الأحمدي حيث يتدفق نهر الخير عادل عفيفي

الأحمدي حيث يتدفق نهر الخير

النفط ليس مجرد كنز من الثروة الطبيعية تكتنزه الأرض، إنه وسيلة خير تتطلب الكثير من المعاناة والصبر. ومع احتفال الكويت باليوبيل الذهبي لتصدير أول شحنة من نفطها، تتجاوز صورة الحاضر، مع ذكريات الماضي، وتطلعات المستقبل، لترسم قصة الإنسان الكويتي.. من المعاناة إلى الأمل.

الحديث عن الماضي، له نكهة الطيب، ونفحة روحية خاصة عندما يحتويه التاريخ، وهو تاريخ للعطاء يصحبنا لنتوغل فيه خمسين عاما من عمر الزمن مضت منذ صدرت الكويت أول شحنة من نفطها، ولقد كان ختام زمن العطاء المديد هذا احتفالا رعاه صاحب السمو أمير البلاد الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح..

وهج في رمالها.. كنفوس أهلها منذ أن كان سكانها يعيشون في الخيام، ارتبط ظهورها باكتشاف النفط في حقل برقان الكبير الذي يمتد جنوب الكويت.. ويمكن القول إنها ولدت من رحم حقل برقان أي منذ تصدير أول شحنة من نفط الكويت في 30 يونيو 1946..

والأحمدي كلمة عربية منسوبة إلى الأحمد وهو الحاكم العاشر لدولة الكويت المغفور له الشيخ أحمد الجابر. وقد نشأت مدينة الأحمدي في عهده وبتوجيهات منه، واسم الأحمدي يطلق أيضا على الميناء الواقع على الخليج العربي بين الفحيحيل والشعيبة وهو ميناء الأحمدي، وكانت الأحمدي قبل بنائها تعرف بالقرية العربية وقبل ذلك درج اسم "الظهور" أو "ظهر العدان" للدلالة على الموقع.

تبعد مدينة الأحمدي عن مدينة الكويت بحوالي 37 كيلومترا.. عند مدخل المدينة كان التغيير واضحا.. معالم وعلامات توحي بأن هناك شيئا ما. وأنها كانت تعيش في الحاضر أفراح وأتراح الماضي، وتتطلع بأمل أكبر نحو المستقبل.. استقبلنا صرح شامخ كان يبدو كما قال مرافقي.. معبرا عن ماضي الكويت العريق، وحاضرها المشرق أقامته شركة نفط الكويت بمناسبة مرور50 عاما على تصدير أول شحنة من نفطها.. لم يكن جاسم الشطي رئيس لجنة النصب التذكاري مبالغا عندما قال "فترة إنجازه كانت بسيطة جدا والجميع أبدى ارتياحه للتصميم الذي نفذته دائرة الهندسة بالشركة.. والهدف لم يكن الاحتفال فقط بل ليكون صرحا كبيرا يرتاده زوار مدينة الأحمدي وشركة نفط الكويت".

منازل الأحمدي يغلب عليها الطابع الأوربي، منازل مكونة من دور واحد، مغطاة بالسقوف القرميدية الحمراء المائلة والمزودة بحدائق كبيرة وأسوار غير مرتفعة. شوارعها مشجرة وساحاتها مخضرة تعاند الطبيعة الصحراوية الحارة بلونها الأخضر الزاهي كقلوب أهلها. يشير مرافقنا إلى مكان بعيد.. هنا احتفلت الكويت بأسرها باليوبيل الذهبي للنفط.. دار في مخيلتي نصف قرن مضى.. وتذكرت كلمات رئيس مجلس إدارة شركة نفط الكويت خالد يوسف الفليج عندما قال: "صدرت أول شحنة من نفط الكويت في 30 يونيو 1946، من حقل برقان الكبير عندما أدار المغفور له الشيخ أحمد الجابر أمير الكويت حينذاك دولابا من الفضة إيذانا بالتصدير.. إنه تاريخ عبق برائحة الماضي الطيب.. وتراءت أمامي مسيرة القطاع النفطي الذي حدث له ما لم يكن في الحسبان ألا وهو الغزو العراقي الغاشم لدولة الكويت عام. 1990 الذي دمر حوالي 80% من المنشآت النفطية علاوة على تدمير وإشعال النيران في أكثر من 700 بئر نفطية.. ولكن كما أكد لنا خالد الفليج رئيس مجلس إدارة الشركة أن الشباب الكويتي العامل في القطاع النفطي، كانت له الأيادي البيضاء في السيطرة على 41 بئرا مشتعلا بعد اندحار الغازي العراقي وتمت السيطرة على حرائق النفط خلال فترة زمنية قياسية.

فور عبورنا بوابة الأحمدي وبينما كنا في الطريق إلى أكبر القلاع الصناعية في الكويت استوقفتني الزينات والزهور المتناثرة على جانبي الطريق.

تأكيد أصالة القيم

لقد كانت هذه زهور العيد، فمنذ أيام وفي الثلاثين من يونيو الماضي احتفلت الكويت عامة وشركة نفط الكويت خاصة بالذكرى الخمسين لتصدير أول شحنة من نفط الكويت. ولقد حرص صاحب السمو أمير البلاد على رعاية الاحتفال وعلى تتويجه بحضوره وإدارة دولاب ذهبي ليتدفق النفط في أنبوب مجاور لمكان الاحتفال لاستعادة الذكرى التي مضى عليها نصف قرن وحتى يرسخ في أذهان الشباب الكويتي القيم الأصيلة وعراقة العادات المتوارثة بكل ما تحمله من كفاح وعزيمة لتظل الكويت قرة العين، وبهجة الفؤاد.. ولقد مثل حضور سموه عبر يوم كامل أمضاه في احتفال الأحمدي ربطا بين كفاح الماضي التليد وبهاء الحاضر لترتسم أمام الوجوه وتتضح صورة المستقبل الزاهي بإذن الله. لقد دشن المغفور له الشيخ أحمد الجابر في 30 يونيو 1946 أول شحنة من نفط الكويت.. وبحلول عام 1948 تمكنت شركة نفط الكويت من إنتاج 6 ملايين طن في العام مما وضع الكويت نفطيا في الصدارة بمنطقة الشرق الأوسط.

يقول المهندس محمد عبدالوهاب مدير مجموعة عمليات الحفر.. "الإنتاج الكبير لم يتحقق إلا في عام 1956 إذ بلغ 54 مليون طن في العام.. وكذلك الآبار التي حفرت في منطقتي المقوع والأحمدي بدأت في الإنتاج عام 1953 وفي عام 1955 اكتشفت حقول أخرى في الروضتين بشمال الكويت ثم في عام 1959 اكتشف حقل المناقيش وفي عام 1964 تجاوز الإنتاج النفطي الكويتي علامة الـ 100 مليون طن في السنة.." وفي لحظة تأمل لم تتجاوز الثواني.. إلا أنها أعادت المهندس عبدالوهاب لذكريات يغلب عليها طابع النصر وحلاوة مذاقه.. سألته إلى أين وصلت.. قال: "إلى أوائل السبعينيات بعد أن قررنا تسيير سفننا بإرادة الله ثم بقوة السواعد السمراء حتى يديم الله الخير على بلدنا وشعبنا وجعل أيامنا مواتية لسفننا لتظل تبحر بحار المحبة والإخاء.. ففي أوائل السبعينيات بدأت الكويت بالتفاوض لتستعيد سيطرتها على ثروتها النفطية وبموجب الاتفاق مع الشريكين الأصليين المؤسسين شركة نفط الكويت، أخذت حصة الدولة في الشركة تزداد باطراد إلى أن تحققت السيطرة الكاملة على الشركة في مارس 1975 وتم تعيين إدارة عليا جديدة لها من أبناء البلد..  وتطورت صناعة النفط الكويتية وتبعات مكانة بارزة بفضل جهود الرجال وعرقهم طوال خمسين عاما مضت.

النجاح.. رحلة طويلة

ويضيف المهندس عبدالوهاب قائلا: "إنها رحلة طويلة ابتدأت عام 1936.. امتزجت بعرق الرجال حتى وصلت الشركة إلى ما وصلت إليه الآن.. ففي عام 1938 قامت الشركة بحفر بئر استكشافية في منطقة البرقان.. وقد أعطت نتائج الفحص التي أجريت على عمق 3672 قدما معلومات قيمة عن وجود النفط بكميات تجارية وتلا هذا الاكتشاف حفر ثماني آبار أخرى في البرقان في الفترة من عام 1938 وحتى عام 1942 وكان من نتائج حفر هذه الآبار التأكد من وجود النفط بكميات تجارية في طبقات العصر الطباشيري الأوسط وذلك في رمال تكوين الوارة وتكوين البرقان عند عمق يتراوح بين 3570 قدما و4800 قدم.في الطريق إلى مواقع الإنتاج.. استوقفنا جنود ذوو بشرة سمراء وسواعد قوية بابتسامة.. إنهم حراس المنشآت النفطية يجابهون الحرارة ولهيبها بكل قوة وعناد.. أخرج لهم مرافقنا تصاريح بالدخول إلى المنشآت النفطية حتى سمحوا لنا بالعبور، لنتخذ الطريق وسط أمواج من الرمال المتناثرة يمينا ويسارا.. وبعد مسافة زادت عن الكيلو متر أشار إلينا قائلا: " توجد مجموعة عمليات الإنتاج والتصدير التي تتولى إنتاج جميع الحقول النفطية في الكويت عدا منطقة الوفرة والتي تتولاها العمليات المشتركة وهي مستقلة بذاتها وإنتاجها مناصفة بين دولة الكويت والمملكة العربية السعودية، ومنطقة الخفجي ويتولى الإنتاج منها شركة الزيت العربية.. ومجموعة الإنتاج تتسلم جميع الحقول ممثلة في الآبار بعد حفرها، وكلها موصلة إلى مراكز تجميع نفط متصلة بالحقول، يفصل النفط فيها عن الغاز ويضخ إلى المشعب الرئيسي بالأحمدي حيث يتم خلطه من جميع الحقول.. بعد ذلك يتم تخزين النفط في حظائر الخزانات الشمالية والجنوبية على هضبة الأحمدي حيث تبلغ الطاقة التخزينية 15 مليون برميل، ومن هذه الخزانات يصدر النفط إلى البواخر في البحر وإلى  مصافي التكرير من خلال ميناء الأحمدي والشعيبة وميناء عبدالله. لأول وهلة ظننت أن مرافقي فضل أن تكون جولتنا وسط منشآت جديدة لم يترك الزمن آثاره عليها.. لكنني سرعان ما أدركت طبيعة عمل شركة نفط الكويت حين تدخل المهندس محمد طالب قائلا: "من السهل إقامة وبناء منشآت جديدة.. لكن من الصعب المحافظة عليها إلا إذا كانت تحت الصيانة المراقبة.. الصيانة هنا لا بد وأن تكون علمية مدروسة بعناية.. لذلك فإن أغلب العاملين في دائرة الصيانة هم شباب كويتي أخذ قسطا كبيرا من التعليم وصقلته الشركة بدورات تدريبية داخل وخارج الكويت، ويشمل عملهم صيانة المنشآت النفطية بل يمتد عملهم إلى تقديم خدمات لمدينة الأحمدي في صيانة مساكن ومنشآت الشركة والإشراف على شبكة توزيع الكهرباء الرئيسية.. كذلك قامت مجموعة الشباب بإتمام بناء وحدة إزالة الأملاح التي تم نقلها من شمال الكويت وأعيد بناؤها في مركز (2) والمشروع الأكبر من هذا كان في مركز تجميع (4) وهو نقل وحدة إزالة الأملاح كاملة من مركز (2) وإعادة تركيبها في مركز (4) وبناء غرفة تحكم جديدة وتحديث الأجهزة الدقيقة بحيث تتوافق مع نظام التحكم الجديد وقد بدأ تشغيلها في فبراير 1994.

وإذا كانت الفترة الماضية والتي امتدت إلى نصف قرن مضت شهدت تطوير العاملين وظيفيا في دورات داخلية وخارجية فنية وإدارية ليكون التدريب مساندا ومفرزا للخبرات المكتسبة من خلال العمل نفسه. يمكن القول إن هناك خطة تؤكد أن شركة نفط الكويت تقوم بدورها الرائد والمهم في بناء شباب الوطن والعمل على تزويدهم بما ينفعهم في حياتهم العملية وإكسابهم خبرات متعددة وزرع الثقة في نفوسهم..ومن هذا المنطلق استطاعت الكويت وفي زمن قياسي أن تستعيد مكانتها في مصاف الدول النفطية الرئيسية في العالم وكان هذا محل إعجاب وتقدير من كل العالم.. وإن نجاح الجهود المبذولة في رقي وتقدم الصناعة النفطية إنما يرجع إلى العمل الجماعي الجاد والصادق والذي عبر عنه رئيس مجلس إدارة الشركة خالد  يوسف الفليج عندما استقبلنا قائلا: " تسعى الشركة لتحقيق هدفين استراتيجيين وهما المحافظة على الثروة البترولية وزيادتها، والمحافظة على الثروة العمالية الكويتية وزيادتها ".

مستقبلنا في أيدينا

في غرفة الاجتماعات تقرأ تاريخا تليدا.. يعود بك إلى خمسة عقود خلت..

رجال تكسو بشرتهم العناد والعزيمة وهي سمات الجيل الكويتي الذي باشر أعماله في القطاع النفطي يتقدمهم خالد الفليج ليروي لنا بعض النقاط المضيئة للشركة ويقول:

" إذا ما استعرضنا ما أنجزته الشركة خلال نصف القرن الماضي لأمكننا أن ندرك جهود الشركة المستمرة في متابعة برامجها الاستكشافية التي أدت إلى القيام بعمليات ضخمة لتطوير الحقول وإنشاء مرافق الإنتاج وحفر المئات من الآبار ومد آلاف الكيلو مترات من شبكات الأنابيب الأساسية. كل ذلك وأكثر كان حجر الزاوية في بناء اقتصاد الكويت، وتوفير  شريحة واسعة من فرص العمل لشعبنا وغيره من الشعوب. أصبح لدينا فهم للتعقيدات المنتظرة في الإنتاج بالمستقبل وما الذي يتوجب علينا القيام به الآن لمواجهتها. نقوم حاليا بعقد الاتفاقيات مع كبريات شركات النفط العالمية لتعزيز التعاون معها وتيسير عملية نقل التكنولوجيا والخبرة العملية.. وأستطيع التأكيد وبعد مرور خمسين عاما على مسيرة النفط أن مستقبلنا في أيدينا نحن والمستقل ينطوي على التحديات ويقدم الفرص علي السواء ونحن في شركة نفط الكويت نخطو إلى المستقبل على أساس القوة والثقة وأنا على يقين أننا سننجح في مسعانا بإرادة الله "..

على الجانب الأيمن في غرفة الاجتماعات شاهدنا لوحة كبيرة تتصدرها صورة المغفور له الشيخ أحمد الجابر الصباح وحوله حشد من رعيل الكويت.. أمامه دولاب يقبض عليه بكلتا يديه وكأنه يقبض على زمام مستقبل البلاد ليقول للأجيال اللاحقة هذا هو تاريخكم وماضيكم وحاضركم تمسكوا به حتى تعيش الكويت في رغد وأمان.. نظرت إلى اللوحة نظرة تأمل لما مضى.. ربما طالت وقفتي أمام اللوحة فبادرني يعقوب الدوب المساعد التنفيذي للعضو المنتدب قائلا: " إنه الدولاب الفضي الذي أداره الشيخ أحمد الجابر معلنا تصدير أول شحنة من نفط الكويت ".. استأذنته أن يروي لي القصة لأعيش الماضي في لحظة الحاضر، وكانت الحكاية:

في 30 يونيو 1946 استقبل السيد ساوثويل مدير شركة نفط الكويت المحدودة (لندن) الشيخ أحمد الجابر ومرافقيه ورافقهم إلى مكان الحفل حيث الدولاب الفضي.. وتدفق النفط من خلال خط أنابيب بحري تم إنشاؤه لهذا الغرض على ظهر الناقلة بريتيش فيوزيليير بسهولة دون أية مشاكلات، وتم شحن 10.567 طن من النفط الخام في 11 ساعة و 13 دقيقة.. بعدها ألقى ساوثويل كلمة بالنيابة عن إدارة شركة نفط الكويت المحدودة أعرب فيها عن شكره وامتنانه لتشجيع ومساعدة الشيخ أحمد الجابر في تحقيق ذلك الإنجاز الرائع كما قال في كلمته: "سمو الأمير لولا صبركم وصداقتكم المخلصة وتعاونكم الدائم" رد عليه الشيخ أحمد الجابر قائلا: "كل واحد من الشعب ومن أصدقائي سيبتهج معي في هذه المناسبة السعيدة والتي برحمة من الله ستكون في صالح مستقبلنا ورفاهيته".. وكأنه يقرأ التاريخ أمامه. ويشاهد مستقبل الكويت وشعبها بكل ثقة واطمئنان.. فمن يمن الطالع أن نحتفل بتصدير أول شحنة من نفط الكويت في عهد الشيخ أحمد الجابر.. ونحتفل باليوبيل  الذهبي لنفط الكويت في عهد ابنه جابر الخير سمو الأمير.. والذي تدفق الخير في عهده من خلال بئر كراع المرو (1)..

لقد استمعت في بداية رحلتي إلى قصة حقل برقان (1).. وأمام اللوحة المعبرة عن تصدير أول شحنة نفطية.. تردد اسم كراع المرو (1) فبادرني مرافقي قائلا " إنها قصة أخرى تروي كفاح وعناد رجال الشركة عليك أن تستمع لها من أصحابها فهم أولى مني بهذه الرواية التي نفخر بها جميعا " وأشار إلى مرافقي لننتقل إلى مكان جديد تدفق منه الخير في عهد جابر الخير.

تطوع مرافقي حتى يتجاوز الوقت وعدم الإحساس بحرارة المكان الذي نسير فيه وقال:

" كراع المرو اسم أصبح فجأة على لسان.. وكالات أنباء، محطات إذاعة وتلفزيون والخبر كان اكتشافا نفطيا جديدا في دولة الكويت في زمن انتهت فيه الاكتشافات النفطية الكبيرة ".. وكيف انتشر الخبر؟ "وخفض سرعته حتى يستطيع التعبير عن شعوره فهو كما يقول يشعر بأنه إنسان آخر عندما ينتقل بالحديث إلى قصة " كراع المرو ":

" كان حضرة صاحب السمو أمير البلاد الشيخ جابر الأحمد متواجدا في نيويورك يوم 19/10/1995 حين أبلغه وزير النفط الدكتور عبدالمحسن مدعج المدعج بخبر الاكتشاف وكانت برقية الشكر والتقدير التي أرسلها سمو نائب الأمير وولي العهد إلى رئيس مجلس إدارة الشركة والعضو المنتدب خالد يوسف الفليج وساما على صدر كل العاملين بشركة نفط الكويت.. وهذا الاكتشاف هو قصة جهد متواصل من العاملين في الشركة أتركها لهم فبعد دقائق نكون بينهم".

كان في استقبالنا مجموعة من المهندسين يعيشون قصة حب مع بقعة من الرمال الصفراء وبدأت الجولة بشرح من المهندس عبدالحسين شهاب عن مراحل استكشاف البئر والاختبارات التي أجريت عليه.. ونظر إلى المهندس على الكندري يسأله عن تعيين الموقع الثاني فقال: "سيتوقف على عاملين أولهما وجود تكسرات والثاني تحليلات تنامي الضغوط التي تجري على البئر الاستكشافية ".. وينظر نظرة كلها فخر وفرح ليؤكد أن الشركة لا تنسى جهود من كانوا يعملون هنا من قبل فاكتشاف كراع المرو (1) مبني على معلومات مستقاة من المسوحات الزلزالية التي أجريت أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات وكانت كلها ثنائية الأبعاد والهدف منها استكشافي وضمت "كراع المرو" والذي يعتبر امتدادا من الناحية التركيبية لحقل المناقيش.

وينتقل الحديث إلى المهندس الجيوفيزيائي فهد المعضادي الذي يقول "في خطتنا القادمة للمسح الزلزالي ثنائي الأبعاد وضعنا بعض الخطوط تمر على كراع المرو بحيث نركز عليه في طبقتين.. ونعد لحفر بئر آخر لتحديد أو تقييم الحقل وهناك احتمال لامتداد التركيب هذا حتى حقل المناقيش".

شركة نفط الكويت في سطور

تأسست شركة نفط الكويت عام 1934 وأهم المعالم البارزة في تاريخها:

- فبراير 1938 اكتشف النفط في حقل البرقان.

- 1936 مدت أول الأنابيب في البحر لتحميل الناقلات.

- 30 يونيو 1946 صدرت أول شحنة من نفط الكويت.

- 1946 أنشئ الرصيف الجنوبي في ميناء الأحمدي.

- 1955 اكتشف النفط في الروضتين شمال الكويت.

- 1959 اكتشف النفط في المناقيش.

- 1960 افتتح مستشفى الأحمدي.

- 1968 تم توسيع ميناء الأحمدي.

- 1969 دشن صاحب السمو المغفور له الشيخ صباح السالم الصباح الجزيرة الاصطناعية.

- 1970 بدء تشغيل 4 مراكز تجميع جديدة.

- 1975 تملكت الحكومة الشركة وعملياتها بالكامل.

- 1976 قام صاحب السمو المغفور له الشيخ صباح السالم بوضع حجر الأساس لمشروع الغاز في ميناء الأحمدي.

- 1977 رست أكبر ناقلة نفط "بلاميا" في ميناء الأحمدي.

- 1978 تم افتتاح مصنع البيتومين "الأسفلت" الجديد.

- 1979 دشن صاحب السمو الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح مشروع الغاز في الأحمدي.

- 1980 صدر مرسوم أميري بتأسيس مؤسسة البترول الكويتية.

- 1985 تم تشغيل مركز التجميع رقم 26.

- أغسطس 1990 توقفت العمليات نتيجة الغزو العراقي.

- فبراير 1991 القوات العراقية فجرت ما يزيد على 700 بئر نفطية.

- مارس 1991 بدأت عمليات إطفاء آبار النفط.

- سبتمبر 1991 استؤنفت عمليات الحفر في المقوع.

- 6 نوفمبر 1991 تفضل صاحب السمو الأمير جابر الأحمد الصباح بإطفاء آخر بئر نفطي مشتعل.

- 22 نوفمبر 1992 تم تصدير أول شحنة من نفط البحيرات.

- 3 مايو 1993 إعادة تشغيل المرسى الرحوي.

- 18 أكتوبر 1995 اكتشاف بئر كراع المرو (1) غرب الكويت.

- يناير 1996 تم الانتهاء من إنشاء منصتين رحويتين لشحن البواخر.

وحول الاختبارات التي تجري في كراع المرو قال المهندس خالد الخميس " في 18 أكتوبر 1995 ثم ثقب طبقتي النجمة والسارجلو من عمق 15060 قدما إلى عمق 15180 قدما، و من بدأ التدفق الطبيعي لطبقتي النجمة و السارجلو و قد أخذت عينات من هذا الإنتاج و بلغت الكثافة النفطية حوالي ( AP 149 ) وكمية الغاز إلى النفط ما يقارب 3000 قدم مربع للبرميل الواحد ".

في طريق العودة لم يكن هناك مجال للإحساس بلهيب الطريق.. أسئلة كثيرة تتبادر إلى الذهن تبحث عن إجابة.. ولكن أين الحصول على تلك الإجابات.. فالظاهر أمامنا أننا أمام رحلة تاريخية امتدت إلى نصف قرن من الزمان.. تذكرت كلمات يعقوب الدوب حينما قال لي.. "ليس المطلوب المحافظة على ما تم إنجازه طوال نصف القرن الماضي فقط بل السعي للتطور و التحديث و نقل التكنولوجيا حتى نكون في وضع أفضل من السنوات الماضية".. ولكن كيف؟ نظر لي مرافقي و كأنة شعر بما يدور في ذهني..سألني إذا كان التعب قد نال مني.. قلت له سأرتاح عندما أعرف الإجابة عما يدور في ذهني.. ضحك ضحكة تدل على ثقته و معرفته بمكان الإجابة و قال لي.. دقائق و الإجابة تكون واضحة أمامك.

ازداد في سرعته و كأنه يريد سباق الزمن.. وفي الطريق تذكرت كلمات أمين عام أوبك حين زار الكويت و حالة الإعمار التي شهدتها بعد التدمير الشامل الذي أصابها من جراء العدوان العراقي الغاشم.. هذا هو مركز تجميع 14 المدمر.. و بعد خمس خطوات تجد الخزانات شامخة عالية تعانق السماء.. و هناك مبنى يخال إليك أنه دار أوبرا ولكن المفاجأة عندما قال  مرافقي إنه مركز التحكم الجديد الذي يتحكم في كل الشؤون المتعلقة بالنفط من خزانات و تجميع وتصدير.

استقبلني الرجل بحرارة.. ذو بشرة سمراء عندما يصافحك تسعر أنك أمام رجل وضع أمام عينيه رسالة يحرص عليها كل الحرص من عدة زوايا مختلفة..و هذا ما تأكدت منه حينما نثر أمامي أحمد العربيد نائب العضو المنتدب للتخطيط أوراقا كتب عليها "الخطة الاستراتيجية للخمس عشرة سنة القادمة" قلت له ماذا تقصد بهذه الجملة. قال "الخطة ملامح و أبرز ملمحها كما قال لنا رئيس مجلس الإدارة خالد يوسف الفليج عند بداية العمل الدعوة إلى التغيير بمعني المطالبة بالتغيير الشامل في جميع النواحي إدارية والعملية وسلوكيات العمل وأسلوب إداراة المكامن.. وكانت هذه الكلمات الدافع الحقيقي لإنجاح و إقرار الخطة الاستراتيجية وقامت لجنة الخطة بعد ذلك بعمل تحليل دقيق لجميع العوامل التي تؤثر في قدرة الشركة للوصول إلى هذه المعدلات شملت دراسة كاملة لكل هذه العناصر وكل ذلك يهدف إلى تطوير العمل ودفعه إلى الأمام.. و كانت الخطة الاستراتيجية تخطط للشركة طوال الخمس عشرة سنة القادمة ولا نكتفي بمثل تلك الخطط طويلة المدى بل هناك خطط تنفيذية لمدة ثلاث سنوات.. وهناك عزم و تصميم من جميع العاملين بالشركة للنهوض بها و العمل على رفعتها و احتلالها لمكانتها الطبيعية بين مصاف شركات النفط العالمية.. فمنذ اللحظة الأولى لتحرير تراب الوطن في فبراير 1991، كانت طلائع العاملين في شركة نفط الكويت في مقدمة الصفوف عاقدين العزم على إزالة آثار العدوان وإعادة نفط الكويت إلى سابق عهده منذ 30 يونيو 1946 مصدرا أساسيا لدعم الاقتصاد الوطني و لرفاه المجتمع".

واليوم و بعد مرور 50 عاما على تصدير أول شحنة من نفط الكويت تظهر الخطة الاستراتيجية التي حدثنا عنها أحمد العربيد و التي استغرق إعدادها عامين من العمل المتواصل والتي وصفها خالد الفليج بأنها دعوة إلى التغيير في جميع النواحي لمواجهة المتطلبات الجديدة وزيادة الإنتاج مما يتطلب تطوير مكامن نفطية و إضافة منشآت جديدة و حفر وإصلاح الآبار مع استخدام التكنولوجيا الحديثة في كل هذه العمليات.

الحديث عن الماضي، له نكهة خاصة عندما يتحدث عنه أحد رجاله و قد التقينا أحدهم عبدالمجيد عبدالغفور الذي قضى 39 عاما كاملا في شركة نفط الكويت وحدثنا قائلا: "إنه تاريخ طويل ملئ بالأحداث والمواقف الحلوة.. و المرة و لكن الحكمة أن هذا التاريخ بدأ ولا ينتهي أبدا إلا يوم الموقف العظيم بين يدي الله سبحانه و تعالى.. إن المعاش 5 روبيات في اليوم و كانت قسيمة الأرض التي تبلغ مساحتها 1000 متر تساوي 200 روبية أي حوالي 15 دينار. وبرغم قلة الموارد و  الدخل.. الذي كان يسود البشر في تلك الأيام". ويعود بنا عبدالغفور نصف قرن من الزمان ليتذكر عام 1954 أثناء عمله في الموقع هطلت الأمطار و شاهد السيول تجرف كل شيء أمامها و امتدت السيول من حتى الفحيحيل وأزالت كثيرا من البيوت واتجهت نحو البحر ولجأ الناس إلى المساجد للاحتماء بها تطلب الرحمة من الله. كانت حياة بسيطة لا وجود للترف فيها، لم نكن نعرف برادات المياه ولا التلفزيونات... كانت الشركة توزع علينا براميل نفط فارغة نقوم بطلائها من الداخل و نصفها داخل منازلنا ليحضر تنكر المياه من الشركة ويصب لنا مياه الشرب، وكانت المياه من الآبار لا تكرير ولا تصفية وبرغم ذلك كان طعمها حلوا ولا تسبب لنا أي أمراض لأنها مياه طبيعية كان فرصتنا الكبرى عندما علمنا أن الإنجليز سيتركون الشركة و أبناء الكويت سيتولون القيادة وأخذ فرصتهم الحقيقية لمتابعة المسيرة النفطية و العمل على الحفاظ على ثروة البلاد. وأقمنا رقصة العارضة ووزعنا الحلوى عند سماع ذلك الخبر. كانت وسيلة انتقالنا إلى عملنا بواسطة "البايسكل" ولم تكن هناك طرق مثل الآن.. و الطرق رملي و معالمه غير واضحة وكنا نضع علامات في الطريق للاستدلال عليه. وتدرجت وسيلة المواصلات من البايسكل إلى اللوري ثم "الدمرة" و هي عبارة عن رأس سيارة تسحب خلفها شبه باص طويل يتسع لأعداد كبيرة من العمال.

ويضحك عبدالمجيد ضحكة طويلة وكأنها تساعده في الوصول إلى شيء ما.. ثم استدار ليحكي طرائف حدثت في فترة لن تنمحي من ذاكرته.. زميله حسين خلف عناني قضى 42 عاما عاملا في الشركة: "حسين روى لنا رواية لم نصدقها بالطبع، أثناء فحصه لإحدى الآبار قرب مركز تجميع "2" أشاع أن هناك "جنيا" في البئر، وذهبت وحدي. وأثناء عملي سمعت صوت الرياح فتذكرت الجني وركضت هربا.. وفي عاما 1956 كان شهر رمضان في الشهر السابع "يوليو" الجو  شديد الحرارة و كنا صائمين حتى الواحدة ظهرا.. و شاهدنا بعض سيارات الشرطة قادمة إلينا في برقان يطالبوننا بالإفطار.. لأن شهر رمضان انتهي من أمس و اليوم أول أيام عيد الفطر المبارك.. وكانت الشرطة هي الوسيلة الوحيدة لإبلاغنا عن أي خبر حيث لا راديو ولا تليفونات في مواقع العمل البعيدة.. و كان العمال وقتها يشعرون بالعطش الشديد وتوجهوا جميعا إلى تانك المياه ووقفوا طابورا، الكل يبلل جسده بالماء و الشرب حتى انتهي الماء من التانك و لم أجد قطرة ماء واحدة.. استمررت في صيامي حتى عودتي للبيت لتناول إفطاري في موعده المحدد مع صلاة المغرب ".

في طريق العودة سلك مرافقي طرقا يصعب تصور مثلها في الصحراء، طرقا مرصوفة على جانبيها الخضرة الطبيعية و علامات إرشادية تدل على مواقع الشركة المختلفة.. استوقفني مبنى يدل مظهره على أن وراءه قصة حيث التصميم على أحدث طراز ووفق رؤية عصرية..لم ينتظر مرافقي الاستئذان لمشاهدته..عرج عليه وقال لي "إنه معرض الشركة"، استقبلنا عند مدخله رعد الجندل كبير آمري وسائل سمعية و بصرية قائلا: " إنه يحتوي على أحدث النماذج بالمؤثرات الصوتية و البصرية وبنظام التحكم عن بعد، ومعرض الشركة أحد، المعالم البارزة في دولة الكويت وفي المنطقة كواجهة لنشاطات ومنجزات الشركة و هو يخدم جميع الفئات ويستقبل زواره من رؤساء الدول إلى طلبة وطالبات المدارس، لذلك روعيت فيه جميع المستويات". سألته عن قصة المعرض.. قال: "كان معرضا مبسطا في الخمسينيات يروي قصة النفط و يعتمد على الصور والإحصائيات وبعض المجسمات في ذاك الوقت بالإضافة إلى العروض السينمائية.. وبمرور الوقت أجريت عليه العديد من الإصلاحات و التعديلات". يلتقط خيط الحديث سالم الرومي ناظر عام دائرة الإعلام قائلا: "في عام 1965 تم بناؤه بشكل كامل في مكانه الحالي و كان يحتوي على العديد من النماذج التي توضح مراحل النفط المختلفة من الاستكشافات والحفر والإنتاج والتصدير والتكرير وفي عام 1976 تم تجيديه و تحديثه وافتتحه محافظ الأحمدي السابق الشيخ جابر العبدالله الجابر الصباح.. وبعد تدميره من قبل النظام العراقي الغاشم. و بعد أن من الله علينا بنعمة التحرير وبعد أن أعيد تأهيل و تعمير المنشآت النفطية الخاصة بالعمليات و بالخدمات، وضعت دائرة الإعلام تصاميم حددنا من خلالها المواصفات المطلوبة وراعينا هذه المرة تسليط الضوء على نشاطات الشركة المختلفة من بينها قسم يبين عمليات النفط و آخر عن الجهود التي بذلتها الشركة منذ التحرير بداية من السيطرة على حريق آبار النفط وإطفاء الآبار والإعمار وإعادة تأهيل المنشآت النفطية.. واستخدمنا أحدث ما وصلت إليه تقنيات العرض من صوت وصورة و نماذج. وهناك نماذج متحركة تعتمد على المؤثرات الصوتية و الضوئية و نظم التحكم عن بعد لإدارة هذه النماذج". وأثناء جولتنا داخل المعرض وجدت أن هناك خمسة معارض وليس معرضا واحدا، همس مرافقي في أذن علي مراد الذي ابتسم قائلا: المعرض ينقسم فعلا إلى خمسة أجزاء.. ففي بداية المعرض يتعرف الزائر دول الأوبك ودول الأوابك ودور كل منهما. ثم مؤسسة البترول الكويتية و الشركات التابعة لها ودور كل منها.. ركزنا بعدها على عمليات شركة نفط الكويت من استكشافات و تنقيب، الحفر، الإنتاج، العمليات المشتركة بالوفرة ثم التخزين و التصدير.. و هناك جزء للكارثة البيئية التي حدثت من جراء حريق الآبار النفطية. كيف صارت، حجمها و المشاكل التي واجهت فرق الإطفاء. وكيفية تشكل البحيرات وكيفية القضاء عليها وعمليات تأهيل الآبار وإصلاحها بنماذج متحركة ومؤثرات صوتية. وجزء يشرح الطرق المختلفة لمكافحة حرائق النفط أما الأخير فهو بعنوان "شكرا للعالم" و نبين من خلاله جميع الذين ساهموا في تحرير دولة الكويت و مساعدة الشركة في بناء منشآتها"

إنه تاريخ معطر بعرق الرجال.. و شاهدت إثبات على كفاحهم و أمانتهم خلال نصف قرن مضى. لقد رأت شركة نفط الكويت أن تحتفل بمرور 50 عاما على تصدير أول شحنة من نفط الكويت حتى لا يهدر هذا الشاهد غير الناطق.. لكن الناظر إليه يقرأ تاريخا تليدا.. ويرى حبات العرق تتساقط من جباه الرجال كاللؤلؤ تذكر بالماضي، وتزين الحاضر، و تنعكس عليها أضواء الأمل متجهة نحو المستقبل.

 

عادل عفيفي 

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية  
اعلانات