أرقام

أرقام

حملة السلاح
العسكريون، أو المقاتلون قصة قديمة. لعبوا دورا في تاريخ العالم، ويلعبون دورا في تحديد قسمات المجتمع وتوجهاته.

والعسكر في الدول العربية كان لهم دورهم في السياسة والاقتصاد والأمن القومي.. قادوا بعض الثورات والانقلابات وشاركوا في تحولات اجتماعية واسعة، وكانوا في كل الأحوال الجدار الواقي ضد الغزوات الأجنبية. إنهم عنصر رئيسي في قضية الأمن التي باتت هاجسا يشغل بال المجتمع العربي بعد أن شهدت المنطقة سبع حروب في نصف قرن.. بخلاف الحروب الأهلية، وعددها أربع.

من خلال هذه الحروب شهدت المنطقة ظاهرة (العسكرة)، وتوقف الباحثون أمام قضيتين: التسليح، والإنفاق العسكري المتزايد، وكلا الاثنين يمثلان المعدل الأعلى في العالم كله، فالشرق الأوسط هو العميل الأول في سوق السلاح، وهو الذي تجرى على أرضه كل أنواع التسابق في التسليح، امتدادا لأسلحة الردع النووية والكيماوية والبيولوجية وما يتصل بحرب الفضاء.

الشرق الأوسط، غابة عسكرية، فما هو نصيب العسكريين من هذه الظاهرة؟ وإذا كان الخليج الذي يشهد توترات وحروبا منذ عقدين له خصائصه فهل يتحول إلى مجتمعات شبه عسكرية؟

أرقام صادمة

بالأرقام المطلقة تصبح جيوش الخليج في معظمها صغيرة الحجم بالمقارنة بجيوش دول الجوار، أو جيوش دول عربية أخرى، فطبقا لتقرير الميزان العسكري الذي أصدره المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن (97 ـ 1998)، فإن القوة النظامية لتركيا قد بلغت حوالي سبعمائة ألف مقاتل، وإيران (545) ألف مقاتل، وكلاهما يمتلك مع الاحتياطي نحو مليون مقاتل أيضا، وفي الدائرة العربية يصل حجم القوات المصرية النظامية إلى (450) ألف مقاتل والاحتياطي ربع مليون ويصل حجم القوات السورية إلى (320) ألف مقاتل، ونصف مليون احتياطي، وعكس ذلك كله في إسرائيل حيث يهبط عدد الجنود والنظاميين إلى (175) ألف جندي، ويرتفع الاحتياطي إلى (430) ألفا.

و..كل ذلك بالأرقام المطلقة، ولكن النظر من زاوية أخرى هي نسبة عدد القوات إلى السكان يعطينا نتيجة مختلفة، ويقدم مفاجأة كبيرة حيث ترتفع النسبة في بعض البلدان ـ مثل الإمارات ـ ليصل عدد العسكريين إلى (147) في الألف منسوبة للسكان أي أنه بين كل سبعة أفراد، هناك مقاتل. بينما بلغت النسبة في إيران: مقاتل لكل (140) من السكان.

التفاوت النسبي هائل، فكيف تتحدد أحجام الجيوش، المعروف أن حجم القوات المسلحة يتحدد بالعديد من العوامل بينها ما يتصل بطبيعة المجتمع وتراثه، فبعض الشعوب تكون العسكرية فيها قيمة أساسية، وبعضها لا ينظر للأمر على نفس النحو.

أيضا فإن هناك عنصر التحديات القائمة والأخطار التي تهدد الأمن القومي.

هناك أيضا عنصر القدرة الاقتصادية، وعنصر التقدم التكنولوجي الذي يوفر أسلحة أكثر تقدما ويتطلب جيوشا أصغر حجما.

ثم هناك الوعاء التجنيدي، وهو عنصر حاسم، فبمقدار حجم السكان تكون القدرة على بناء جيش كبير أو صغير.

في حالة الخليج يبرز هذا التحدي: أمن قومي يلقي تحديات كبيرة، ووعاء سكاني ـ وبالتالي ـ تجنيدي صغير، فماذا كانت الصورة في النهاية؟

هذا هو ما تقدمه مفاجأة الأرقام: جيوش محدودة العدد، لكنها تمثل أهمية نسبية عالية ولافتة للنظر.

خريطة العسكر

في جيوش المليون تبدو القاعدة السكانية كبيرة فتعداد سكان تركيا يبلغ نحو (62) مليون وسكان إيران (70) مليونا عام (98)، لذا فإن نسبة مئوية محدودة من السكان تبلغ (7.1%) في إيران تضع قوات نظامية في نصف مليون.

ولكن، وفي بقية بلدان الخليج تبدو الصورة مختلفة، فتضطر الإمارات العربية، كما قلنا لتجنيد (147) فردا من كل ألف، وتجند قطر (85) من كل ألف، وتهبط النسبة في سلطنة عمان إلى (30) بالألف وتقترب الكويت والبحرين من (25) بالألف. بينما تبلغ النسبة في السعودية (12.2) في الألف وترتفع في العراق إلى (17.5) في الألف.

ولكن لأن عدد الأفراد ليس كل شيء ولأن قوة الجيوش كما يقول الخبراء العسكريون تقاس بقوة ما تملكه من ميزان ومن أسلحة متطورة، لأن الأمر كذلك فإن ميزانيات الدفاع لابد أن تكون شيئا آخر، ولابد مع التحديات الأجنبية ـ أن تكون كبيرة نسبيا، وهناك تبرز المفاجأة الثانية وهي نصيب كل مقاتل من النفقات العسكرية.

في عام (95) وطبقا لمعهد الدراسات الاستراتيجية في لندن كان نصيب المقاتل من النفقات العسكرية في إيران (38) دولاراً، بينما بلغ ذلك القدر في الكويت (2091) دولاراً. وفي الإمارات (1044) دولارا وفي سلطنة عمان (978) دولارا، ويهبط في العراق إلى (138) دولاراً.

ماذا تعني هذه الأرقام؟

يمكننا القول:

1ـ إنه كلما قل عدد السكان، وزادت التوترات تزايدت نسبة العسكريين في المجتمع، قياسا على عدد السكان.

2ـ وكلما قل عدد أفراد القوات المسلحة، مع استمرار التحدي الأمني زادت تكلفة المقاتل، حتى أنها في حالة الخليج تبلغ النسبة حوالي (45:1)، وذلك إذا قارنا إيران والكويت على سبيل المثال.

3ـ وفي حالة الخليج أيضا فإن عدد القوات ونسبتها للسكان يمثلان على أي حال وجها من وجوه العسكر التي تعيشها المنطقة منذ عقدين أو يزيد.

4ـ إن حجم التسليح وإن كان مؤثرا في عدد الأفراد فإن زيادة حجم السلاح لا تعني بالضرورة زيادة موازية في عدد الأفراد.. فما تملكه تركيا وإسرائيل من دبابات وطائرات ومدفعية( وهي الأسلحة الرئيسية) يكاد يتساوى لكن عدد الأفراد في تركيا ـ كقوات نظامية ـ يبلغ أربعة أضعاف ما تملكه إسرائيل. والفرق هنا في نوعية التكنولوجيا المستخدمة، وتنظيم القوات المسلحة.

وفي حالة الخليج تجتمع السمات الثلاث: انفاق عسكري مرتفع، وتسليح متقدم، مع عدد محدود من الأفراد. لكن نسبتهم للسكان هي الأعلى في المنطقة وبما يطرح السؤال: أي أثر تصنعه زيادة نسبة العسكريين، الآن، وفي المستقبل؟ وهو سؤال بحاجة إلى دراسة أكثر.

 

محمود المراغي

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات