عزيزي القارئ المحرر

عزيزي القارئ

الأصيل والملائم

عزيزي القارئ..

في إطار أسئلة الهوية التي تكاثرت - ولا تزال تتكاثر.. في أيامنا -يبرز مفهوم الأصالة كمتكأ لتحديد الإجابة عن الكثير من هذه الأسئلة. ولقد ذهبت إحدى المحاولات الفكرية العربية في طريق التوسط، لتفك الاشتباك بين ثنائية الأصالة والمعاصرة، قائلة إن كل ملائم أصيل. بمعنى أن ما يلائم البشر، في بقعة ما، وفي زمن ما، يمكن اعتباره أصيلا. وهذا في حد ذاته اقتراح لحل الاشتباك بين قطبي ثنائية الأصالة والمعاصرة، لكنه لن يكون الاقتراح الوحيد، التعامل مع مفهوم الأصالة، بقدر أكبر من المرونة، يجعل من الأصيل ملائما دون تعسف ودون افتعال. ولعلنا نجد في التسامح قيمة، تقودنا نحو احترام الأصيل دون الإطاحة بالملائم. فلا شك أننا كعرب وكمسلمين لا نستطيع أن ننزع عنا إرث تراثنا الروحي والثقافي لنتلاءم مع إيقاع العصر الذي يغلب عليه طابع المدنية الحديثة وآلية التقانة.وهذا ليس مطلوبا إذا تحلينا، تحلى غيرنا، لك القدر من التسامح الفكري الحقيقي الذي يقر بأن غاية الخير يمكن الوصول إليها بمد دروب عديدة، ومن اتجاهات شتى، شرط أن تكون هناك إرادة حقيقية لبلوغ الخير.

هذه الإشكالية بين الأصيل والمعاصر، وهذا النداء للتسامح الفكري لحل الإشكالية، هو ما يشغل قلب العديد من مواد هذا العدد. ففي جدل النفط العربي وسؤال رئيس التحرير بافتتاحية هذا العدد - لمناسبة الاحتفال بمرور نصف قرن على تصدير أول شحنة نفط كويتي - "ماذا أعطانا النفط وماذا أخذ منا؟" لا تكون الإجابة عادلة إلا بإعمال معيار الزمن ومطالبات الضرورة الخاصة بالمكان.

الشيء نفسه ينطبق على سؤال الهوية في الممارسات السياسية، وهو ما يذهب إليه استطلاع مدير التحرير عن "مجلس الشورى" في المملكة العربية السعودية. فالأخذ بمعيار خصوصية المكان، يجعل من الأصيل ملائما، وبهذا تكون الشورى صيغة ضمن الممارسات المعاصرة لتحصيل الديمقراطية.

وليس بعيدا عن فضاء أسئلة الهوية المتكاثرة هذه الأيام يجيء التحقيق عن "ألبانيا" موسوما بطابع الأسئلة: "من يعيدها من الشتات؟ من يخرجها من العزلة؟"، فهذا البلد المسلم القابع في وسط الجنوب الأوربي، عاش عزلة مريرة طويلة، وعانى أهله شتاتا يكاد لا يعرفه الكثيرون، وهو يصعد الآن في أفق جديد مثقلا بالأسئلة، ولعل في اقتراح التسامح يكون المشروع الآمن للإجابة، دون اشتباك بين قطبي المعاصرة والأصالة لشعب مسلم الروح أوربي المكان والزمان.

المشكلة دائما تكمن في عدم المرونة، في انتهاج التصلب والتعنت عند معالجة المفاهيم سواء في البحث عن الأصيل أو بلوغ المعاصر. والمرونة واجبة لأن منطق الحياة هو التطور والتغير، هذا ما تذكرنا به أكثر من مساهمة ضمن موضوعات هذا العدد. فنحن إزاء حالة من "الكونية الاقتصادية"، و"التحديات التكنولوجية" و"الصياغة الإعلامية للقرارات"، وهذه كلها عناوين لمداخلات يزخر بها هذا العدد.

عزيزي القارئ..

المرونة والتسامح هما نداء عددنا هذا، لعل الأصيل يكون ملائما، كما يكون الملائم أصيلا. وإلى لقاء متجدد.

 

المحرر

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات