إلى أن نلتقي

إلى أن نلتقي

النحلة الأسترالية.. والديمقراطية

سمعتم قصة النحلة الاسترالية ؟ إنها تختلف عن سواها من أنواع النحل، ولأنها تختلف فإن الدكتور نيكولاس بول، عالم الحشرات في جامعة فليندرز في جنوب استراليا كرس سبع سنوات من حياته الأكاديمية لمتابعة نشاطات هذه النحلة.

وبداية، أعتقد وقبل الدخول في تفاصيل حكاية النحلة، لو أن الواحد فينا يكرس، ليس سبع سنوات كاملة، بل سبعة أيام في السنة لمتابعة نشاطات أولاده، ومحاولة فهمهم لاستطاع أن يجعل من كل واحد منهم " سوبر مان "، وكان يضمن على الأقل أنهم سوف ينتجون العسل في النهاية وليس العلقم.

وعودة إلى حكاية النحلة الاسترالية، فقد اكتشف الدكتور بول ان البناء الاجتماعي لهذا المجتمع من النحل يختلف عن سواه، إذا بينما تقوم الملكة في مجتمعات النحل العادية، وكذلك مجتمعات النمل، بحملات من التجنيد الإجباري لتوفير حراسة شخصية لها، تضم أصحاب أو صاحبات الجسم الأكبر، واللسعة الأشد، فإن ملكة النحل الاسترالية تقوم هي بنفسها بعملية الحراسة وتدقيق الهوية على البوابة الأميامية للمملكة.

استغرب العالم الدكتور هذه " الديمقراطية " الرائدة في عالم الحشرات، وفكر أن يكتب بحثا في السياسة يؤكد فيه أن الديمقراطية التي تعيشها نحلات استراليا تنافس أي ديمقراطية معروفة في ممالك الغرب، وخاصة في بريطانيا، حيث الحراسة وطقوساها توازي الملكة في أهميتها، وربما تزيد عليها لدى السياح، وخاصة الأطفال.

ولكن بعد تفكير وتأمل عميقين، يعني سنة للتفكير وسنة للتأمل على الأقل، قرر أن عالم الحشرات هو عالم غرائز وليس عالم أفكار- يعني مثل معظم العالم الثالث- وبالتالي فلا بد أن هناك دوافع فسيولوجية تدفع الملكة إلى حراسة الباب بنفسها.

وهنا بدا العالم يركز اهتمامه على الوصيفات، كان عدد الوصيفات لا يزيد على ثماني وصيفات، يجالسن الملكة، ويضعن البيوض مثلها، يعني يحفظن الذرية، ولكن عندما بدأ العالم يكشف عن أجناس التي تضعها الملكة والوصيفات تبين له أن بيض الملكة يفقس إناثا فقط، أما الوصيفات فإن بيوضهن لا تفقس إلا عن ذكور، وعند هذا الاكتشاف صاح وعلى طريقة أرخميدس: وجدتها.. وجدتها. أما ما وجده فهو أن القاعدة العلمية في البيوض تقول إن البيضة إذا قام الذكر بتلقيحها فإنها تفقس عن أنثى، أما إذا لم يطـأها الذكر فإنها تفقس عن ذكر، وبالتالي فإن الملكة كي تحفظ حق الوراثة في سلالتها وتضمن أن أحد غيرها لن ينازعها هذا الحق، كانت تقوم بمنع أي " مشبوهة " من دخول الخلية، والمشبوهة هنا هي أقرب إلى الثائر أو المتمردة التي تحاول الانقلاب على العرش، عبر علاقة " غير لائقة " إذا استخدمنا مفردات الرئيس بيل كلينتون.

إذن الملكة تنجب الإناث الوريثات، والوصيفات ينجبن الذكور لتلقيح الملكة الوارثة، وباقي السرب يعمل في إنتاج العسل، أي أن هناك نوعا من تقسيم العمل، فالملكة تضمن استمرار الأمن والنظام السياسي للمملكة وباقي الأسراب الكادحة توفر لها الطعام، وهو تقسيم ديمقراطي فعلا، مادامت الملكة تقوم شخصيا بالسهر على الأمن.

هناك الكثير مما نتعلمه من مملكة النحل، خاصة الاسترالي، وأعتقد أنه هذه القصة هي سبب إضافي لمنح المرأة حقوقها السياسية.

 

أنور الياسين

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات