علم نفس اللاشعور شاكر عبدالحميد

علم نفس اللاشعور


المؤلف: وليم كيلي

مؤلف هذا الكتاب معالج نفسي وأستاذ لعلم النفس في جامعة جورج تاون بالولايات المتحدة، ومؤلف كتب عديدة في هذا المجال، منها على سبيل المثال لا الحصر كتابه المسمى " قراءات في فلسفة الإنسان ".

وقد صدر كتاب " علم نفس اللاشعور " هذا في نيويورك عام 1991، وهو يشتمل على أربعة عشر فصلا وخاتمة، ناقش المؤلف خلالها العديد من الموضوعات المرتبطة بمفهوم اللاشعور في علم النفس، ذلك المفهوم المراوغ الملتبس الذي يرفضه العديد من العلماء ( خاصة أصحاب المدرسة السلوكية ) بينما يقبله علماء آخرون باعتباره مفهوما محوريا لا غنى عنه ( أصحاب نظرية التحليل النفسي طبعا ).

لقد تساءل الفلاسفة والمفكرون عامة حول العمليات اللاشعورية التي تؤثر على النشاطات الحسية والمعرفية الإرادية واللاإرادية المختلفة للعقل البشري، وطرحوا إجابات مختلفة حولها.

ثم حاول المؤيدون لاستخدام التنويم المغناطيسي في العلاج النفسي وغيرهم من المحللين النفسيين والأطباء النفسيين وبعض علماء النفس المهتمين بالأمراض النفسية استكشاف العديد من الظواهر النفسية المرتبطة باللاشعور داخل الفرد. ومن هذه الظواهر على سبيل المثال لا الحصر: التفكك أو عدم الترابط في التفكير، الأحلام، فلتات اللسان وزلات القلم، الظاهرة المسماة بازدواج الشخصية أو تعددها، كما ظهرت في بعض الأعمال الأدبية مثل "جيكل ومستر هايد" لستيفنسون أو الشخصية المنقسمة رواية " القرين " أو " المثل " لدستويفسكي.. إلخ. وفي الأدب العربي هناك رواية " القرين " لسليمان فياض على سبيل المثال لا الحصر. كذلك اهتم المحللون النفسيون بتحليل العمليات اللاشعورية الخاصة بمرحلة الطفولة، التي اعتقدوا أن لها تأثيراتها ذات الدلالة في العمليات الشعورية الخاصة ببعض الاضطرابات في مرحلتي المراهقة والرشد ( الاضطراب المسمى الهستيريا خاصة ). فمنذ الربع الأخير من القرن الثامن عشر وحتى الآن تولدت عن الدراسات الخاصة التي أجريت حول مرض الهيستيريا الكثير من الأفكار والنتائج الخاصة حول العمليات اللاشعورية، وقد كان "بيير جانيه" و "جان شاروكوه" و "سيجموند فرويد" و "كارل جوستاف يونج" هم أشهر من تصدوا لدراسة الظواهر المرتبطة بالهستيريا.

والهستيريا كما يعرفها "آرثر ريبر" ( وهو صاحب أحد أفضل القواميس الموجودة في علم النفس الآن ) مصطلح مشتق من الكلمة اليونانية القديمة هستيرون Hysteron والتي تعني " رحم " حيث كان يعتقد منذ وقت طويل وحتى وقت قريب نسبيا أن هذا المرض هو اضطراب خاص بالنساء وحدهن وهو ما لم تؤكده الدراسات العلمية الحديثة.

وقد كانت الأعراض متكررة الظهور عند الحديث عن هذا المرض هي: الهلاوس، الشلل الوظيفي - ( العمى الهستيري مثلا ) -. الجوال الليلي، فقدان الإحساس الوظيفي ( فقدان الشعور بالألم في اليد أو القدم مثلا ).. إلخ.

تتسم الشخصية الهستيرية كما يشير الدكتور أحمد عكاشة في كتابه " الطب النفسي المعاصر " (1980 ) بالخصائص التالية:

عدم النضج الانفعالي - الانبساطية في المزاج - السطحية في العلاقات - القابلية للإيحاء - الأنانية - حب الظهور - عدم التحكم في الانفعالات - محاولة جذب انتباه الجنس الآخر وإظهار المبالغة في طريقة الكلام واللبس والبهرجة والعمل على لفت الانتباه بمواقف مسرحية مبالغ فيها.

كان فرويد و يونج هما أشهر من اهتم بعلاقة الأحلام بالرموز، وقد فسر كل عالم منهما الأحلام وفقا لنظريته الخاصة. الأول اعتبرها حارسة للنوم ومعبرة عن رغبات مكبوتة لم يتم إشباعها في الواقع، وأنها رمزية ومرتبطة بالواقع الفردي المباشر وغالبا ذات خصائص سلبية، والثاني اعتبرها ذات قدرة تنبؤية ترتبط بالمستقبل مثلما ترتبط بالماضي وباللاشعور الجمعي أكثر من ارتباطها باللاشعور الفردي، وترتبط بالرؤية الكلية للكون والحياة أكثر من ارتباطها بالأحداث العالية العابرة الفردية، وأنها غالبا ذات خصائص إيجابية أكثر تفاؤلا مقارنة بحالتها في التفسير الفرويدي. من خلال اهتمام فرويد ويونج بالأحلام والرموز اهتما أيضا بالرمزية اللاشعورية الخاصة لهذه الأحلام.

وقد ارتبط التنويم المغناطيسي في أواخر القرن الثامن عشر باسم "فرانز انطون مسمر"، ذلك الذي درس اللاهوت والقانون ثم الطب قبل أن يعلن اكتشافه لما سماه "المغناطيسية الحيوانية" والتي زعم أنها يمكن أن تستخدم في علاج الكثير من الأمراض.

كانت فكرة المغناطيسية الحيوانية قد طرحت قبل "مسمر" من قبل علماء آخرين أمثال بارسيليوس ( الذي يمثل الحلقة الواصلة بين الكيمياء القديمة والكيمياء الحديثة والذي استفاد يونج بعد ذلك من الكثير من أفكاره )، وأمثال فان هلمونت أيضا. وتفترض هذه الفكرة وجود بعض التأثيرات التي يمكن أن تنبعث من "المغناطيس" في الجسم الإنساني، وقد ارتبط هذا المذهب بالقول بوجود قوة سحرية خاصة بالنجوم، وبالزعم بأنها تؤثر على قدر الإنسان ومصيره. وقد بدأ "مسمر " أولا بأحجار المغناطيس ثم هجرها بعد ذلك وقام بإحداث عدد من الظواهر التي أرجعها إلى المغناطيسية الحيوانية، ومن بينها ما نعرفه الآن تحت اسم ظواهر الإيحاء والتنويم المغناطيسي. وقد أحاط مسمر عروضه بزخارف وطقوس رمزية غامضة وآثار خلال مؤتمراته الطبية الكثير من الشكوك، وحصل على قبول وتأييد بعض العلماء مثل أليوستون، مؤسس مستشفى الجامعة في لندن ( ذلك الذي كلفه تأييده للمسمرية أن يفقد منصبه بعد ذلك )، في عام 1945 قام " جيمس بريد " بوضع هذه الظاهرة الغامضة على أرض أكثر واقعية وربط بين غيبوبة التنويم وحالة النوم وأعطى لهذه الظاهرة اسمها وهو "التنويم" Hypnosis ( من الكلمة اليونانية Hypnos أي النوم ). وأصر " بريد" على أنه لا المغناطيس ( المرتبط بمادة أو معدن معين ) ولا المغناطيسية الحيوانية ( المرتبطة بأشخاص معينين لهم قوى خاصة تنبعث منهم كما كان مسمر يروج ) لهما أي دور في هذه الظاهرة، ذلك أن ظاهرة التنويم هذه إنما تحدث نتيجة للتوقعات المستثارة لدى شخص معين وهي تنجم أيضا عن تضييق مدى انتباه الفرد من خلال جعله - مثلا - يحدق في شيء معين فترة طويلة مما يؤدي إلى جمود أو ضعف عضلات العين ومن ثم يكون أكثر قابلية للتنويم.

انتقل الاهتمام بالتنويم بعد ذلك من فيينا - حيث كان مسمر يعيش - إلى باريس، ومن المؤتمرات الطبية إلى الجامعات إلى قاعات المحاكم ( حيث أثيرت المشكلات حوله ) وقد كانت جهود مسمر برغم افتقارها للعلمية هي البداية الحقيقية لاكتشاف العمليات الخاصة باللاشعور.

بيير جانيه: مكتشف اللاشعور قبل فرويد

خصص مؤلف هذا الكتاب الفصل الأول لطرح تاريخ الاهتمام باللاشعور، ثم تحدث في الفصل الثاني عن جهود مسمر التي عرضنا لها توا، ثم تحدث في الفصل الثالث عن إسهامات بيير جانيه، وهو العالم الذي يصح أن يرتبط اسمه أكثر من فرويد فيما يعتقد بعض العلماء بمفهوم اللاشعور. فقبل فرويد قام جانيه الفيلسوف والطبيب وعالم النفس الفرنسي وتلميذ عالم النيورولوجيا الشهير " شاركوه، وخليفة تيودور ريبو ( أول من اهتم بدراسة الخيال الشعري علميا ) في الكوليج دي فرانس ببدء الدراسة العلمية للاشعور.

قام بيير جانيه بدراسة التنويم والهستيريا وقدم فكرته عن "الاستقلال السيكولوجي" والتي رآها مرتبطة بما سماه "الفكرة قبل الشعورية الثابتة Subconcious fixed idea" التي تلعب دورا بارزا في العديد من الأمراض الجسمية والانفعالية كتعدد الشخصية والوسواس القهري والعديد من الأمراض العصابية، التي كان جانيه يعتقد أن جوهرها إنما يرجع إلى أن العصابي يفتقد الطاقة العقلية الكافية للاحتفاظ بتكوينه النفسي في حالة تكامل، ونتيجة لذلك تقوم بعض الأجزاء في هذا البناء النفسي بالنشاط المتفكك أو المنسلخ عن بقية الأجزاء الأخرى في البناء النفسي.

"بيير جانيه" فيما يرى مؤلف هذا الكتاب هو الأب الحقيقي لأسلوب العلاج النفسي الذي قدمه فرويد بعد ذلك، والذي يقوم على أساس التحليل والتركيب للبنية السيكولوجية اللاشعورية والشعورية.

وهو أستاذ عدد من التلاميذ النجباء (منهم جان بياجيه مثلا) برغم أن اسمه يقبع في الظل الآن، بينما أصبح فرويد مرموقا برغم أنه بنى الكثير من نظرياته وأفكاره على نظريات وأفكار بيير جانيه.

كان "بيير جانيه" مريدا من مريدي "شاركوه"، وكان فرويد تلميذا زائرا لديه وأغلب هؤلاء العلماء بدأ يستخدم التنويم المغناطيسي بشكل حماسي كأسلوب للفحص السيكولوجي والعلاج، وأغلبهم تخلى عنه بعد ذلك. وقد كان شاركوه مثلا في مستشفى السالبيتريير في فرنسا مهتما بشكل خاص بعلاج الهستيريا من خلال التنويم المغناطيسي، وقد حاز شهرة واسعة بسبب أبحاثه العميقة حول الهستيريا التي أثبت العلماء بعد ذلك الكثير من أخطائها. لم يقتصر بيير جانيه في طرائقه العلاجية على التنويم المغناطيسي، بل إنه هجر هذه الطريقة بعد ذلك ليركز على عملية العلاج النفسي والتي أكد خلالها أهمية الثقة والتوجيه الأخلاقي وإعادة التعليم والتغيير المعرفي للأفكار النمطية الثابتة والجامدة، وقد كان متأثرا خلال ذلك ببعض الأفكار الدينية وأيضا ببعض قراءاته في كتابات بعض الفلاسفة خاصة برجسون. وقد أكد خلال ذلك كله أهمية إكساب المريض اتجاهات وميولا جديدة وأهمية زيادة قوة العقل على الاستثارة والتوجيه للسلوك. خلال القرن التاسع عشر وبعده استخدم التنويم كما هو شأن العديد من المكتشفات باعتباره الدواء الناجح لكل الأمراض الجسمية والنفسية، بل والاجتماعية أيضا، فقد استخدم للكشف عن الدوافع الإجرامية، وفي التخفيف أو الإزالة لعديد من الأعراض الجسمية والنفسية، وفي تحسين الأداء الدراسي والرياضي، وكعلاج للتوتر، والقلق الزائد، والأرق، والسمنة، والتدخين، بل وفي حالات الولادة القيصرية أيضا.

وقد بدأ فرويد ممارسته للعلاج النفسي من خلال التنويم المغناطيسي لكنه هجره بعد ذلك ليطور نظريته الخاصة المسماة "التحليل النفسي" وطريقته الخاصة في العلاج المسماة "التداعي الحر ".

التحليل النفسي واللاشعور

في الفصلين الرابع والخامس يتحدث "وليم كيلي مؤلف هذا الكتاب عن حياة "سيجموند فرويد " وعن أحداث خاصة في حياته كطفولته وزواجه وتعاطيه الكوكايين وتطويره لطريقته الخاصة في العلاج النفسي، وعن أفكاره الخاصة عن الغرائز وعن الأنا والأنا الأعلى والنمو الجنسي والأحلام والحضارة وغير ذلك من الموضوعات. كما يتحدث المؤلف أيضا في الفصول من السادس حتى الثامن عن "يونج" وحياته المبكرة وعلاقته بفرويد وانفصاله عنه وتكوينه لنظريته الخاصة حول الذات وحول اللاشعور الجمعي، أي ذلك اللاشعور الذي يتضمن - كما قال - الأفكار المشتركة بين البشر والتي تتوارث عبر الأجيال عن الله والشيطان والخير والشر والأبوة والأمومة، وما شابه ذلك من الأفكار التي تعد بمنزلة النماذج الأولية أو الأفكار الأساسية للاشعور الجمعي، وهو المصدر الأساسي للإبداع الفني في رأيه. وكذلك رأى يونج أن اللاشعور الجمعي مرتبط بما يسمى "الفن الكشفي" والذي وجد أبلغ تمثيل له في رواية "موبي ديك" لهرمان ميلفيل حيث صراع الإنسان مع الطبيعة ومع حظه العاثر وحيث الإرادة الإنسانية بلا حدود، وحيث يمكن الكشف عن هذه الإرادة وعن القوى الهائلة الداخلية للإنسان من خلال اللاشعور الجمعي، ومن خلال الإبداع والأحلام والرموز خاصة. كذلك يتحدث المؤلف في هذه الفصول عن أفكار يونج الخاصة عن القناع أو الجانب الاجتماعي من الشخصية، وعن الظل ( الجانب الحقيقي من الشخصية ) وعن الأنماط البشرية خاصة النمط الانبساطي ( الخارجي الاجتماعي المرح ) والنمط الإنطوائي ( الداخلي المنعزل الميال للاكتئاب)، وهي الأفكار التي استفاد منها عالم النفس البريطاني ( من أصل ألماني ) الشهير هانز إيزنك بعد ذلك وطورها في نظرية خاصة شهيرة حول الشخصية الإنسانية.

اضطرابات العقل والجسد

في الفصول المتبقية من هذا الكتاب يتحدث المؤلف عن الأمراض الجسمية التي ليس لها سبب عضوي واضح والتي يفترض أن لها بعض الأسباب النفسية، وقد تكون هذه الأسباب ليست واضحة عندما يفكر فيها المريض بشكل واع، ولذلك يفترض المؤلف أن لها بعض الأسباب اللاشعورية ويدرج ضمن هذه الأمراض: سرطان الصدر وعلاقته بالتوتر والقلق الزائد، وبالطبع يمكننا القول هنا إن هذه الأمراض يدخل فيها العامل النفسي كعامل مؤثر لكنه ليس عاملا واحدا، أو كما يقول المناطقة ضروري لكنه ليس شرطا كافيا لحدوث المرض، حيث توجد أسباب عضوية ووراثية وبيئية كثيرة أخرى تساهم مع القلق الزائد أو يساهم القلق الزائد معها في إحداث المرض.

يتحدث المؤلف بعد ذلك عن علاقة اللاشعور بموضوعات ذات جاذبية خاصة كالنوم والأحلام والإبداع الفني والظواهر النفسية الخارقة كالتخاطر ( أو التليباثي ) ( والتي يحدث من خلالها اتصال عقلي مباشر بين شخصين أو أكثر ) والشفافية Clairvoyance ( التي يحدث فيها إدراك حسي خارق كالرؤية أو السماع لإحداث أصوات بعيدة بدرجة كبيرة ) وغير ذلك من الموضوعات. الكتاب دعوة إلى الاهتمام باللاشعور وإعادة دراسته دراسة علمية بعد أن هجر طويلا ودمرت حصونه بفعل معاول العلماء السلوكيين البحثية شديدة الصرامة وشديدة المحدودية في حالات كثيرة.

 

شاكر عبدالحميد

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات




غلاف الكتاب