من الشارقة إلى رأس الخيمة: ثقافة وتراث

من الشارقة إلى رأس الخيمة: ثقافة وتراث

تصوير: فهد الكوح

إذا كان للثروة النفطية دور في ازدهار بعض بلدان الوطن العربي فإن الفضل الأكبر في ازدهار دولة الإمارات العربية وجمالها المتكامل يعود إلى الدولة الاتحادية، وهذا ما يشعر به من يتجول بين الإمارات السبع حيث تعجبه الحركة الاقتصادية النشطة، وتغريه الطبيعة الخلابة بجمالها ويدهشه العمران بحداثته وشموخه، ولكنه لا يلبث أن ينحني إجلالا أمام كبرياء الثقافة وعظمة التراث.

حين بدأت الطائرة تحلق فوق المطار مستعدة للهبوط كانت دبي تبدو مثل جوهرة تتلألأ بأضوائها، وحين دخلناها كان ليلها في ساعاته الأولى ولم تكن أسواقها في الليل بأقل ازدحاما من النهار، فالحركة التجارية النشيطة فيها جعلتها محط أنظار السياح الذين يقصدون التسوق، ومن يتجول في دبي وبعد ما يستيقظ من دهشته بأسواقها يعود ليتأمل تطور أبنيتها الشامخة فحركة البناء نشطة أيضا فيها، وللتسوق إغراءاته في نفوسنا كبشر ولكن هذه الإغراءات لم تغير مسار مهمتنا التي نريد منها رصد ذلك الاحتفاء الذي أبدته دولة الإمارات العربية المتحدة بالثقافة، الثقافة التي تبلورت بوجود مؤسسات فعالة في كل من الإمارات السبع، ولكن توج هذا الاحتفاء باختيار الشارقة عاصمة للثقافة العربية لعام 1998، فما سر هذا الاختيار وما الذي خول الشارقة لتحمل هذا اللقب المشرف؟

في رحاب عاصمة الثقافة

في اليوم الثاني من زيارتنا للإمارات دخلنا مدينة الشارقة لتطالعنا بعبارتها الجميلة التي كتبت باللغتين العربية والإنجليزية على هضبتين متقابلتين " ابتسم أنت في الشارقة" ولم نتمالك أنفسنا من الابتسامة، فنحن لسنا في مدينة عادية، فمن يتجول في الشارقة يقرأ في جنباتها آيات التطور الهاديء الذي لا يرسم لليوم بقدر ما يحضر للمستقبل، تجولنا بين حاضرها وتراثها المتجدد، فظهر لنا ما رأيناه، وكأنه ترجمة فعلية لمقولة رئيس الدولة صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان:" الأمة التي لا ماضي لها هي أمة بلا حاضر ولا مستقبل ".

بدأت جولاتنا من مكتب الدكتور عبيد الهاجرى المدير العام لدائرة الثقافة والإعلام، حيث طالعنا بالقرب منه ذلك النصب الجميل للقرآن مفتوحا وسط ميدان الثقافة وأمام مبني المركز الثقافي وكأنه شعار يعرف الزائر بالطابع الذي طبعت به الشارقة،ذهبنا إلى إدارة التراث ليصطحبنا مديرها عبد العزيز المسلم في جولة ممتعة في منطقة تراثية متكاملة وسط الشارقة، دخلنا ساحة الآداب ومنها دلفنا إلى بيت النابودة والذي يعرف اليوم بمتحف الشارقة للتراث وتعود ملكية هذا البيت المبني سنة 1854م إلى الراحل عبيد بن عيسى بن علي الشامسي الذي حمل لقب النابودة.

ويتألف هذا المبني من طابقين الأرضي منهما فيه ثلاث عشرة غرفة والعلوي فيه ثلاث غرف فقط، وقد خصصت كل غرفة لتقاليد أو أزياء أو جانب من الحياة القديمة ففي إحدى الغرف تجمعت الأزياء الرجالية والنسائية وأزياء الأطفال وأزياءكل من الغواص والحارس والمطوع "رجل الدين"، ولفت نظرى في زاوية إحدى الغرف خزانة المكياج للمرأة قديما وكانت هذه الخزانة تضم الزعفران والورس والآس والسدر والمحلب والياسمين والكحل إلى جانب خيوط فضية ومعها أداة تسمى الكاجوجة، وبالكاجوجة والخيوط تطرز الملابس، وفي المتحف حفظت أيضا حلي المرأة التقليدية والتي لا يزال بعضها تتزين به المرأة إلى الآن، وكما أولى المتحف الأشياء التقليدية الاهتمام، فهو كذلك يقدم معلومات إلى الزائر، فمما شاهدناه ذلك النموذج لمراحل الترميم وكيف يتم وضع الأخشاب الشقيقة بحيث يتم سحبهاإذا تلفت ووضع بديل عنها، ثم سمعنا شرحاً مفصلاً عن خياطة الجدار وهذه الخياطة عملية قديمة، فبعد تغطية الجدار بشبكة قضبان وأسلاك معدنية يتم طلاء الجدار بالأسمنت فتغلق الشروخ، وفي البيت كما في معظم المتاحف آثار ومعلومات حول الغوص وأعمال البحر وأنواع الأبوام، كالشوعي والبغلة التي عرفت بهذا الاسم لما تحمله من أثقال والجالبوت والشاشة وهذه الأخيرة قارب بسيط جدا، ويضم المتحف زخارف جبسية وخشبية، وفي المتحف يعرض فيلم وثائقي عن التراث أو عن الشارقة بشكل عام، وفيه ركن للضيافة العربية الأصيلة حيث يستقبل الزائر بفنجان قهوة وحبات تمر.

ولهذا البيت مطبخ كبير خاص قديما كانت تعد فيه الوجبات بشكل جماعي، وفيه أواني الطهي و" السقاء" أو القربة التي يستخرج بها الزبد من اللبن، وفيه أقفاص للدجاج وأخرى للبصل والثوم فيما يحفظ قديد اللحم والطعام من القطط في "الشت" والشت وعاء مصنوع من سعف النخيل ومعلق بالسقف.

ويضم المتحف أثاثاً خاصاً بالمرأة والطفل وبالأسرة بشكل عام ومن وضع الأثاث تبدو حياة الأسرة مع بعضها.

وفى البيت بئران أحدهما للماء الحلو والآخر للماء المالح ويسمى "الخريج" وقد كانت المياه العذبة تنقل إلى السوق على ظهور الدواب، وقد كان الطابق العلوي مصيفاً للأسرة، وللبيت أبواب ثلاثة أحدها للرجال والآخر للنساء وهو يعتبر واجهة لسوق والثالث للخدم، هذا بالإضافة إلى الأواوين والسلالم والملاحق والملاقف الهوائية "البراجيل".

وتوقفنا أمام بناء قيل إنه مدرسة الإصلاح وهي أول مدرسة في الإمارات العربية، فقد كان يدرس الطلاب في طابقها الأرضي ويسكن المدرسون في طابقها العلوى، وقبل بناء هذه المدرسة كانت تتوزع الكتاتيب التي تعلم القراءة والكتابة وبعض علوم الدين.

تابعنا طريقنا إلى مجلس إبراهيم بن محمد المدفع وقد كان هذا الرجل من أعلام الفكر والثقافة، وعمل مستشاراً للحكام في أهم القضايا السياسية المحلية والعربية، وبذلك فقد جمع هذا الرجل في مجلسه بين السياسة والثقافة حتى غدا مجلسه أشبه ما يكون يمنتدى فكرى وثقافي، وعرف عن إبراهيم بن محمد المدفع أنه أصدر أول صحيفة إماراتية سنة 1927م وسماها (عمان)ثم توقفت فأصدر صحيفة "صوت العصافير"عام 1933م، ويضم البيت أوراقاً رسمية وصورا لصاحبه وبعض الأدوات والدراسات الخاصة، ونظراً لمكانة صاحبه فقد تحول إلى متحف.

يقول عبدالعزيز المسلم إن مقتنيات كل متحف لها أصولها، فالحصن مثلاً كان بيت الأسرة الحاكمة في الشارقة وقد بدأ أفراد هذه الأسرة بتقديم المقتنيات التي يحتفظون بها لجمعها في الحصن، ولقد كان لدى سمو حاكم الشارقة كثير من المقتنيات.

وفيما إذا لم نجد غرضا وصفه أحد الذين يتذكرون فإننا نبحث عنه أو نصنع نسخة أخرى أو نقتني ما يشابهه فحين فقدنا "الكتارة" وهي سيف منحن كان يلازم الحاكم وكانت سلالة الأسرة الحاكمة تتناقله قمنا بصناعة سيف مشابه- كالقديم أي أنه من الذهب الخالص ومقبضه من العاج.

كنا نتحدث ونحن نسير بين مباني المنطقة التراثية لنقف في ساحة كبيرة اسمها ساحة العرصة، والعرصة في اللغة تعني ساحة الدار، أو البقعة الواسعة بين الدور والتي لا بناء فيها، ويتبع لهذه الساحة سوق كبير يحمل الاسم نفسه. وقد تم ترميم أكثر من سبعين محلاً في السوق وهي مؤجرة لأصحاب مهن وحرف تقليدية، وفي هذه المحلات أكثر من اثنين وخمسين نشاطا منها بيع التحف وحصى البحر، ومنها التصوير والخياطة، وفيها مقهى ومحلات بيع التمور وبيع العطور وأوراق التبغ وبيع العملات القديمة والتحف الخشبية والنحاسية والفضية، ولهذا السوق أربع بوابات تغلق في المساء، وقد كان البيع والشراء قديماً بالمقايضة، ويحكى أن الذي كان يأتي ببضاعته فلا تباع أو لا يجد لها راغباً وتتقطع به السبل يلجأ إلى مجلس عبيد بن عيسى النابودة فيشتريها منه، ويستضيف النابودة في منزله ومجلسه أولئك الذين لا يجدون ملجأ أو من لا يستطيع العودة إلى أهله.

من ذلك السوق خرجنا لنتجه نحو الحصن، وللحصن مكانته الخاصة في نفوس أبناء الشارقة بشكل خاص وفي تاريخها بشكل عام.

الحصن..متحف السياسة والسياسيين

ويعود تاريخ هذا الحصن إلى عام 1820م حيث بناه الشيخ سلطان بن صقر الأول واتخذ منذ ذلك الحين مقراً للأسرة الحاكمة وبقي كذلك حتى 1969م حيث تقررت إزالة بعض أجزاء منه، وعندما علم صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي حاكم الشارقة بذلك ترك دراسته في القاهرة ليعود على عجل رغم مشقة السفر، ومنذ لحظة وصوله استدعى المهندسين والمختصين ليضعوا الرسومات الأساسية لهذا الحصن، وقد شاركهم في العمل، واحتفظ بعدد من الأبواب والنوافذ الأصلية لأنه كان يحلم بإعادة بنائه كما كان وقد تحقق ذلك فعلاً فأعيد الحصن وبأمر من سموه في أبريل 1996م وبعد عام من الجهد ظهر الحصن شامخاً بأصالته ويشتمل هذا الحصن على تاريخ طويل من الوقائع والأحداث.

ومن المؤكد أن متاحف الشارقة وحدها جديرة بالكتابة عنها ورصد ما فيها لأنها تنقلك على بساط سحري إلى عمق التاريخ الاول لتكتشف بنفسك أسرار قصة الإنسان وتكيفه مع البيئة حيناً كما هو الحال في متحف الشارقة للآثار ومتحف الشارقة للتاريخ الطبيعى، ثم لا تلبث أن تضعك وسط تقنيات العصر حيناً آخر لتتفاعل معها بالتجربة العملية وتكتشف من خلالها العلوم الممتعة والمفاهيم العلمية بمساعدة بعض الرواد العلميين المؤهلين وهذا إذا دخلت متحف الشارقة العلمي. ولأنني كنت ممن يسحره التراث ويهرب من هاجرة الحاضر إلى ظلال الماضي ومخلدات الأجداد فإنني قد لا أنتهي من جولتي بين متاحف الشارقة في زيارتي هذه، ولكن الرغبة شيء والواجب شيء آخر وهذا اقتضى منى ن أصارع رغبتي لترك متاحف الشارقة ولكن ليس قبل أن أعرج على متحفين تركا عميق الأثر في نفسي أولهما المتحف الإسلامي بهيبته وجلالة مكانته وثانيهما متحف الشارقة للتاريخ الطبيعي.

فالمتحف الإسلامي في الشارقة صرح حضاري يشهد على عمق الارتباط بديننا الحنيف. وقد تم افتتاحه في 1996 وهو جزء من المنطقة التراثية وبناؤه يعود إلى 200 سنة وهو للمرحوم سعيد بن محمد الشامسي الملقب بالطويل، وقد جرى تقسيم غرف البيت إلى عدد من القاعات وكل قاعة تضم طائفة من المنتجات التراثية الإسلامية والمقتنيات واللقي المتنوعة التي تمثل نماذج من الصناعات والفنون الفخارية والزجاجية والمعدنية التي عثر علي بعضها في مواقع مختلفة من الشارقة، أول ما دخلنا المتحف الإسلامي كان صوت قراءة القرآن يعطر المكان، وأول ما شاهدناه هو صور لمكة المكرمة والتي يعود بعضها إلى ما قبل 1927 وبين هذه الصور كتابات على لوحات جدارية تشرحها وقد استوقفتني مراحل بناء الكعبة المشرفة حيث أول من بناها الملائكة ثم آدم عليه السلام، ثم شيت بن آدم وبعده إبراهيم الخليل عليه السلام، وبناها بعد ذلك العمالقة، فجرهم، فقصي بن كلاب، ثم قريش، فعبد الله بن الزبير كما بناها الحجاج بن يوسف الثقفي، فالسطان مراد العثماني، وجاءت أخيرا تجهيزات العهد السعودي. وفي هذه القاعة رصد للتطورات التي مرت بها مكة بشكل عام والكعبة والأماكن المقدسة بشكل خاص، وفي القاعة ستارة باب التوبة وهذا الباب داخل الكعبة ويؤدي إلى سطحها ولكن هذه الستارة استبدلت بباب من الذهب، وإلى جانب ذلك فإن مقتنيات أخرى تضمها هذه القاعة، ومنها وبرفقة المشرفة عفاف المري شاهدنا المسكوكات الموجودة في قاعة خاصة بها، والمعروض من هذه المسكوكات جزء من المدخر الحقيقي الذي يزيد على "2600" قطعة تشمل العهود الإسلامية وبعضها يعود إلى "79 هـ" وفي هذا القسم تعريف بصناعة المسكوكات كالصب والضرب، وفي المتحف رسم لشجرتي الخلافة الأموية والعباسية، وفيه أيضا بعض الخزف الإسلامي الذي يعود إلى القرن الرابع الهجري، وقد برع المسلمون في التزجيج أو الرسم على الخزف وطلي الأواني الخزفية بالأصبغة، ويقال إنهم فعلوا ذلك ليستبدلوا بأواني الذهب والفضة الفخاريات المزججة. والطريف بين هذه الأواني "الكشكول القارجاي" وهو على شكل وعاد يحمله الفقراء في أعناقهم ويشحذون فيه، ولذلك تفننوا في كتابة الآيات والأحاديث والحكم التي تستدر عطف الأغنياء وتحصنهم على التبرع وفعل الخير. وفي المتحف أيضا بعض الأسلحة القديمة. ولعل ما يميز هذا المتحف ه ي دار العلوم التي فيها خارطة الأرض، وهي أول خارطة في العالم، رسمها الشريف الإدريسي المولود في سبتة المغربية سنة 1099 وحين قورنت هذه الخارطة بخارطة عالمنا اليوم عرفت بالخارطة المقلوبة، والشريف الإدريسي عرف بالشريف لأن نسبه يمتد إلى الحسن بن على ين أبي طالب رضي الله عنهما، وأما الإدريسي فنسبة إلى جده الأعلى مؤسس دولة الأدارسة، وأشهر كتب هذا العالم "الاسطرلاب" ويعني مرآة النجوم.

وفى المتحف أيضا دار للمخطوطات الإسلامية تضم مجموعة مهمة من المخطوطات الإسلامية والعربية تصل إلى المائة مخطوطة منها ما هو معروض ومنها ما هو محفوظ. ويحوي المتحف مكتبة ثرية بالكتب التاريخية والعلوم والفقه وبالموسوعات المكتوبة باللغتين العربية والإنجليزية التي باستطاعة الزوار الاستفادة منها.

وقد تمت الاستفادة من الكوى الموجودة في جدران المبني في عرض بعض المقتنيات، تلك المقتنيات المهددة بالرطوبة العالية والإضاءة ما لم يتم دراسة هذه المؤثرات والتغلب عليها، وللمتحف موقع علي شبكة الانترنت. ومن المتاحف المميزة في الشارقة متحف التاريخ الطبيعي ويقدم هذا المتحف أشكالاً متعددة للحياة البرية والبحرية وأنماطاً من حياة البشر والمناخ والبيئة التي عاشوا فيها، وكان الزوار وهو يقفون على حافة الكثبان الرملية والسهول والوديان يبدون كأنهم وسط بيئة حقيقية وهذا النموذج الطبيعي هو مقطع عرضي لإمارة الشارقة يمتد من ساحلها الغربي إلي خور كلباء، وقد كان المجسم الطبيعي كبيراً ومعه كثير من الحيوانات المحلية المحنطة وعدد من الصور الرائعة للنباتات التي تعيش في هذا الحيز.

ويستمتع الزائر في هذا المتحف كما في المتاحف الأخرى بأجهزة الكمبيوتر التي تعمل على لمس الشاشة وحالما يضع الزائر يده على المعلومة التي يريد فإن ملفها ينفتح ليحصل على ما يريد منه.

وبجانب المتحف مزرعة الأطفال التي تلعب دورا مهما حيث إنها تعرف الطفل ببعض الحيوانات وبفوائدها، كالأغنام والماعز والدواجن والنحل وغير ذلك.

وإذا كان متحف التاريخ الطبيعي موسوعة كاملة عن تاريخ الشارقة البيئي والطبيعي من جهة، فهو من جهة أخرى، ينير الضوء الأحمر محذراً من مخاطر التجاوزات وإهمال البيئة وتلويثها وما يترتب على أفعال الإنسان اللا مسئولة نحوها، وهو من جهة ثالثة يمنح الحياة للمنطقة الصحراوية التي أقيم عليها والتي تبعد عن الشارقة أكثر من عشرين كيلو مترا، وإلى جانب المتحف هناك الحديقة النباتية، وهي بذاتها متحف لنباتات العالم الصحراوية الموجودة في قارات العالم وفيها أكثر من "800" فصيلة من نماذج النباتات في قارات العالم، وقد أوصى مؤتمر الحدائق النباتية عام 1997 بأن تكون هذه الحديقة مركزاً عالمياً لحماية النباتات في المناطق الجافة في الخليج العربي وإفريقيا.

وكذلك فقد كان للنصب التذكاري لإعلان الشارقة عاصمة ثقافية سنة 1998ميزة مهمة حيث إن موقعه خارج الشارقة ببضع عشر كيلو مترا وكأنه أيضا يجذب الاهتمام إلى الأراضي الرملية خارج المدينة، والتي لا تزرعها الأيادي المعطاءة بالخضرة والنضرة فقط، وإنما تزرعها بما هو أهم وأكثر استمرارية والمثال على ذلك أيضا المدينة الجامعية التي سنتجول في أرجائها.

إن إمارة الشارقة تضم أكثر من خمسة عشر متحفاً، وكل متحف مختص منها يعتبر سجلاً حافلاً بالعلوم والقراءات سواء العلمية أو التراثية المطلة من فجر التاريخ، وهذه المتاحف جزء من الواقع الثقافي الزاخر والذي يمثل معرض الشارقة للكتاب أيضاً أحد أركانه، فقد رفعت الشارقة شعاراً جذاباً آخر وهو "اقر أنت في الشارقة" وهذا الشعار أكثر ما يترجم أثناء معرض الكتاب السنوي فيها، وقد وصف سمو الحاكم هذا المعرض في دورته العاشرة بأنه في طريقه إلى العالمية، وهذا المعرض يعتبر مهرجاناً كبيراً يضم آلاف العناوين في العلوم والمعارف الإنسانية للكبار والصغار، للعرب والأجانب، وعلى هامش هذا المعرض تتزاخم الفعاليات الثقافية والمنتديات الفكرية، وقد بدأ هذا المعرض منذ 1982 إلى جانب هذا المعرض حركة نشر نشطة تعاضده في نشر الثقافة والمقروءة.

المسرح..انطلاقة ونتائج

وكل سنتين تشهد الشارقة "أيام الشارقة المسرحية" وقد كان الإعداد لهذه الأيام جارياً أثناء زيارتنا، وكجزء من الواقع الثقافي المزدهر يأتي المسرح الذي توليه الشارقة اهتماما كبيراً، ففيها يتم انشاء أربعة مسارح جديدة، وهذه الحركة المسرحية ليست وليدة اليوم، وإنما هي خلاصة تجربة مربها المسرح الذي لمعت في سمائه أسماء كبيرة عديدة مثل المنصف السويسي، رشدي عساف، جواد الأسدي، المنجد إبراهيم، والفنان الكويتي صقر الرشود الذي كان له دور بارز في وضع اللبنات الحقيقية للمسرح.

وفي الشارقة تقام دورات تدريبية للمسرحيين منذ عام 1982 وتشتمل هذه الدورات على دروس في التمثيل والإخراج كمباديء وليس كدراسة معمقة، ولقد بدأ الشباب المتدربون في تثبيت خطواتهم على طريق الفن المسرحى، وهذا ما حدثنا به أحد الأساتذة في الدورات التدريبية التي يحضرها عدد من الأسماء التي بدأت الأضواء تتسلط عليها كالفنانة مريم سلطان "أم عادل" والتي تعرف بأم المسرحيين لأنها واحدة من الرائدات فرحلتها مع هذا الفن تمتد لأكثر من ربع قرن وتقول أم عادل: لقد شاركت في مسرحيات قدمناها في دمشق والقاهرة وتونس.

وعن دخول المرأة عالم المسرح في الشارقة تقوم أم عادل: لقد دخلت بعض النساء المسرح ولكنهن لم يستمررن بسبب العادات والتقاليد برغم تقبل فنهن، ولا يزال المسرح يشهد مثلاً للفنانة غصن سالم التي سبقتني، ونريد نحن كفنانين للمسرح المزيد من الازدهار، وفي الشارقة لدينا مسرح جاد له مشاهدوه، وأما الإقبال فيكون أكثر على المسرحيات الشعبية.

ومن بين المتدربات أيضا الفنانة الشابة حنان المري التي قدمت كذلك عروضاً في القاهرة والأردن وتقول حنان: لقد لاقت العروض التي قدمناها في الأردن إقبالاً جماهيرياً مميزاً فقد كانت الصالة تمتليء بالمشاهدين.

وبما أن مسرح الشارقة يعتبر تموذجاً وجزءاً من المسرح المتوقد في الإمارات العربية المتحدة، فإنه يمكن القول إن ذلك المسرح الإماراتي قد أفرز فنانين كباراً أمثال أحمد الجسمي وسميرة أحمد اللذين استطاعا أن يمثلا الإمارات في المهرجانات الكبرى كمهرجان دمشق والقاهرة وقرطاج واستطاعا أن يحصدا جوائز مميزة.

وخارج مدينة الشارقة وعلى بعد 12 كم في منطقة المويلح، وفي وقت قياسي بكل المعدلات استكانت الرمال تحت الهندسات المعمارية والتصاميم التقليدية الساحرة التي اتصفت بها المدينةالجامعية في الشارقة والمكتبات والمباني التابعة لها.

منارة أخرى للثقافة

ربما تكون تسمية المدينة الجامعية مناسبة تماماً لتلك المباني الحديثة التي تنشر الثقافة دون أي أعباء، بعدما كان الطلاب يتجشمون المشقات أثناء متابعة دراساتهم الجامعية، وبما أن المدينة الجامعية مدينة شكلاً ومضموناً فإن الفرصة لم تتح لنا زيارة كل ركن فيها، وقد تجولنا في جامعة الشارقة بقسميها المخصصين للطلاب والطالبات، وقد كانت محطتنا الأولي في جامعة الطلاب المبنية وفق هندسة عربية أصيلة من الخارج، وأما من الداخل فهي مثال الاناقة والجمال، تشرع أبوابها أوابها أمام الدراسين القادمين من مختلف أنحاء دولة الإمارات العربية المتحدة أو من دول مجلس التعاون، وعن شروط القبول فيها يحدثنا سمير الحاج أن على الطالب المتقدم أن يكون حاصلاً على الثانوية العامة أو ما يعادلها ومحققاً النسبة المطلوبة التي تخوله دخول القسم الذي يريد، فإن كان يريد الانتساب للقسم العلمي فمطلوب منه معدل 70% وأما الأدبي فالمطلوب 60% فقط، وفي الجامعة خمس كليات، وفيها إلى جانب ذلك تخصصات نادرة كالعلوم الصحية التي تهتم بالتمريض والعلاج الطبيعي وفيها دراسة خاصة بإدارة المستشفيات بالإضافة إلى الصحة والبيئة، والأشعة السينية، وهذه تخصصات موجودة في جامعة الشارقة.

وللتسجيل في هذه الجامعة ينبغي دفع رسوم مالية تتراوح بين 16و19 ألف درهم سنوياً، والجامعة مزودة بالمخابر الفيزيائية والكيميائية وقاعات الكمبيوتر ويتبع لها سكن خاص بالطلاب الوافدين إليها.

وباختصار شديد فإن حال كليات الطالبات بنفس مواصفات كليات الطلاب، وتقول الدكتورة عائشة مبارك الناخي عميدة شئون الطالبات وهي من الشارقة: قبل جامعة الشارقة كانت الفتاة تتابع دراستها في جامعات الإمارات في العين، وأعتقد أن إنشاء هذه الجامعة سوف يزيد في عدد الطالبات اللواتي يتابعن الدراسة، ويسعين وراء المؤهلات، وسوف تشجع الأهالي على حض بناتهن على المتابعة، وعدد الطالبات مبشر إذ يتجاوز الثمانمائة طالبة، وللجامعة سكن داخلي تستفيد منه أكثر من "250" طالبة ، وتقبل الجامعة الطالبات من كل البلدان العربية الشقيقة والأجنبية الصديقة.

لقد جاء بناء هذه الجامعة إيمانا بأنها ستساهم مع شقيقتها الجامعة الأمريكية في الشارقة في رفع شأن الثقافة والتعليم،وستلعب دوراً فريداً في تقديم أفضل البرامج الثقافية والعلمية لطلابها مع رعاية التقاليد العربية والمحافظة على عقيدة وخلق هذا الشعب العريق.

وتعرف جامعة الشارقة بأنها مؤسسة غير ربحية وغير مختلطة للتعليم العالي، استوحي في تأسيسها النموذج الأمريكي في التلعيم الليبرالي، وهي جزء من المدينة الجامعية التي تجاور مطار الشارقة الدولي والتي وضع حجر الأساس لها في 1997، وإلى جانبها تقوم الجامعة الأمريكية وكلية الأفق التي أسست في 1990 وهذه الكلية تتبع لهيئة الطيران المدني ومطار الشارقة الدولي وتهدف إلى رفع مستوى العاملين في مجالات السفر والسياحة والفنادق وإدارة النظم والمعلومات التجارية، وكليتا الشارقة التقنيتان. وهذه الكليات تقوم إلى جانبها معاهد عليا، وتقوم إلى جانبها مكتبة الشارقة التي هي في حقيقة الأمر مجموعة مكتبات، والمهم فيها تلك المكتبات التخصصية أو المتخصصة والتي تبلغ العشرين وتتوزع في جناحين في الدور الأرضي، وكل واحدة من هذه المكتبات المتخصصة تعنى بمجال معين مثل: الإمارات،اللغات، العلوم، علم الحاسوب، القانون، دراسات الطفولة، الدراسات الخليجية، العمارة، الهندسة، الإدارة.. الخ.

وتتبع المكتبة في فهرستها نظام ديوي العشري، وكل قسم أو جناح منها ينقسم بدوره إلى قسمين أحدهما للرجال والآخر للنساء، وكل مكتبة تخصصية تستوعب "16" زائرا نصفهم رجال ونصفهم الآخر نساء، وفي باحة المكتبة أجهزة كمبيوتر حملت عليها فهارس المكتبة كاملة وتعتمد الفهارس اسم الكتاب، اسم الكاتب، اسم الموضوع.

وفى المكتبة أيضاً جناح خاص للانترنت،وقسم خاص للطفال وقاعة الأطفال تستوعب حوالي"50" طفلاً وفي قاعة مطالعة الأطفال رفوف قصيرة للكتب وطاولات ومقاعد وكلها مخصصة للصغار وملونة بألوان مبهجة، وبالإضافة إلى ذلك في المكتبة أيضاً قسم خاص للتجليد والفهرسة والطباعة في الطابق الأسفل، وفيها استراحة للقراء يمكنهم فيها تناول المشروبات الساخنة والوجبات الخفيفة، وكما هو حال كبريات المكتبات فإنها تضم قسماً خاصا بالمكفوفين وعلى ذلك فللدوريات المهمة المحفوظة قسم خاص كما للكتب النادرة أيضاً وللمصادر وأمهات الكتب قاعات خاصة، وفي الطابق العلوي أيضا قاعات رئيسية تضم الكتب بمختلف أنواعها، وللباحثين وللقراء امكانية الإعارة والتصوير شريطة أن يكون المستعير مدركاً لقيمة الكتاب ويحمل بطاقة ثمنها 150 درهماً وهو بمنزلة رهن للاستعارة، وتضم المكتبة أكثر من "150"ألف عنوان، وفي المدينة الجامعية أيضا رافد ثقافي أجنبي وحيوي ضخم ويوشك أن يحاكي مكتبة الشارقة بعظمته إنه مكتبة الجامعة الأمريكية.

التراث..يعود من جديد

تنطلق بنا السيارة إلى رأس الخيمة وحالما أصلها أشعر وكأنني في محافظة الرقة بسوريا، ويا لهذا الشبه العجيب في العمران والطبيعة أتأمل هذه الإمارة الجميلة وأنا سعيد وكانني في بلادي، وأحدث الدكتور أحمد جلال التدمري بمكنونات أحاسيسي، فيؤكد لي التشابه بين المكانين ونتوجه في البداية إلى مكتب سمو الشيخ سلطان بن صقر القاسمي نائب الحاكم ورئيس دائرة الآثار والمتاحف والسياحة، لقد كان الرجل متفائلاً بالاكتشافات الأثرية وبالمخزون التراثي قال: إن كل ما اكتشفناه هو جزء من المخزون، فالمخزون أكبر بكثير ونحن نحرص على المواقع الأثرية ونحافظ عليها ونهتم بها وبصيانتها باستمرار، ونظراً للكم الهائل من اللقى الأثرية فإننا نحفظها في صناديق تتضمن معلومات عن كل منها وعن أماكن العثور عليها وتتضمن أيضاً صوراً للمواقع، وهذه المعلومات كلها في طريقنا إلى تخزينها في برامج كمبيوتر وذلك ليسهل علينا الحصول على نشرة متكاملة تعريفية لأى قطعة نريد العودة إليها.

وبالإضافة إلى ذلك فقد قمنا بمسح كامل للأبراج والمساجد الأثرية، وتعرفنا على الأساليب المستخدمة في بنائها ودرسنا أشكالها الهندسية والمواقع التي أقيمت عليها، ولدينا طموحات كثيرة في هذا المجال، وخططنا مستمرة للارتقاء بإرثنا الذي يظهر للعالم عراقة بلادنا، وأنا من المولعين بحب التراث.

بالفعل فقد كان متحف رأس الخيمة ترجمة لما قاله سمو الشيخ سلطان بن صقر القاسمي. ولدى زيارتنا ذلك المتحف بدأ دليلنا بسرد تاريخ الحصن الذي تأسس في 1749م ومن ثم وبعدما تركته الأسرة الحاكمة صار مقراً للمديرية العامة للشرطة وتحول إلي سجن مركزي ليغدوامتحفاً في 1984 وهو مؤلف من طابقين وشكله مستطيل وفيه بارجيل "ملقف هوائي" وفي فنائه حديقة، وفي الحصن قسم للآثار القديمة والمتحف مؤلف من غرف عديدة مفتوحة على بعضه البعض، والمعروضات الأثرية فيه مرتبة وفق تسلسها الزمني، وتبدأ من أقدم أثر بشري في إمارة رأس الخيمة في الألف الثالثة قبل الميلاد، وفيه غرف خصصت للمكتشفات الأخيرة وسوف تكون جزءاً من المعرض الرئيسي.

وحسب كتب التاريخ فقد شهدت رأس الخيمة نشاطاً تجارياً منذ ما قبل الإسلام، وقد عثر على فخاريات من الصين والعراق وميناء سيراف بفارس. وكذلك عثر على قطع فخارية بقرب قصر الزباء تعود إلى ما قبل الإسلام وهذا مما يرجع أن الحصن كان مبنياً على حصن أقدم منه.

ولا يزال أيضا وادي الصفافير قرب وادي القور برأس الخيمة شاهداً على أن النحاس كان يستخرج منه ويذوب قبل ألف سنة، وهذا الموقع يبين طبيعة المناجم النحاسية في القرون الوسطى، حيث توجد على جانب الوادي مدارج تؤدي إلى المنجم، وعلى مقربة منها توجد بقايا المباني، حيث كانت تتم عملية تذويب المواد الخام، ومن ثم سبكها وتصديرها إلى ساحل الباطنة حيث يوزع إلى مصانع مختلفة في الامبراطورية العباسية حينذاك.

وفي رأس الخيمة عثر على مجموعة من المسكوكات ترجع إلى القرن العاشر الميلادي، وعثر أيضا على أكثر من "250" قطعة من النقود البرونزية أثناء التنقيبات في جلفار، وتحمل أغلبيتها ختم "جارون" وهو الاسم الأصلي لجزيرة هرمز التي كانت تسيطر على ميناء الخليج وبعض مناطق شبه الجزيرة العربية بين القرنين الرابع عشر والسادس عشر صغيرة من النحاص قادمة من شرق إفريقيا ووجد مثلها في ضواحي مقديشو بالصومال.

وماذا عن حضارة جلفار

ومن يزر رأس الخيمة في سياحة ثقافية أو لأجل البحث فلابد له من أن تكون أبرز محطاته "مركز الدراسات والوثائق" وهذا المركز محط إشعاع تاريخي وفكري وثقافي في دولة الإمارات، وهو معني بجمع وتحليل وحفظ الوثائق التاريخية وإصدار الدراسات العلمية وتوفير المصادر الموثقة للباحثين والمهتمين بتاريخ الدولة ومنطقة الخليج، ويهتم المركز أيضا بتصحيح ما اعترى المؤلفات الأجنبية من أخطاء في تاريخ المنطقة، ولقد أصدر المركز خلال العقد الأخير مؤلفات عديدة وثائقية مهمة، ولا يزال يواصل عطاءاته.

في ذلك المركز كان لنا طيب اللقاء مع الدكتور أحمد جلال التدمري مستشار سمو رئيس الديوان الأميري للدراسات والوثائق، واستفتيناه في جلفار، ففاض بحديثه النابع من مخزون فكري حول التراث والحاضر.

قلت له: عرفت جلفار كمركز تجمع للقوافل البرية والبحرية بين آسيا وإفريقيا، صهرت النحاس المستخرج من جبالها وبادلته بالخزف الصيني والفضة والمنتجات الغذائية مع بلاد الرافدين، وصفها البابليون وتعامل معها السومريون فما حكاية تلك الحضارة الجلفارية وإلام تعود وما الجديد الذى قدمته المكتشفات؟

يبتسم وهو يؤكد ان تلك المنطقة عرفت ذلك الميناء المهم الذي تقصده القوافل من جنوب شرقي آسيا والتي كانت تتاجر بالتوابل، ومن الميناء انطلقت التجارة إلى شمال الخليج حيث كانت تمر في البحرين وفيلكا "الكويت" ومن هناك تتابع طريقها إلى الفرات وبادية الشام، ومن الرقة السورية تتابع إلى تدمر والساحل السوري ومنه إلى أوربا، وقد كان هذا الخط التجاري نشيطا جدا وقد أحيا المنطفة وجعلها في وضع مزدهر، وهذا ما جعل الحملات البرتغالية الاستعمارية تحاول السيطرة عليها.

لقد استطاع العرب بناء حضارة حقيقية في هذه المنطقة وصلت إشعاعاتها إلى كانتون الصينية وإلى اندونيسيا وإلى الهند، كما انثقلت إلى بلاد القوقاز وآسيا الوسطى، وآثار هذه الحضارة التي ضربت جذورها حتى أعماق العالم تمنحنا مزيداً من الدوافع لتقصيها واستنباط مكنوناتها، فالمواقع الأثرية كلها مواقع حضارية كانت قديماً وتشهد على ذلك آثار شعم، غليلة، شمل ومنطقة الغب، وأكثر المناطق الأثرية ثراء بمخزونها هي القريبة من السواحل بحكم كونها مراكز تجارية، وأقدم ما تم اكتشافه في رأس الخيمة يعود إلى حوالي أربعة الآف سنة قبل الميلاد، وكم هي كثيرة الشواهد أو الآثار التي تعود إلى 2500 سنة قبل الميلاد، وقد كنت- يقول د. التدمري- ممن تشرفوا بصيانة وترميم بعض المواقع الأثرية لحمايتها من الانهيار وأما حضارة جلفار العربية التي تتوالى اكتشافاتها فإنها أخذت هذا الاسم من موقع المدينة حيث يعني"مدخل البحر"وتسمية "رأس الخيمة" تعود إلى أكثر من خمسمائة عام ويرد هذا الاسم إلى أن أحد شيوخ قبيلة القواسم كان ينصب لنفسه خيمة في مكان مرتفع، فيرى ركاب السفن التي تعبر مضيق هرمز طرفاً منها فيقولون هذه هي رأس الخيمة وظل الاسم يتردد على ألسنة الناس حتى التصق بالمكان، ولكن اسمها القديم جلفار.

ويضيف الدكتور التدمري : وإذا كانت رأس الخيمة قد عرفت تاريخيا بالتجارة، واعتمدت أيضا على زراعة النخيل وعلى تربية الماشية، فإنها في الوقت الحاضر تعتمد مصادر غير نفطية لأن النفط فيها لا يعتمد عليه، وإنما تعتمد الامارة على ثروات أخرى إلى جانب ثروتها البشرية من المثقفين الذين يجودون يخدماتهم الجليلة على نطاق دولة الإمارات ككل، ومن هذه الثروات الأخرى صناعة الإسمنت، فهي تغطي حاجة المنطقة بشكل عام وتصدر إلى الخارج الاسمنت الأبيض والأسمنت الأسود والجص والأسمنت المضاد للاملاح والاسمنت المضاد للاملاح والاسمنت المخلوط بخلطات خاصة من أجل آبار النفط، وفيها أيضا كسارات الحجارة التي تصدر الحجارة أيضاً. وفى مكتب الدكتور التدمري التقينا على خميس المحرزي، وقد بادرنا بحديثه مفتخراً بأنه أول من أعاد الصناعات الفخارية إلى الوجود بعد انقراضها وهذه الصناعة كانت لها أفرانها قرب وادي حجيل في رأس الخيمة "جلفار" في القرن الرابع عشر الميلادي، ثم ما لبثت أن توقفت هذه الصناعة وانقرضت إلى أن قيض الله لها هذا الرجل ليقيم أول مصنع منذ عشرين سنة على سبيل التجربة والمصنع لاقى نجاحاً وبدأت منتجاته تصدر إلى الخارج حتى وصلت موسكو،وعلي خميس المحرزى برغم أنه من مسافي التابعة لاماراة الفجيرة فإنه وجد تربة رأس الخيمة صالحة تماماً لصناعة الفخاريات ولا يوجد أنسب منها.

لقد مررنا بمسافي ونحن في طريقنا إلى خور فكان، قلت للسيد على ولكن أريد أن أتعرف عليها منك، فابتسم وقال لا نعرفك إلا إذا زرتنا ووعدناه بذلك، فأخذ يحدثنا عن مميزاتها إذ إنها على منطقة في دولة الإمارات العربية وهي مشهورة أولاً بمياها العذبة التي تباع في عبوات للشرب، ومن ثم فهي مشهورة أيضا بزراعة المانجو ففيها أكثر من ربع مليون شجرة وفي بساتينها تعود بعض الأشجار إلى مئات السنين، كما أنها أيضا غنية بزراعة النخيل وفيها أطول نخلة في الإمارات، وتزرع مسافي التي يقطنها مع ما يتبعها من قرى قرابة "15" لف نسمة تزرع الحمضيات والسفر جل وغير ذلك من الأشجار المثمرة، وإذا كانت مسافي بكل هذا الجمال، فهذا طبيعي لأنها جزء من الفجيرة المدهشة بمياها ورياضها وبوديانها المعطاءة. نعم مررنا بمسافي ونحن في طريقنا إلى خور فكان حيث أمضينا يوم الجمعة هناك بين المئات ممن ينصتون وهم يتأملون عناق الجبل والماء، وفي خور فكان الجميلة بطبيعتها ميناء رئيسي للمنطقة الشرقية وبها مطار ومدارس وعدد من الدواوين الحكومية. وقببل أن نودع رأس الخيمة كانت زيارتنا إلى جمعية ابن ماجد للفنون الشعبية، والتي تضم متحفاً مهماً يشتمل على المواقع الأثرية بصورها وأسمائها وعلى بعض الأزياء القديمة وبعض اللقى والمقتنيات التراثية، وفيها مكتبة الوثائق والكتب والصور التي تؤكد عروبة الجزيرتين. وللجمعية نشاطها في اقامة المعارض ونشر بعض الكتب التي تعنى بتراث الإمارات العربية المتحدة، وعلى لوحة كبيرة في إحدى قاعات الجمعية قرأت بيتين من الشعر للبحار الشهير أحمد بن ماجد وهو من أبناء جلفار وقد حملت الجمعية اسمه يقول فيهما:

رعى الله جلفارا ومن قد نشابها وأسقى ثراها واكف متتابع
بها من أسود البحر كل مجرب وفارس بحر في الشدائد بارع

هذا عن جلفار فماذا عن دولة الإمارات العربية المتحدة اليوم، زماذا يقول ابن ماجد لو شاهدها وقد تحولت من صحراء إلى فيحاء بمعجزة الاتحاد؟

عرس في أبوظبي

وإذا كنا قد نعمنا بعض الوقت أمام عظمة التراث الصامت في رأس الخيمة، فإن التراث الحي قد جذبنا لنذهب إلى أبوظبي ونحضر ذلك العرس الجماعي الرائع لأربعة عشر شاباً تم الاحتفال بزواجهم ذلك المساء، وفي مقدمة الحاضرين كان سمو الشيخ سلطان بن زايد آل نهيان نائب رئيس مجلس الوزراء ونائب رئيس المجلس التنفيذي، حيث شمل برعاتيه الكريمة ذلك الحفل التراثي،لقد كانت العرضات التي قدمها رجال قبيلة المهرة تراثية بمعنى الكلمة من حيث الحركات المعبرة والكلمات التي امتزج فيها الفرح بالعرس مع حب الوطن الذي ينعم الإماراتيون جميعاً في ظلاله بالأمن والرفاهية.. لقد أمتعتنا كثيرا "هبات قبيلة المهرة" وهي تفرح بزواج بعض شبابها والجميل أن للزواج صندوقاً خاصاً يقدم منحة للمقبلين عليه تعينهم في نفقات العرس وتشجيع زواج المواطنين من المواطنات.

استمرت سهرتنا مع البهجة والفرح ومع النسمات التي هبت قادمة بتقاليد وعادات تراثية بمعنى الكلمة واذكر اننا قبل يوم واحد كنا في قرية زايد للتراث التي سنتحدث عنها مطولاً لأطفالنا بإذن الله فما أكثر حب الإماراتيين لتراثهم وما أوفاهم لما أورثهم الأجداد إياه.. كانت أبوظبي تبدو وكأنها سيمفونية متناغمة من الأصالة والمعاصرة، فإلى جانب محافظتها على التراث الحي أو الصامت تنهض بعمرانها لتحاكي جمال وعظمة المدن الأوربية. وكما حرصت على تطوير المكان كذلك ارتقت بالإنسان الذي يعرف كيف يتعامل مع تقنيات العصر ، وتابعنا في صباح آخر أيام زيارتنا للإمارات العربية المتحدة بين التقاط صورة وكلمة تعريف بالمكان والإنسان حتى أزف الوقت فدخلنا مطار دبي وكنت حريصاً على أن يكون مقعدي بجانب النافذة لكي لا أحرم نفسي متعتها بتلك الجوهرة التي تتلالأ ليلاً بأضوائها ويتزاحم فيها الزوار والمعجبون بما وصلت إليه، وهكذا بدأت الطيارة تحلق .. وإن ابتعدنا عن الإمارات بالمسافة إلا أن تلك الزيارة تركت في نفوسنا ذكريات لا تنسى.

 

جمال مشاعل

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات




من الشارقة إلى رأس الخيمة





من الشارقة إلى رأس الخيمة ثقافة وتراث





من الشارقة إلى رأس الخيمة ثقافة وتراث





في خورفكان حيث يتآزر جمال التخطيط الإنساني مع جمال الطبيعة





مبنى البريد والاتصال وهو موحد الشكل في الإمارات السبع





البارجيل الدائري الشكل يكاد يكون وحيداً في دول الخليج





مشهد من المسرح الذي ينشط في إمارة الشارقة





د. عبيد الهاجري المدير العام لدائرة الثقافة والإعلام في الشارقة





د. أحمد جلال التدمري مستشار سمو رئيس الديوان الأميري للدراسات والوثائق- رأس الخيمة





رأس الخيمة بين جمال الطبيعة وبساطة البنيان





المرأة الإماراتية وبوادر دخول عصر المعلوماتية





من مختبرات جامعة الشارقة الحديثة





الشيخ عصام القاسمي وعبدالعزيز المسلم يستمعان لشرح حول إعادة ترميم المباني القديمة





الأطفال في متحف الشارقة العلمي





السوق الإسلامية في الشارقة مركز اقتصادي وتحفة معمارية





الشيخ سلطان بن صقر القاسمي نائب الحاكم في رأس الخيمة





مدير إدارة التراث في الشارقة





الأسر في خورفكان تقضي أيام العطل على الشواطئ





من النصب التذكارية الجديدة والجميلة في إمارة الشارقة





من آثار رأس الخيمة التي لا تزال تحكي تاريخاً





خضار كثيرة تنتجها أرض الشارقة المعطاءة





جامعة الشارقة.. علوم وعمران إسلامي جميل





إحدى قاعات التراث في جمعية ابن ماجد- رأس الخيمة





التراث البحري الذي تحفل به متاحف الإمارات