متى يبدأ القرن الحادي والعشرون؟

متى يبدأ القرن الحادي والعشرون؟

متى يبدأ القرن القادم؟ هل يبدأ بالتحديد مع بداية شهر يناير القادم؟ أم أن هناك حسبة أخرى؟

تجرى الاستعدادات فى معظم أنحاء العالم لاستقبال الألفية الجديدة الثالثة فى مطلع العام القادم 2000، وسوف تتخذ هذه المناسبة شكل احتفالات صاخبة ربما يذكر بعضها بعهود الوثنية، وقد حجزت الفنادق والمطاعم فى العواصم الكبرى، كما نصبت الساعات الرقمية فى العواصم الكبرى مؤذنة باقتراب المناسبة يوماً فيوماً وصولاً إلى ساعة الصفر، منتصف ليل الحادي والثلاثين من كانون الأول 1999، ويجري في العاصمة البريطانية بناء قبة عظيمة ينتظر أن يؤمها السياح بالملايين ليتعرفوا على أبرز منجزات الألفية بأحدث الوسائل الإلكترونية، وبدأت المصانع منذ الآن بإنتاج القمصان والآنية المزخرفة كتذكارات لمناسبة الألفية الجديدة؟

لكن هل صحيح أن الألفية الجديدة ستبدأ مطلع العام 2000؟

الصحيح أن الألفية الثالثة لن تبدأ قبل انصرام العام 2000 وحلول العام 2001، ولكن يبدو أن المؤسسات العالمية التقت مع المؤسسات التجارية فى تلبية خيال الناس لا عقولهم.

إن مراجعة حسابية بسيطة تكفي لشرح ما نقول، من الرقم واحد إلى الرقم عشرة نحن لانزال فى عقد العشرات، والعقد الجديد يبدأ بعد انصرام العام العاشر وبدء الحادي عشر ومثله القرن، نحن لن نكمل القرن العشرين بانصرام العام 1999، بل علينا انتظار العام 2000 وانصرامه لنقول إننا اختتمنا القرن العشرين، ليبدأ القرن الحادى والعشرين مع مطلع العام 2001، فكيف يجوز أن تبدأ ألفية جديدة قبيل أن ينصرم القرن؟

بمعنى آخر ، إنه لما كان تعداد الأرقام وفق الشرائح العشرية لا يبدأ بصفر، وإنما بالعداد واحد، فإن العام ألفين سيكون العام الأخير فى التسعينات التي بدأت، وفق المنطق الرياضي فى 1991 وليس في العام 1990 ، وعليه فإن اليوم الأول من القرن المقبل سيكون أول يناير من العام 2001 وليس العام 2000.

سبب هذا الخطأ ناتج عن أن الكنيسة قررت في العام 532، وبناء على اقتراح من راهب كان يطلق عليه اسم "دنيس الصغير" البدء بتعداد السنوات اعتباراً من أول يناير الذي يلي ذكرى ميلاد المسيح.

في القرن السابع، تم تقسيم الروزنامة إلى دورتين تاريخيتين هما "قبل الميلاد" و "ما بعد الميلاد" خلال عملية تعديلية قام بها العلامة "بيدي الجزيل الاحترام" (The Venerable Bede of jarrow) ، الذي توفي عام 735، واعتمد فيها تسلسل السنين بين الدورتين على الوجه التالي: 1 ق م ثم 1 ب م وغاب عن بال العلامة الصفر بينهما والذي ينبغى أن يكون هو زمن ولادة المسيح، وتبعاً لذلك، فإن هناك عاماً ضائعاً لايحسب له، والعام 1000 الذي يعتبر بداية الألفية الثانية ليس كذلك، بل هو كما أشرنا حسابياً العام 1001، وربما لم يغب عن بال العلامة الذي طوب قديسا "حكمة" أوغسطس قيصر الذي رفض أن يكون عدد أيام شهره 30 يوماً عوضاً عن 31، فرفض بيدي أن يكون ميلاد المخلص فى عام الصفر أو العدم .

ومنذ بدء التقويم المسيحي، لم يكن العام الجديد يبدأ دائماً فى أول يناير، ففى فرنسا على سبيل المثال، كان يحتفل بقدوم العام فى أول يناير (كانون الثاني) أحياناً، وفي 31 ديسمبر (كانون الأول) أحياناً أخرى، كما احتفل بذلك فى 25 ديسمبر (كانون الأول) أو في 25 مارس (آذر) وكذلك فى عيد الفصح ، إلا أن شارل التاسع حسم المسألة فى العام 1564 وقرر أن مطلع العام الجديد هو أول يناير (كانون الثاني).

ولأن التقويم اليوليوسي كان يستند إلى حسابات تقريبية، ويؤدى الى فروقات بينه وبين الزمن الفعلي، قرر البابا غريغوريوس الثالث عشر فى العام 1582 القيام بعملية إصلاح له مما أنتج التقويم الغريغوري المعتمد اليوم، ولابد من الإشارة إلى أن بدء العمل بهذا التقويم أدى إلى "اختفاء" عشرة أيام كاملة.

أساس الميقات

كان القمر في العصور القديمة هو أساس الميقات، وكانت الشعوب تعتمد آنذاك الصيد قوتاً لها، فكانت دورات القمر كافية بالنسبة لها لقياس الزمن ، والاحتفالات كانت تحدد فى أوقات تتلاءم مع دورات القمر، وبالطبع، فإن مقتضيات الحياة كانت تتطلب أن يكون هناك عدد محدد من الأيام فى كل شهر أو دورة قمرية، ولكن الشهر القمرى لا يتضمن عدداً صحيحاً من الأيام، بل 29.53 يوم، ومع تطور الزراعة، أصبحت الدورة السنوية للفصول أكثر أهمية، فى وضع تقويم سنوي ينسجم مع تبدل الفصول، ولكن المشكلة هي أن السنة تتألف، كما سبق ولاحظ البابليون والمصريون قبل حوالي خمسة آلاف سنة، من 365 يوماً، ولكنها لا تتضمن عدداً كافياً من الأشهر القمرية، بل تقل هذه عنها مقدار 11 يوماً، فعمد المصريون إلى قسمة السنة إلى 12 شهراً، وحدودا كل شهر بـ 30 يوماً، وأضافوا 5 أيام لآخر شهر في السنة، واعتمد الإسلام على السنة الهجرية المبنية على السنة القمرية (354 يوماً وسدس يوم تقريباً مما يجعل الشهر مؤلفا من 29 يوماً ونصف.

وتم تخطي هذه المشكلة باتخاذ الشهور 29 و 30 على التوالي ، وتتجمع الكسور، وهي 8 ساعات و48 دقيقة فى السنة الواحدة، فتصبح 11 يوماً كل تمام 30 سنة، والتي تضاف عندها إلى السنة الثلاثين).

كذلك لاحظ القدماء أن السنة الشمسية لا تتألف من 365 يوماً تماماً (تساوى السنة الشمسية بالتمام والكمال 365 يوماً و5 ساعات و48 دقيقة و46 ثانية)، بل 25و 365 (أى بفارق يوم كامل كل أربع سنوات).

إصلاح التقويم

وكان يوليوس قيصر قد أصلح عام 45 ق. م التقويم بزيادة يوم لكل رابع سنة.

واتبع نظام الأشهر المتناوبة بين 30 و 31 يوماً يوماً، باستثناء فبراير الذي ظل 29 يوماً، وحينما تسلم أغسطس قيصر الحكم لاحظ أن مرتبة الشهر الذي يحمل اسمه أي أغسطس كانت أدنى من الشهور الأخرى، إذ كان يتألف من 30 لا 31 يوماً، فعدل التقويم ومنح شهره يوماً زائداً على حساب فبراير (باستثناء فى السنة الكبيسة التى ظلت 29 يوماً).

لم تؤد تدابير يوليوس قيصر إلى استيعاب الفروقات الدقيقة بين الروزنامة والفلك، فبلغ الفارق عام 1572 نحو 12 يوماً، وأصبحت أعياد الكنيسة تقع فى غير المواعيد المقررة لها، وكان كل إصلاح جديد يواجه بعدم توافر المعرفة الدقيقة بالفلك، وفى العام 1576 وضعت اقتراحات جديدة لم توافق عليها الكنائس الشرقية، وفي 1582 اعتمد التقويم الغريغوري، نسبة إلى البابا غريغوري الثالث عشر، والذي حذف فيه عشرة أيام من شهر تشرين الأول من ذاك العام للتوفيق بين التقويم القديم وحقائق الفلك ، وزيد فى سنوات القرون التي تقبل القسمة على 4 يوماً فى شهر فبراير ليصبح 29 يوماً كما تقرر أن تعتبر سنوات القرون سنوات كبيسة فقط حينما تقبل السنة القسمة على 4 ، مما يعني أن العام 1600 كبيس، ولكن الأعوام 1700 و 1800 و 1900 ليست كبيسة، وبذلك أصبح الخطأ بين التقويم الزمني والفلك لا يتعدى يوماً كل 3000 سنة، ولكن هذا التقويم لقي معارضة خاصة من الدول البروتستنتية، كما أن بريطانيا لم تنته قبل 1752 لاعتقاد البريطانيين أن البابا أراد أن يسلب من حياتهم 11 يوماً.

ولأن التقويم الجديد يحتاج إلى تصويب قبل انتهاء الألفية الثالثة، فقد قبل به تدرجا ومازال معمولاً به اليوم.

ومن الجدير بالذكر، أن المؤرخ الأمريكي ول ديورانت، مؤلف "قصة الحضارة" اقترح حلا "مثالياً" يقضى بتقسيم السنة إلى 13 شهراً فى كل منها 23 يوماً مع يوم إجازة لا تاريخ له (أو اثنين فى السنة الكبيسة ) فى نهاية العام ، وبذلك يصبح التقويم صالحاً لكل الشهور إلى مالا نهاية، لأن كل من أيام الأسبوع يقع فى التواريخ نفسها على مر الشهور والأعوام، ولكنه علق على مشروعه بأسلوبه العقلاني الساخر "إن هذا الحل قد يزعج القديسين ويوقعهم فى حيرة".

 

أنطوان بطرس

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات