طرائف عربية

طرائف عربية


طرائف بصوت ضاحك
بين الطفو والغرق:

اختلفت قبيلة بني راسب وقبيلة بني طاوة في انتساب رجل لكل منها، وكان عالماً يزين القبائل بانتسابه إليها، وحين اشتد الخلاف والرجل يقف حائراً يقلب عينيه بين الفريقين اللذين تراضيا أن يحكم بينهما أول من يظهر، ولسؤ حظ الرجل خرج عليهم "هنبقة" وكان من الحمقي التاريخيين، وصاحب غفلة يضرب بها العرب المثل، حين سأله القوم لأي قبيلة ينتسب الرجل؟ هل لراسب أم لطفاوة؟

أمعن "هنبقة" فكره، وغرق في صمت الحكماء ثم أشار بيده قائلاً:

- أرموا الرجل في البحر فإن رسب فهو من بني راسب، وإن طفا فهو من بني طفاوة.

عندئذ انفجر الرجل صارخاً: فليأخذني الله أن أردت الانتساب لأي من هاتين القبيلتين!! وفر بجلده يسابق الريح.

فصاحة تنجي من السيف:

تولي أمير حكم العراق، وكان لا يعرف أباه في استتباب الأمن، وفرض النظام، وعد أنفاس الرعية، وكان مثل القدر المسلط على حياة العباد.

أمر رئيس جنده أن يطوف المدينة بالليل، وكان قد فرض على الناس عدم التجوال، والنوم إذا ما أذن المغرب، وعلى كل رجل أو امرأة أن يلزم وإلا لعلعل السيف بالدم، وعلى رئيس الجند إذا ما وجد أحدا يمشي ضرب عنقه من غير رحمة.

طاف رئيس الجند ليلة فوجد ثلاثة صبيان، فأحاط بهم وسألهم:

من أنتم حتى خالفتم أمر الأمير؟

فقال الأول شاعراً:

أنا ابن الذي دانت الرقاب له

 

ما بين مخزومها وهاشمها

تأتي إليه الرقاب صاغرة

 

يأخذ من مالها ومن دمها

فأمسك رئيس الجند عن قتله وقال: لعله من أقارب الأمير.

وقال الثاني:

أنا ابن الذي لا ينـزل الدهر قدره

 

وإن نزلت يوما فسوف تعود

ترى الناس أفواجا إلى ضوء نهاره

 

فمنهم قيام حـولها وقعـود

فتأخر عن قتله وقال: لعله من أشراف العرب الكرام.

وقال الثالث:

أن ابن الذي خاض الصفوف بعزمه

وقومها السيف حتى استقامت

ركاباه لا تنفك رجلاه عنهما

إذا الخيل في يوم الكريهة ولت

فترك قتله وقال: لعله من شجعان العرب.

فلما أصبح رفع أمرهم إلى الأمير فأحضرهم، وكشف عن سرهم وحالهم فإذا الأول ابن حلاق، والثاني أبن بائع فول، والثالث ابن حائك ثياب.

فتعجب الأمير من فصاحتهم وقال لجلساته: علموا أولادكم الأدب فلولا فصاحتهم، لضرب أعناقهم ثم أطلقهم وأنشد:

كن ابن من شئت واكتسب أدبا

 

يغنيك محموده عن النسب

إن الفتى من يقول هأنذا

 

ليس الفتى من يقول كان أبي

سيف كلعاب المنية:

كان لأبي جعفر النميري سيف لا فرق بينه وبين عصا من جريد، مثلوم، لم يسن على مسن من حجر طوال ملكية الرجل له.

كان أبوجعفر يتباهي بالسيف ويخرج من بيته رافعاً إياه صائحا:

هذا لعاب المنية: وقاطع الرقاب، ومدل الرءوس ولا مهرب لمخلوق من شفرته. وكان الناس يبتسمون ويمضون تاركين إياه رافعا عصاه، أقصد سيفه المثلوم.

في يوم كان أبو جعفر يقف أمام بيته وقد رفع سيفه حاشراً شدقه بالكلمات الكبيرة، وإذا بحس في داره. تيقن الرجل بأن لصاً يجمع أشياءه، ويكوم حاجياته.

انتفض السيف في يد أبي جعفر وصرخ بأعلى صوته:

أيها المعتز بنا، المجترئ علينا فبئس والله ما اخترت لنفسك، خير قليل، وسيف صقيل، ومصير مجهول، ألا تعرف أنه لعاب المنية، أخرج بالعفو عنك قبل أن أدخل بالعقوبة عليك.

وكلما سمع أبوجعفر كركبة الأشياء، كركبت بطنه، وخاف أن يفاجئه اللص بشج رأسه، أو طعنه في خاصرته.

فتح الرجل الباب فإذ كلب يعبث وقد خرج من الدار، عند ذلك طوح أبو جعفر سيفه في الفضاء وقال بصوت يمتلئ باليقين: الحمد الله الذي مسخك كلبا أيها اللص وكفانا القتال.

 



أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات