

وفي يوم من الأيام، جاء حفار القبور إلى القرية ومعه عربة يجرها بغل، وجعل الأطفال الستة يصعدون إليها، وأخذ الطفل الرضيع بين ذراعيه واشترى له رضاعة عند مروره بالصيدلية وحملهم جميعا إلى منزله الصغير في المقابر.

وقال العمدة: منافق!

وهمهم الصيدلي: أحمق!

ورفع وكيل الكنيسة عينيه لكي يبعدهما عن رؤية البؤس القاحل.

وتكهن سكرتير البلدية قائلا: سوف يتخلى عنهم.

ولكن باتشي لم يهملهم ولم يتخل عنهم أبدا بل ساعدهم على شق طريقهم. وبسبب الأفواه الكثيرة التي كانت تثقل كاهله تخلى عن شرب العرق، وملأ حديقة المقبرة بالخضراوات التي غرسها فيها. وكان بالقرية سوق كبير تباع فيه الخضراوات ، وكلف باتشي صديقا له يعيش بضيعة قريبة من مقبرة الكاثوليك ببيع ما يزرعه من الكرنب والخرشوف.

كان كرنب باتشي، كرنب المقابر، شهيرا بمذاقه الطيب اللذيذ في سوق القرية وما لم يعرفه الذين كانوا يشترونه، هو أنه كان يزرع بسماد عقول أجدادهم.

 



أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات