إلى أن نلتقي أنور الياسين

عنصرية كرة القدم

البعض شاهد بطولة أوربا الأخيرة في كرة القدم بعيون مختلفة. لم يتوقفوا عند إثارة المباريات أو حلاوة الأهداف.. أو لماذا فازت ألمانيا بالكأس.. بل شاهدوها بمزيد من الحزن والفزع، لأن اللاعبين الأجانب كانوا أكثر مما ينبغي في المنتخبات الأوربية العريقة. فقد ضمت منتخبات إنجلترا وفرنسا وألمانيا وإسبانيا والبرتغال أعدادا كبيرة من ذوي البشرة الإفريقية السوداء. بل والأخطر من ذلك أن البعض الآخر يحمل أسماء إسلامية واضحة.. مثل زيدان وكريمو ومحمد شول.

المسيو لوبان - المرشح الدائم والراسب الدائم أيضا في الانتخابات الفرنسية - أصابه الغم والنكد من هذا الأمر وصرخ في كل وسائل الإعلام يدعو لطرد كل اللاعبين الأجانب من المنتخب وخاصة زيدان وبالمرة طرد كل الأجانب الموجودين في فرنسا.

مستر جوردان تايلور رئيس رابطة لاعبي كرة القدم الإنجليزية صرح بأن هذا الأمر كفيل بالقضاء على الكرة الإنجليزية إذا لم يقض عليها في العالم كله. هؤلاء اللاعبون ليسوا أجانب بالمعنى الدقيق للكلمة، كل ما في الأمر أن جذورهم تنتمي إلى عالمنا الثالث وهم يحملون جنسية البلاد التي يعيشون فيها ويمارسون كل صلاحيات المواطنة. زيدان مقيم في فرنسا منذ أن كان شبلا، ومحمد شول لم يزر تركيا إلا مرة واحدة، ومع ذلك سوف يظلون أجانب لمجرد أنهم يختلفون في لون البشرة. وصيحات العنصرية ليست غريبة على أوربا وإن كانت قد ازدادت حدتها في السنوات الأخيرة. وهي مرتبطة بالتحولات الاقتصادية التي دفعت بطبقات عديدة إلى البطالة وضيق ذات اليد. ودعاة العنصرية يضربون على هذه الأوتار. فهم يتهمون الأجانب بأنهم سبب الكساد وأزمة الإسكان، بل والإحباطات الجنسية أيضا. هي اتهامات كفيلة بجعلهم أبطالا على الأقل أمام صناديق الانتخابات، ولكنها تعني أيضا أن المجتمع لم يعد قادرا على حل مشاكله بنفسه لذلك فهو يلقي بعبئها على الآخرين.

والعنصرية تشبه التطرف الديني تماما. فكلاهما يأخذ مصداقيته من أفكار قديمة ترفض الحلول الوسط رفضا قاطعا.. ومن الغريب أن العنصرية قد نشأت بمعناها الحديث في فرنسا بلاد التحرر، بل وفي أعقاب ثورتها الكبرى التي رفعت شعارات الحرية والإخاء والمساواة. وجاء الكونت "جوبينو" أحد فلول الأرستقراطية المنقرضة ليقدم نظريته حول تفوق الجنس الآري التي تبناها الحزب النازي فيما بعد.

وللحق فإن هناك نزعة عنصرية موجودة في كل حضارة، هي نزعة سلبية، لأن هناك خوفا دائما من كل غريب وافتتان به في الوقت ذاته، تماما مثل الطفل الذي يرى شخصا غريبا لأول مرة فيحاذر من الاقتراب منه، ولكنه لا يكف عن تأمله. ولعل هذا ما دفع بعض الحضارات للتغلب على هذا الموقف السلبي، بأن تسن تقاليد وأعرافا تحض المرء على أن يكون إيجابيا في مواجهة الغرباء. وفي الحضارة العربية مثلا فإن إكرام الضيف ومنحه حق الجوار وحمايته من الخطر هو أمر مقدس. وقد أدركنا منذ زمن بعيد كيف نتعايش مع الغرباء ونزيل غربتهم حتى يصيروا منا.

ولكن درجة ثقافة "المسيو لوبان" وأمثاله لم تهيئه لهذا الأمر.. فهو مازال يواصل الصراخ من أجل تحطيم المنتخب الفرنسي، والحل الوحيد هو ركلة جزاء قوية من زيدان تضرب رأس لوبان بعنف لعله يخفف من صيحاته العنصرية قليلا.

 


أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات