حيوانات الغابة تهاجم المدن محسن حافظ

حيوانات الغابة تهاجم المدن

هل تصبح المدن المأهولة بالسكان أدغالا للحيوانات ؟ لقد نشر في الصحف أخيرا أن المنطقة الجبلية الجنوبية الغربية من المملكة العربية السعودية تعرضت المزروعات والسكان فيها لهجوم قرود البابون مما أتلف المزروعات وأثار الفزع بين السكان. كما نشر عن مشاهدة الثعلب الأملس يتجول ليلا في الكثير من المدن الإنجليزية بحثا عن الغذاء، ومنذ فترة تعرضت بعض مدن وقرى جنوب مصر لهجوم شبه منتظم وبشكل جماعي من الذئاب.

الحيوانات في الفكر الإنساني

على مر التاريخ والمجتمعات البشرية تتعايش مع الحيوان ولقد تنوعت مواقف الإنسان من عالم الحيوان أشد التنوع في عصور وثقافات مختلفة. وفي المجتمعات الأولى قبل الميلاد عاشت الحيوانات عصرها الذهبي مع الإنسان والآلهة وتفاهمت كأطراف متساوية بلغة مشتركة، حتى وإن كانت هذه المجتمعات تقتل الحيوانات فإنها كانت تقتل ما يكفيها للبقاء. وفي عصور لاحقة تعامل الإنسان مع الحيوان بطريقة رمزية وذلك لتجسيم عدد من الصفات بدءا من البراءة وانتهاء بالقوى الغامضة التي لا تخضع لسلطان. واشترك الحيوان أيضا في حياة البشر في الممارسات الدينية، فكثير من آلهة المصريين القدماء أخذوا صورا حيوانية مثل حورس إله السماء الذي يأخذ شكل الصقر ، كما كان لدى الفراعنة الكثير من الحيوانات المقدسة مثل الثور والقطة والكبش - طريق الكباش في الأقصر - وفي المناطق الجنوبية من روسيا البيضاء ظهرت عبادة الخيل في الألف الرابع قبل الميلاد كما كان الكثير من الشعوب البدائية مثل البورياتيني يجزون شعر الخيل في الربيع ويحتفلون بإحراق شعر الجياد البيض كطقس للخصوبة ، وهناك شعوب قديمة كثيرة آمنت بأن العالم  تحكمه غزالتان. وتقول أساطير لابلاند: إن الدب قوة تحمي الإنسان وترشده .

أما في المنطقة العربية فإن للحيوان دوره منذ القدم ففي الشعر الجاهلي كان الغراب رمزا على فراق الحبيب، والأسد رمزا للقوة والجرأة. وفي حكايات ألف ليلة وليلة يتحول الجني إلى كثير من الحيوانات في محاولة للتقرب للإنسان، وكان للعرب طيورهم وحيواناتهم الخرافية مثل العنقاء والرخ والغول الذي كان قادرا على التغير والتبدل بشكل مستمر، فيما عدا حوافره التي تشبه حوافر الحمار لا تتغير على الإطلاق. كما ارتبطت العرب في البادية بالجمال والحصان والغزال والخراف والماعز وكانت هي ثروتهم لذا كان يخشى الضواري من الذئاب والثعالب وكان العربي يضفي على هذه الحيوانات صفات الإنسان فالأسد يتصف بالجرأة والثعلب بالمكر والدهاء، ولقد سميت كثير من القبائل العربية بأسماء الحيوانات مثل أسد وكلب. إن الحيوانات من العناصر المهمة في حياة المسلمين كما أن لها دورها في التراث الشعبي في جميع أنحاء العالم الإسلامي.

لقد عمدت العشائر والقبائل منذ زمن بعيد إلى عقد تحالف ذي طابع ديني مع الكثير من الحيوانات مثل الثور، والأرنب، والأسد، والدب، والحصان، والغزال، والحية، وطائر العقاب، والذئب، الذي كان له حظ وافر من المعتقدات الدينية خاصة لدى الشعوب الأوربية، فكثير من القبائل الأوربية القديمة كان لديهم يوم عيد الذئب، وفي اليونان القديمة كان أبولو إله الضوء والنور إلها ذئبا، أما الإله مارس إله الحرب لدى الرومان فكان يتخذ الذئب شعارا له. ورومولوس أنقذته ذئبة من الغرق وربته على الجبل لذا اتخذ رومولوس الذئب رمزا لروما وكانت رايتها تزين بهذا الرمز وفي شمال أوربا كان أوردين إله اسكندنافيا له رأس ذئب، كما استطاع الرهبان المسيحيون أن يعيشوا دون خوف وسط وحوش الغابة الضارية وفجأة ودون سابق إنذار أصبح الذئب الذي كان إلها أو رفيقا للآلهة أو صديقا للقديسين حيوانا يثير الخوف والاحتقار وأصبح عدوا لدودا للإنسان واعتقد الناس أنه هو الشيطان نفسه أو عميل الشيطان الذي يوصل للجحيم. فعندما كان أسلافنا يعيشون على الجمع والصيد لم يكن الذئب كحيوان ضار يسبب لهم قلقا ولكن عندما انتقلوا إلى الري والزراعة أصبح الإنسان والذئب في موقف عدائي بعد أن كانا يتقاسمان الأرض ، وعندما بدأ قطع الغابات واستصلاح السهوب غادر الذئب إلى مناطق تقل فيها الفرائس وأصبحت حياته متوقفة على إرادة الإنسان فكان يهاجم القطعان التي يرعاها الإنسان، لذا بدأ الإنسان في وقت مبكر يبيد الذئاب نظرا لإضرارها بالاقتصاد دون الاهتمام بدورها المهم حيث تستخدم كل أعضاء الذئب في إنتاج المستحضرات الطبية. وفي أوربا الغربية وضع شارلمان نظاما لإبادة الذئاب بإنشاء فرق لاقتناصها، ولكن لويس السادس عشر ألغاها عام 1787، ثم أعادها نابليون الأول فظلت موجودة حتى ألغيت عام 1971 من كل أوربا. لقد اختفت الذئاب تماما من كل بلاد أوربا فيما عدا روسيا حيث تعيش الذئاب في المناطق الجليدية الشاسعة.

هل تستقر حيوانات الأدغال في المدن؟

يوما ما كانت الحيوانات خاصة الضواري تهدد الإنسان لأنها كانت دائما على عتبة منزله ولكن التطور خلق لهذه الضواري بيئتها المختلفة عن بيئة الإنسان، وأصبح الإنسان لا يخشى الضواري وذلك لفهمه الكثير من سلوكها مما زاد من قدرته على التعامل معها، ومنذ سنوات قليلة أصبحت المدن بالرغم من زحامها وأضوائها مصدر جذب للحيوانات مثل الضواري الصغيرة والزواحف، والقوارض، والطيور، والحشرات، في واحدة من الظواهر الغريبة وغير المألوفة واللافتة للنظر في نفس الوقت، فهي تأتي بحثا عن الغذاء والدفء إلى الحد الذي دفع بعض علماء البيئة إلى القول: إنه يمكن الآن الخروج في رحلة صيد في أي مدينة كبرى فأدغال المدينة ناطحات سحابها والمصانع والحدائق فيمكن صيد الثعالب والسلاحف والعناكب والسحالي والحمام والصقور وكثير من الطيور الصغيرة والجوارح بل وحتى الخفافيش.. وأصبحت هذه الكائنات حيوانات مدنية!! فهل أصبحت المدن الكبرى نوعا من التنوع الحيوي؟ ويرد علماء البيئة على هذا التساؤل قائلين: إن ذلك أمر بالغ الصعوبة لأن ظروف البقاء في المدن الكبرى غير مناسبة لعدم ثباتها مثل الغابات والمناطق الريفية كما أن الصراع من أجل البقاء في شوارع المدن أمر شديد الصعوبة، ولكن لا بد من الاعتراف بأنه أصبحت لنا جوار وجيران من الحيوانات.

ولقد فسر ذلك بأن هذه الحيوانات جاءت إلى المدن الكبرى لأنها تتعرض لفقدان مواطنها الأصلية إما بقطع الغابات أو أنها تتعرض في المناطق الريفية لمطاردة السكان المستمرة لأنها تضر باقتصادهم، أما المدن فالبرغم من صخبها فالدفء متوافر فيها وكذا الغذاء بشكل ما أفضل. في كثير من المدن البريطانية تتجول الدببة ليلا بحثا عن غذائها في النفايات وأصبح تبعثر النفايات دليلا على مصدر الدببة، ونظرا لوجوده شبه المستمر في المدن أطلق عليه اسم - الدب المدني - ويرى كثير من علماء البيئة أن هذه ظاهرة خطيرة من الممكن أن تؤدي إلى شيوع الأمراض، هذا إلى جانب أنها تثير الفزع بين الناس. إن كثيرا من القرى في إفريقيا تتعرض لهجمات من الأفيال بحثا عن الغذاء وفي جنوب الهند أصبح من المألوف أن تلد إحدى إناث النمر المنقط عند طرف المدينة، بل ويمكن رؤية الأنثى وهي تحمل صغارها في فمها وتسير على أسوار المنازل الآهلة بالسكان بحثا عن مكان أكثر دفئا وأمانا، وفي ألاسكا ترى بشكل دائم صغار حيوان الموس (الموس Moose حيوان من الآيل ذو قرون كبيرة موطنه الأصلي أمريكا الشمالية) في المدن والقرى المأهولة بالسكان تبحث عن الطعام وفي مونتانا بأمريكا يسبب ذئب القيوط خسائر لمربي الأغنام تبلغ 20 مليون دولار سنويا وذلك بهجومه المستمر على القطعان . ومن الحيوانات المنتشرة في الغابات والمناطق الريفية في أوربا حيوان الغرير (الغرير Badger حيوان ثديي قصير القوائم يشبه الدب ولكنه أصغر في الحجم) ويكثر بشكل خاص في إنجلترا وهذا الحيوان يتغذى على الديدان والفئران والأرانب والطيور والزواحف والبرمائيات ويرى الغرير بكثرة وبشكل دائم في كثير من المدن الأوربية مثل مدينة بريستول البريطانية. إن المدن الكبرى المتاخمة للمناطق الريفية تكون أكثر عرضة لهجوم الحيوانات لسهوله تنقلها بين المدن والمناطق الريفية.

الطيور تخلق بيئتها الطبيعية في المدن

من الأمور الطبيعية أن يبني الحمام أعشاشه في المدن الكبرى، بل إن كثيرا من مدن أوربا السياحية تعطي للأفراد تراخيص لبيع طعام الحمام في الميادين الكبرى للسائحين الذين يحبون الاحتفاظ بصورة يقف فيها الحمام على أيديهم وأكتافهم يتناول طعامه ولكن سماوات المدن الأوربية الكبرى زادت بها أعداد طائر الزرزور وببغاء البركيت وطيور النورس آكل الرنجة والنور ذو الظهر الأسود وطيور الباشق الجارحة والبومة السوداء وصقور العاسوق، والكثير من الطيور الأخرى حتى الخفافيش التي تعيش في المناطق المهجورة المظلمة أصبحت تقيم الآن في كثير من المدن ولقد سببت كثرة أعداد الطيور الكثير من المشاكل.

إن الحمام المنتشر في كثير من الميادين والشوارع في أغلب بلاد العالم هو أكثر الحيوانات حظا فهذه الطيور حظيت بحب الناس في المدن منذ فترة بعيدة، إلى الحد الذي جعل الناس في كثير من البلاد يبنون لها أبراجا خاصة لكي تقيم فيها وتجد ما يكفيها من الطعام فزادت أعدادها. لقد وفرت المدينة الحماية والمأوى للحمام فبقي، ويعتبر الحمام هو الصورة الحقيقية المصغرة لحياة المدينة الطبيعية أو Twon Wild Life بالنسبة للحيوانات. لقد أدت زيادة أعداد الحمام إلى زيادة في أعداد الطيور الجارحة وفي الإحصاءات التي أجريت في عام 1994 في عدد من مدن إنجلترا الكبرى وجد أن كل حديقة منزلية في هذه المدن يوجد بها الآن واحد من طيور الباشق أو البومة السوداء أو صقر العاسوق، ولقد فسر العلماء هذه الظاهرة بأن هذه الطيور تأقلمت على العيش في المدن الكبرى خاصة بعد تدمير مواطنها الأصلية وزادت قدرتها على التكاثر ورعاية صغارها في بيئتها الجديدة نتيجة لتوافر الغذاء والدفء ومن ثم أصبحت - طيورا مدنية - وإن هذا التأقلم حدث بالرغم من ارتفاع نسبة الضوضاء وتلوث الهواء.

إن أغلب المدن الأوربية ينتشر فيها طائر الزرزور Starling بأعداد تصل إلى الملايين في شرق الولايات المتحدة وبالتحديد في منطقة البحيرات الكبرى تعيش طيور القاق أو غراب البحر وهو طائر مائي نهم للأسماك، وتهاجر طيور القاق في موسم الهجرة إلى خليج كاليفورنيا مرورا بدلتا المسيسبي، حيث تنتشر المزارع السمكية وفي بداية السبعينيات بدأت أعداد كبيرة من طيور القاق لا تعود إلى منطقة البحيرات العظمى بل تظل في دلتا المسيسبي حيث الغذاء وفير حتى بلغ عددها في عام 1991 حوالي 35.000 طائر تسبب خسائر سنوية لأصحاب مزارع الأسماك تبلغ حوالي خمسة ملايين دولار وعلى الرغم من أن أصحاب المزارع يقتلون سنويا حوالي 3 آلاف طائر فإن أعدادها تزداد سنويا بنسبة 15%. إن طيور القاق أو غراب البحر تسبب الكثير من الخسائر لأصحاب المزارع السمكية في الصين واليابان وأيسلندا. ومنذ عام 1976 وأعداد طيور النورس آكل الرنجة والنورس ذي الظهر الأسود في تزايد مستمر خاصة في المدن القريبة من البحر وأصبحت أعشاش النورس فوق ناطحات السحاب ومداخن المصانع ويعيش النورس متغذيا على النفايات وبقايا أي طعام بدلا من الأسماك. ولقد بلغت نسب الزيادة في أعداد النورس في المدن حسب تقديرات العلماء بين 7 - 13% للنوعين ومنذ سنوات قليلة ومدينة القاهرة يزداد بها أعداد الغراب الأسود بشكل ملحوظ ولا تخلو أي شجرة كبيرة في أي مكان في القاهرة من العديد من أعشاش الغربان.

في عام 1994 لاحظ علماء حماية البيئة الطبيعية في إنجلترا أن إحدى الحدائق في غرب لندن مأوى دائم لحوالي 700 زوج من ببغاء البركيت الذي أحضر من موطنه الأصلي في أمريكا عندما كان على وشك الانقراض وتم إكثاره في الأسر وزادت أعداده وتم إطلاق سراحه ليعود إلى الغابات، إلا أنه بقي في المدينة وبنى أعشاشه في فجوات أشجار الحدائق متغذيا على الفاكهة خاصة التفاح. لقد أصبح ببغاء مدنيا. لقد زادت أعداد طائر السنونو بنسبة كبيرة في المدن الأوربية الكبرى، وعلى الرغم من أن هذا الطائر موطنه الأصلي تركيا فإنه يعتبر من أوائل الطيور التي كانت تعيش في مناطق الغابات والمناطق الريفية ، وانتقل إلى العيش في المدن. أما أكثر الأمور غرابة فهو زيادة أعداد الخفافيش في المدن الكبرى على الرغم من أن هذه الحيوانات تعيش في الأماكن المهجورة المظلمة لأنها حيوانات ليلية، ففي مدينة لندن وبالتحديد في المناطق الواقعة شمال مطار هثرو عثر على أعداد كبيرة من الخفاش الكبير المعروف باسم حدوة الحصان، وفي المساء تنطلق هذه الخفافيش فوق ممرات الطيران مسببة الكثير من المشاكل في حركة الطيران. كما اكتشفت أنواع أخرى من الخفافيش تأخذ من مباني لندن مأوى لها وإن أعدادها في زيادة مستمرة. فهل هو جيل جديد من الخفافيش لا يخشى الضوء ويوما ما سيطير نهارا؟

إن الأنواع المختلفة من الطيور تأتي إلى المدن من المناطق الريفية والغابات بطرق مختلفة، ولكن لسبب واحد هو البحث عن مأوى ومصدر للغذاء وذلك على الرغم من أن المساحة الخضراء في المدن أقل من نظيرتها في المناطق الريفية فإن هذه الطيور في المناطق الريفية تعتبر من الآفات التي تضر بالزراعات ويتم مطاردتها بشكل دائم.

وإن كانت أغلب الطيور في المدن طيورا صغيرة الحجم رقيقة فإنها تسبب العديد من المشاكل فمثلا تنظيف ميدان الطرق الأغر في لندن من إخراجات الحمام يتكلف سنويا حوالي 90 ألف جنيه استرليني حيث يتم غسيل الميدان يوميا بمعدات خاصة كما أن تنظيف كباري السكك الحديدية والمباني في لندن من إخراجات الحمام يتكلف 5 جنيهات للساعة الواحدة وذلك بخلاف الوسائل الأخرى التي يتم اتباعها لمنع الطيور من الوقوف على نوافذ المباني مثل الأسلاك المشدودة التي توضع على النوافذ وتهتز بشدة عندما تقف الطيور عليها فتدفعها إلى الطيران مرة أخرى. كما أن الطيور بحركتها فوق مطارات إقلاع وهبوط الطائرات تسبب العديد من المشاكل، ولقد نشر في الصحف أن أحد الطيور دخل إلى أحد محركات الطائرات أثناء وقوفها وعند بداية تشغيل المحرك حدثت مشكلة كبيرة أدت إلى تأخر الطائرة عن ميعاد إقلاعها. إن الكثير من الناس في أنحاء العالم تميل إلى اقتناء طائر صغير مغرد أو ببغاء ولكن اقتناء طير جارح فهذا لا يحدث إلا في المنطقة العربية فالصيد بالصقور يعتبر من الرياضات العربية خاصة في منطقة الخليج العربي، وتصل أثمان الصقور إلى آلاف الجنيهات ويشتريها محبو هذه الرياضة ويقومون بتدريبها على القنص ويقومون بتنظيم رحلات صيد بالصقور في الصحراوات العربية.

كائنات أخرى تستقر في المدن

إن الفئران من الحيوانات المدنية منذ زمن بعيد وهي الحيوان الوحيد الذي يوجد في كل مدن العالم الكبرى والصغرى بلا استثناء ولقد وجد في حياة الإنسان منذ العصر الحجري مع بداية معرفة الإنسان للزراعة، والفئران حيوانات شديدة الذكاء في البحث عن غذائها، وهي تأكل أي شيء وتستطيع أن تبني جحورها في أي مكان وتسبب الفئران الكثير من المشاكل، فأغلب حرائق الكهرباء سببها الفئران، فهي تتغذى على الأسلاك الكهربائية، كما أنها تسبب خسائر كبيرة في المزروعات والمواد المخزونة. وفي بداية الثمانينيات عند ترك الجيش المصري مواقعه في صحراء الشرقية تعرضت مدن وقرى ونجوع الشرقية لهجوم شرس ومستمر مما سبب خسائر كبيرة للمزارعين، بل إن الفئران هاجمت الإنسان في القرى فقرضت أحد الفئران أذن طفل صغير أثناء نومه كما قرضت أصبع قدم أحد الرجال.

كما تلاحظ في الفترة الأخيرة زيادة أعداد أنواع أخرى من القوارض في المدن فالعرسة ترى في وضح النهار في شوارع المدن الكبرى وكذا القنفذ الذي أصبح له مأوى دائم في المدن خاصة في الحدائق الكبرى والمقابر.

وزادت أعداد السحالي بشكل لافت للنظر في المدن الكبرى ولقد تعرضت بعض الأماكن من محافظة البحيرة لهجوم الأفاعي نتيجة لتدمير مواطنها بسبب الإعمار السكاني، وفي لندن زادت أعداد الضفادع بشكل كبير في البرك الموجودة في الحدائق والأنهار والبحيرات. ولقد أدى ذلك إلى زيادة أعداد سمندل الماء في البحيرات والأنهار وزادت أعداد سلحفاة المياه العذبة ذات الأذن الحمراء مما أدى إلى تناقص الأسماك في الأنهار والبحيرات. ويعلق علماء حماية البيئة على ذلك قائلين: إن الضفادع تنتشر في كل مكان في لندن الآن. لقد أدى ارتفاع درجات الحرارة داخل المنازل في المدن الكبرى وقلة نسبة الرطوبة بها إلى قلة أعداد الحشرات المرتبطة بالإنسان بشكل كبير مثل البراغيث والعث، ولكن من الأمور التي تثير العالم الآن انتشار العنكبوت المنزلي السريع في المدن بشكل لافت للنظر حتى المدن الباردة على الرغم أنه من حشرات المناطق الدافئة . إن كثيرا من المدن الأوربية ينتشر فيها بأعداد كبيرة العنكبوت ذو الأرجل الضخمة والعنكبوت الإسباني، ويرى علماء البيئة أن العناكب المدنية تزداد أعدادها بشكل جدير بأخذه في الاعتبار. ومن الأمور المثيرة الدائمة الحدوث في جزيرة كريستمس في المحيط الهندي هو وجود ملايين من السرطانات البحرية عند أبواب منازل الجزيرة. إنها تخطئ طريق هجرتها من الغابة إلى البحر للتكاثر. إن النمل الأبيض من الحشرات التي تهدد كثيرا من البلاد في المناطق الاستوائية والحارة والدافئة بهجومه المتواصل. فالنمل الأبيض يهدد مدينة أسوان في أقصى جنوب مصر وهو يهدد المساكن وثروة النخيل، بل إنه يهاجم المنازل الحديثة المبنية بالحديد والأسمنت، ويقول أحد أساتذة علم الحيوان: إن أسوان تعيش على بحيرة من النمل الأبيض، وفي دراسة استمرت 3 سنوات اكتشف العلماء أن في مصر 7 أنواع من النمل الأبيض منتشرة في 10 مدن بخلاف أسوان، وأن هناك نوعا يسمى نمل الخشب الجاف، وجد في مصر من خلال الأخشاب المستوردة من الخارج وتكاثر وزادت أعداده. منذ زمن بعيد والمجتمع البشري مستكشف حدود الاتصال مع الحيوانات وهو يمارس أنشطته معها وفي نفسه مشاعر شتى من الخوف، والإعجاب، والقسوة، والمودة، والألفة، والنفوذ. فهي علاقة غير مستقرة ومعقدة تتأرجح بين الصداقة والعداء والتهاون. فالعديد من الحيوانات انقرض تماما، وا لكثير على وشك الانقراض مما أدى إلى وضع العديد من المعاهدات الدولية لحماية الأنواع الحيوانية المختلفة فالحيتان الكبيرة، والفهود، والنمور، والفيلة، والخراتيت مهددة بالانقراض على الرغم من ضخامة حجمها. إن الكثير من الحيوانات ساعدت في معرفة وعلاج مجموعة كبيرة من أمراض الإنسان حديثا إلى الحد الذي دفع العلماء إلى القول: إن للفئران فضلا كبيرا على الإنسان و 80% من تجارب الأبحاث التي تجرى سنويا تتم على الحيوانات، فعلى القردة والفئران تجرى أبحاث مرض الصرع ومرض الزهايمر، كما شاركت في أبحاث سرطان الرئة والإيدز. أما القوارض الصغيرة فاستخدمت في أبحاث السرطان والإيدز وأبحاث الجينات وأمراض القلب والكثير من أعضاء الذئب تستخدم في إنتاج المستحضرات الطبية. وإذا كانت بعض الحيوانات تهاجم الإنسان في مدن عالية التقدم والرفاهية وتقيم فيها فإن ذلك سببه الإنسان نفسه الذي دمر مواطنها الأصلية في طريق تقدمه، لذا أصبح لنا جيران من الحيوانات سواء أردنا أم لا، ولا بد من مواجهة هذه الظاهرة. ولا ننسى أنه لا يمكن الاستغناء عن الحيوانات فيكفي أنها أنقذت وسوف تنقذ بأعضائها آلاف المرضى من البشر، فمن الغرور أن نعتقد أن النوع البشري هو الوحيد ذو الأهمية.

 

محسن حافظ 

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية  
اعلانات




الثعلب الأحمر.. زائر بري للمدن





صقر العاسوق





النمر المنقط





النورس ذو الظهر الأسود