طرائف عربية

طرائف عربية

مفاجآت القدر

قدر السيف في الشهر الحرام

لقي الحارث بن كعب، وكان خوانا لا يرعى ذمة ولا عهداً غلاماً عليه ثوبان من حرير غال فسأله الحارث أن يعطيه إياهما فأبى الغلام قائلا:

- هما لي وهبة من أبي ضبة لا أفرط فيهما بعمري.

أخرج الحارث سيفه من غمده وضرب الفتى ضربة أخذت بروحه وقال:

- ها هو عمرك آخذه منك.

- وأخذ الحارث الثوبين ومضى.

وكان أن حج ضبة والد الفتى فلقي الحارث وعليه الثوبان فعرفهما فقال له:

- هل أنت مخبري عن هذين الثوبين عليك؟

قال: لقيت غلاما وهما عليه، فسألته إياهما فأبى علي فقتلته وأخذاهما.

فقال ضبة: بسيفك هذا؟

قال: نعم

قال: أرنيه فإني أظنه صارماً.

فأعطاه الحارث سيفه، فلما أخذه هزه وقال: الحديث بلا شجون. وتذكر دم ولده الذبيح فانفرط قلبه من الحزن واستنكر الغيلة والخديعة ثم ضرب الحارث فقتله.

فقيل له: ياضبه، أفي الشهر الحرام؟

قال: سبق السيف العذل.

وراحت مثلاً على مر الدهور، وفوات السنين.

عين الموت طعام لفأرة

روى السيوطي في تاريخ الخلفاء، لما اشتدت علة الخليفة الواثق واقترب من تخوم الموت، دخل عليه مستشاره إيتاخ ينظر إليه هل مات أم لا يزال على قيد الحياة؟

فلما اقترب منه نظر إليه الواثق نظرة أرعبته وأفزعته وكأنها نظرة قادمة من وراء الحياة ففزع من العين المحدقة فيه بالرعب وخرج متقهقراً بظهره فسقط على سيفه، فاندق عنقه من هيبة نظره المفارق وكأنه رأى مالا يُرى.

وبعد ساعة مات الواثق فعزل في بيت ليغتسل وقد أسبل جفناه على نظرة الرعب فجاءت فارة جائعة فأكلت عينه التي تنظر بها إلى إيتاخ فأودت بحياته.

ابن من سجدت له الملائكة

تفاخر فتيان من العرب فقال الأول:

- أنا ابن عظيم القريتين (أي مكة والمدينة)

وقال الثاني:

أنا ابن الشهيد "يقصد عثمان رضى الله عنه" .

وقال الثالث:

- أنا ابن من سجدت له الملائكة.

فزعوا واستغربوا واستنكروا فأفصح الفتى المعنى وقال:

- أنا ابن آدم عليه السلام وقد سجدت له الملائكة.

دار للصدفة القدرية

مر أحد الأدباء بدار الشريف الرضى بسامراء وهو لا يعرف أنها داره، وكان الشريف الرضي قد رحل عن الفانية الدنيا، وغادر الحياة.

كانت الدار قد أصابها القدم بعد العراقة والبهجة، يلوح على جدرانها الرسوم وتتحدث بأيام عزها ومجد أصحابها.

وقف الأديب متعجبا من صروف الزمان، وتقلب الأحوال، والعمائر مثل البشر تهجر كما يهجرون، وتبقى في ذاكرة الإنسان حكاية قديمة تثير الشجن، وتثير أحيانا الدموع.

تمثل الأديب شعر الشريف الرضي نفسه، صاحب الدار والذي لا يعرف أن الدار ملكه وانشد:

ولو ان ليلى الأخليلية سلمت

ولقد وقفت على ربوعهم

وطلولها بيد البلى نهبُ

فبكيت حتى ضج من لغب

نضوى ولجّ بعذلي الركبُ

وتلفتت عيني فمذ خفيتْ

عني الطلول تلفت القلبُ

فمر به شخص وسمعه وهو ينشد الأبيات فقال له: