طرائف عربية
طرائف عربية
مقامات العباد عند الخلفاء
كلكم يمشي رويد كلكم خاتل صيد غير عمرو بن عبيد
للخليفة هارون الرشيد صولجان الحكم، ومجد الممالك المفتوحة، وزهوة السلطان، والأمر النافذ كالرمح، ولابن السماك الصالح شجاعة القول، وورع الإيمان، ومفارقة الخوف، وطبع مواجهة السلطان بالحق. دخل يوما على أمير المؤمنين الرشيد فقال له: عظني يا ابن السماك وأوجز. أجاب: كفى بالقرآن واعظا يا أمير المؤمنين، فرد الرشيد مرة أخرى: عظني. وأتى بماء يشربه، فقال له ابن السماك: يا أمير المؤمنين لو حبست عنك هذه الشربة أكنت تفديها بملكك؟ قال: نعم ! قال: فلو حبس عنك خروجها أكنت تفديها بملكك؟ قال: نعم ! قال ابن السماك: فما خير في ملك لا يساوي شربة ولا بولة !. ارتج على الرشيد وأخذه الرعب وانتهى إلى الإذعان وقال: يا ابن السماك، ما أحسن ما بلغني عنك؟ قال: يا أمير المؤمنين، إن لي عيوبا لو اطلع الناس منها على عيب واحد ما ثبتت لي في قلب أحد مودة، وإني خائف من فتنة الكلام وفي السر العزة، وإني لخائف على نفسي من قلة خوفي عليها. ومضى صاحب المقام لا يرهبه شيء.
حج سليمان بن عبدالملك، وإذا حج انقلبت الدنيا رأسا لظهر، هي المدينة عروس المدائن، تزهر بالفرح، وتقام في أركانها الزينات في استقبال أمير المؤمنين، حيث تتجلى السلطة، وقدرة الدولة، وتظهر عبودية البشر لغير الخالق العظيم، زمن إن انقضى يبقى في ذاكرة الكتاب، وصحائف التاريخ. في المدينة أرسل سليمان بن عبدالملك وأمير المؤمنين ووارث سلطان الأرض إلى أبي حازم الأعرج العارف بالله، والفقير إلى رضاه وكان عنده ابن شهاب. فلما دخل قال سليمان: تكلم يا أبا حازم. قال: فيم أتكلم يا أمير المؤمنين؟ قال: في المخرج من هذا الأمر. قال: يسير إن أنت فعلته، لا تأخذ الأشياء إلا من حلها، ولا تضعها إلا في أهلها. قال: ومن يقوى على ذلك؟ قال: من قلده الله من أمر الرعية ما قلدك. أجاب سليمان عظني أبا حازم! قال: اعلم أن هذا الأمر لم يصر إليك إلا بموت من كان قبلك، وهو خارج من يديك بمثل ما صار إليك. قال: أبا حازم أشر علي. قال: إنما أنت سوق، فما نفق عندك حمل إليك من خير أو شر فاختر أيهما شئت. قال: ما لك لا تأتينا؟ قال: وما أصنع بإتيانك يا أمير المؤمنين؟ إن قربتني منك فتنتني، وإن أقصيتني أخزيتني، وليس عندك ما أرجوك له، ولا عندي ما أخافك عليه ! قال سليمان: فارفع إلينا حاجتك. قال أبوحازم ورأسه إلى السماء مرفوعة، وصوته يجهر بقوله: قد رفعتها إلى من هو أقدر منك عليها، فما أعطاني منها قبلت، وما منعني منها رضيت.
كان علي بن الحسين إذا أقام إلى الصلاة أخذته رعدة ترعش بدنه وكأنه محموم، فسئل عن ذلك، فقال: ويحكم! أتدرون إلى من أقوم ومن أريد أن أناجي؟.
|
|