عزيزي القارئ

عزيزي القارئ

الديمقراطية والتنوير

عزيزي القارئ...

في خضم أخبار عالمنا المضطرب، يندر أن نعثر على خبر يشير إلى عمليات إنسانية بناءة، وإذا حدث وتوافر مثل هذا الخبر، فإن أخبار الصراعات والحروب عادة ما تطغى عليه، لكننا مطالبون- من زاوية حضارية- بأن نفرد للخبر البنّاء مساحة من الاحتفاء تليق به، فثمة عرس للديمقراطية تشهده الكويت هذا الشهر، وهي تختار ممثليها البرلمانيين بحرية نادرة خارج دول الديمقراطيات التقليدية الكبيرة، وهو عرس مهدت له الكويت هذا العام بمبادرة مهمة. ففي السادس عشر من مايو الماضي، بينما كانت موجات التطهير العرقي تجتاح البشر في كوسوفا، وأنهار الفارين من الموت تتدفق بين الجبال نحو معسكرات التهجير على الحدود مع ألبانيا ومقدونيا، كانت طائرات الإغاثة الكويتية تقلع بأوامر سامية ودون جلبة ولا استثمار إعلامي لتمد يد العون لإخوة في الدين والإنسانية ألقى بهم الحظ العاثر بين مخالب وأنياب التعصب العرقي والديني في البلقان. في الوقت نفسه، فإن الإرادة السامية كانت تعد لعطاء إنساني حضاري في الداخل الكويتى، وصدر المرسوم الأميري بقانون يعطي المرأة الكويتية حقوقها السياسية الكاملة في الترشيح والآنتخاب للبرلمان والمجالس البلدية، وصادق على ذلك مجلس الوزراء الكويتى. وفي اللقاء بوفد النساء الكويتيات اللائي قدمن الشكر نيابة عن كل نساء الكويت، قال صاحب السمو أمير البلاد: "المرأة قدمت الكثير وتستحق حقها السياسي". وعلى هذا النحو، كانت مسيرة التنوير تستكمل ذاتها المضيئة في هذا البلد الصغير الذي أدرك مبكراً أن الأمم تكبر بعطائها الحضاري، والذي هو بطبيعته إنساني،وبالضرورة تنويري. فلا مبالغة في الرؤية إذا ربطت ما بين المشروع الثقافي الذي بدأ على مشارف الاستقلال الوطني في الكويت، وكانت مجلة "العربي" طليعة فيه، وبين الديمقراطية السياسية التي هي زاد النجاح الثقافي، وأخيراً يجيء القرار بإعطاء المرأة حقوقها السياسية ليستكمل هذه المنظومة الحضارية، ومن ثم فإننا نعتبر هذا القرار لانصاف المرأة قراراً ثقافياً بأبعاد إنسانية وتنويرية، نهنئ عليه أنفسنا، ونهنئ كاتباتنا اللائي لا يخلو عدد من إسهاماتهن عالمات ومبدعات، كما نهنئ قارئاتنا اللائي سيكون هذا الخبر نوعاً من التقدير الحضاري لهم، أياً كان موقعهن، وهو تقدير تستحقة المرأة: أماً وأختاً، وبنتاً، وزوجة، وقب ل ذلك وبعده كياناً إنسانياً يشكل نصف كل مجتمع، وعطاءً ينمو به النصف الآخر.

وإلى لقاء متجدد.

 

المحرر

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات