الكلمة الأولى لمن: للزوج.. أم للزوجة؟ عبدالتواب يوسف

الكلمة الأولى لمن: للزوج.. أم للزوجة؟

عفوا لكل الزوجات.. ولكننا تحدثنا طويلا عن استبداد الرجل

خاصة الشرقي بزوجته.. ولكن ماذا عن الزوجة المستبدة؟.

خرجت الفتاة الصغيرة، صديقة شكسبير من داره، ذات مساء، تبكي وتولول، وتحكي للناس دون خجل: لماذا يجب على شكسبير أن يتزوجها. والريف البريطاني يومئذ كان حيا بالعذرية، لذلك هددت الفتاة صديقها بالقتل، إذا هو لم يف بوعده ويتزوجها.

وقد عاش شكسبير مع فتاته هذه بعد أن تزوجها حياة بالغة القسوة، فقد كانت من لون مشاكس، فلم يهدأ له بال وما استطاع أن يعيش في بيته في أمان واطمئنان، إذ أصلته هذه الزوجة العذاب المقيم.. لكنه استطاع أن يكتب روائعه الخالدة برغم كل ذلك، وربما بسببه وهروبا منه.

ويبدو بعض الرجال في المجتمع كأنما الواحد منهم ( غضنفر ) وإذا ما احتواه بيته مع زوجته صار قطا ذليلا، يعاني أشد المعاناة من زوجته سليطة اللسان، سيئة السلوك، فلا يستقر في داره، ولا يبقى، وكثيرون من المسئولين من هذا الصنف، الذي يدفع الأزواج إلى الانهماك في العمل، وخلاله يسبون ويشتمون، وأيضا يستبدون بمن يعملون معهم، كرد فعل طبيعي لما يجري له داخل بيوتهم، والمسئول كرجل عام يصعب عليه تطليق زوجته، ويصعب عليه أيضا أن يعايشها ويعاشرها.

والزوجة الطويلة اليد واللسان على زوجها موجودة على مدى التاريخ، والزوج المناضل من أجل حماية نفسه، وسمعته، يلقى الأمرين في هذا المجال، لذلك صدق من يقولون في أحاديثهم الشعبية: لا أحد يدري بما يجري وراء الأبواب المغلقة. والسؤال الذي يطرح نفسه:

- ما السبيل لتفادي هذا، والأزواج لا بد أن تظهر هذه المآسي على تصرفاتهم وأعمالهم وقراراتهم؟

المستبدة.. شرقا وغربا

وقد روى لنا التاريخ كثيرا عن زوجات مستبدات متسلطات على أزواجهن، وزوجة شكسبير واحدة منهن، وهن كثيرات.. ويبدأ الأمر صغيرا، وخطوة خطوة، إلى أن يستفحل، ويصبح هو القاعدة، ولدينا موقف شعبي من مثل هذه الزوجة، مع ليلة الزفاف، ونعني به أن يذبح أمامها قطة، لتكتشف صرامته وقوته وقدرته، لكن أحدا ما عاد يفعل ذلك، أو شبيها به، وإذا ما فعله في وقت متأخر، يصبح بلا جدوى، فقد عرفت الزوجة عيوبه، وضعفه، وتستغل ذلك أسوأ استغلال، وتركبه - كما تحكي الحواديت الشعبية - وتهز رجليها، آمرة له أن يتحرك بها في أرجاء الدار. وفي أرجاء الحياة.

تفتش المرأة عن نقاط الضعف في رجلها، وما إن تضع يدها عليها حتى تستثمرها وتستفد منها، لكي تحكم سيطرتها عليه، واستبدادها به.. والسؤال:

- ألا يحدث هذا في المجتمع الغربي؟ ألم تعد كل نسائه متسلطات يفترسن أزواجهن ويصبح الواحد منهم صفرا إلى اليسار في بيته، الذي هو مملكتها.. والذي لا يستطيع الرجل فيه أن يكون "رب الأسرة" في مقابل كونها "ربة البيت"؟

الحقيقة أن استبداد الرجل الشرقي بزوجته يحدث رد فعل عليها، ويجعلها تتحين الفرصة لا لتفلت من استبداده فحسب بل وتسعى هي بدورها لتستبد به. أما الغرب فقد استقر به الحال وأصبحت المرأة هي الأقوى وقبل الرجل الوضع.

والاستبداد آفة، وكارثة تهدد المجتمع عامة، والأسرة خاصة.. والمستبد يعطي لنفسه من الحقوق مالا يتكافأ مع واجباته أو مسئولياته.. والمعروف أن كل حق لا بد أن يقابله واجب، لكن ذلك لا يحدث في واقع الحياة، وما من محاسبة للمستبد حين يخطئ، وهو - أستغفر الله - لا يخطئ أبدا، ولديه دائما مبررات لما يفعله، وما من أحد يرده، أو يردعه، وقد رأينا مستبدين كثيرين بشعوبهم، كذلك القيصر الذي كان يغني وروما تحترق، ونموذج لويس السادس عشر و ماري أنطوانيت خير شاهد، وقائمة المستبدين في روسيا طويلة، وفي الكتلة الشرقية عامة قبل انهيارها، و شاوشسكو دليل قاطع على أن المصير سيئ للمستبد والمستبد به، ولعل أساطير أئمة اليمن تكشف لنا عن طبائع الاستبداد بأجلى ما تكون تلك الطبائع، وشكرا للكواكبي الذي كتب لنا كتابا بهذا العنوان كانت أصداؤه واسعة، ويبقى أن يكتب أحدهم عن طبائع الاستبداد داخل الأسرة تلك التي هي خلية من خلايا المجتمع، إن الاستبداد من الرجل يحول المرأة إلى دمية أو قطعة أثاث، والاستبداد من المرأة بالرجل يفقده كل رجولته، وإذا ما احتاجت إليها الأسرة فإنها لن تجدها، إذ سلبت منه، وما عاد بمقدوره استردادها، ولا شك أن هذا الاستبداد داخل كيان العائلة لا بد أن ينعكس بصورة سيئة على الأبناء، الذين يصبحون بلا شخصية، أو تصبح شخصيتهم باهتة ضعيفة، وإذا ما أتيحت لهم الفرصة يوما، فلسوف يرثون عن الأب أو الأم هذه الرذيلة الكبيرة.

أثر الاستبداد في الأبناء

- اخرس، اسكت، لا تتكلم، لم يطلب منك أحد رأيك.. إلخ.

هذه وغيرها عبارات لقمع الأبناء، ويشب الواحد منهم متلجلجا متلعثما، لا يقدر على التعبير عن نفسه، أو يقول رأيه.. وتتردد عندنا فكاهة عن حاكم ظهرت على جبينه بقعة سوداء، وعندما سئل: هل هي بسبب كثرة الصلاة؟. فأجاب: لا، كلما حاولت أن أتكلم أو أبدي رأيا عند الحاكم السابق، يضربني بظهر يده على جبيني قائلا: بس اسكت.. اتلهي.

والحقيقة المرة أننا كثيرا ما نفعل هذا مع أبنائنا.. ويصبح الواحد منهم بلا قدرة على التعبير، فقد حلنا بينه وبين أن يفكر، ويستخدم عقله.. وإذا ما كانت لديه أفكار، فإنه يصبح غير قادر على التعبير عنها، بسبب قلة مرانه، وضعف ثروته اللغوية، بجانب أن الأبناء ساعتئذ لا يمتلكون الشجاعة الكافية ليقولوا كلمتهم، فتبقى حبيسة صدورهم.. ويصبحون بكما، صما، وانسدل حجاب بينهم وبين من حولهم.

إن الحرية من أغلى ما منحنا الله سبحانه وتعالى من نعم، ولا بد أن نتمسك بها ونعض عليها بالنواجذ، بشرط أن نعرف أنها تعني في المقابل: المسئولية. والحرية والديمقراطية لا بد أن تكونا هما السمتين الغالبتين على الحياة الأسرية، وأن تكونا أيضا المجدافين اللذين يدفعان بزورقها لكي يرسو إلى شط الأمان والاطمئنان، ولكي يشب الأبناء أسوياء، لهم شخصياتهم الناجحة القوية.

من له الكلمة الأولى؟

وهذا "الصراع" الذي يدور بين الرجل والمرأة، نظنه قد بدأ مع آدم وحواء، بل لعله وقع حول فيمن تكون له الأولوية عند ذكر اسميهما، آدم يرى أنه الأحق بحكم وجوده أولا، ولأنها قد خلقت من ضلعه، وهي لأنها تلد الأبناء، وتضمن للحياة البقاء على الأرض، وعلى مدى التاريخ كان هناك شد وجذب، وقلما كانت كفتا الميزان في مستوى واحد، مرة أو مرات يكسب الرجل بقوته وعنفه، ولأنه هو الذي يحمي الأسرة ويأتي لها بالطعام، ومرة أو مرات تكسب المرأة أحيانا بالأنوثة والمناورة وأحيانا أخرى بالذكاء والحيلة، وأحيانا لضعف الرجل إزاءها وانشغاله بكسب الرزق، وأيا كانت الأسباب لتمكن أحدهما من فرض إرادته، فإن ذلك لم يكن قط لصالح الأسرة كاملة، ولست أنسى ذلك الصديق الغربي الذي كان يزور بلادنا لأول مرة وسألني..

- من له الكلمة الأولى في الأسرة في مجتمعكم؟

- الرجل "يقول": إنها له.. وضحك لدى كلمة "يقول" وسأل:

- وماذا في الواقع؟

- أنت تعرفه كما أعرفه.

ومن جديد ضحك، فهو يعلم يقينا أن الكثيرين لم يتبينوا الفارق بين أن يكون الرجل رب الأسرة، وأن تكون المرأة ربة البيت.. إذ يختلط معنى البيت بالأسرة لدى هؤلاء، فتضطرب بها وبه سفينة الحياة وسط أمواج الصراع.

ونموذج "نورا" في "بيت الدمية" مسرحية الكاتب النرويجي أبسن تتمثل لنا في مثل هذه الظروف، إنه ذلك الزوج الذي يحول زوجته إلى مجرد "دمية" وليست إنسانا له أفكاره ومشاعره وأحاسيسه، وإنسانيته، وتتنبه الزوجة لذلك، وتجد نفسها منساقة إلى طريق يهدر آدميتها، في حين يتصور الزوج أنها غافلة، ساذجة، ويجد نفسه في النهاية وقد خرجت زوجته من الدار، وصفقت الباب من ورائها مصرة ألا تعود إليه، وألا تستمر في مثل هذه الحياة التي تجردها من كونها ( إنسانة )، وما أكثر الذين ينسون هذا الدور للمرأة، إذ تستغرق في شؤون الزوج إرضاء له أو في أمور الدار، أو في تربية الأطفال أو في عملها خارج البيت: هي أربع مهام ثقيلة، كل منها على حده يمكن أن يبتلعها بالكامل، فما بالنا لو اجتمعت كلها مرة واحدة، وألقيت على أعبائها؟ وقتها سوف تنسى المهمة الخامسة أي كونها " إنسانة " لها أن تحيا بعض الوقت لنفسها، وتقرأ كتابا أو تسمع قطعة موسيقية، أو ترقى بذاتها بشكل أو بآخر، ذلك هو الجانب المنسي الذي يمكنها أن تمضي من دونه، وحين تكتشفه تجد أنها قد أضرت بنفسها إضرارا بالغا ولا يفيدها ساعتئذ أنها أدت المهمات الأربع الأخرى خير أداء.

إن المرأة يجب ألا تنسى كونها "إنسانة".

هل هناك من حل جذري؟

هذا سؤال يطرح نفسه، والجواب بالطبع: لا.. إذ يختلف الناس في إمكاناتهم وقدراتهم ورغباتهم واحتياجاتهم، إن هناك زوجة تريد أن تفرض رأيها ونفسها مهما كلفها ذلك، حتى لو أدى بالحياة الزوجية إلى الانهيار، والعكس صحيح، وهناك زوجات يشعرن بالارتياح إذا تحمل الزوج كل المسئوليات، وإزاء ذلك يحصل على كل الحقوق والعكس صحيح، وربما كانت المرأة الشرقية أميل إلى اللون الأول، فهي ليست مدربة بقدر كاف حتى الآن على مجابهة المشكلات والمصاعب، فتركن إلى الزوج، الذي يقوم بها مقابل أن تكون له الكلمة الأولى، وربما كانت المرأة الغربية أكثر رغبة وقدرة على إدارة شؤون العائلة، بينما لا ينشغل الرجل إلا بعمله، فتتحقق لهذه المرأة الكلمة العليا، ونضحك في بلادنا على تلك الفكاهة العالمية التي تقول إن الزوجة هي التي تهتم بالأمور الثانوية مثل كل أمور البيت والأولاد والميزانية و.. و... بينما الزوج يهتم بالأمور الكبرى مثل حرب الخليج، ومشكلة البوسنة والهرسك وأزمة الشرق الأوسط وما إلى ذلك.

ولسوف تبحث الإنسانية باستمرار عن طريق يجعل الحياة مستطاعة ومستطابة بين اثنين قررا أن يمسك كل منهما بمجداف، لكي يمضي الزورق، ويشق طريقه وسط الضباب، فلا تغرقه الأمواج والعواصف.. وهي - أي الإنسانة - يصعب عليها أن تضع نظرية لهذا، إذ تختلف الأفكار والمشاعر وتتباين لكنها لن تكف عن السعي لاستقرار الأسرة.

 

عبدالتواب يوسف

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات